Share
  • Link copied

البوسكلاوي يتهم أستاذا للفلسفة بجامعة القاضي عياض بالسطو على كتابه

توصلت جريدة بناصا بمقال من الباحث المغربي سعيد البوسكلاوي، أستاذ بجامعة زايد في أبوظبي، وهو أستاذ جامعي مغربي من جامعة محمد الأول بوجدة، يتهم فيه أستاذا جامعيا بكلية الأداب بجامعة القاضي عياض بالسطو على كتابه “مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائية”

إليكم المقال كما توصلت به جريدة بناصا.

جمال راشق يسطو على كتابي ‘مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية’

سعيد البوسكلاوي

الغرض من هذا القول الكشف عن واقعة سرقة علميّة قام بها د. جمال راشق، أستاذ بشعبة الفلسفة بكلية الآداب/جامعة القاضي عياض بمراكش، لأجزاء من كتابي مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشائيّة، الصادر في بيروت عن دار المشرق عام 2010. وقد نُشرت المقالة، موضوع السرقة، باسم جمال راشق بعنوان“La volonté chez Ibn Bājja (m. 1139). De la physique à l’éthique” “الإرادة عند ابن باجة (ت. 1139م). من الفيزياء إلى الأخلاق”. نُشرت مرّتين: الأولى ضمن كتاب الفلسفة والعلم في الغرب الإسلاميّ، تنسيق ثريا بركان (مراكش: منشورات مختبر الفلسفة والتراث في مجتمع المعرفة، 2012) ص. 7-27. والثانية في المجلّة الإلكترونية Philosophia، عدد 14، 2016، ص. 51-71. (وهذا رابطه: [PDF pp. 51-71] ) وفي كلا النشرتين يرد اسم جامعة القاضي عياض بصفتها المؤسّسة التي ينتمي إليها صاحب المقالة المسروقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ صاحب المقالة ذو سوابق في هذا الأمر؛ إذ يظهر أنّه تعوّد على السطو على مجهودات غيره. والأمثلة كثيرة؛ أكتفي بالإشارة إلى أبرزها: فلقد سطا على بعض مضامين كتاب أستاذه الراحل جمال الدين العلوي، مؤلّفات ابن باجة وغيره، في كتابه ابن باجة، سيرة وأعمال الذي نشره مرّتين وبعنوانين مختلفين. وقد نبّه على هذه السرقة العلميّة ذ. فؤاد بن أحمد في مراجعته الدقيقة لهذا الكتاب، تجدونها على الرابط التالي: http://thaqafat.com/2017/10/85125. وقد سبق له أيضا أن سطا على رسالتي الجامعية في مطبوع دراسيّ قدّمه لطلبة قسم الفلسفة في جامعة مراكش دون الإحالة على اسمي بوصفي صاحبها. وقد اكتشفت هذا صدفة عندما قرأت منشورا لأحد طلبته يحيل فيه على محاضرات د. جمال راشق في مادة الفلسفة وقضايا الإنسان، دون أن ينتبه هذا الطالب إلى أنّ الأمر يتعلّق بنصوص مسروقة من رسالتي الجامعيّة (حسب ما هو مبيّن في الجدول الأخير). ولديّ إشارات تفيد أنّه سطا كذلك على أبحاث بعض طلبته، دراسة وتحقيقا وسيرة وبيبليوغرافيا لأعمال ابن باجة (وهذا موضوع آخر، هو أقرب إلى إدارة جامعة القاضي عياض، إن شاءت، أن تفتح تحقيقا في الموضوع)؛ وبعض من هذا كان قد أثاره زميل له في كلّية الآداب، وهو ذ. عبد الجليل الأزدي.

أكاد أجزم أنّ المعني بالأمر يحترف السطو على أعمال غيره، جزئيّا أو كليّا، دون إحالة واضحة على المؤلّف الحقيقي؛ وقد لا يتردّد أحيانا في ذكر المصدر أو الزميل أو الطالب الذي ينقل منه أو يساعده، في إشارات غامضة ومموّهة. أذكر أمثلة ثلاثة لهذا:

أوّلا، يحيل على كتابي/أطروحتي في الهامش الثاني من المقالة، موضوع السرقة هنا، مرّة واحدة وبشكل غامض ومموّه، وهي الإحالة الوحيدة على كتابي، أترجمها كما يلي: “أشير إلى أنّه توجد أطروحة دكتوراه ممتازة لسعيد البوسكلاوي في موضوع الإرادة عند الفلاسفة المسلمين، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، جامعة محمد بن عبد الله، فاس، 2002، وهي منشورة: البوسكلاوي، س. مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائيّة، دار المشرق، بيروت، 2010″ (انظر ص. 7، هامش 3 من نشرة مراكش؛ ص. 51، هامش 2 من نشرة فيلوسوفيا). هذا، دون أن يذكر جمال راشق أيّ علاقة لمقالته هذه بكتاب البوسكلاوي أو أطروحته؛ إذ يسكت عنهما تماما بعد هذه الإحالة الغامضة، والحال أنّ مقالته ما هي إلا سرقة لمضامين الأطروحة والكتاب.

ثانيا، في نشرة مراكش من هذه المقالة المسروقة، شكر جمال راشق بعبارات غامضة وملتوية فؤاد أبي سرور (زميله في جامعة القاضي عياض) لمساعدته له في ترجمة/كتابة العمل باللغة الفرنسيّة، ولكنّه، عندما أعاد نشر العمل في مجلّة دوليّة، فيلوسوفيا المذكورة، عمد إلى حذف اسمه ومعه عبارة الشكر (وهو أمر غريب ومريب!)؛ مستبدلا ذلك بشكر تيريز آن دريارت Thérèse-Anne Druart (من الجامعة الكاثوليكية الأميركية، واشنطن) على تفضّلها بمراجعة وتصحيح مقالته. وذة. تيريز آن دريارت اسم معروف في الساحة الدوليّة في مجال الفلسفة الإسلاميّة. فإذا استثنيا هذا التعديل الغريب في نشرة فيلوسوفيا، أي حذف عبارة الشكر لزميله في جامعة مراكش، فإنّه لا إضافة تذكر، إلا ما كان من بعض التصحيحات القليلة، يبدو أنّها من عمل آن دريارت، لتجويد العبارة الفرنسيّة وحذف الفقرة الأولى من مقدّمة نشرة مراكش. وإلى جانب دريارت التي شكرها لتفضّلها بمراجعة العمل في نشرته الثانية، يذكر راشق أسماء أكاديميّة محترمة أخرى، مثل ذ. مارون عواد، بصفته منظّم ندوة “السياسة والأخلاق عند ابن باجة” يوم 9 فبراير 2010 بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس، التي شارك فيها راشق بهذا العمل، ومثل اسم شارل جينكون Charles Genequand بصفته المحتفى بإصداره، تحقيق ثلاث رسائل ابن باجة وترجمتها إلى الفرنسيّة، في هذه الندوة (لم يذكره في نشرة مراكش). (انظر ص. 51، هامش 1 من نشرة فيلوسوفيا. وقارن مع نشرة مراكش ص. 7، هامش 2).

 وهذا دأب راشق في أعمال أخرى أيضا؛ فهو يحرص دوما على إقحام أسماء معروفة في الوسط الأكاديميّ الدوليّ، في نوع من السطو على أسماء هؤلاء واستغلال مصداقيتهم ونزاهتهم من أجل إضفاء مصداقية على أعماله المسروقة أو الملفّقة. ففي الكتاب الذي سطا فيه على بحث طالبه وعلى أجزاء مهمّة من كتاب الراحل جمال الدين العلوي، والذي صدر مرتين في آن معا وبعنوانين مختلفين، كما سبقت الإشارة، نقرأ أكثر من تقديم من قبل أكثر من أستاذ. فقد جاءت نشرة مراكش بعنوان ابن باجّه فيلسوف سرقسطة وفاس 533ه- 1139 سيرة وأعمال، بتقديم أستاذين معروفين: تقديم أحمد شوقي بينبين باللغة العربية وتقديم جوزيف بويج مونتادا باللغة الإسبّانية. أمّا نشرة الرباط للكتاب نفسه، وقد صدرت عن الرابطة المحمدية للعلماء، للكتاب نفسه فقد جاءت بعنوان ابن باجَّهْ: أبو بكر محمد بن يحيى ابن الصائغ التجيبي السرقسطي الأندلسي (ت. 533هـ/ 1139م): سيرة وببليوغرافية، وقد كتب تصديرها ذ. أحمد العبادي، أمين عام الرابطة.

