شارك المقال
  • تم النسخ

الجوز.. الشجر الذي عوض به الله واحة مڭون بالجنوب الشرقيّ للمغرب عن أشجار النخيل

إذا كان الله قد حبا أغلب واحات الجنوب الشرقي بالنخيل الذي يعتبر رمزها ورأسمالها الطبيعي المميِّز، فإنه عَوض واحة مكون بالتين والجوز الذي يبلغ عدد أشجاره بالواحة حسب إحصائيات المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي فرع قلعة مكونة ما مجموعه 3420 شجرة، وهو ما يجعله جزءا من ثقافة الواحة وتراثها.

1- غرس الجوز في واحة مكون

يطلق على الجوز محليا سواء بالنسبة للأشجار أو الثمار اسم “دُّوج”، والذي كما أسلف، ومن خلال المعاينة الميدانية، يتضح أنه من بين الأشجار المثمرة الأكثر انتشارا في الواحة والركيزة الأساسية التي يعتمد عليها الفلاحون في مدخولهم السنوي.

تعتبر الفترة الممتدة من يناير إلى أواخر مارس الفترة المثالية للغرس، إذ على عكس ما يعتقده البعض، فإن زراعة “دُّوج” تتم عن طريق دفن حباته في التربة وليس بالشتائل، مع مراعاة أن يكون الجزء الذي تلتصق به الحبة على الشجرة نحو الأسفل وشريطة أن تكون سليمة وغير مسوسة.

حسب روايات فلاحي المنطقة ، فإن منهم من يفضل نقل الشتلة بعد ذلك؛ مباشرة بعد خروجها من الأرض إلى مكان آخر وهناك من يستحسن بقاءها في مكانها الأصلي.

يطلق على شجرة الجوز في “مرحلة الطفولة” اسم “تافروخت” والتي تعني في مناطق أخرى النخلة، وكأن سكان الواحة بإطلاق هذا الاسم عليها يعترفون بأنها الشجرة التي تحل محل النخلة المنتشرة عند جيرانهم من تودغى وسكورة وغريس.

في هذه المرحلة التي تمتد لأكثر من خمس سنوات يكون إنتاج الشجرة ضعيفا إن لم نقل منعدما، قبل أن تدخل مرحلة الخصوبة التي يتراوح فيها معدل الإنتاج حسب المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بقلعة مكونة بين 10 و12 كيلوغراما للشجرة الواحدة، وتستمر فترة الشباب والقوة هذه لعقود من الزمن قبل أن تدخل الشجرة “سن اليأس” والشيخوخة، حيث عاينا في بلدة أكوتي أشجارا يقول أصحابها إن عمرها يفوق المئة سنة، والتي يلاحظ أن إنتاجها ضعيف جدا ولا يتجاوز بضع حبات، ما يدل على أنها في خريف العمر وفي طريقها لتكون حطبا للتدفئة أو تحول إلى فحم للطهي.

2- جني الجوز المكوني

تبدأ أشجار الجوز البالغة سن العطاء بالإزهار في شهر مارس مطلقة عناقيد تشبه حبوب الشاي، وتدوم فترة نمو الثمار لأشهر قبل بداية شهر شتنبر الذي يعتبر التاريخ الفعلي لبدء جني الجوز بواحة مكون، إلا أنه في الآونة الأخيرة ونظرا للحاجة المادية الملحة للسكان فإنهم يستعجلون جنيه منذ العشر الأواخر من غشت، حيث صرح العديد منهم أن لا بأس في ذلك.

تتم عملية الجني التي تسمى “أسوس” أو “أسدودي”، إما من طرف المالكين أنفسهم أو من قبل عامل يسمى”أمسوس” أو”بو وسد ودي” يتم استئجاره بمبلغ 350 درهما للشجرة الواحدة أو بكمية من الجوز قد تفوق قيمتها المبلغ المسلم له نقدا(أي 350 درهما)، وفي حالة كان المحصول وفيرا ومالك الأشجار سخيا فإن” أمسوس” يتسلم إضافة إلى المبلغ المالي المذكور كميات مهمة من الجوز.

يُضرب على شجر الجوز أثناء الجني بعصا تسمى”أغروي”أ و “أمعراض”، ويشترط فيها أن تكون متينة حتى لا تنكسر بسرعة وفي نفس الوقت خفيفة كي لا تفقد “أمسوس” توازنه فيقع من على الشجرة، لذلك فإن أهالي مكون يجدون هذين الشرطين متوفرين في عصي أشجار “تسمليلت” المنتشرة على طول الأودية.

يتكلف بعملية التقاط الثمار المتساقطة من الأشجار أشخاص يسمون” أيت ألقاط”، أي أهل أو أصحاب الالتقاط، وهم إما أفراد من العائلة المالكة أو أشخاص يتم استئجارهم لهذا الغرض.

3- أنواع الجوز بواحة مكون

ينقسم الجوز المكوني إلى نوعين رئيسيين؛ الأول يسميه الأهالي “السفري” أو “المقشر”، ويبدو أنه سمي كذلك لسهولة تقشيره، كما أن أشجاره تكون هشة وتنكسر بسرعة، مما يتطلب أخذ الحيطة والحذر عند تسلقها بهدف الجني، أما النوع الثاني فهو “المسلوغ”(أي الملتصق)، نظرا لالتصاق القشور بلبه وصعوبة تقشيره والفصل بينهما(بين اللب والقشور).

ينفرد هذا النوع الثاني ب”بخله وشحه” على الفلاحين، إذ يضيع جزء كبير منه مع القشور التي يأبى الانفصال عنها، ما يسبب عناء حقيقيا للنساء اللواتي يتكلفن بتقشيره، لذلك فإن المكونيين يطلقون عليه أيضا اسم “المشحي” أي الشحيح.

