بعد أكثر من سنتين من الترقب والانتظار ،أعلن عشية يوم الاربعاء 24 أكتوبر 2024 عن تشكيلة حكومة عزيز أخنوش في نسختها الثانية ، حيث استقبل الملك محمد السادس بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط، رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة في صيغتها الجديدة. وقد تم هذا التعديل وفق سياق داخلي لاحزاب الأغلبية الحكومية بعد أن عقد حزب الاستقلال أشغال مؤتمره الوطني الذي تم تأجيله لسنتين وانتخاب أعضاء لجنته التنفيذية بعد فترة من أربعة أشهر من المشاورات بين مكونات هذا الحزب العريق . أما على الصعيد السياسي فقد تم هذا التعديل بعد إتمام الأغلبية الحكومية لنصف ولايتها التشريعية وتقديم حصيلة أظهرت ضرورة الرفع من وتيرة اشتغالها خاصة فيما يتعلق بمباشرة أوراش مستعجلة تهم التشغيل وإصلاح صناديق التقاعد واستكمال الترسانة القانونية بما فيها التصويت على قانوني الاضراب والنقابات ومدونة الأسرة وغيرها من القوانين الهيكلية.أما على الصعيد الوطني فقد تم هذا التعديل في إطار الدخول السياسي الذي دشن بخطاب الملك الافتتاحي للدورة التشريعية الخريفية وقبيل زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي ماكرون للمملكة بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.
وتجدر الإشارة بأن هذا التعديل الحكومي الذي شمل دخول 14وزيرا جديدا، وخروج 8 وزراء، وحفاظ 16 وزيرا على مناصبهم. قد تحكمت في هيكلته مجموعة من المحددات يمكن تمثلها في المحدد السيادي ، والمحدد التدبيري ، والمحدد التطعيمي .
–المحدد السيادي
يبدو أن هذا المحدد قد لعب دورا أساسيا في هيكلة حكومة عزيز أخنوش في صيغتها الثانية. فعلى الرغم من بعض المؤشرات التي كانت تشي بإمكانية إجراء تغيير أو تعويض ما يمكن تسميتهم بوزراء السيادة إما لكبر سنهم كوزير الاوقاف أو لطول المدة التي عينوا فيها على رأس وزارات وازنة كالداخلية والخارجية … ، فقد ظل عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وعبد اللطيف لوديي الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.ومحمد حجوي، الأمين العام للحكومة في مواقعهم . مما يدل أن منطق التعيين الملكي في هذه المناصب يخضع للاستمرارية والدوام ويعكس الأرضية الصلبة ” لحكومة جلالة الملك” ومجالاته المحفوظة المتمثلة في الإدارة المركزية والسياسة الخارجية وإدارة الجيش وتدبير الشأن الديني بالإضافة إلى إصدار القوانين. في حين تم الاحتفاظ بعدد من الوزراء لاعتبارات حزبية تتمثل في الإبقاء على أمناء أحزاب الأغلبية في مناصبهم ، فبالاضافة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي يعتبر الأمين العام لحزب التجمع الوطني للاحرار بقي أمين عام حزب الاستقلال نزار بركة في منصبه كوزير التجهيز والماء ، و منسقة القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة،فاطمة الزهراء المنصوري كوزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة . ونفس هذا الاعتبار سرى في الاحتفاظ بوزراء آخرين ينتمون إلى أحزاب الأغلبية كنادية فتاح وزيرة الاقتصاد والمالية، ويونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، ورياض مزور وزير التجارة والصناعة، وفاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ومحمد المهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل، وفوزي لقجع الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف الميزانية، ومصطفى بايتاس الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة . وعلى الرغم مما أشيع حول مغادرة وزير العدل لمنصبه ، فقد حافظ وهبي على منصبه بوزارة العدل حيث تم الاحتفاظ بهذا الوزير لاستكمال الاوراش القانونية التي بدأها كالمسطرتين الجنائية والمدنية بالإضافة إلى مشروع القانون الجنائي وكذا مدونة الأسرة و مشاريع قوانين أخرى تؤطر بعض المهن المرتبطة بقطاع العدل كالتوثيق والمحاماة وغيرها .إذ يبدو أنه على الرغم مما رافق تحركاته من جدل، وبعد تنحيه عن رئاسة الاصالة والمعاصرة الا ان طبيعة شخصيته الصدامية وشبكة علاقاته ربما شفعت له أمام الجهات العليا بالاحتفاظ بمنصبه فيما تبقى من الولاية التشريعية .