ثالثا، في كتابه هذا، ابن باجّه، سيرة وأعمال، يشير في القسم الأول منه إلى عمل لأحد طلبته بشكل غامض جدّا كما يلي: “أنجز قسم كبير من هذه السيرة من طرف الطالب الباحث عبد الصمد البلغيثي تحت إشرافي وتوجيهاتي، ثم أغنيتها بعدد من المعطيات وخاصّة ما يتعلّق بالإرث الموسيقي لابن باجة”. (انظر ج. راشق، ابن باجّه فيلسوف سرقسطة وفاس 533ه- 1139 سيرة وأعمال، مراكش، 2016، ص. 19، هامش 1). ويبدو أنّ الكتاب جماع أجزاء كتبها غيره؛ إذ إنّ الجزء الخاصّ بابن باحة في التراث الفلسفيّ العبريّ واللاتينيّ منقول أيضا عن سيلفيا دي دوناتو Silvia De Donato التي يحيل عليها في هامش صغير، كما فعل مع طالبه، كما يلي: «أتوجه بشكر خاصّ للباحثة الإيطالية دي دوناتو على مساعدتها لي في كتابة هذه المادّة وإمدادي بكلّ المعلومات، بل بأعمالها المعدّة للنشر.» (نشرة مراكش، ص. 117 هـامش 1؛ نشرة الرباط، ص. 116، هامش 1).

أمّا المقال الذي أكتب بخصوصه هنا، فله مصدر واحد هو كتابي مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية الذي ينقل منه راشق كلّ ما أورده من أفكار، حرفيّا في كثير من الأحيان واختصارا في أحيان أخرى. ولا إضافات تذكر إلا ما كان من تصرّف، تحويرا وإقحاما، لفقرات وعبارات بغرض التمويه. فحتّى الجمل القليلة التي لم أرصد لها مقابلا مباشرا في الكتاب، هي نقل بالمعنى من مواضع مختلفة من الكتاب. وتجدر الإشارة إلى أنّ كتابي هو في الأصل جزء من أطروحة دكتوراه نوقشت بجامعة بفاس عام 2003. ويتكوّن من أقسام ثلاثة: الأوّل بعنوان: الإرادة مبدأ فيزيائي؛ والثاني: الإرادة مبدأ حيواني؛ والثالث: الإرادة مبدأ إنساني. وقد أخذ في “مقالته” من كلّ باب أهمّ ما يتعلّق بابن باجة في هذا الموضوع. ولم يترك بابا إلا ونقل منه دون أن يحيل عليه ولو مرّة واحدة: لقد أخذ من القسم الأوّل (قسم الفيزياء) العنصر الثالث من الفصل الثاني كاملا تقريبا، بعنوان الحركة التلقائيّة (من ص. 73 إلى ص. 110) مع الاختصار وحذف كلّ ما يتعلّق بغير ابن باجة. ومن القسم الثاني، المتعلّق بعلم النفس، نقل فقرات بأكملها متعلّقة بابن باجة، خاصّة من الفصل الأوّل والثالث، كما هو مبيّن في الجدول. أمّا في القسم الثالث، فيبدو أنّني سهّلت عليه الأمر؛ إذ أفردت عنصرين خاصّين بابن باجة: الأوّل بعنوان “مفهوم الفعل الإنساني عند ابن باجة”، والثاني بعنوان “الغاية الإنسانيّة عند ابن باجة”.غير أنّ جلّ ما نقله كان من الباب الأوّل المتعلّق بالفلسفة الطبيعيّة، وإن كان قد نقل أيضا من البابين الثاني والثالث المتعلّقين بعلم النفس والأخلاق على التوالي. وفي الجدول بيان ذلك.

ولست هنا لأناقش مقالته من حيث جودتها الأكاديميّة؛ فهي تخلو تماما ممّا يسمّى وضعيّة البحث ولا منهجيّته ولا خطّة البحث. وتخلو من أهمّ شيء وهو المجهود الشخصيّ، كما تخلو من الأمانة العلميّة التي عنوانها الإحالة على المراجع التي نقل منها واستثمرها في عمله. إنّه ينقل كلّ شيء من كتابي بما في ذلك عناوين مقالته وإحالاتها. صحيح أنّه يتصرف في بعض العناوين، لكنّه يورد جلّها بـ”أمانة” كما هي، وأحيانا بترتيب مختلف. وينقل إحالاتي كما هي، وبالنشرات التي اعتمدتُها، وهي مختلفة عن ما اعتمده هو في الإحالات القليلة التي أضافها لغرض في نفسه. لقد أضاف بعض الإحالات جلّها بغرض الإحالة على نفسه أو الإحالة على شارل جنيكون (المحتفى به في الندوة التي شارك فيها بهذا العمل). يورد إحالاتي على شرح السماع الطبيعي ورسالة الوداع وتدبير المتوحد وكتاب النفس؛ كما هي: فبالنسبة لكتاب تدبير المتوحّد، لم يغيّر سوى بعض الإحالات في الصفحات الأخيرة ليحيل على النصّ الذي حقّقه جينيكون، وترك غيرها كما هي؛ أي على تحقيق معن زيادة الذي اعتمدته في كتابي. أمّا شرح السماع الطبيعي فقد اعتمد في إحالاته القليلة جدّا على نشرة معن زيادة، في حين اعتمدت أنا على نشرة ماجد فخري. وجلّ إحالات المقالة على فخري لا على زيادة. ولا أدري كيف لم ينتبه إلى أنّه يعتمد نشرتين مختلفتين للكتاب نفسه في مقالة واحدة دون أي تبرير لذلك أو مقارنة بينهما. والأدهى من ذلك، أنّ الإحالات على نشرته لكتاب النفس أخذها من كتابي. وهذا أمر غريب حقا! بل إنّ راشق يحرص أن ينقل الفقرات التي أحيل فيها على نشرته لا على نصّ معصومي، ولا التي أقارن فيها بين النشرتين في بعض المواضع (وجلّها أساء فيها راشق قراءة النصّ، وهذا موضوع آخر).

وحتّى الجمل القليلة التي يحاول فيها تلخيص فقرات كتابي الطويلة أو إضافة جملة من عنده على سبيل الاستنتاج، نجده يجانب فيها الصواب في كثير من الأحيان! نعم، ثمّة أخطاء بالجملة في المقالة، أشرت إلى بعضها في الجداول أدناه، وجلّها نتيجة سوء فهم النصّ الذي ينقل منه. والأمثلة كثيرة على ذلك، أذكر منها فقط أنّه أساء فهم وتلخيص الفقرات التي تناولت تصنيف ابن باجة لأنواع الحركة (نشرة فيلوسوفيا، ص. 54؛ نشرة مراكش، ص. 10)، وقد قدّم تصنيف ابن سينا للحركة إلى طبيعيّة وغير طبيعيّة (مع إدخال الحركة القسريّة إلى جانب الحركة الإراديّة ضمن الحركة غير الطبيعيّة)، معتقدا أنّه يعرض تصنيفا من تصنيفات ابن باجة للحركة إلى ضروريّة وغير ضروريّة (مع وضع حركة القسر جنبا إلى جنب مع الحركة الإراديّة ضمن الحركة غير الضروريّة)! ويمعن في التشجير حتّى يفهم ما لا يسهل عليه استيعابه من أفكار لم يساهم فيها أصلا، مادام لا يرجع إلى كتاب ابن باجة الأصليّ، إلا نادرا جدا، وبإرشاد من إحالاتي. والدليل هنا أنّه لا إحالة على نصّ ابن باجة في هذا التصنيف، لأنّني لم أحل على شيء من ذلك، مادام ابن باجة لم يقل بذلك. وراشق ينقل ما أحيل عليه في الكتاب بلا زيادة ولا نقصان. وقد اجتهد في أن يفهم ويلخّص، لكن يبدو أنّ اجتهاده قد خانه أكثر من مرّة مادام غير قائم على أساس، ويتحرّك على أرض تسلّل إليها تحت جنح الظلام ولا يعرف تضاريسها!

