شارك المقال
  • تم النسخ

الحكومة واقتصاد الحياة

ما يعيشه العالم من خسائر  قاسية  على الجانب الاقتصادي بسبب تداعيات فيروس كورونا، نتيجة الاستسلام للخوف و الاقامة في عوالم الرعب و اللا-فعل و التخلي عن الحياة الطبيعية،والانسحاب من الفضاءات العامة على اعتبار أنها فضاءات مسمومة و ناقلة للموت ، وهو ما يشكل أزمة معقدة وبتكلفة عالية المخاطر على جميع الأصعدة.

قلق غير مسبوق حول مصير العالم ، أصوات بدأت تتحدث عن الحرب العالمية الثالثة، وعن نهاية العالم الأمر الذي أنعش  خطاب النهايات بمعناها الابوكاليبسية أي الفناء و نهاية العالم .  
     الوضع الراهن هو حالة قلق عالمي، كل شئ تغير، كل شئ سيتغير، السياسة،  التحالفات،  النظام العالمي الجديد، نظام العولمة، العلاقات الاجتماعية ، القيم الاجتماعية ،الاقتصاد العالمي  .
 الازمة تجاوزت عامها الاول و كل المؤشرات تؤكد ان إنها أزمة ممتدة،  و ان الرهان على  انطلاق فعل التلقيح  كعنصر حسم لإنهاء الأزمة ، قد يكون رهانا غير مضمون لاسيما مع توالي الطفرات الجينية للفيروس .

    تجاوز الأزمة رهين بتجاوز تفافة الخوف لبناء تفافة الفعل و المواجهة مع وباء، حيث لا أحد يعرف متى سينتهي ، و حتى ان انتهي لا نعرف متى يعود ، ما دمت هناك بيئة مناسبة لإنتاج الفيروسات نتيجة الخطر البيئي الذي يهددنا جميعا .

الخوف ليس حلا ، بقدر ماهو رد فعل لا ينبغي ان لا تطول مدته ،  وإلا سيكون الأمر مكلفا للجميع  .
الوباء أصبح واقعا، ومواجهته ممكنة عبر وعي المواطن الصحي والرفع من منسوب عقلانيته ، ربما الدولة و عبر مؤسساتها حاولت ان تقوم بدور جهاز المناعة للمواطنين و النتيجة كسل و تراخي عدم تقدير و تحمل المسؤولية .

لا يمكن ان تظل السلطات العمومية تطارد الناس في الشوارع و الازقة و الدروب لكي يضعوا كمامة ،و الحل لا يعني توقيف الانشطة الاقتصادية والرفع من معدلات البطالة و تعويض العاطلين.

 ما نحتاجه ، اليوم هو دولة بمفهومها السبينوزي ، حيت  مشروعية الدولة تتحدد في تحرير المواطنين من الخوف ، وليس تعويضهم عن الخوف و الاستثمار فيه .

 الخروج من الازمة رهين بالانتصار لقيم الحياة والصمود في زمن الازمات، وليس الاختباء والتخفي  المفكر الفرنسي جاك أتالي اعتبر أن الإفلات من أكبركساد في التاريخ، رهين  بالانتقال من اقتصاد  البقاء إلى اقتصاد الحياة.  بالاختباء و الانسحاب من الفضاءات العامة، و من مجالات الانتاج  يضع الانسان في دائرة السلبية، و ينتصر لقيم البقاء و ليس لقيم الحياة .

  فالانتصار على الوباء يتحقق بالانتصار على الخوف والانتصار لقيم اقتصاد الحياة وفق رؤية  ، جاك اتالي المستشار الخاص للرئيس الفرنسي الاسبق فرنسوا ميثران ، حيث  نظر إلى الجائحة من زاوية مغايرة اعتبر أنها – الجائحة – تساهم في إعادة إحياء قيم التضامن و الغيرية الإيجابية وبناء خطاب بيئي و ايكولوجي جديد ينتصر للبيئة وللإنسان .

  الانتصار لاقتصاد الحياة رهين بالقدرة على الفعل الايجابي، من خلال  العمل على تغليب الالتزامات الاخلاقية و الانسانية على منطق الأرباح.

اقتصاد الحياة مرتبط بالاهتمام بالقطاعات الاجتماعية، لاسيما تلك التي  تكمن رسالتها في الدفاع عن الحياة، وعن كل ما يضمن الكرامة للمواطن. و يشمل جميع الأنشطة التي تتيح العيش، وتؤيد شروط الحياة خلال الجائحة والتي تسمح بالخروج من الأزمة في جوانبها الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

الخروج من الأزمة رهين بتقوية اقتصاد الحياة و ليس اقتصاد الموت و الاختباء  ، أي دعم و تقوية كل القطاعات المرتبطة  بحياة المواطن و احتياجاته الأساسية ، مثل الصحة و التعليم و الادوية و البحث العلمي و الاتصالات والفلاحة و القطاعات الإنتاجية ذات الصلة بمتطلبات المواطنين ،وبالمقابل تقليل  الاهتمام بالمجالات التي تستهلك اموالا ضخمة وتتطلب استثمارات ضخمة  لا تلامس احتياجات المواطن،او أنها موجهة ضد المواطن مثل صناعة الاسلحة و صناعة التجميل و الترفيه و الموضة و غيرها.  

مواجهة كورونا لا تتطلب الانتظار و الاختباء في انتظار التلقيح و اكتساب المناعة الجماعية ، وإنما بامتلاك القدرة على المواجهة و تدبير المخاطر و الانتصار لقيم الحياة و اقتصاد الحياة .

  العنف السيال بشوارع العاصمة في مواجهة رجال و نساء التعليم ، يكشف اننا امام حكومة عمياء، مرتبكة و فاشلة ، و انها عوض مواجهة الوباء و الانتصار للمواطن و الاقتصاد و الحياة و الإنتاج ،  فإنها تنتصر للعنف و جعلت من الاستاذ خصما .

 حكومة تخاصم المعرفة و تعادي رجالها، لاشك أنها حكومة أخطر من فيروس كورونا ذاته. 

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي