“بسم الله ابديت وعلى النبي صليت يا ربي أعطينا الفال (الفأل) ولاقينا بأولاد الحلال”.
هو عنوان لبداية جلسة نسائية في السّهرة الرمضانية، يجتمع النساء حول مائدة غير عادية تكون القلوب فيها مشدودة لما يحلمن به، سواء فارس أحلام كان أو مستقبلا قريبا مليئا بالسعادة والحياة الرائعة.
وهو ما يعرف في الجزائر بـ”البوقالة”، التي تعتبر تراثا لاماديا يمتد لمئات السنين، ويعود للعهد الفينيقي في البلاد حسب الروايات، ولعل ما يميز قعدات و سهرات رمضان بالجزائر هي “البوقالة”، التي تزداد شعبيتها كلما حل هذا الشهر الكريم.
وسط النسوة في سهراتهن، وفوق أسطح القصبة العتيقة، أو في وسط أفنيتها، حيث يقوم النسوة بتبادل أحكام وأمثال شعبية باللهجة الجزائرية، تقام بخاصة في المناسبات والأفراح حيث تتجمعن فيها كسهرات الأعراس أو أي مناسبة مفرحة.
ويشتق اسم بوقالة من الكلمة الامازيغية “بوقال”، وهو عبارة عن إناء مصنوع من الفخار لشرب الماء أو الحليب، وهو تقليد جزائري قديم نشأ في مدينة شرشال “90 كلم غربي الجزائر” في زمن العهد الفينيقي، وتعتبر البوقالة فن تراثي متوازن شفويا من الموشحات الأندلسية أيضا.
وتقول السيدة ” فتيحة ” 67 سنة لـ”بناصا” أن البوقالة ترتبط ارتباطا وثيقا بشهر رمضان الكريم وتنظم في سهرات رمضان داخل البيوت، حيث تجتمع النسوة والفتيات على أن تتكفل إحداهن باستضافة جميع النسوة من الجيران والأقارب حول صينية الشاي وأطباق القلب اللوز و الزلابية.
وتضيف فتيحة لـ”بناصا “: “تقوم إحداهن وعادة ما تكون أكبرهن سنا بإحضار الإناء الفخاري المسمى بالبوقالة، وتضع فيه القليل من الماء، ثم تطلب من الفتيات نزع خواتمهن و وضعها داخل الإناء بعدها يغطى بمنديل من القماش، و تبدأ النسوة الأكبر في السن بقول الفال كالتالي : “بسم الله ابديت وعلى النبي صليت يا ربي أعطينا الفال ولاقينا بأولاد الحلال”.
وتقول أيضا السيدة فتيحة أن الحاضرات من النسوة يشرعن في قراءة الموشح الشعبي، والذي يحتوي في معانيه على صفات فارس الأحلام وأحاديث عن الحب و الفراق وبعضها الآخر مسلية ومثيرة، لتزيد من روعة الزمان والمكان، ثم تسرب القارئة يدها إلى داخل “البوقال” لسحب قطعة من الحلي الموجودة بداخله، وتفسر حكمتها لصاحبة الحلية.
و لعل الجميل في لعبة البوقالة هي أن وضع كل واحة من النسوة خصوصا الفتيات العازبات ممن يقبلن عليها بشغف يقمن بالنية في القلب أو ما يسمى “بالعقدة” أي بالتفكير في شخص من الأشخاص إن كان زوجا أم أخا أم إبنا، وحتى الخصوم لهم نصيب من ذلك، فتقرأ أبيات الموشح الشعبى الموجهة لها على الاسم الذي اختاره قلبها.
وتعتبر السيدة فتيحة أن من أساسيات “البوقالة” هي أن لا تنال المرأة حظها من الأبيات الشعرية بشرط أن تمسك من تنورتها أو خمارها أو أي قطعة قماش أمامها وتصنع فيها عقدة صغيرة ثم تقوم بفتحها بعد الاستماع إلى البوقالة. وتكشف إن أرادت عن الشخص الذي نوت عليه الفال.
وما يلاحظ في السنوات الأخيرة هو عدم ممارسة لعبة البوقالة بالشكل الذي كانت عليه في الماضي، حيث غابت تلك السهرات الرمضانية الرائعة، لتختفي خلال هذه السنة تماما مع زمن كورونا حيث أصبحت النسوة لا يمارسنها وهن تحت الحجر الصحي الإلزامي، وهو ما فرض عليهن الابتعاد عن أجواء البوقالة بسبب الوضع الصحي الراهن.
تعليقات الزوار ( 0 )