أوّلا: مقال جمال راشق مسروق كلّه من كتابي

 أعترف أنّني عندما تصفّحت المقال بشكل سريع قبل بضع سنوات، اعتقدت خطأً أنّ الأمر يتعلّق بنقل بعض الفقرات لا أكثر. لكن بعد أن تلقّيت ملاحظة مُحرجة من أحد المحكّمين في شأن مقال لي سيصدر قريبا، تفيد بوجود تطابق بين مواضع مختلفة بين كتابي ومقال راشق، عدت إلى قراءة هذا الأخير بتأنّ ومقارنته مع الكتاب، وقد هالني حجم المنقول في الدراسة. فقمت بجرد شامل لجميع فقرات مقاله، وخلصت إلى كونه نقلا حرفيّا في مواضع كثيرة وملخّصا باللغة الفرنسيّة للنصّ الذي كتبته في الأصل باللغة العربيّة. وأجزم الآن أنّ الدراسة منقولة من ألفها إلى يائها من كتابي، على عكس ما اعتقدته أوّل وهلة. ولذلك حرصت أن أورد فقرات كاملة من مقال جمال راشق، حتّى يظهر حجم ما نقله وما لم ينقله، وما تصرّف فيه تلخيصا أو استنتاجا. وقد سجّلت ملاحظاتي عليها. وفيما يلي جدول المقارنات، وألتمس من القارئ الوقوف عندها واحدة واحدة، حتّى يتبيّن حجم ما ارتكبه راشق من سرقة لمجهودي العلمي:

  • مقدمّة المقالة وسرقة الفكرة
البوسكلاوي، سعيد. مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائيّة (بيروت: دار المشرق، 2010). ISBN 2-7214-8135-5 El Bousklaoui, Said. mafhūm al-irādat fī al-falsafat al-islāmiyyat al-mashshā’iyyat [The Notion of the Will in Islamic Peripatetic Philosophy] (Beirut: Dar El Machreq, 2010). ISBN 2-7214-8135-5Rachak, Jamal. “la volonté chez Ibn Bājja (m. 1139). De la physique à l’éthique,” in Philosophie et Science en Occident Musulman, édité par Touria Bourkane (Marrakech : Publications de la Faculté des Lettres, 2012) : 7-27; republished in Philosophia 14, 2016, [PDF pp. 51-71]
[…] الطابع الإشكالي لموضوع الإرادة لا يطرح، في الحقيقة، إلا عند الكائن الإنساني بوصفه كائنا مركّبا على الإطلاق دون غيره من الكائنات البسيطة الطبيعية أو السماوية […] تزاوج بين الضّرورة والحرّية، بين الانفعال والفعل (مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية، ص. 15)Mon article1 consiste à débattre d’un sujet majeur chez un philosophe du Moyen Âge de l’Occident musulman, à savoir Ibn Bāğğa. Il s’agit de la Volonté qui, aux yeux d’Ibn Bāğğa, ne dépend pas du « Ciel » mais plutôt de «l’Homme», car c’est à lui seul que revient toute décision et toute réaction. (Philosophia 14, )2016(: 51-71, p. 51)
[…]والتزام ابن باجة بالتّمييز بينهما داخل الإطار الفيزيائي ذاته، دون الخروج بتاتا عن المبادئ الأساسية التي رسمها المعلّم الأوّل. وقد أشرنا في مقدّمة الفصل الأوّل من المبحث الفيزيائي إلى شكّ في غاية الأهمية أثاره ابن الصّائغ[…]. (نفسه، ص. 321)Ibn Bāğğa reste très fidèle à l’oeuvre de son maître Aristote, mais parfois, il n’hésite pas à aller de l’avant dans l’analyse de telle ou telle question qui va enrichir et déterminer sa propre problématique, voire sa philosophie. L’une de ces questions est la volonté. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 8 ; Philosophia 14, p. 51-52)
[…] لم يولي أرسطو لموضوع الإرادة الأهمّية ذاتها التي حظي بها لدى فلاسفة الإسلام، […]، (نفسه، ص. 320)Il est vrai qu’Aristote l’évoque aussi dans la physique mais sans lui accorder grand intérêt d’analyse dans cette œuvre. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 8; Philosophia 14, p. 52)

صحيح أنّ راشق لا ينقل حرفيّا مقدّمة مقاله من كتابي، لكن من الواضح أنّه لم يتعب نفسه في إعدادها، فمقدّمته لا تعدو أن تكون نقلا لجمل متناثرة من الكتاب، وخاصّة من مقدّمة الكتاب وخاتمته، كما بيّنت أعلاه. لقد نقل فكرة المقال ومادّته في آن واحد من الكتاب/الأطروحة، كما سيتوضّح من خلال تتبّع مقارنات فقراته مع فقرات من كتابي. ولا ننسى أنّ المقال ينقل من نصّ مكتوب بالعربيّة إلى اللغة الفرنسيّة. وعندما أستعمل كلمة ‘نقل’ هنا، فأقصد به الترجمة أساسا، مع التنبيه على مواضع النقل الحرفيّ وغير الحرفي، وكلاهما نقل. والأمر ينطبق أيضا على بعض الفقرات التي تلي المقدّمة التي هي أقرب إلى التلخيص (نقل غير حرفيّ)، لكن تشوبها أخطاء، كعادته عندما يحاول أن يلخصّ النصّ؛ إذ إنّ تلخيصه، مثلا، لخصائص الحركة الطبيعية عند ابن باجة يعكس، بشكل واضح، عدم استيعابه للنصّ الذي يترجمه. إذ لا يبدو أنّه استوعب مفهوم الطبيعة ولا مفهوم الحركة الطبيعيّة عند ابن باجة! في هذا السياق، يتكلّم ابن باجة عن الجسم الجامد لا عن الجسم الطبيعي! وراشق يستعمل هذا الأخير دون تميييز بين الإثنين. (انظر نشرة مراكش، 8؛ نشرة فيلوسوفيا، 52).

وفيما يلي، يبدأ النقل الحرفيّ من كتابي! ينقل (ملخِّصا أحيانا) الفقرات التي تخصّ ابن باجة فقط، ويحذف كلّ المقارنات مع غيره من الفلاسفة. والبداية بالفصل المعنون بـ”الحركة التلقائيّة (ص. 73- 110):

