Share
  • Link copied

الحاج أحمد باريكلا يقبض الثور من قرنيه.. من المبادرة إلى الحركة

سيبقى هذا اليوم راسخا في تاريخ قضية الصحراء لانه يشكل محطة مفصلية في النزاع بالمنطقة بتحول من خيار الحرب الى خيار السلام الاستراتيجي. فشلت كل استراتيجيات الحرب و مناوراتها، و خلفت ضحايا من الطرفين دون نيل المراد من طرف جبهة البوليساريو. و ما عجزت عن تحقيقه بلعلعة السلاح في المعارك، لن تستطيع تحقيقه بوقف إطلاق النار المشروط، مهما ناورت على أعتاب الكركرات.

جمود القضية في دهاليز الامم المتحدة لعدم رغبة الجزائر في إيجاد حل عادل و دائم و متوافق عليه، سيجعل شرعية البوليساريو في موضع التساؤل. بعد مرور اكثر من 40 سنة على القضية بدون مكاسب و اشتداد معاناة اللاجئين بتندوف، تناسلت الأسئلة و تطورت أساليب الانتقاد و الاحتجاج التي أضحى من الصعب قمعها و كتمانها مع انتشار الانترنت و انخراط المدونين المستقلين في الشبكات الاجتماعية. سياسة تكميم الأقلام، انطلقت باعتقال ثلاثي التدوين محمود زيدان، الفاضل ابريكة و مولاي آبا بوزيد بتلفيق تهم الخيانة والعمالة للمغرب.

موجة الاحتقان الداخلي ستزداد غليانا بعد الموتمر الخامس عشر لجبهة البوليساريو، والذي يحمل اسم “مؤتمر الشهيد البخاري أحمد باريكلا”. و بصفته ممثلا للأمانة العامة لجبهة البوليسارويو، فقد تم اختياره، قيد حياته، ممثلا لها لدى الأمم المتحدة.

من سخرية الأقدار، أن منازعة شرعية البوليساريو كممثل وحيد للصحراويين، ستخرج للعلن مع انتهاء أشغال المؤتمر الخامس، و انتهاء تأبين الراحل البخاري أحمد باريكلا، لينبعث من داخل أسرة باريكلا من يقض مضاجع البوليساريو بتاسيس “حركة صحراويين من أجل السلام”.

الحاج أحمد باريكلا، شقيق ممثل الجبهة في نيويورك، شغل عدة مناصب سياسية ممثلاً لجبهة البوليساريو في إسبانيا. و فنزويلا، ثم مكلفا بالعلاقات مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. يتمتع الحاج احمد باريكلا بشخصية جذابة و مستقلة مكنته من كسب شبكة علاقات وازنة في كل الدول التي كان يشتغل بها.

ورغم قرابته لأحد رموز البوليساريو، فإن الرجل لا يتوارى عند توجيه النقد البناء و النقد الذاتي للممارسة السياسية والاجتماعية و العسكرية للبوليساريو. و هو ما حذا به و ثلة ممن يتقاسمون معه الفكر و المنهج لتأسيس “المبادرة الصحراوية من أجل التغيير” سنة 2017، بعد تقديم استقالته و إخراجها للعلن سنة 2015. في رسالة استقالته الذي وقع باسمه و صِفته “كمؤتَمِر غائب”، استعرض الحاج أحمد باريكلا أوجه الفساد، الأخطاء التاريخية، القبلية و المحسوبية و الزبونية، سوء إدارة الأموال و المساعدات الدولية، ليختم رسالة استقالته قائلا”و حتى لا نكون اغبياء، علينا ان لا نقبل ان تعمينا المصالح الانانية، لان لقبلية حتى و ان البسناها الحرير لن تحرر لنا الوطن ، و بها يستحيل بناء مجتمع حديث ومتسامح ومتحضر”.

