Share
  • Link copied

التجديد النقابي؛ خصائص عمل نقابي متجدد.

إن العمل النقابي الجاد مطلوب منه تشكيل درع اجتماعي يقي العمال والمجتمع من سطوة المستكبرين وعبث المترفين، ومن طغيان الدولة و تغولها، ويمكن النقابة من الاسهام  في أداء دورها في حفظ كيان الأمة وهويتها وكرامتها. بحفظ هوية وكرامة وحقوق أفرادها.

لعل أهم الخصائص الواجب تحققها في كل عمل نقابي راشد يستجيب للغايات السابق ذكرها، في نظرنا هي خمس خصائص وهي النموذجية، والتغيرية،  والتكاملية، والاستمرارية، والتصاعدية.

1- النموذجية:  ذلك لأن من أخطر ما يعانيه مشهدنا النقابي ، إفتقاده للنماذج القيادية، التي تقدم للمناضلين والقواعد  النموذج والقدوة العملية على مستويات:

-الفهم: من حيث القدرة على استيعاب اللحظات المفصلية في صيرورة العمل النقابي، والأدوار التاريخية للطبقة العاملة في كل لحظة من هذه اللحظات. فمع تدبير المشاكل والمطالب اليومية، والسعي في الرفع من المستوى المعنوي و المادي للعمال، لابد من التوازن بين أفق التحرر وواقع التدافع، وهذا يستوجب أن تكون القيادة النقابية في مستوى عال من الفهم، لأن أي ضبابية تصيب رؤية القيادة تدفع ثمنها القواعد وجموع العمال والعاملات. ولا يصبح للفهم الذي تملكه القيادة معنى ما لم يكن محل نقاش وتداول بين القواعد وصولا إلى وحدة التصور التي تنظم الصف النقابي، وتوجهه نحو الأهداف والغايات المطلوبة.

– الأخلاق النقابية:  من حيث الأمانة ونظافة اليد و نكران الذات. فالعمل النقابي من الأعمال الفاضلة والنبيلة، ولا ينبغي أن يكون مرتعا لذوي النفوس المريضة المصابة بالعلل التي تريد النقابة معالجتها لدى من تتصدى لهم، كالظلم والاستغلال والاستبعاد وشراء الذمم، والمتاجرة بملفات ومطالب ومآسي العمال. وبالتالي فالعمل النقابي بدون مرجعية أخلاقية لا يكون، والقيادة النقابية المفتقرة للأخلاق لا تؤتمن على مصير العمال و مكتسباتهم و مآلات نضالاتهم.

-العمل: من حيث التواجد الدائم في مقدمة الصفوف تعبئة وتواصلا وإشراكا. فالانجاز والعمل الميداني المستم بالديمومة والاستمرارية والتراكم وحده الموضح لجدية الخط النقابي و مصداقيته، لا العمل الموسمي الذي يرتبط باستحقاقات ظرفية أو شخصية أو بإملاءات تأتي من خارج. فالقيادة النقابية قيادة عاملة يدها في الطين تصانع واقع الحال وما هو كائن، وفكرها متطلع لأفق التحرر وما ينبغي أن يكون، وبالتالي فالصفة العملية برهان صدق القيادة النقابية. ودليل استحقاقها بموقعها.

2-التغييرية: فالعمل النقابي لا ينبغي أن يتحول إلى مجرد استهلاك للطاقة النضالية للطبقة العاملة في معارك هامشية حول  قضايا جزئية، بل يجب يكون النضال الجزئي مندرجا في إطار خطة نقابية شاملة، وهذا معناه أن الفعل النقابي لا ينفك عن تبني مطالب سياسية كبرى، وهنا يختلف العمل النقابي عن الحزب السياسي، فالنقابي ينطلق من تصورات لما ينبغي أن يكون عليه وضع الطبقة العاملة في إطار مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، في حين أن السياسي في أحسن الأحوال يسعى لتحسين ما هو موجود، وفي أسوء الأحوال  يسعى لضرب المكتسبات لخدمة مصالح شخصية أو فئوية أو حزبية ضيقة، وقد يقع رهينة للإملاءات من طرف قوى خارجية في إطار النظام الاقتصادي والسياسي المحلي و العالمي المهيمن.  