ب) سرقة القسم الأوّل من الكتاب وأخطاء في الفهم والتلخيص

 […] أنّ الجسم الجامد لا يتحرّك بقوّته الذاتية إلى موضعه الطبيعي إلاّ إذا كان في غير موضعه الطبيعي. وإذا استقرّ في مكانه الطبيعي سكن كلّية، ويستحيل أن يتحرّك بطبيعته الذاتية إلا بتدخّل عامل خارجي يقسره على الانتقال إلى موضع آخر غير موضع سكونه الطبيعي. ويمكث الجسم خارج صورته الطبيعية مادامت قوّة القاسر حاضرة، ولا يتحرّك بذاته طلبا لمكانه الطبيعي إلا بزوال العائق سواء بتدخّل فاعل خارجي آخر أو باستنفاذ القاسر لقوّته. تقتضي الحركة الطبيعية حركة غير طبيعية متقدّمة عليها؛ ذلك لأنّه لقيام الحركة الطبيعية كحركة موجودة بالطبع للجسم لابدّ وأن تتقدّم فتسبقها حركة قسرية تنقل هذا الجسم إلى مكان غير مكانه الطبيعي. من هنا نستطيع أن نفهم ما ذهب إليه ابن سينا، وغيره من فلاسفة الإسلام المشّائين، من أنّ المقصود بالحركة الطبيعية ليست هي تلك الحركة الصادرة عن الطبيعة بتاتا، وإنّما هي الحركة الكائنة عن حال غير طبيعي. ذلك لأنّ كلّ حركة طبيعية تروم غاية طبيعية، “ويستحيل إذا حصلت تلك الغاية أن يتحرّك المتحرّك بالحركة الطبيعية؛ “. […] ويذهب ابن باجة أبعد من ذلك، حيث يربط بين المتحرّك بالطبع والمتحرّك بالقسر، على اعتبار أنّ المتحرّك طبعا لا يتحرّك عن موضعه الطبيعي إلا قسرا “كالحجر إذا رمي به”؛ “فإذا زالت عنه قوّة القاهر عاد إلى ما في طبعه”. ليخلص، من ثمّة، إلى أنّ “مبدأ الحركة فيه هو القاسر”. (ص. 73-74)Il démontre que le corps naturel n’a pas le principe de mouvement en soi puisqu’il ne change de lieu que lorsqu’il se trouve hors de son lieu naturel. Ceci est dû à un mouvement de contrainte qui fait office d’obstacle ou écartement d’obstacle. Le mouvement naturel est un mouvement vers le lieu naturel. Cela sous-entend qu’une fois il atteint sa fin et son lieu naturel, il plonge dans un repos total et ne peut plus avoir de mouvement. Les corps naturels, donc, ne bougent que s’ils sont hors de leurs lieux naturels. Ils sont forcés de quitter leurs places naturelles et une fois que cette contrainte s’achève ou s’atténue, le corps naturel regagne sa place initiale par un mouvement naturel. Donc, pour Ibn Bāğğa, il n’y a pas de mouvement naturel mais plutôt juste un mouvement de contrainte qui se réalise : « inna mabda᾽ al-ḥaraka fī-h huw-a al-qāsir ». (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 8 ; Philosophia 14, p. 52)
وهو استنتاج يبدو غريبا لأوّل وهلة؛ وما يزيده غرابة إمعانه في ذلك إلى درجة أن جعل من التحرّك القسري “التحرّك الطبيعي المحض”. الأمر الذي يعني أنّ الحركة الطبيعية المحضة هي، في الحقيقة، حركة قسرية، مادام الجسم الطبيعي لا يتحرّك أبدا عن موضعه الطبيعي إن لم يتدخّل سبب خارجي ‘قسري’؛ وإذا وجد في غير مكانه الطبيعي فإنّه سيتحرّك عنه ضرورة تلمّسا لموضعه الطبيعي إن لم يعقه عائق . وهذا ما جعل من موضوع المحرّك في الأجسام الطبيعية موضوعا إشكاليا “وقع التشكيك عليه ويعرض السؤال فيه” بتعبير ابن الصائغ. إذ كيف يستقيم القول بأنّ هذه الأجسام تملك في ذاتها مبدأ حركتها وسكونها مع ما تقرّر بأنّ محرّكها يوجد خارجا عنها، وإنّها لا تتحرّك بذاتها إلاّ بزوال القاسر أو بتدخّل عامل يزيل العائق؟ (ص. 74-75)  Ibn Bāğğa continue à creuser dans la même voie jusqu’à faire du mouvement de contrainte le vrai mouvement naturel. Le vrai mouvement donc dans le corps naturel est un mouvement de contrainte. Ces caractéristiques sont: (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 8 ; Philosophia 14, p. 52) 1. Le corps naturel ne change de lieu que s’il est hors de son lieu naturel. 2. Le corps naturel n’est hors de son lieu naturel que par intervention du corps exerçant une contrainte (al-qāsir). 3. Le vrai mouvement dans le corps naturel est ainsi un mouvement de contrainte. Par conséquent, le corps naturel n’a pas comme principe le mouvement en soi, mais son principe de mouvement est l’exerçant de la contrainte (al-qāsir) ou l’écartement de l’obstacle. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 8-9; Philosophia 14, p. 52)
يشي هذا السؤال بوجود تناقض في الديناميكا الباجية كما ذهب إلى ذلك بعضهم بالفعل؛ غير أنّ الأمر ليس كذلك في نظرنا. وسنعتمد في تبيان ذلك على ملاحظتين أساسيتين سيسعفاننا في الكشف، في آن واحد، عن سياق تولّد موضوع الحركة التلقائية في الفيزياء المشّائية عموما والباجية على وجه الخصوص: (75-76) Ainsi, la question qui se pose est: est-ce donc ceci une évolution dans l’analyse d’Ibn Bāğğa ou juste une simple contradiction? Ibn Bāğğa est conscient du fait que le mouvement naturel a pour principe le mouvement en soi. Mais alors pour quelle raison a t il poussé la recherche dans cette voie? Voici quelques éléments de réponse: (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 9 ; Philosophia 14, p. 53)
لم يكن لابن باجة أن ينفي الحركة الذّاتية الطّبيعية عن الأجسام الثقيلة، لأن هذا يجعله ينفي عنها القوّة الطبيعية التي فيها على الحركة، وبالتالي ينفيها كموجودات تماما من دائرة الموضوعات الطبيعية بنفي صورتها وماهيتها الطبيعية؛ بقدر ما نفى عنها الحركة الذّاتية الفاعلة، أي القوّة الفاعلة التي تختص بها المحركات الأول ومنها الحيوان الذي هو موجود أعلى مرتبة من الأجسام الطبيعية. )ص. 76(Ibn Bāğğa ne pouvait pas nier le mouvement naturel pour les corps naturels qui ont un certain poids. C’est en tant que corps naturel que ce dernier a le mouvement naturel en soi et qu’il acquiert le statut d’existant naturel. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 9 ; Philosophia 14, p. 53)
 […] إنّ ما يجعل منها، أوّلا، أجساما طبيعية هو كونها تملك في ذاتها هذا المبدأ كقوّة ذاتية على الحركة. لكن، لمّا كانت القوّة صنفان: قوّة فاعلة وقوّة منفعلة كما رأينا، فإنّ الأجسام البسيطة لا تملك – وهذا هو الفرق بينها وبين المتحرّك من تلقائه- سوى القوّة المنفعلة وحسب، وليس لها القوّة الفاعلة التي للحيوان  [“وليس للأجسام قوّة على أن تفعل حركة، بل لها قوّة على أن تقبل حركة أو سكونا. ولذلك لا يقال فيها إنّها تتحرك من تلقائها”؛ نفسه، ص. 161]. (ص. 77).Les corps naturels ont une puissance pour se mouvoir tout seul, mais le terme « Puissance » à deux acceptions : un sens actif et un sens passif, à ce stade, les corps naturels n’ont pas la puissance active pour donner du mouvement, mais plutôt une puissance passive qui reçoit le mouvement ou le repos  [« wa-laysa li-l-ağsām quwwa ̔ alā ̓ an taf̔al ḥaraka, bal la-hā quwwa ̔ alā ̓ an takbal ḥaraka aw sukūn », Faḫrī, p. 161]. ((Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 9 ; Philosophia 14, p. 53)
ب) الملاحظة الثانية منهجية، مرتبطة بمنهج ابن باجة التصنيفي، تحليلا وتركيبا، صعودا ونزولا في مراتب الموجودات حسب أجناسها […] ولا يجب أن نغفله أثناء تعرضنا لهذا الأخير؛ لأنّه مرتبط بمضمون أفكاره أيمّا ارتباط[…]. وإذا استحضرنا هذا المنهج فيما نحن في صدده، فإنّنا سنجد أنفسنا أمام مستوى من التحليل يوطّئ لفحص جنس آخر من الحركة غير حركة الأجسام الثقيلة، وصنف آخر من المحرّك غير المحرّك فيها؛ ومن ثمّة يرتفع الإشكال الآنف بذاته ما دام الارتقاء إلى جنس أعلى وأكمل من الموجودات يبرز نواقص الجنس الأدنى. وسيكون لنا أن نلاحظ أنّ المحرّك بالطّبع لم يبدُ محرّكا منفعلا في الفيزياء الباجية إلاّ ببزوغ محرّكات أقدم منه وأولى؛ إذ المحرّك الأقصى هو الفاعل حقيقة، في حين أنّ المحرّك الأخير لا يمكن أن يكون إلاّ محرّكا منفعلا. وبينهما لا يمكن أن يكون المحرّك في الحيوان إلا فاعلا لأنّه ليس أخيرا، بل هو محرّك أوّل في جنسه وما دونه، وأعلى مرتبة وأشرف من المحرّك بالطبع.[وهو الحيوان الذي يتحرك الحركة التلقائية]. (ص. 76)  Ibn Bāğğa a adopté une méthode qui lui est propre dans l’analyse et qu’il faut respecter pour pouvoir comprendre sa pensée. Ibn Bāğğa a poussé la recherche dans le mouvement naturel jusqu’au bout afin d’arriver à une nouvelle sorte de mouvement qui se différencie du mouvement naturel. Il y a d’autres espèces de corps naturels qui ont aussi le principe du mouvement en soi mais non pas en tant que puissance passive mais plutôt en tant que puissance active. C’est le corps animal et cette nouvelle sorte de mouvement c’est le mouvement spontané qui est supérieur au mouvement naturel. ((Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 9 ; Philosophia 14, p. 53)
[…]الأمر من البداهة بمكان ولا يستدعي أدنى تشكيك ما دام المتحرّك بالطّبع جسما يملك في ذاته مبدأ حركة طبيعية. يجب أن يحمل السؤال، في الحقيقة، على طبيعة هذه الحركات الذاتية، هل هي حركة تلقائية أم لا؟ أي على طبيعة المحرّك في المتحرّك بالطّبع، هل هو محرّك مستقل، مكتف بنفسه، أم أنّه يحتاج ضرورة إلى تدخّل عامل خارجي مساعد، يثير فيه الشوق إلى الحركة وإلى الاستكمال بصورته/موضعه الطبيعي؟ (ص. 78)            Ibn Bāğğa n’a jamais douté de l’existence du mouvement naturel dans les corps naturels. La question traitée ici ne remet pas en question le mouvement naturel ou le statut des corps naturels, mais c’est plutôt une question qui examine le moteur dans le corps pour savoir s’il ne dépend que de soi-même ou d’un facteur extérieur qui le suscite à se mouvoir et à réaliser sa fin/forme: atteindre son lieu naturel. ((Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 9 ; Philosophia 14, p. 53)
ذلك لأنّ هذا السؤال لم يكن ممكنا إلا حينما انتقلنا، مع ابن باجة، إلى مستوى آخر من الفحص غير المستوى الأوّل، وإلى جنس آخر من الحركة بمحرّك مختلف عن المحرّك الحركة الطبيعية. (ص. 78)Cette analyse nous emmène donc à dépasser le mouvement naturel dans le corps naturel pour le remplacer par un mouvement de contrainte8. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 10 ; Philosophia 14, p. 53)..

