Share
  • Link copied

التقارب الإيراني المغربي بين السياقات والتوقعات

أشارت بعض التقارير الإعلامية مؤخرا عن وجود محاولات لتحقيق تقارب في العلاقات المغربية الإيرانية، على شاكلة التقارب السعودي الإيراني في ظل التغيرات التي تعرفها الساحة السياسية العالمية المتمثلة بالخصوص في الحربين الدائرتين في منطقتين استراتيجيتين تتمثلان في أوربا من خلال الحرب الروسية الاكرانية وحرب غزة ولبنان في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.

1-مؤشرات التقارب المغربي الايراني

تميزت العلاقات الخارجية بين المغرب وإيران بعد الثورة بالتوتر الحاد وصل إلى تكفير الملك الحسن الثاني للامام الخميني بعد اتهام المملكة للسلطات الايرانية بتصدير ثورتها ونشر التشيع بين أوساط المغاربة بالإضافة إلى اتهامها بالمشاركة في أحداث شمال المغرب في الوقت الذي كان ينعقد فيه مؤتمر للدول الإسلامية بالرباط.غير أن مما زاد من هوة الخلاف هو التحالف السياسي للجزائر مع إيران في إطار التنافس الإقليمي المغربي الجزائري . وبالتالي ، فبعدما عرفت العلاقات الثنائية نوعا من الانفتاح بعد تولي الملك محمد السادس الحكم ، في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي والتي أثمرت حضورا دبلوماسيا وثقافيا إيرانيا ومغربيا نشيطا في كلا البلدين، أدى التوتر بين البلدين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية يوم 11 مارس 2009، بسبب وقوف المغرب إلى جانب البحرين بعد إعلان مسؤولين إيرانيين أن البحرين عبارة عن محافظة إيرانية. حيث ظلت العلاقات الدبلوماسية شبه مقطوعة بين البلدين إلى أن قدم سفير ايران لدى المغرب أوراق اعتماده للحكومة المغربية في سنة 2015، بينما قدم السفير المغربي الى طهران أوراقه بعد ذلك منهيا القطيعة الدبلوماسية بين البلدين والتي استمرت 7 سنوات. لكن سرعان ما عادت العلاقات بين البلدين للتوتر، إذ بتاريخ 1 ماي 2018 قام المغرب بقطع علاقاته مع إيران بسبب تسهيل هذه الأخيرة عمليات إرسال الأسلحة والدعم العسكري من جانب طهران لجبهة “البوليساريو”. حيث صرح وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة ” أن الرباط طلبت من السفير الإيراني المغادرة بعد حصولها على معلومات كشفت دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا قدمه الحزب للبوليساريو.وبيّن الوزير في اتصال مع قناة الجزيرة أن أسباب القرار مرتبطة بتهديد الأمن الوطني للمملكة المغربية وتهديد المواطنين المغاربة من خلال أدلة دامغة ومعطيات دقيقة توفرت لدى المغرب، تثبت أن حزب الله قام وبتنسيق من سفارة إيران في الجزائر بتقديم كل المساعدات لجبهة البوليساريو لتكوين قيادة عسكرية، وتدريب عناصر من الجبهة على الحرب فضلا عن تسليمها أسلحة.” وبيّن أن هذه المعطيات قد تم تقديمها إلى نظيره الإيراني جواد ظريف في العاصمة طهران، إلا أنها لم تلق أجوبة بشأن هذه الأدلة، مشيرا إلى أنه كان لا بد من رد حازم تجاه هذا الدعم العسكري. وطبقا لذلك ، فقد قرر المغرب استدعاء سفير المملكة في إيران، وإغلاق السفارة المغربية في طهران. وعلى الرغم من قطع المغرب لعلاقاته مع إيران ، فقد حاولت هذه الأخيرة أن تعيد علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، حيث كانت لا تفوت فرصة أي مؤتمر أو لقاء دولي أو إسلامي، إلا وتحاول التواصل مع وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، لفتح صفحة التفاهم والمفاوضات، لكن لحد اليوم لم تتم الاستجابة لهذه المبادرات ولم يتم أي تواصل بشكل رسمي. ومع ذلك ، فقد واصلت السلطات الإيرانية التعبير عن نواياها الحسنة ، حيث وجه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني تهنئة إلى الشعب المغربي بمناسبة بلوغ المنتخب الوطني ربع نهائي بطولة كأس العالم 2022 المنظمة بقطر. حيث نشر المسؤول الإيراني، ؛ تغريدة على تويتر، ذكر فيها: “بكل سرور نبارك للشعب المغربي الكريم فوز منتخبه الوطني وتأهله إلى ربع نهائي المونديال كما نهنئ اللاعبين والجهاز الفني متمنيا لهم النجاح في المراحل القادمة”. بالإضافة إلى ذلك ، فقد سبق لوزير الخارجية الإيراني الأسبق، حسين أمير عبد اللهيان، الذي قضى في حادثة “طائرة رئيسي”، أن عبر عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع المغرب. في حين أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن “تاريخ علاقات طهران مع الرباط واضحة، ولم تتخذ إيران أبداً المبادرة لقطع الروابط مع المغرب”. مشيرا بأن “إيران ترحب دائماً بتحسين العلاقات مع الدول على أساس مبادئ الحكمة والشرف، مع مراعاة مصالح البلاد والمنطقة”.