المحددالتدبيري
لعب هذا المحدد دورا أساسيا في تغيير بعض الوجوه الوزارية ، حيث كان تعيين شكيب بن موسى مندوبا ساميا للتخطيط ، وتعويض وزير الصحة أيت الطالب ، والميراوي وزير التعليم العالي بسبب ما عرفته هذه القطاعات الاجتماعية من احتجاجات مطولة انعكست من خلال رهان قوة بين وزير التربية السابق بن موسى وتنسيقيات التعليم امتدت إلى أكثر من أربعة أشهر في حين عرف قطاع الصحة والتعليم العالي إضرابات متواصلة وبالأخص إضرابات طلبة الطب التي هددت بسنة بيضاء . وبالتالي ، فقد شهدت الحكومة الجديدة تعيين ستة وزراء جدد ووزيرين منتدبين هم : محمد سعد برادة، الذي عين وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلفا لشكيب بن موسى ، وأمين التهراوي، الذي عين وزيرا للصحة والحماية الاجتماعية، خلفا لخالد آيت الطالب .وباستثناء عز الدين ميداوي، الذي عين وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار خلفا لعبد اللطيف الميراوي. الذي يعتبر من الأسماء البارزة في مجال التعليم العالي بالمغرب، حيث ساهم بشكل كبير خلال فترة رئاسته لجامعة ابن طفيل في تطوير المناهج الأكاديمية، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز البحث العلمي حيث يُتوقع أن يواصل الميداوي هذه المسيرة الإصلاحية في منصبه الجديد لمواجهة التحديات التي تعترض قطاع التعليم العالي في البلاد ، قوبل باستغراب تعيين سعد برادة، وزيرا في قطاع التربية الوطنية رغم اشتغاله منذ عودته إلى المغرب في القطاع الخاص ومجال الأعمال حيث سبق أن أسس عدة شركات، مثل شركة “ميشوك” في مجال الحلويات و”فارما بروم” في القطاع الدوائي، بالإضافة إلى استثماراته الواسعة في الصناعات الغذائية من خلال شركته “سافيلي . كما يمتلك شركة للأشغال العمومية مدرجة في البورصة، مما يعكس تأثيره في المجال الاقتصادي. مما يطرح التساؤل هل أن نجاحاته في مجال الأعمال، ستؤهله لمواجهة المشاكل العميقة التي يعاني منها قطاع التعليم، والذي يتطلب فهمًا عميقًا للمشكلات الهيكلية التي تعاني منها المدارس وتطوير برامج تعليمية تتماشى مع التحديات الحالية أم أن الأمر يعكس غياب إرادة حقيقية لاصلاح مشاكل التعليم المزمنة من خلال تغيير مستمر لوزراء هذا القطاع ؟؟
أما أمين التهراوي الوزير الذي خلف خالد أيت الطالب الذي كان يقود وزارة الصحة والحماية الإجتماعية ويشرف على تنزيل واحد من أبرز المشاريع الملكية؛ خاصة ما يتعلق بالتغطية الصحية ، فيعتبر من أحد المقربين إلى رئيس الحكومة حيث عمل في مجموعة أكسال التي تديرها سلوى أبو الحجول الإدريسي، كما شغل منصب المدير العام لشركة أمازين، الشركة المسؤولة عن تطوير المراكز التجارية للمجموعة .كما سبق لوزير الصحة والحماية الإجتماعية الجديد أن تولى منصب المدير التنفيذي في وزارة الفلاحة؛ عندما كان عزيز أخنوش على رأس هذه الوزارة .