بالفعل، إنّ النقل حرفيّ و”أمين” في الفقرات الآنفة. غير أنّه ختمها باستنتاج خاطيء، معتقدا أنّ الأمر يتعلّق بالحركة القسريّة، في حين أنّ الأمر يتعلّق بالحركة الضروريّة التي هي أعمّ وأشمل لأنواع أخرى من الحركة. وأيضا، فإنّه يعيد صياغة أفكار بعض الفقرات في شكل أسئلة محاولة منه فهم مقصود الفقرة، لكن غالبا ما يخونه الفهم حين لا يكتفي بالترجمة الحرفيّة ويحاول أن يلخّص أو يستنتج شيئا من عنده! والأمر نفسه بالنسبة إلى التصنيفات التي حاول أن يلخّصها وأن يضعها في شكل بيان. مثال: ابن باجة لا يصنّف الأجسام الطبيعيّة إلى ما لها محرّك من خارج، وما له محرّك ذاتي. وهنا أيضا أساء الترجمة وأساء فهم نصّ ابن باجة: “[…]وأمّا حركة الأجسام الطبيعيّة، وأنّها عن محرّك من خارج، فذلك ممّا يحتاج إلى قول” ص. 133. فعبارة ابن باجة تفيد التشكيك لا التقرير.

لقد وقع جمال راشق في خلط واضح بين الحركة الضروريّة والقسريّة، غافلا أنّ ابن باجة سمّاها ضروريّة لكي تشمل كلّ أنواع الحركات التي تتّسم بالضرورة (طبيعيّة وقسريّة) ومعهما أيضا السماوية التي صنّفها ابن سينا ضمن الحركة الإراديّة. وأحيانا يبدو أنّه ينقل أفكار ابن سينا وينسبها إلى ابن باجة لأنّ الكتاب يتعرّض لابن سينا وابن رشد وغيرهم من فلاسفة الإسلام أيضا. (نشرة مراكش، 10؛ نشرة فيلوسوفيا، 54).

وأيضا، فإنّه قدّم تصنيفا خاطئا لأنواع الحركة عند ابن باجة، حيث أساء تماما فهم الفقرة التالية: “واضح أنّ الإرادة هي نقطة هذا التقابل والخطّ الفاصل بين ما يتحرّك طبعا وضرورة وبين ما يتحرّك بالاختيار. فإذا كانت حركة الأجسام الطبيعيّة حركة ضروريّة، فإنّ حركة الحيوان لا يمكن أن توصف بالضّرورة بتعبير ابن باجة. لذلك فإنّ الحركة، بهذا التقابل، تنقسم إلى حركة ضروريّة، مع إدخال حركة القسر وإن كانت تقال عليها باشتراك، وإلى حركة إرادية اختياريّة ينفرد بها الكائن الحيواني”. (مفهوم الإرادة، ص. 93)

ويبدو أنّه أساء فهم النص الأسبق وترجمته بناء على إحالتي على نصّ ابن باجة. ويبدو أنّه لم يكمله، لذلك لم يفهمه: “والمتحرّك طبعا قد يتحرّك ضرورة، فإنّ حركة الحيوان لا توصف بأنّها ضرورة، ولذلك تنقسم الحركة بهذا التقابل، فيقال بأنّ الحركة منها ما هي بالضرورة، كحركة الأرض إلى أسفل، ومنها ما ليس بالضرورة. وما ليس بالضرورة، فمنها بالقسر ومنها بالاختيار، وهي حركة الحيوان. وقد تقال الضرورة على حركة القسر، لكن باشتراك.” [السماع الطبيعي، ص. 133]. (انظر نشرة مراكش، 10 ؛ نشرة فيلوسوفيا، 54)

ومنذ المقالة الثانية من شرحه على السماع([1])، حول مفهوم الطبيعة ذاته الذي اعتبره حدّا مشتركا وحسب، ولا يمكن حمله بالمعنى نفسه على كلّ من النفس والطبيعة؛ حيث تساءل في سياق مناقشته للتّحديد الأرسطي لهذا المفهوم قائلا: مادام أنّ الجسم الطبيعي، من جهة ما هو طبيعي، هو المتحرّك بذاته، فهل المقصود بالمتحرّك كلّ أصناف المتغيّر بما فيه المتحرّك من تلقائه؟ ذلك لأنّ المتحرّك الإرادي كما يتحرّك من تلقائه يسكن من تلقائه؟ ولاحظ، تمهيدا للجواب عن هذا السؤال، بأنّ الحركة والسكون ليسا مفهومين شموليين بحيث ينسحبان على كلّ جسم وكلّ موجود طبيعي، وإنّما يوجدان للجسم “لا من حيث هو جسم، بل من حيث هو جسم بحال ما […] إذ ليس كلّ طبيعة هي مبدأ لكلّ حركة”. (الخاتمة، ص.321-322)  Dès le deuxième chapitre de la physique, Ibn Bāğğa considère le terme Nature comme homonyme et ne véhicule pas le même sens tant pour l’âme que pour la nature, car il diffère au niveau des principes de mouvement. Si le principe du premier est naturel, c’est-à-dire physique, il a le mouvement en soi en tant que passif11[« ̓ anna kul mā laysa bi-ḏī nafs, fa-laysa muḥarrik-an, bal huw-a mutaḥrrik munfa̔ il, wa-̓ inna-mā hu-a muḥrrik bi iqtirān al-muḥrrik bi-h», Faḫrī, p. 135]; alors que le second à comme principe l’âme et il a le mouvement en soi en tant qu’actif. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 11 ; Philosophia 14, p. 54)
ينفرد ابن باجة بهذا الاهتمام الذي أحاط به موضوع الحركة التلقائية في شرحه على السماع الطبيعي، وما كان ليعلن ميلاد هذا الجنس الجديد من الحركة إلا عبر وضع الحركة الطبيعية ضمن حدودها الحقيقية من خلال كشف الطّابع الانفعالي للمحرّك بالطّبع، وإفساح المجال لتقدّم المحرّك الإرادي بوصفه وحده المحرّك الحقيقي الفاعل في عالم الكون والفساد[…] إنّ المحرّك الطّبيعي غير المتنفّس في المتحرّك بالطّبع هو متحرّك منفعل ولا تقوم له قائمة كمحرّك بالفعل إلا باقترانه بشيء آخر يحرّكه فتتمّ الحركة. (ص. 78-79). ومن هنا يخلص ابن باجة إلى استنتاج آخر[…] وهو “أنّ كل ما ليس بذي نفس، فليس محرّكا، بل هو متحرّك منفعل، وإنّما هو محرّك باقتران المحرّك به”، كما سلفت الإشارة[…] والسّؤال البديهي الذي يفرض نفسه الآن هو: هل يشي هذا الاستنتاج بتعميم هذا الصّنف من المحرّك النفساني الخاصّ بالحيوان على المحرّكات السماوية وتحديدا على المحرّك الأوّل المطلق[…]؟(ص. 79-80)  Comment distinguer, alors, les corps à mouvement spontané et les autres corps naturels? Selon Ibn Bāğğa, tout corps naturel a pour forme la nature et il est considéré comme un corps ayant un mouvement naturel passif d’une part, et d’autre part tout corps naturel ayant pour forme l’âme est un corps qui a le mouvement spontané. Mais alors, est ce que tout corps doué d’âme jouit forcément de mouvement spontané ?            
إنّ فحص هذا السّؤال يمرّ عبر الوقوف على طبيعة المحرّك الأوّل في الحيوان[…] سنقتصر على إثارة فكرتين أساسيتين تعكسان مستويين إثنين من الفحص عند هذا الأخير، إذ ترصد أولاهما وجه العلاقة بين المحرّك الأوّل في الحيوان والمحرّك في المتحرّك بالطّبع، في حين تحمل الثانية على طبيعة العلاقة القائمة بين المحرّك الأوّل في الحيوان والمحرّك الكلّي: (ص. 79-80)Afin de répondre à cette question délicate, nous allons faire appel à la définition du mouvement spontané chez Ibn Bāğğa, définition développée en deux étapes. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 11 ; Philosophia 14, p. 55)  

يلخّص راشق في فقراته السابقة عنصرا من كتابي بعنوان: من الحركة الطبيعية إلى الحركة التلقائية (ص. 83-86). وفي هذا العنصر الذي عنونه “تعريف الحركة التلقائية عند ابن باجة”، نقل راشق جلّ ما يتعلق بابن باجة في العنصر المعنون: “من الحركة التلقائية إلى الحركة الإرادية”، مع حذف كلّ ما يتعلّق بابن سينا (ص. 86-89). يبدأ النقل حيث يبدأ الكلام عن ابن باجة من ص. 89 من الكتاب.

