فرض على المغرب تبني خيار التعلم عن بعد، كأجراء احترازي من تداعيات انتشار جائحة كورنا، في محاولة لضمان استكمال التحصيل الدراسي. وهكذا أعلنت وزارة التربية الوطنية يوم 14 مارس من سنة 2020 توقيف الدراسة بكل أسلاكها، وكانت الانطلاقة من باب الاجبار، وخيار لا محيد عنه وفي محاولة التأقلم مع هذ الوضع الاستثنائي وانقاد ما يمكن انقاده من الموسم الدراسي وضمان الاستمرارية البيداغوجية، ابتداء من يوم الاثنين 16 مارس 2020.
فعمدت الوزارة في هذا الإطار، إلى إطلاق مجموعة من المنصات الرقمية، وإدراج حصص دراسية لمستويات مختلفة ضمن قنوات القطب العمومي. الامر الذي بدا منذ الوهلة الأولى مرتجلا خاصة في غياب شبه تام لقضية الكفايات الرقمية والتقنية بالنسبة للمدرسين، التي تمكنهم من التفاعل بشكل إيجابي مع التعلم عن بعد، وضمان الاستمرارية البيداغوجية. ونفس الشيء بالنسبة للمتعلمين الذين يفقتدون للكفايات الرقمية، ومعرفتهم بمجال الرقمنة تكاد تقتصر على مشاهدة مقاطع الفيديو والصور وكتابة التعليقات وتصفح المنتديات الاجتماعية.
اليوم وبعد مرور سنة على تبني التعليم عن بعد، فقد تبين انه يكرس للفوارق الاجتماعية بين المتعلمين في غياب تام لتكافؤ الفرص. وذلك عبر تمكين لفئة معينة من المتعلمين دون أخرى، فئة لها من الإمكانيات المادية ما يجعلها قادرة على ولوج الرقميات، في حين ان هناك فئات اجتماعية هشة وهي الأوسع والاشمل فبالإضافة إلى كونها تفتقر لأبسط الكفايات الرقمية، فهي غير قادرة على امتلاك الوسائل التقنية لمسايرة هذا النوع من التعلم، وهو ما عبرت عنه الاسر المغربية في غير ما مرة، من خلال مقاطع الفيديو لأباء وأمهات أرهقتهم التكاليف المادية (أدناها الهاتف وتكاليف الانترنيت) التي تتطلبها هذه العملية، او من خلال التسجيلات المسربة للمتعلمين وأبائهم.
تبعا لذلك، وبتبني التعلم عن بعد نرى انه كرس للهوة الاجتماعية و اللامساوة بين أبناء الوطن من المتعلمين، حيث يمكن التفوق والتميز للفئة الميسورة، وذلك عبر امتلاك المعارف والمهارات، في حين يتم تهميش الفئات الهشة المعوزة والفقيرة التي تعاني شظف العيش فبالأحرى توفير الهواتف والحواسيب وتغطية الانترنيت لأبنائها.
ويفرز التعلم عن بعد، إشكالات حقيقية تتحكم في مستقبل الأسر والابناء، خصوصا أبناء البوادي والقرى والأحياء الهامشية، وبالتالي حرمان هذه الفئات العريضة من تعليم ينمي قدراتهم ومهارتهم، والنتيجة تضاءل فرصهم في الحصول على وولوج سوق الشغل، والسبب عدم تكافؤ الفرص التي فرضها ويفرضها التعلم عن بعد. وبذلك تكريس صارخ للفوارق الاجتماعية بين واتساع للهوة بين فقير ورث وضع اسرته المزري المتردي، وبين غني يخلف اسرته في تسيد الطبقات الاجتماعية داخل المغرب.
فقد اصبح اليوم المعيار الخاص بالعدالة التربوية يقاس بمدى امتلاك الوسائل التكنولوجيا وتعلم الكفايات الرقمية لاستعمالها في التعلم، وليس بتعميم التعليم وضمان ولوج كل الأطفال للمدارس والمؤسسات التعليمية. من اجل انصاف كل الفئات الاجتماعية، يجب العمل على ضمان ولوج للمعلومة والمعارف العلمية والتعليمية عبر الوسائل الرقمية والتكنولولوجية لكل الشرائح الاجتماعية للتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية التي تفرزها مسألة امتلاك الوسائل الرقمية واستخدامها.
بناء على ما سبق فقد كشفت جائحة كورونا بما لا يدع مجالا للشك عن وجود هوة كبيرة على المستوى الرقمي تعمق عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين من مختلف المشارب الاجتماعية، في الحق في التعلم والنجاح وإبراز مؤهلاتهم المعرفية، وتمكن لطرف دون اخر، مما يستوجب اليوم إعادة النظر في المنظومة التربوية تضمن الانصاف في مجال الرقمنة و ترسيخ مبدأ التكافؤ بالمدرسة المغربية.
أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي
تعليقات الزوار ( 0 )