كما يعتبر أحمد البواري، الذي عين وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلفا لمحمد الصديقي، من أحد المقربين من رئيس الحكومة عمليا وحزبيا حيث سبق للوزير الجديد أن شغل منصب مدير الري وإعداد المجال الفلاحي بالوزارة، و شغل أيضا مهمة رئيس الهيئة الوطنية للمهندسين التجمعيين . كما كان هو المسؤول الوطني عن إنجاز المشروع الملكي للربط المائي البيني بين حوض نهر سبو نحو حوض نهر أبي رقراق ونجح فيه بامتياز.
أما فيما يتعلق بعبد الصمد قيوح ابن الحاج علي قيوح أحد ممولي حزب الاستقلال، الذي عين وزيرا للنقل واللوجيستيك، خلفا لمحمد عبد الجليل، فقد تحكمت التوازنات الداخلية لحزب الاستقلال في اقتراح تعيينه ، حيث سبق أن شغل سنة 2012 منصب وزير للصناعة التقليدية في حكومة بنكيران الأولى،قبل أن ينسحب حزبه من التحالف بعد سنة واحدة. و تم انتخابه برلمانيا لستة ولايات (1997، 2002، 2007 و2011 2016 و 2021 ) كما انتخب رئيسا للمجلس الإقليمي لتارودانت لفترتين ما بين 2003 إلى غاية 2009، وشغل نائب لرئيس مجلس جهة سوس ماسة درعة ونائب لرئيس بلدية أولاد تايمة . كما شغل عضوية المجلس الإداري لكل من: “الوكالة الحضرية لجهة سوس ماسة درعة”، و”وكالة الحوض المائي” للجهة ذاتها، و”الأكاديمية الجهوية للتعليم”، و”مكتب الاستثمار الفلاحي”، ومكتب الاستثمار الفلاحي ورزارات درعة تافيلالت. كما حافظ حزب الاستقلال في هذا التعديل على وزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة . فخلفا لعواطف حيار عينت نعيمة بن يحيى مديرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والتي تدرجت في المسؤوليات الإدارية انطلاقا من مؤسسة التعاون الوطني، وانتخبت مؤخرا عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.
في حين عين كريم زيدان، المنتمي لفرع حزب التجمع الوطني للأحرار في ألمانيا وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة،المكلف الاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، خلفا لمحسن الجزولي، كريم زيدان، حيث يتمتع بخبرة طويلة في مجال الهندسة الميكانيكية، و عمل لما يفوق العقدين من الزمن داخل عملاق صناعة السيارات “بي إم دبليو”، أحد أكبر منتجي السيارات في العالم. وأمل الفلاح السغروشني، المنتمية لحزب الأصالة والمعاصرة التي عيّنت وزيرة منتدبة لدى رئيس الحكومة، المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خلفا لغيثة مزور تعتبر خبيرة في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، والرئيسة التنفيذية للمركز الدولي للذكاء الاصطناعي بالمغرب “حركة الذكاء الاصطناعي” التابع لجامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية، وأستاذة جامعية بكلية العلوم والهندسة بجامعة السوربون .
المحدد التطعيمي
بعد ثلاث سنوات من إعلان الملك محمد السادس ، في استقباله لرئيس الحكومة وأعضاء حكومته بالقصر الملكي بفاس بأنه “سيتم لاحقا تعيين كتاب دولة في بعض القطاعات الوزارية ، تم تم الاتفاق بين أحزاب الأغلبية بتطعيم الحكومة بكتاب وهكذا جرى توزيع ستة كتاب دولة بالتساوي كما يلي:
– زكية الدريوش، كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المكلفة الصيد البحري والتي تعتبر مقربة من رئيس الحكومة حيث تولت منصب مديرة الصناعات السمكية عام 2005، ثم منصب مديرة الصيد والأحياء المائية في عام 2008، كما ساهمت في تنفيذ مخططات بحرية تهم على الخصوص تنمية المحيطات الصغيرة والأخطبوط والطحالب، وتنفيذ خطة تحديث أسطول الصيد البحري، وتنفيذ نظام المراقبة عبر الأقمار الصناعية
لسفن الصيد المغربية والأجنبية العاملة في المنطقة الإقتصادية الخالصة المغربية ، و لحسن السعدي، كاتب الدولة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، المكلف الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني،
(-وأديب بن إبراهيم، كاتب الدولة لدى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، المكلف الإسكان ،و هشام صابري، كاتب الدولة لدى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، المكلف الشغل.