  من الحركة التلقائية إلى الحركة الإرادية   أولى ابن باجة أهمّية قصوى لموضوع الحركة التّلقائية في العلم الطبيعي […] وهو يفحص هذا الموضوع في شرحه على كتاب السماع الطبيعي، ليثمر تحديدين أرادهما دقيقين وشاملين، بل توخّى منهما، على ما يبدو، الوصول إلى تصوّر واضح ومنسجم، من جهة، مع السياق الفيزيائي المشّائي الذي أخذ الموضوع فيه كدليل لإثبات وجود المحرّك الأوّل الأقصى، ومع فلسفته الأخلاقية والميتافيزيقية وتأمّلاته الخاصّة في الإنسان والوجود من جهة أخرى: (ص. 89)  Définition du mouvement spontané chez Ibn Bāğğa En examinant le mouvement spontané dans la physique, Ibn Bāğğa a pris en considération deux éléments importants :  Aristote, et avec lui toute l’école péripatéticienne, a évoqué le mouvement spontané comme principe du mouvement en soi chez l’animal afin de démontrer l’existence du moteur primaire.  La conviction d’Ibn Bāğğa que son projet philosophique a comme centre de gravité l’étude de l’homme. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 11; Philosophia 14, p. 55)
التحديد الأوّل المتحرّك من تلقائه هو المتحرّك ” الذي لا يحتاج في تحريكه إلى آخر غيره، كأنواع الحيوان”.() يتقدّم المتحرك من تلقائه في هذا التعريف الأوّل بوصفه متحركا مستقلاّ، لا يحتاج في تحريكه إلى شيء آخر غيره. وكلّ متحرّك بهذه الصفة هو متحرّك مكتف بنفسه، متحرّك متحرّر من الشرط الطبيعي ولا يخضع للآلية الطبيعية الجارفة. إنّه يتحرّك بذاته ولا يتحرّك عن شيء خارج عنه، وحتى إن فرضناه تحرّك تحت تأثير قوّة خارجية ـ يقول ابن باجة ـ فإنّ حركته لن تكون إلا بالعرض […]. (ص. 89-90)  La 1ère definition   Le corps doué de mouvement spontané est « celui qui n’a guère besoin dans son mouvement d’autre facteur que soi et ce sont les espèces animales ». D’après cette première définition, le mouvement spontané ne dépend d’aucun facteur extérieur et échappe à tout facteur de la nature et même s’il se meut (yataḥarrak) grâce à un facteur extérieure, cela ne se produit que par accident. Ibn Bāğğa précise que c’est l’animal qui dispose du mouvement spontané, mais on trouve d’autres corps naturels inanimés et animés qui ont le mouvement en soi. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 11-12 ; Philosophia 14, p. 55)
[…]إنّ خاصّية الحيوان الأولى والأساسية بوصفه متحرّكا من تلقائه، تبعا لهذا التحديد الأول، هي أنّه يتحرّك بذاته. وهي خاصيّة مشتركة تبقى، مع ذلك، غير كافية لتمييزه تماما عن الأجسام الطبيعية التي نجدها بدورها تتحرّك بذاتها[…] (ص. 90)  La question est donc: cette définition est-elle suffisante ? Si oui, est ce qu’elle tranche vraiment entre les corps qui ont le mouvement spontané et les autres qui ne l’ont pas? (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 55)
“لكن، لابد من تسجيل ملاحظة أساسية تتعلّق بصفة العمومية التي يتّسم بها هذا التعريف؛ تجعل منه تعريفا غامضا ملتبسا، وكأنه جاء ليطرح الإشكالات أكثر مما جاء ليحلّها. كيف ذلك؟ (ص. 90)Remarquons que cette définition est un peu vague pour deux raisons: (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 55)

يبدو أنّ السؤال الذي طرحه راشق بعد هذا (ص. 55) قد أضافه من عنده، والحال أنّه قد أخذه من الفقرة الموالية. وعندما يذكر أنّه: “يلاحظ أنّ التعريف يتّسم بالعمومية والغموض”، فإنه يبدو أيضا أنّه يلخّص الفقرة الطويلة التي حلّلت فيها صعوبتين تواجهان هذا التعريف. والواقع أنّه لا يكلّف نفسه حتّى عناء التلخيص؛ بل يكتفي بالتقاط الصعوبتين تماما كما أوردتهما كما يلي:

إنّ خاصّية الحيوان الأولى والأساسية بوصفه متحرّكا من تلقائه، تبعا لهذا التحديد الأول، هي أنّه يتحرّك بذاته. وهي خاصيّة مشتركة تبقى، مع ذلك، غير كافية لتمييزه تماما عن الأجسام الطبيعية التي نجدها بدورها تتحرّك بذاتها؛ لتظلّ الحركة التلقائية حركة طبيعية أو صنفا من أصنافها، ولا تخرج بتاتا عن إطار جنس الحركة التي بالطّبع للأجسام الطبيعية، ولا تنفلت من قوانينها. وهو الأمر الذي أكّده ابن باجة، بشكل واضح حين اعتبر أنّ التقابل بين “ما يتحرّك عن خارج عنه، وما لا يتحرّك عن خارج”، ليس تقابلا في الجنس وإنّما هو تقابل فصلين داخل نوع واحد.() فما يتحرّك بالطّبع عن شيء خارج عنه وما يتحرّك بالطّبع بتلقائه هما بمثابة فصلين متقابلين داخل جنس المتحرّك بالطّبع، كتقابل ما له أرجل وما لا أرجل له في جنس الحيوان..لأنه لو كان الأمر بخلاف ذلك، لكان الحيوان والأجرام المستديرة” بحسب جنس واحد”، لا يتحرك عن خارج عنه اطلاقا، لا أوّلا ولا ثانيا؛ ولكان في حركته يشبه حركة الأجرام السماوية.([1]) (ص. 90)  -On découvre que les corps naturels ont, à leur tour, un mouvement en soi. Conscient de l’existence d’une telle vérité, il remarque la différence tracée par cette définition entre mouvement naturel et mouvement spontané. Cette différence ne distingue que deux propriétés de la même espèce, comme par exemple la différence entre un animal doté de quatre pattes et un autre qui ne l’est pas tout en sachant que les deux appartiennent à la même espèce.   -Il y a d’autres corps naturels dotés d’âme et qui ont le mouvement en soi: le cas de l’animal céleste. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 56)
الأمر الذي يدعو إلى التّساؤل حول هذا الوضع الخاصّ الذي يحتلّه الحيوان بين الأجسام الطبيعية والأجرام السماوية وخصوصية حركته التي تشارك كلا الجنسين في حركتهما إلا أنها، وفي آن واحد، تنفرد بهويتها المتميزة. والحقّ أنّ هذا التعريف، كما لم يفصل “جنسيا” بين المتحرّك من تلقائه والمتحرّك بالطّبع تفاديا للخلط بينه وبين المتحرّك السماوي الدائري، وهي الصعوبة الأولى التي يطرحها الموضوع؛ كذلك فإنه لم يفصل فصلا تاما بين الحركة التلقائية الخاصّة بالحيوان الأرضي وحركة الحيوان السماوي”، إن صح التعبير؛ احترازا أيضا، وهي الصعوبة الثانية، من الوقوع الساذج في ربط بسيط بين المتحرك من تلقائه والمتحرك بالطّبع، وهو ما رام منذ البداية تلافيه، أي تلافي السقوط في جعل الحركة التلقائية لدى الحيوان حركة طبيعية بسيطة[…]. (ص. 90-91) عبر تمييزها، في آن واحد، عن حركة الأجسام الطبيعية وعن حركة الأجسام السماوية وضمان مرتبتها المتميزة والوسطى بينهما. (ص. 91)Ibn Bāğğa est très prudent ; il ne veut pas délaisser le mouvement spontané pour les autres sortes de mouvements. Au contraire, il cherche à spécifier ce genre de mouvement parce qu’il a un projet philosophique dont l’Homme occupe une place centrale. Il ne veut considérer le mouvement spontané ni comme mouvement naturel simple ni comme mouvement des corps célestes ; ces derniers ont d’autres caractéristiques. Pour Ibn Bāğğa l’animal tient une place intermédiaire entre les corps naturels simples et les corps célestes, et donc le mouvement de l’animal doit être spécifié. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 56)  

تختصر الفقرة الموالية، من مقالته، الفكرة التي ناقشتها بتفصيل في فقرات موالية (ص. 90-92):

