Share
  • Link copied

الجباري مدافعا عن الريسوني حول زيارة القدس.. لامجال للتخوين

عبد الله الجباري*


نشر الدكتور أحمد الريسوني رأيه في زيارة القدس الشريف. وهو رأي رآه منذ مدة. وأعلنه مؤخرا. مع بعض مرتكزاته وأسسه التي بنى عليها وجهة نظره. وعضد بها فكرته. وكعادة مواقف الريسوني المفاجئة. فإنها تلقى في الساحة مؤيدا ومعارضا ومغرضا. وهو ما وقع مع رأيه المشار إليه.


أولا. الريسوني والقضية الفلسطينية


عاش الريسوني مع القضية الفلسطينية منذ فترة العلو القومي. وكتب عن فلسطين. وحاضر عن قضيتها. وأنفق جزءا من ماله في سبيل خدمتها. ودعا إلى الإنفاق لدعمها. وقال ميسرا لمن يشكك في وصول الأموال إلى أصحاب القضية ما معناه: أعطوا الأموال حتى تصل من ثقة إلى ثقة.


هذه قضية فلسطين كل فلسطين عند الريسوني. أو هذا هو الريسوني بالنسبة إلى فلسطين. لذا. فإنه لا داعي للمزايدة عليه في هذه القضية الكبرى التي عاش معها وعايشها. واهتم لها وبها. فالأمر واضح لا يحتاج إلى توضيح.


ثانيا. الريسوني والتطبيع


بالموازاة مع نصرة القضية. كان الريسوني على وعي تام بالمخاطر التي تهددها. وأخطرها التطبيع مع الكيان الغاصب. لذا كان يواكب العمليات التطبيعية. ويبين خطرها على فلسطين والأمة. ومنها مؤتمر الأئمة والحاخامات المنعقد في بروكسيل بداية الألفية. والذي حضره رموز من المسلمين وبعض الحاخامات اليهود بهدف تطبيع التطبيع. 


لم يفوت الريسوني هذا اللقاء. وكتب عنه محذرا من خبيث مقاصده. وعنون مقاله بعبارة ساخرة: مؤتمر الحاخامات. مؤتمر خاب ومات. كتب هذا المقال في الوقت الذي كان علماء آخرون يستفيدون من علاقات سرية. ويضخمون أرصدتهم البنكية.


وفي 2018. عبر عن في حوار له مع إحدى الجرائد أن التطبيع مسألة حياة أو موت بالنسبة للصهاينة. بمعنى أن وجودهم مرتبط بالتطبيع. وعدم التطبيع هو زوالهم الذي يعانون من فوبياه. لذا قال عنهم بأنهم في محنة إلى حين الزوال.


أي نعم. الريسوني يتحدث عن زوال إسرائيل. وهي كلمة ترتجف منها أفئدة كثير من علماء الفقه والمقاصد الذين ربطوا بين الدرهم والشريعة ولم يتركوا بينهما أدنى انفصال، ناهيك عن اعتباره المجتمع الصهيوني مجتمع اللقطاء.


وفي نونبر 2018. أرسل إلى إسماعيل هنية رسالة أكد فيها رفضه لكل أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يعد قبولا وترحيبا بالاغتصاب والقتل والتشريد. ويشكل مكافأة للمعتدين الصهاينة المجرمين.


هذا كلام الريسوني وهذه عباراته ومواقفه. أسطرها هنا لتذكير من يتصيد الفرص لطعنه من الخلف. مثل قناة العربية الرائدة في صهينة الأمة العربية. 


ثالثا: زيارة القدس


أبدى الريسوني رأيه في زيارة القدس دعما لها ولأهلها. وهو رأي مخالف لتوجه حركة حماس. ومخالف لرأي يوسف القرضاوي الذي أبداه سابقا. ولقي ترحيبا من قبل كثير من الإسلاميين والقوميين. والحقيقة أن الرأي المؤيد والمعارض لزيارة مدينة السلام تاج المدائن. كلاهما مؤسس على المصلحة والمفسدة والموازنة بينهما. ورأي كهذا من الصعب جدا أن نجزم بتخطئة أحدهما وتخوين صاحبه. فالرأي المعارض للزيارة الرافض لها ينبني على مصالح معينة للمدينة والقضية، والرأي المؤيد للزيارة يؤسسه أصحابه على ما يعود على المدينة وأهلها من مصالح ومنافع.