الحاج أحمد الذي عانى من الإقصاء و الكولسة القبلية وجد نفسه مقصيا من جميع الهياكل التنظيمية للجبهة و” محروم من جميع الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن صحراوي، و لم أستطع حتى تجديد جواز سفري”.
توجس قيادة البوليساريو من هذه” الحركة الاصلاحية من الداخل” دفعها لشيطنتها و العزم على تصفيتها رغم أن البيان التأسيسي للمبادرة يعتبر هذا الهيئة “مجسدة تنظيميا في جبهة البوليساريو”. كان للحاج أحمد باريكلا النصيب الاوفر من حملة التشويه و السب و القذف، تلاها قمع حرية التعبير و اعتقال كل من بنتقد قيادة الجبهة بتلفيق تهمة “التخابر مع العدو”. و لم يتم توجيه اي دعوة للمشاركه في المؤتمر الخامس عشر( 2019) لرئيس “المبادرة الصحراوية من أجل التغيير” رغم أن الموتمر يحمل إسم شقيقه الأكبر البخاري أحمد باريكلا.

جريرة الحاج أحمد باريكالا هي تفكيره من خارج صندوق البوليساريو و خروجه من عباءة الجزائر و تحرره من قيودها و شروطها. في ظل الجمود الذي عرفته قضية الصحراء، اقتنعت “المبادرة الصحراوية من أجل التغيير” بالحل الثالث لحلحل النزاع وفق معادلة “رابح رابح”. في حوار مع جريدة ATALAYAR الاسبانية (2019) صرح الحاج أحمد ” الحل يجب أن يكون سياسيًا ومقبولًا بشكل متبادل. المطلوب هو التسلح بالشجاعة والتفكير والتصور و “أخذ الثور من قرونه” كما يقول المثل ألاسباني”.

عدم اعتراف البوليساريو “بالمبادرة الصحراوية من أجل التغيير” و مهاجمتها و التضييق عليها و إقصائها من حضور فعاليات موتمرها الخامس عشر، فوت عليها فرصة ثمينة لاحتواء الانقسام الداخلي، عجلت وأد المبادرة و ولادة “حركة صحراويين من أجل السلام “. و هي الرسالة التي تلتقطها البوليساريو من حوار الحاج أحمد باريكلا مع ذات الجريدة الإسبانية ATALAYAR، حين صرح “إن المبادرة الصحراوية من أجل التغيير، اذا لم تجد موضعا في بوليساريو ديمقراطي ،كتيار معترف به ،فليس امامها الا أن تثبت نفسها كمرجع آخر للشرعية ممثلا للشعب الصحراوي”.

البوليساريو، التي أعلنت نفسها جمهورية من جانب أحادي سنة 1976 وغير معترف بها من طرف الامم المتحدة، لا تعترف بالاحزاب و الجمعيات و النقابات المستقلة عن التنظيم لكونها نظاما ستالينيا مغلقا يحتكر العمل السياسي ويقوده بنفسه. منذ بداية نزاع الصحراء، تعتبر البوليساريو الممثل الشرعي الوحيد للتفاوض مع المغرب لإيجاد حل لقضية الصحراء. لكن هذه الشرعية التي استمدتها بوليساريو التأسيس من الحرب لن تدوم بعد خروج عدة أطراف تنازعها هذه الصفة.

ولنفس الغرض أسس المغرب “المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية CORCAS” الذي شارك في مفاوضات مانهاست 2007. و لنفس الغاية، قام المغرب بإشراك المنتخبين الصحراويين في المفاوضات لكونهم يستمدون تمثيليتهم من شرعية نتائج الاقتراع التي تعترف الأمم المتحدة بتنظيم المغرب لها بشفافية في أقاليم الصحراء.

سحب شرعية تمثيل الصحراويين من البوليساريو، لا يمكن أن تنجح إلا بفرض مزيد من الحرية و الديمقراطية في المخيمات و كشف المزيد من الجرائم و الاختلالات.

وبعد استكمال الهيكلة بالداخل و الخارج، وبانعقاد المؤتمر التأسيسي لحركة صحراويين من أجل السلام، يكون الحاج أحمد باريكلا قد قبض الثور من قرنيه.

Share
  • Link copied
المقال التالي