– التحديد الثاني بعد أن استوفى الفحص عن المتحرك بالطّبع من جهة المحرّك؛ وتبيّن له أن كلّ متحرّك إنّما يتحرّك عن شيء غيره، إما خارجا عنه أو فيه، إما أولا أو ثانيا، راح يفحص المتحرّك من تلقائه، ليقدّم تعريفا ثانيا للمتحرّك من تلقائه بوصفه، هذه المرة، المتحرك الذي يسكن من تلقائه، وهو الحيوان فقط. بل وأكثر من ذلك، وعلى عكس الأجسام الطبيعية التي تتحرّك حركة واحدة وعلى نهج واحد، فإنّ الحيوان يتحرك حركات كثيرة ومتباينة. (ص. 92)  La 2ème définition.   Ibn Bāğğa creuse plus profondément dans la physique afin de trouver quelque chose qui caractérise le Mouvement Spontané. En commençant, il a trouvé que le mouvement spontané diffère du mouvement naturel par la direction du mouvement. Le mouvement naturel a une seule direction: quel soit vers le haut ou vers le bas, selon le poids du corps et sa nature. Par contre le mouvement spontané est un mouvement qui tend vers des directions différentes et parfois contradictoire. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 56)
المقصود بالحركة المكانية حينما يتعلّق الأمر بالحيوان، ليس شيئا آخر غير الحركة الإرادية[…]إنّ مبدأ الحركة المكانية هي الإرادة، وهو بالضبط ما يجعل منها حركة إرادية. (ص. 191)[…ٍ] فإذا كانت حركة الأجسام الطبيعية حركة ضرورية، فإنّ حركة الحيوان لا يمكن أن توصف بالضّرورة بتعبير ابن باجة. (ص. 93)Ainsi il se caractérise par le mouvement local, mais les corps inanimés ont aussi le mouvement local, mais ce mouvement pour eux est un mouvement nécessaire. Par contre le mouvement local pour l’animal est un mouvement de volonté. Et afin qu’un corps naturel produit un mouvement spontané, il doit être doté d’une âme et d’instruments pour qu’il puisse l’effectuer. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 12 ; Philosophia 14, p. 56)

يلاحظ أنّه يأخذ أفكارا من صفحات مختلفة ويعيد تركيبها. وفيما يلي، يبدو أنّه يغيّر العبارة، والواقع أنّه يكمّل فقرته بنقل جمل متفرّقة تكرّر الفكرة نفسها، وترد بشكل أدقّ في فقرتين من عنصر القوّة النزوعية ص. 191-193:

لا يعير التمييز بين حركة الحيوان المكانية وحركته الإرادية أدنى اهتمام، مستعملا هذه بدل تلك، دون أدنى حذر دلالي؛ بل ويؤكّد على أنّ المقصود بالحركة المكانية حينما يتعلّق الأمر بالحيوان، ليس شيئا آخر غير الحركة الإرادية[…]إنّ مبدأ الحركة المكانية هي الإرادة، وهو بالضبط ما يجعل منها حركة إرادية[…] أنّ القوّة المحرّكة، حين يتعلّق الأمر بالحيوان، لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير الإرادة” (ص. 191)Ibn Bāğğa ne cherche pas à distinguer entre le mouvement et la volonté dans l’animal, et il va jusqu’à l’utilisation de l’une à la place de l’autre. Pour Ibn Bāğğa le principe du mouvement local chez l’animal est la volonté. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13 ; Philosophia 14, p. 57)  
راح يفحص المتحرّك من تلقائه، ليقدّم تعريفا ثانيا للمتحرّك من تلقائه بوصفه، هذه المرة، المتحرك الذي يسكن من تلقائه، وهو الحيوان فقط. (ص. 92)[…] Pour répondre à cette question, Ibn Bāğğa fait appel à la 2éme définition, qui souligne la différence entre le mouvement naturel et le mouvement spontané : par mouvement spontané on entend tout corps qui a le mouvement et le repos en soi et ceci n’est accordé que pour l’animal. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13 ; Philosophia 14, p. 57)
إنّ هذا التّحديد الثاني للمتحرّك من تلقائه[…] لا يدع أيّ مجال للتّشكيك أو التّناسب بين الجنسين من الموجودات، وبالتالي بين الجنسين من الحركات. إذ أن الحيوان، كما يتحرّك بذاته له أيضا أن يسكن بذاته ومتى أراد ذلك؛ في حين أنّ الأجسام الطبيعية (حتّى الأجسام السماوية منها) ليس لها هذا الفضل. ذلك لأنّها لا تسكن إلا باستيفاء غرض حركتها أو لتدخل عائق خارجي، وليس لها أبدا أن تسكن بإرادتها؛ لأنّها لا تملك في ذاتها سوى المبدأ الطبيعي الضروري على الحركة والسكون. (ص. 92-93)Par cette définition Ibn Bāğğa exclue toute confusion entre le mouvement spontané et les autres sortes de mouvement d’une part. D’autre part, il distingue par cette même définition entre l’animal, les corps simples et les corps célestes. L’explication à cela est que les corps simples n’ont pas le repos en soi et les corps célestes, même s’ils sont doués d’âme, n’ont pas de repos et leur mouvement à une seule et éternel direction. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13 ; Philosophia 14, p. 57)

وفيما يلي، ينتقل إلى النقل من العنصر الموالي بعنوان: “من الحركة الإراديّة إلى الحركة الاختيارية” (ص. 95)

لا يقصد ابن باجة بالحركة التلقائية شيئا آخر سوى الحركة الإرادية الخاصّة بالكائن الحيواني[…]وما كان لابن باجة أن يجرّد حركة الأجرام السماوية من صفة التلقائية لو لم يكن يقصد بهذه الأخيرة نوعا خاصّا من الحركة النفسانية الإرادية الخاصّة بالكائن الحيواني الأرضي دون سواه. (ص. 98)Ibn Bāğğa est arrivé à un stade si important dans son projet philosophique et éthique, c’est que la volonté (comme mouvement spontané) ne dépend plus du Ciel mais plutôt désormais, elle dépend du bas monde, et plus précisément de l’Animal. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13 ; Philosophia 14, p. 57)
 لكن، قبل التعرّض لهذه المعاني، نرى لزاما علينا أن نتوقّف قليلا عند هذا السؤال المحيّر: لماذا لا يستعمل ابن باجة لفظ ‘الإرادة‘ إلا نادرا جدّا[لم يستعمل كلمة ‘إرادة‘ أو بالضبط ‘الحركة الإرادية‘ إلا مرّتين على مدار مقالات السماع الطبيعي كلّها]، في الوقت الذي يلحّ فيه على جعل تلقاء النفس رديفا للإرادة، ويفضّل استعمال الحركة التلقائية بدل الحركة الإرادية، رغم أنّه يعطيها المعنى نفسه الذي لهذه الأخيرة؛ في حين نجد ابن سينا، في المقابل، يستعمل هذه عوض تلك دون أدنى تحفّظ منه؟ (ص. 99)Ibn Bāğğa n’utilise pas le terme volonté dans la physique (al-samā al-ṭabīī), il n’utilise que la notion du mouvement spontané. Il n’a employé l’expression Mouvement de volonté que deux fois dans la physique, et il entend par mouvement de volonté, le mouvement spontané chez l’Animal. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13 ; Philosophia 14, p. 57)
نعتقد جازمين أنّ تفادي ابن الصائغ استعمال لفظ ‘الإرادة’ كان منسجما تماما مع أطروحته في تخصيص معنى الحركة التلقائية وحصره فقط في الجنس الحيواني، وما يترتّب عن ذلك من اعتبارها حركة إرادية خاصّة بالحيوان والإنسان دون سواهما؛ ومن ثمّة فصلها نهائيا عن الحركة السماوية[…] وفي نظرنا إنّ ابن باجة لم يتجنّب استعمال هذا المفهوم إلا لثقل دلالته التيولُجية اللصيقة به في الذهنية الإسلامية عموما.(ص. 99). Je pense qu’Ibn Bāğğa évite d’utiliser le terme volonté dans la physique à cause du sens théologique qui lui a été attribué à l’âge médiéval. Par contre, il était en train de fonder un sens à part pour désigner la volonté : une volonté humaine et non pas céleste, une volonté qui exige tant la liberté, la vertu que la responsabilité. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 13-14 ; Philosophia 14, p. 57)..