تقول الروايات الشفوية في واحة مكون؛ إن الجوز يزداد جودة كلما اتجهنا نحو المناطق الأكثر برودة(أي نحو أوزيغمت) وتنخفض كلما انحدرنا نحو المناطق “الحارة”(أي نحو قلعة مكونة)، ومرد ذلك حسب ذات الروايات أن الثلج والبرد يعتبران بمثابة “ذكر” يخصب الجوز ويرفع من جودته ومذاقه.

أما عن الطريقة التي يتم بها التمييز بين الجيد من الجوز وغيره، فيقول إ، أيت بن عمرو فلاح من أكوتي؛ “إن الجوز ذي اللب الأبيض اللون المنتشر بخاصة في منطقة أوزيغمت هو الأجود، والمتميز بخفة وزنه لقلة نسبة الدهون فيه، بينما كلما اتجهنا نحو سافلة الواحة إلا ويبدأ الوزن بالارتفاع والجودة بالتراجع واللون بالتغير إلى الأحمر الأجوري”.

يحمل الغُصين الواحد (تاشلاّبوت وجمعها تيشلّوبا) حبة جوز واحدة، فتسمى في هذه الحالة “تفرديت” أي المنفردة، كما قد يحمل حبتين إلى ثلاثة ملتصقة ببعضها البعض، وهو الذي يسمونه”المزدي” أي المترابط أو المتماسك(المتلاصق).

إذا كان الفلاحون في الواحات التي ينتشر بها النخيل يدعمون عروشها بدعامات لمنع انكسارها وضياع التمر بسبب وزنه الثقيل، فإن فلاحي مكون يدعمون هم أيضا فروع أشجار الجوز أثناء فترة الحمل بوضع دعامات من الأسفل تسمى الواحدة منها “تاسلْلْت” لمساعدتها على تحمل الوزن الثقيل والحيلولة دون انكسارها.

– أسماء عناصر الجوزة عند “المكونيين” دليل على أصالة الجوز وتجذره بها

مما يدل على أن زراعة الجوز” ثقافة مكونية متجذرة”؛ إلمام المكونيين بأدق التفاصيل المرتبطة به، إذ من العجيب حقا أننا صادفنا في بلدة أكوتي فلاحين يستطيعون التمييز بين حبات أشجارهم التي تعد بالعشرات تماما كما يفرقون بين أبنائهم، حيث قمنا بتجربة قطف ثمار من أشجار مختلفة في ملكية أحدهم ثم عرضها عليه، فتمكن بسرعة من تحديد موقع الأشجار التي اقتطفت منها هذه الثمار كل واحدة على حدة!

أما “القاموس اللغوي المكوني” فيشرِّح حبة الجوز التي تسمى “تادّوجت” جزءا جزءا ويعطي لكل عنصر منها اسما خاصا، فاللب كاملا أو النواة تسمى”أدريم” والغلاف الخارجي الأخضر يسمى “لمسواك”، في حين تسمى القشرة الصلبة المحيطة باللب”إفركي” وجمعها”إفركان”.

ولم يدع أهل مكون كبيرة ولا صغيرة في حبة الجوز إلا سموها، فاللب(أدريم) نفسه، يتكون من أربعة فصوص يفصل بينها “صفاق” يدعى “إغس”(أي العظم) والفص الواحد يسمى “أدينار”، وفي حالة سحب فصين ملتصقين من بطن الجوزة، فإنه يطلق عليهما اسم”تغرارت”.

5- التقشير، التخزين والبيع

هناك من المكونيين من يقوم بتقشير الجوز مباشرة بعد جنيه، حيث تكون عملية التقشير سهلة، لأن الثمار ما تزال حينها محتفظة بمائها، وهناك من يؤجل تلك العملية إلى حين، وفي هذه الحالة، فإنه سيضطر إلى وضعه في الماء لأكثر من يوم لتسهيل تقشيره.

يطلق على عملية إزالة الغلاف الخارجي للجوزة اسم”أفراش” أو “أسفرش”(بتفخيم الشين) وهذه العملية تسبق عملية التقشير النهائية التي تفصل فيها النوى عن القشور.

يخزن الجوز غير المقشر عند أهالي مكون في أماكن بعيدة عن الشمس، لأن تعرضه لأشعتها يؤدي إلى تشققه وولوج النمل(العدو الأول للجوز) إليه وبالتالي تلفه، كما أنه ينبغي تقليبه وتحريكه بين الفينة والأخرى حتى لا يتعفن.

يباع أغلب الجوز المكوني محليا، إذ مع بداية موسم الجني يقصد الواحة تجار قادمون من مراكش وأكادير ومكناس…حيث تصطف الحافلات الصغيرة والشاحنات لنقل هذه الثروة الواحية نحو وجهات أخرى.

ولأن معظم المحصول يباع غير مقشر، فإن”أفوس”(أي اليد أو الكف) هو الوحدة المعتمدة أثناء البيع، وتعادل هذه الوحدة عشر جوزات، خمس في الكف الأيمن ومثلها في الأيسر، ويتراوح ثمن”أفوس” بين درهم إلى ثلاثة دراهم حسب المواسم.

6- استعمالات “فضلات” الجوز عند المكونيين

لا نبالغ إذا قلنا بأن كل شيء في الجوز صالح للاستعمال، فغلافه الخارجي(لمسواك)، تستعمله النساء المكونيات لصباغة الصوف عن طريق وضعه في ماء مغلي ووضع الصوف فيه، أما قشوره الصلبة(إفركان) فتستعمل وقودا للطبخ، إذ تتميز بقدرة خارقة على البقاء مشتعلة لمدة طويلة إلى درجة أن أحد الشيوخ المكونيين يشبهها(القشور) ب”ليصانص” أي البنزين.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي