Share
  • Link copied

التدين المغربي.. زاوية في قلب خمارة؟! وصلاة وذكر وبيع الخمر؟! إيش هذا؟!

يعتبر العلامة الشيخ عبد الله بن الصديق أحد أساطين العلم الشرعي داخل المغرب وخارجه، حيث جاوزت شهرته العالم الإسلامي، وقلّ أن يضاهى في العلوم الشرعية، واللغوية، والمنطق، يحيط بالدقائق من هذه العلوم يستحضر فيها بتفصيل شديد أقوال العلماء، وحججهم في المسائل المختلفة، مع سَعة الاطلاع على أدلة المذاهب الفقهية الإسلامية والعقائدية.

 وكان هذا العلامة، والذي توفي عام 1993 بطنجة، يتمتع بذاكرة قوية وسرعة في البديهة، وقد وصل في علم الحديث بالخصوص، إلى درجة عالية، حتى اعتبر حافظ العصر، إذ كان يستظهر أكثر من عشرة آلاف حديث بأسانيدها، ومعرفة رجالها، وهو إلى جانب هذا كان معروفاً بالتصوف والانقطاع للعبادة والتدريس والتأليف.

وكان هذا العلامة، سليل الأسرة الصديقية التي أنجبت العلماء والدعاة، وأعطت للتدين المغربي ميزة خاصة، ورسخت في “العقل الإسلامي المغربي” قيم الرحمة والمحبة والتسامح، نابغة عصره  تُشد إليه الرحال من المشرق للتتلمذ على يديه، و”التبرك” بالقيم الأخلاقية التي أقرتها الفطرة الإنسانية، ودعت إليها الشريعة الإسلامية السمحاء، حيث أخذ عنه العدد الكثير من طلبة العلم، ولم يبق قطر إسلامي إلا وله فيه تلامذة.

تطوع عالما المغربي للتدريس بدولة مصر في تخصص العلوم الشرعية بالجامع الأزهر، وتم تعيينه من لدن  وزارة الأوقاف المصرية مفتشاً للدروس التي تلقى في الصحيحين بمساجدها.

وحين عاد إلى المغرب، فضل الاستقرار بمدينة طنجة، حيث تفرغ للخطابة بالزاوية الصديقية، ومدرساً للعلوم الشرعية بها، كما كانت جهود مشكورة في الدعوة إلى الله تعالى داخل المغرب وخارجه، ومن ذلك زيارته للمسلمين السمر بأمريكا، وتأثيره البالغ فيهم، حتى إنه بعد مقابلته للملاكم العالمي محمد علي كلاي، نقلت مجلة فيكارو عن هذا الأخير قوله: أتمنى أن تكون لي روح مثل روح الشيخ عبد الله بن الصديق.

عبد الله بن الصديق في زيارته لمدينة مرسيليا الفرنسية

لقد سافر العلامة عبد الله بن الصديق إلى كثير من عواصم ومدن العالم، سافر إلى المشرق وأمريكا وأوربا، وكان في كل مرة يسجل موقفا إنسانيا/إسلاميا يبقى راسخا لدى الناس يتداولونه بينهم، فيحصل الأثر العظيم لدى المتلقي المسلم وغير المسلم خارج المغرب.

وهنا نحكي إحدى اللطائف التي حصلت للعلامة عبد الله بن الصديق رحمه الله حين زار مدينة مرسيليا، وذهب للقاء أحد أصدقائه ينتسب للزاوية الناصرية.

يحكي العلامة الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري أنه حل بمدينة مرسيليا سنة 1935، بحيث رأى بأم عينيه أن بعضا من دور العبادة قائم ولو إلى جانب خمارة، فيكتب في تأليفه “خواطر دينية” ص 111، ما يلي:

“كنت في مرسيليا سنة 1345 ه= 1935م مع المرحوم أخي الأكبر الحافظ أبي الفيض والسيد محمد الزمزمي، وذهبنا نسأل عن شخص مغربي مقيم هناك اسمه الحاج علي، فدللنا عليه في خمارة، فلما وصلنا إليها، وجدنا امرأته، وهي فرنسية، تبيع الخمر، فسألناها عنه، فأشارت إلى محل داخل الخمارة، فإذا هو زاوية، وعلى بابه ستارة، وهو مفروش بحصير مغربية جيدة، وفي القبلة علامة على المحراب برسوم، ووجدنا الحاج عليا قد انتهى من صلاة المغرب، وفي يده مسبحة يذكر فيها ورد الطريقة الناصرية !! فقلنا له – بعد التحية والملاطفة: زاوية في قلب خمارة؟! وصلاة وذكر وبيع الخمر؟! إيش هذا؟!

قال: إيش فيه؟! قلنا: أنت رجل حاج، ومحافظ على دينك، وبيع الخمر يضيع الدين. قال: هذا رزقي لا دخل له بالدين. قلنا: افتح قهوة، وقدم فيها الشاي الأخضر المغربي، وأنواع المشروبات المباحة، أو افتح مطعما وقدم فيه الأطعمة المغربية المرغوبة هنا. فلم يقبل النصيحة، بل نصحنا هو: بأن نترك هذا التشدد المنافي للدين!!

هذا هو يناهز السبعين، ولكن جهله حسن له هذا العمل، فرآه حلالا طيبا”.

هل هي فتوى لتحليل بيع الخمر؟

من خلال هذه الواقعة، يظهر جليا أن العلامة عبد الله بن الصديق لم يكفر الحاج علي، ولم يصدر فتوى “شرعية” تحرم هذا السلوك الذي ارتضاه الحاج علي المنتسب للزاوية الناصرية.

رب سائل يتساءل: هل حلل العلامة عبد الله بن الصديق بيع الخمر للحاج علي؟

 لا يمكن أن يحلل العلامة عبد الله بن الصديق بيع الخمر أو شربها، وله موقف واضح من تحريم الخمر، بحيث أنه ألف كتابا بهذا العنوان “البرهان على تحريم الخمر في القرآن” غير أنه التمس لأخيه الحاج علي، الذي ناهز عمرة السبعين سنة، العذر، وقال قولته :” جهله حسن له هذا العمل، فرآه حلالا طيبا”.

Share
  • Link copied
المقال التالي