3- التكاملية:  ذلك أن العمل النقابي لا يجب أن يحصر  في “المطالب الجزئية المتفرقة” بل هو عمل يمس دوائر الحياة المختلفة، نفسية و روحية، اقتصادية وسياسية، اجتماعية و ثقافية، فجاهل بمتطلبات العمل النقابي من  ينظر بمنظار أحادي إلى دور هذا العمل،

 أ- فعلى المستوى النفسي و الوجداني: يجب أن يتأصل رفض الظلم، ومحبة العدل في كيان العامل و العاملة، وأن يسعى للإنصاف من غيره والانتصاف من نفسه، لا يقبل أن يظلم ولا يظلم غيره، ويكون العمال بذلك مشاعل وعلامات مضيئة لقيم العدل والتضامن والوحدة و الاستقلالية، محاربين ضد أشكال الظلم والقهر السياسي و الاجتماعي، شديدي الحساسية ضد محاولات التفريق والتشتيت لصف و وحدة العمال، مستمسكين بأصالتهم مدافعين عن استقلاليتهم. 

ب- وعلى الصعيد الفكري والثقافي:  يتأكد دور الثقافة العمالية والفكر النقابي فلا ممارسة نقابية وازنة بدون نظرية نقابية أصيلة في مبدئها ومنشأها، وبالتالي لا يفرغ النقابي من تكوين نفسه فكريا وتدريبها ميدانيا حيث تختبر الأفكار، وتصهر في بوثقة الممارسة، فالتعلم بالممارسة يغني الفكر العمالي، ويضفي عليه أبعادا جديدة ويفتحه على آفاق مستقبلة واعدة.

ت- وعلى الصعيد الاقتصادي و السياسي:  فلا يخفى مدى التأثير المتبادل بين السياسة والاقتصاد ، فمن يهيمن على الاقتصاد يحظى بنفوذ سياسي واسع،  ومن يمسك بزمام الحكم  قادر على جعل الدولة أداة في خدمة الرأسمال، فيتشكل تحالف السلطة والمال الذي يوسع دائرة ضحاياه في الفئات المستضعفة من الطبقة العاملة والفئات الهشة  والمقصية اجتماعيا وثقافيا. وهنا ليس مطلوبا أن تتحول النقابة إلى حزب سياسي أو يتحول الحزب إلى نقابة، بل المطلوب أن تكون إرادة العمال أكبر من أي حزب، و أقدر على توجيه وتغيير أي توجه سياسي معارض أو مناوئ لمصالح العمال.

4- الاستمرارية: فالعمل النقابي شأنه شأن كل عمل نبيل إنما وجد ليستمر، فهو نضال بلا انقطاع مشعل تتناقله الأجيال، تيار دائم التدفق، و مادام الإنسان مسكونا برفض الظلم، راغبا في تحقيق العدالة، متأملا للأفضل في حياته وفي حياة الأجيال اللاحقة، فإنه لا مناص من استمرار العمل النقابي في هدم حصون الظلم و الظلمة، ومجابهة الاستغلال و المستغلين، وفي الدفاع عن حقوق الأجيال الحالية والأجيال الأتية، والقيادة النقابية الناجحة هي التي تكون الخلف، وتنقل المشعل إلى أيادي أمينة.

5- التصاعدية:   فالعمل النقابي يراكم المكتسبات، من حيث تحقيق الحقوق وتأدية الواجبات، وطموحه أن يكون الوضع اللاحق أفضل من الوضع السابق، فالتفريط في المكتسبات يدل على أزمة في العمل النقابي، و الانتقال إلى الوضع الأسوء بدل تحقيق الأفضل يدل على فشل وعجز على مستوى القيادة و القواعد النقابية. ومن معايير الحكم على فاعلية النقابة هو مدى التصاعد في أدائها ، والتراكم في إنجازاتها.

ولأجل ذلك فإن الجهد العملي المطلوب تكون له قيمة فقط عندما ينطلق من رؤية منهاجية تحدد المقاصد الكبرى للعمل النقابي، التي تسعى لتحقيقها على أرض الواقع، ومن أهمها جمع شتات القلوب والعقول والجهود، حتى يكون للأمة موطئ قدم،  لما ينهض أبناؤها العمال لاسترداد الحقوق ممن اغتصبوها، وتحرير الرقاب ممن استعبدوها، وتمكين الأمة من إنتاج الدواء والغذاء، و ما تدفع به عدوان الأعداء، هذا هو الأفق العام الذي تتجمع فيه جهود العاملين للبناء مجتمع التضامن و العمران الأخوي، ولاشك أن الجهد النقابي مهم في طريق تحقيق هذه الغايات.

Share
  • Link copied
المقال التالي