2- سياقات التقارب المغربي الايراني

يبدو أن هناك مجموعة من المستجدات الدولية والإقليمية تدفع إلى توقع تقارب بين البلدين تتمثل بالأساس في التقارب السعودي الإيراني الذي يمكن ربطه بتغير الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك تطبيع العلاقات بين إيران وبعض الدول العربية، والتحولات الجيو-سياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبالتالي فعلاقات المغرب الاستراتيجية اقليميا مع دول الخليج وتحالفه الوثيق مع كل من السعودية والإمارات تلعب دورًا هامًا في تحديد طبيعة العلاقات مع إيران. ولعل هذا ما يفسر تواصل اللقاءات والمشاورات بين المغرب وإيران بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ أكثر من ست سنوات. فبعد زيارة مبعوث إيراني رفيع المستوى للرباط بشكل سري مرفوقا بوسطاء من السعودية والامارات استضافت العاصمة السعودية الرياض جولة جديدة من المحادثات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، بمشاركة وسطاء سعوديين وإماراتيين. مما يعكس سعي إيران للتقارب مع المغرب كجزء من إعادة تموضعها الاستراتيجي داخل العالم الإسلامي، خصوصا بعد استئناف علاقاتها مع السعودية بوساطة صينية في مارس 2023، والتي مثلت نقطة تحول في استراتيجيتها الإقليمية، خاصة في ظل تدهور علاقاتها مع الجزائر. ولعل هذا التراجع في علاقاتها مع الجزائر يعتبر عاملا أساسيا قد يدفع بالتقارب المغربي الإيراني خاصة في ظل العزلة الدبلوماسية التي تعيشها الجزائر .أما على صعيد المتغيرات الدولية ، فيبدو أن مساعي إيران للتقارب مع المغرب يحكمها حاليا سياق عودة ترامب إلى سدة الحكم بالولايات المتحدة وموقفه المتشدد فيما يتعلق بعلاقاته مع طهران والتي تمثلت بالأساس في تعيينه لكاتب الدولة في الخارجية الأمريكية المعروف بتشدده اتجاه إيران وتحجيم طموحها النووي.وبالتالي تسعى الدبلوماسية الإيرانية إلى تطبيع علاقاتها الخارجية خاصة مع حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي سواء بالخليج من خلال المملكة السعودية والامارات العربية المتحدة أو بشمال افريقيا من خلال المملكة المغربية.