– وعبد الجبار الرشيدي، كاتب الدولة لدى وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، المكلف الإدماج الاجتماعي . ووعمر حجيرة، كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة، المكلف التجارة الخارجية/
ولعل هذا التعيين بالتساوي وبشكل ألحق كل كاتب دولة بالوزير المنتمي لنفس الحزب كان الغرض منه تفادي أي تعارض سياسي بين الوزير الوصي وكاتب الدولة مما قد يساهم في تسريع وتيرة عمل الحكومة والتخفيف من أعباء وزراء بعض القطاعات الوزارية التقنية والوازنة كوزارة السكنى والفلاحة وغيرها.
وعموما فإن النسخة الثانية من حكومة عزيز أخنوش قد عكست بلاشك ما يلي:
أولا : عكس هذا التعديل الاحتفاط بنفس العمود الفقري للحكومة في نسختها الاولى حيث لم يتغير الهيكل الحكومي الجديد مقارنة مع الحكومة السابقة باستثناء خروج 8 وزراء ، في الوقت الذي تم فيه الرفع من عدد أعضاء الحكومة التي اصبحت تضم 31 وزيرا باحتساب 6 كتاب دولة
مما جعل حكومة عزيز أخنوش في نسختها الثانية تبدو أقرب لتعديل حكومي جزئي منه إلى تعديل موسع، فلم تتضمن تغييرات كبرى على مستوى القطاعات-المفاتيح بقدر ما تضمنت إعادة انتشار حكومي وتغيير وزراء بعض القطاعات وتدعيم الحكومة بكتاب دولة .
ثانيا :أظهر هذا التعديل أن رئيس الحكومة كانت له هوامش حرية واسعة لممارسة صلاحية الاقتراح على الملك، سواء بإنهاء مهام بعض الوزراء أو اقتراح مناصب للبعض الآخر أو باقتراح أسماء جديدة. فقد نجح أخنوش في استعادة قطاعات مهمة بنى عليها حزب الأحرار شعاراته الانتخابية، كوزارتي التربية الوطنية والصحة. كما كان لتصوره كرجل أعمال تأثير في تعيين وزراء من القطاع الخاص وعالم رجال الأعمال .
ثالثا : عكس هذا التعديل ارتفاع منسوب التسييس داخل الحكومة، بإضافة أسماء حزبية كلحسن السعدي وعبد الجبار الراشدي وأديب بنبراهيم والصابيري ونعيمة بنيحيى وسعد برادة.
كما جعلت حزب الاستقلال يسترد وزنه داخل الحكومة من خلال إدراج أسماء سياسية ولدت وترعرت في الحزب كعبد الصمد قيوح والراشدي وحجيرة . وإن كان هذا الأخير قد أثار تعيينه انتقادا لدى الرأي العام حيث تم التساؤل كيف يمكن تعيين شخصية سياسية أدينت بسنتين حبسا بالحكومة في ظرفية اتسمت برفع شعار تخليق الحياة السياسية .؟ أما فيما يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة ، فقد عكس هذا التعديل ” جوابا لما بعد مرحلة وهبي وترجم التوافقات التنظيمية ما بعد المؤتمر من خلال تعيين جناح فاطمة الزهراء المنصوري”.
تعليقات الزوار ( 0 )