Share
  • Link copied

التطبيع المغربي وسؤال المشروعية والأخلاق

أقدمت الحكومة المغربية على توقيع اتفاقية استئناف العلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني بإشراف أمريكي، وتم التوقيع على ذلك ارتباطا بملف الصحراء المغربية. وهذه الاتفاقية هي التي تسمى في الأدبيات الصحافية بالتطبيع.

غير خاف على ذي لب أن الاتفاقيات البين دول هي من اتفاقيات السيادة، وهي التي تتأسس ابتداء وانتهاء على مبدأ المصلحة، لكن هذه الاتفاقيات لا تستند إلى المصلحة فحسب، بل هي في حاجة إلى نيل المشروعية أولا، وفي حاجة إلى أن تحاط بسياج الأخلاق ثانيا، وهذا ما تفتقده الاتفاقية المشار إليها أعلاه كما سنجلي ذلك من خلال الآتي:

أولا: التطبيع وسؤال المشروعية

1 ــ من البدهيات التي يسلم بها العقلاء في الدول الحديثة، أن الشعب هو أساس الشرعية، لذلك نجد الدول الديمقراطية لا تعمل على تنزيل اتفاقيات عالية المستوى مثل اتفاق التطبيع إلا إن مر من مجهر الشعب، وممثلوه في الأنظمة الحديثة هم المنتخبون الحائزون على شرعية الصندوق، واتفاقية التطبيع المغربية الإسرائيلية لم تعرف طريقا إلى البرلمان بغرفتيه، ولم تناقَش تحت قبته، ولم تعلم بها لجنتا الخارجية من قبل التوقيع، وبالتالي، فالاتفاق المغربي الإسرائيلي فاقد للشرعية وفق قواعد الديمقراطية والحداثة.

2 ــ بالعودة إلى الدستور المغربي، نجد الباب الخامس الخاص بالسلطة التنفيذية، ويضم المادة 92 التي تسرد القضايا والنصوص التي يتداولها المجلس الحكومي، ومما تنص عليه هذه المادة: “المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري”.

وبالرجوع إلى أرشيف المجالس الحكومية المغربية، فإننا لا نجدها قد ناقشت أو وافقت على هذه الاتفاقية قبل توقيعها كما ينص على ذلك الدستور.

قد يتذرع البعض بأن المغرب لم يبرم اتفاقا مع إسرائيل، وإنما عمل على استئناف العلاقات التي كانت مجمدة ليس إلا، وهذه الذريعة لا تصمد أمام الوثيقة الدستورية، لأن اتفاقيات بسيطة جدا بين الدول كالاتفاق على إنشاء جسر جوي بين البلدين أو اتفاق ثقافي أو تجاري لا يمكن قبوله إلا إن مر عبر المجلس الحكومي ليصل بعدئذ إلى المجلس الوزاري، فما بالك باتفاق إعادة العلاقة، فهو اتفاق وهو معاهدة بين بلدين.
وبناء على عدم تداول تفاصيله من قبل المجلس الحكومي وعدم مروره إلى المجلس الوزاري فإن هذا الاتفاق فاقد للشرعية الدستورية.

3 ــ منذ عقود، والمغاربة ينظمون التظاهرات والمسيرات المليونية تنديدا بالكيان الصهيوني الغاصب وجرائمه ومجازره، وبعد توقيع المغرب اتفاقية التطبيع مع الكيان، حاولت كثير من الفعاليات تنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات إلا أنها جوبهت بالرفض والقمع، وبعد طوفان الأقصى، نظم المغاربة في ظرف سنة واحدة مائات الوقفات والتظاهرات والمسيرات تنديدا بالكيان ومجازره ورفضا للتطبيع واتفاقيته. ومنذ تأسيس الكيان الغاصب وإلى يوم الناس هذا، لم نر تظاهرة واحدة في الشارع المغربي ترفع علم إسرائيل أو تؤيد إسرائيل أو تدعم إسرائيل، وبعد الاتفاق المغربي الإسرائيلي لم نجد تظاهرة واحدة مؤيدة لهذا الاتفاق، وإبان الحرب العداونية على غزة والضفة ولبنان لم تنظَّم ولو مسيرة واحدة مؤيدة للكيان. وهذه المقارنة إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن اتفاقية التطبيع المذكورة فاقدة للشرعية الشعبية.

ثانيا: التطبيع وسؤال الأخلاق

1 ــ ربما لن يفهم الجانب الأخلاقي من هذه الاتفاقية إلا المغاربة فقط، لأننا نعرف انتقاصا وتعديا على وحدتنا الترابية من قبل دول لم يصلها بعد خبر سقوط جدار برلين. وفي هذا السياق، فإن المغرب الرسمي والشعبي يحس بفرح غامر لخبر سحب دولة ما لاعترافها بجمهورية الوهم فيما يسمى الصحراء الغربية، كما أن الفلسطينيين يحسون بنفس الفرح إن سحبت دولة ما اعترافها بالكيان الغاصب. وفي المقابل، فإن المغاربة يحسون بأذى عميق إن اعترفت دولة ما أو أبرمت اتفاقا مع جمهورية الوهم، وكذلك الفلسطينيون يحسون بطعنة غادرة من كل دولة تبرم اتفاقا تطبيعيا مع الورم الخبيث الجاثم على صدورهم.
بناء على هذه المقاربة والمقارنة، فإن الاتفاق المغربي الإسرائيلي هو اتفاق غير أخلاقي بالضرورة، لأن المغرب أقام مع إسرائيل ما يرفض أن تقيمه دول ذات سيادة مع البوليزاريو، وبالتالي، فهو اتفاق فاقد للشرط الأخلاقي الذي ما فتئ المغاربة يُعرفون به عبر التاريخ.

2 ــ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية اليوم مذكرتي اعتقال في حق رئيس حكومة الصهاينة ووزير حربه السابق، وإن كانت ــ من الناحية القانونية ــ للمغرب حق استمرارية العلاقة الديبلوماسية بينه وبين الكيان، إلا أنه من غير المقبول ومن غير السائغ أخلاقيا أن يستمر في علاقته مع دولة معتدية يقودها مجرم حرب يخوض حرب إبادة على إخواننا.
وإذا كان المغرب مقداما في قطع علاقاته مع إيران بناء على تصريح غير رسمي حول البحرين، فلماذا يبقي علاقاته مع الكيان وهو الذي تصدر عنه رسميا تصريحات عنصرية تجاهنا نحن العرب؟ وكيف يبقي علاقاته مع الكيان الذي أهلك الحرث والنسل وخاض التقتيل بالسلاح وبالتجويع وبالهدم ضد الأطفال والنساء والمدنيين؟

إن الاتفاقية بين المغرب والكيان الصهيوني العنصري هي اتفاقية فاقدة للمشروعية الحداثية الديمقراطية، وفاقدة للشرعية الدستورية، وفاقدة للمشروعية الشعبية، وفاقدة للأخلاق. وإذا كانت كذلك، فلا أرى الاستمرار فيها والتمسك بها إلا نزوة ديبلوماسية حري بنا أن نتراجع عنها لنعود بالمغرب العربي والأمازيغي والإسلامي إلى مكانته العالية في سماء العلاقات الدولية، بعيدا عن مراهَقة “كلنا إسرائيليون” التي تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة المغربية الأصيلة.

Share
  • Link copied
المقال التالي