3- توقعات التقارب المغربي الايراني

على الرغم من كل هذه المؤشرات السياسية والمتغيرات الدولية والإقليمية السالفة الذكر ، فهناك اختلاف بين المتتبعين والمراقبين حول إمكانية حصول تقارب دبلوماسي بين البلدين: فهناك من يستبعد التطبيع الإيراني المغربي نظرا لأن المقاربات المغربية تجاه العديد من الملفات الدولية والإقليمية تتعارض مع طبيعة السياسة الإيرانية، وبهذا الصدد أوضح الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر البراق شادي عبد السلام، ، بأن “الحديث عن تقارب دبلوماسي مغربي-إيراني أمر مستبعد على المستوى القريب والمتوسط على الأقل، فلا توجد حاليًا نقاط توافق مشتركة يمكن أن يعتمد عليها الطرفان لإطلاق حوار سياسي ينهي عقودًا من التجاذبات الدبلوماسية والتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي المغربي التي انتهت بالقطيعة التامة كقرار استراتيجي مغربي لوقف الأجندة الإيرانية التخريبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”. مؤكدا بأن “المملكة المغربية في إطار عقيدتها الدبلوماسية واضحة المعالم والملتزمة بالقانون الدولي وبسيادة الدول وباستقلالية قرارها السياسي، لا يمكن أن تقبل بتعاون سياسي مع نظام يبني عقيدته الدبلوماسية على إفشال الدول واستراتيجية تصدير الثورة وتسليح وتدريب وتمويل الميليشيات المسلحة لإحداث فراغات أمنية تساعد نظام الملالي في طهران على تحقيق التوسع العسكري والهيمنة الجيو-سياسية كما حدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة، حيث تحولت هذه البلدان إلى خطوط دفاعية تستخدمها طهران لحماية وتأمين البر الإيراني وإبعاد المواجهات العسكرية عنه”. في حين يرى الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي جواد القسمي أن “الحديث عن وجود مشاورات من أجل بحث إمكانية استئناف أو عودة العلاقات المغربية-الإيرانية، يأتي في سياق متغيرات دولية وإقليمية عديدة. فمن جهة، يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته كفاعل دبلوماسي مرن وقادر على بناء شراكات متجددة تخدم مصالحه الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، تبحث إيران عن توسيع شبكة علاقاتها الدولية في ظل العزلة التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية، من خلال الاستفادة من دور المغرب ومكانته في شمال إفريقيا وعلاقاته المتميزة مع الكثير من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا”.مضيفا بأن “هذا التقارب المحتمل يمكن ربطه كذلك بتغير الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك تطبيع العلاقات بين إيران وبعض الدول العربية، والتحولات الجيو-سياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي قد تدفع كلا الطرفين إلى إعادة تقييم مواقفهما الاستراتيجية، عملاً بمقولة: لا عدو دائم ولا صديق دائم، التي تعد من أهم مبادئ الواقعية السياسية التي تشير إلى كون العلاقات الدولية تتغير باستمرار بناء على المصالح المتغيرة للدول ، فإيران حاليا تحاول لحد ما تطبيع علاقاتها مع بعض الدول التي قطعت معها فيما مضى علاقاتها الدبلوماسية” .وفي خضم هذا الخلاف، يمكن االاستناد إلى مجموعة من المحددات التي يمكن أن يبنى عليها أي تقارب بهذا الشأن والمتمثل في:

  • البرجماتية السياسية التي تميز الدبلوماسية المغربية قد تدفع في اتجاه تقارب مغربي إيراني . ففي إطار حرص المملكة على سيادة قرارها السياسي وعملها على تعدد وتنوع علاقاتها الدولية، فهي تكرس لسياسة الانفتاح على الجميع، وهو ما يبرز من خلال علاقاتها بروسيا وغيرها من الدول التي تبقى في منافسة وصراع دائم مع أمريكا. كما أن التقارب مع إيران قد يساهم بل شك في ضمان نوع من التوازن في العلاقات بين كل من إسرائيل وإيران ، حيث يؤدي ذلك إلى تفنيد الانتقادات التي وجهت من طرف الجزائر باتهامه لفتحه المنطقة أمام النفوذ الإسرائيلي -إمكانية الاستجابة الايرانية للشروط المغربية التي سببت القطيعة بين البلدين، وعلى رأسها توقف إيران عن أي دعم مباشر أو غير مباشر لجبهة البوليساريو، مع ضمانات إيرانية بعدم التدخل الديني في المغرب وعدم القيام بأي أنشطة مذهبية فيه.
  • العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها الجزائر قد تدفع إلى تطبيع العلاقات مع إيران وتحييدها من أي دعم للقوات الانفصالية بشكل يذكر باتفاق وجدة الذي حيد به الملك الحسن الثاني دعم نظام القذافي لجبهة البوليزاريو في سنة 1984.
  • التطبيع مع إيران أو التلويح به قد يمنح موقعا متميزا على مستوى الساحة الدولية وورقة مهمة للتعامل مع إدارة ترامب خاصة ما يتعلق بالاسراع بفتح القنصلية الامريكية بالداخلة. إذ من المستبعد أن تنظر الولايات المتحدة بعين الرضى إلى أي تقارب بين طهران والرباط، خاصة وأن ترامب وباقي مساعديه والساسة الذين سيعينهم لتولي تدبير شؤون البيت الأبيض خلال الأربع سنوات القادمة؛ وعلى رأسهم كاتب الدولة في الخارجية ماركو روبيو (وزير الخارجية)، لهم جميعا نظرة متشددة للتواجد الإيراني في شمال إفريقيا.
Share
  • Link copied
المقال التالي