لا مجال للتخوين


ورأي الريسوني له وجاهة واعتبار. وقد رأيت مؤخرا تظاهرة بباحات الأقصى يشارك فيها أتراك بعلمهم الوطني ضد الاحتلال. وهذه المشاركة دعم للقضية بلا شك. وقد يتخذ المسلمون ومعارضو الصهيونية زيارتهم إلى هناك وسيلة لنصرة القضية بغير الطرق التي ألفوا من خلالها نصرتها في بلدانهم. كالقيام بعمليات دهس يتدربون عليها في مدنهم. أو الطعن بالسكاكين. أو على الأقل شراء المنتوجات اليدوية للمقدسيين ودعم اقتصادهم الهش.
قد يقول قائل: إن الدعم المادي يتحقق بإرسال الأموال دون الأبدان. وهذا صحيح. وقد يكتفي به البعض. لكن هناك من لا يقنع بذلك. وهناك من يجد مسوغات كثيرة لبيان جدوى الزيارة. وعموما. فللرأيين مؤيدون ومعارضون من أبناء فلسطين. ومن أهل القدس الشريف.


من خلال ما سبق. يتبين أن الريسوني يعارض التطبيع مع الكيان الغاصب. ويؤيد الزيارة إلى القدس. فهل بين الأمرين تناقض؟


رابعا: هل زيارة القدس تطبيع؟


حاولت قناة العربية أن تخلط الأوراق. وقامت بالتلبيس على المواطن العربي من خلال تغطية منشورة اليوم في موقعها الإلكتروني. وذلك بالإحالة على رأي صادر عن الريسوني سنة 2015 حرم فيه التعامل الاقتصادي مع إسرائيل. معتبرا أن اقتناء سلعه وترويجها يعد دعما للاحتلال والعدوان. وزعمت أن الريسوني تناقض مع رأيه السابق حين أباح زيارة القدس.


وغني عن البيان أن زيارة القدس ودعم أهلها مشرق. والتعامل الاقتصادي مع إسرائيل مغرب. يوضح ذلك ويجليه أن الريسوني نفسه ميز بين زيارة القدس وزيارة القدس. حيث منع زيارتها تحت يافطة وزارة خارجية العدو. أو من أجل دعمه والدعاية له. وأباح زيارتها لدعم الفلسطينيين المرابطين هناك. ومن خلط بين الزيارتين وجعلهما واحدا فليس لبلادته دواء.


خامسا: إشكالات


يستشكل البعض في زيارة القدس مسألة وضع خاتم العدو في الجواز. وهذا مسوغ قائم. لكنه جزئي وهامشي. ونتعامل معه بمنطق الضرورة. خصوصا أن المقدسيين أعداء إسرائيل يستعملون الجواز الصهيوني بالخاتم الصهيوني. ونظير ذلك أن كثيرا من المغاربة يعتقدون أن الإسبان محتلون لسبتة ومليلية. ومع ذلك يقدمون جوازاتهم لقوات الاحتلال لوضع خاتمها عليها. دون أن يعترفوا بحق اسبانيا في الثغرين المذكورين. فهل نمنع زيارة المدينتين؟


هذه بعض الملاحظات والإلماعات. آثرت التعريج عليها لبيان خطأ من بالغ في الكلام. وأفرط في إصدار الأحكام. وبقيت مسألة أثيرها في الختام. وهي البيان الصادر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. الذي تبنى الرأي المخالف لرأي رئيسه. وهذه فضيلة ما بعدها فضيلة. حيث لا استبداد للرئيس. وحيث لا يتماهى الأعضاء مع السيد الرئيس. فأظهر الاتحاد أنه مؤسسة قائمة على التشاور والنقاش. وليس على الفرض والإلزام. وهو ما غاب ويغيب عن كثير من الهيآت.

*باحث في الفكر الإسلامي

Share
  • Link copied
المقال التالي