نلاحظ أنّه غيّر هنا ترتيب الفقرة الأخيرة. وفي الفقرة الموالية، أقحم، في مقالته، ملاحظة أوردتها في هامشين ص 110، هامش 135 وص 82، هامش 89. وتجدر الإشارة إلى أنّه اعتاد أن يورد نصوصا من المتن في الهامش أو العكس:

هامش 135، ص. 100: وقد شدّد على أهمّية موضوع المحرّك الأوّل في الحيوان في المقالة السابعة، وتميّزه وانفصاله عن موضوع المحرّك الأوّل بإطلاق؛ وما دفاعه عن مشروعية هذه المقالة إلا دفاعا عن مشروعية هذا المطلب وأولويّته فيما نعتقد [وقد أشرنا إلى ذلك سابقا]. والمقصود ص. 81-82، وخاصة الهامش 89، حيث كتبت: “[…] ذلك أنّ مؤاخذته للشراح الذين اعتبروا هذه المقالة (أو صدرها على الأقل) فضلا وتكرارا لمضمون المقالة الثامنة كثامسطيوس وغيره كانت موازية لتأكيده على أهمّية موضوعها ليس فقط بوصفه دليلا على وجود المحرّك الأقصى وإنّما أيضا أهمّيته في ذاته كموضوع قائم بذاته يجب أن يفحص ويقام عليه، بدوره، الدليل[…] وعدم إدراك الشراح لهذا المعنى هو الذي كان وراء عدم تمييزهم بين مطلب المقالة السابعة الذي هو غير مطلب الثامنة، وهو علّة كلّ الخلط الذي وقع بين المقالتين، بين المطلبين، بين الصنفين من المحرّكات الأولى”.D’ailleurs c’est pour cette raison qu’Ibn Bāğğa défend Aristote dans le statut du livre VII de la physique. Selon Themistius et d’autres commentateurs, Aristote reprend le même sujet d’étude dans les livres VII et VIII, mais, selon Ibn Bāğğa, ces commentateurs n’ont pas bien compris le but d’Aristote dans ces deux livres. D’après Ibn Bāğğa, Aristote examine, dans le livre VII, le premier moteur dans le mouvant en soi comme sujet à part. C’est vrai qu’Aristote considère ceci comme première étape pour démontrer l’existence du moteur suprême, mais dans le livre VII, il accorde toute l’importance et l’intérêt à ce genre de moteur qui est un moteur en acte dans les corps dotés de mouvements spontanés. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 14 ; Philosophia 14, p. 57-58)

في الفقرات الموالية، يبدو أنّه قام بمجهود واضح (وهو المجهود الوحيد الذي لاحظته في مقالته!) من أجل تمويه القارئ على أنحاء ثلاثة: أوّلا، عمد إلى تغيير ترتيب العناصر/ العناوين التالية: ترد في الكتاب كما يلي:

التمييز والعقل العملي (ص. 101-105)؛

الفضيلة (ص. 105-107)؛

المسؤولية وحرية الاختيار (ص. 107-110).

وترد في المقالة كما يلي:

التمييز (دون أن يجعل له عنوانا، وبين العنصر الأول والثاني ينقل فقرات من القسم الثاني من الكتاب)؛

 الإرادة كاختيار عند الإنسان؛

 المسؤولية؛

 الفضيلة.

ثانيا، جعل من العناصر الثلاثة في الكتاب، أربعة عناصر (أو خمسة إذا حسبنا عنصر التمييز الذي لم يبرزه كعنوان). وتجدر الملاحظة أنّه يترجم كلمة ‘تمييز’ بـ discrimination” التي صار لها اليوم معنى بعيدا عن معناها اللغويّ في اللغة اللاتينيّة.

ثالثا، يقحم فقرات من القسم الثاني من كتابي، وتحديدا فقرات من عنصر “القوة النزوعيّة، الإرادة، القوّة المحرّكة: مفاهيم ملتبسة” (ص. 188-199). وفيما يلي جدول هذه العناصر:

غير أنّ فيلسوفنا، لم يتوقّف عند هذا الحد، ولم يكتف بهذا التّصنيف (ص. 104). […] بماذا يمكن، إذن، تفسير مبدأ السكون الذي ينفرد به الكائن الحيواني؟ )ص. 103(.Ibn Bāğğa ne s’arrête pas à ce niveau dans ces recherches entamées dans la physique, ceci n’est qu’une étape. Ainsi, se demande-t-il pourquoi l’Animal est doué du principe de repos en soi. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 15 ; Philosophia 14, p. 58)
[…]حركة الحيوان غير الناطق تشبه كثيرا حركة الأجسام الطبيعية؛ إذ رغم كونه يملك نوعا من أنواع التمييز، إلاّ أنّه يتحرّك ضرورة إذا ما حضر الانفعال. (ص. 104)L’Animal en tant que corps naturel a le mouvement naturel qui est un mouvement passif (munfa῾il).
[…]فمن جهة، قد يتحرّك عن المبدأ الطبيعي الانفعالي الذي فيه، لكنّه يملك، من جهة أخرى، أن يسكن بالمبدأ المقابل غير الطبيعي الفاعل، “لأنّ فيه المبدأين معا”.”والبوتقة التي تجمع بينهما هي الإرادة. (ص. 102) Mais même s’il accepte le mouvement en tant que corps naturel, il jouit d’un repos en soi en tant que corps naturel doué d’âme et de volonté.  
 يصفه ابن باجة بأنّه نوع من أنواع التمييز، الذي هو بدوره أحد أنواع العقل العملي الذي يختصّ به الحيوان دون سواه من الكائنات؛ حيث بمقتضاه، يميّز بين انفعالاته ويختار الملائم منها وما يكون به على الحال الأفضل. وأكثر من ذلك فإنّه، بفضل مبدأ التمييز هذا، يستقلّ، ولو نسبيا، بحركته التلقائية ‘الفاعلة’ عن الحركة الانفعالية الخاصّة بالأجسام الطبيعية؛ وذلك بالنظر إلى ما يمنحه له هذا المبدأ من إمكانية التوقّف والسكون الإرادي عنها، أي عن حركاته الانفعالية. والإنسان خاصّة إنّما وُهب العقل العملي وأُعطي جميع أنواع التمييز. (ص. 103) L’Animal a le repos en soi parce qu’il a la discrimination; il arrive à discriminer son intérêt qu’il soit un plaisir à demander ou un danger à fouir. De là, il suspend le mouvement qu’il a eu où qu’il effectuait. Ceci est chez l’Animal en général, mais le pôle d’intérêt de la philosophie d’Ibn Bāğğa est l’Homme. Il commence alors par distinguer le mouvement de l’animal indépendant de la nature afin d’arriver à spécifier le mouvement Humain.
يصفه ابن باجة بأنّه نوع من أنواع التمييز، الذي هو بدوره أحد أنواع العقل العملي[ يبدو وكأن ابن باجة يمنح للحيوان غير الناطق شكلا من أشكال التمييز غير التمييز العقلي طبعا، ويصفه بالتوهّم، [انظر رسالته “في المتحرّك” ضمن: رسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، م. م.، ص. 137.] الذي يختصّ به الحيوان دون سواه من الكائنات. (ص. 103) والإنسان خاصّة إنّما وُهب العقل العملي وأُعطي جميع أنواع التمييز، لذلك جُعل قابلا لأنواع الانفعالات على الإطلاق. (ص. 104)[…] L’homme en tant qu’animal a donc cette discrimination, qui est une discrimination imaginative, mais l’homme diffère de l’animal par la raison. Il a, donc, ce genre de discrimination en plus d’un autre genre bien supérieur qu’est la discrimination rationnelle. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 15 ; Philosophia 14, p. 58-59)
إنّ الإرادة، والحالة هذه، تتضمّن الطبيعة في ذاتها وليس العكس، كما رأينا مع ابن سينا وابن رشد، ومدى قدرتها على التحكّم في قواها الطبيعية، أي في انفعالاتها النفسانية عن دوافع طبيعية، هو الذي يحدّد مضمون حرّيتها وطبيعتها الاختيارية العاقلة. (ص. 103) بالفعل، يرى ابن باجة أنّ حركة الحيوان لا يمكن أن توصف بالضّرورة ما دام يتحرّك، علاوة عن المبدأ الطبيعي، عن مبادئ أخرى غير طبيعية ويملك في ذاته مبدأ السكون والقدرة على التحكّم وتوجيه الحركات التي له من جهة جزئه الطبيعي. (ص. 101)C’est la volonté qui domine la nature et non pas le contraire. Le corps doué de mouvement de volonté21 a le mouvement naturel en tant que corps naturel et il a le repos en soi. D’ailleurs le sens même de volonté est qu’il ne se laisse pas affecter par le mouvement naturel, et même s’il est affecté, il a le principe de repos en soi et peut s’immobiliser à n’importe quel moment et étape du mouvement et il n’est pas nécessaire qu’il atteigne sa fin. Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 15-16 ; Philosophia 14, p. 59)
لذلك، عمد إلى تقديم تقسيم جديد للحركة، وانفرد بتصنيفها إلى حركة ضرورية خاصّة بالأجسام الطبيعية والنبات، وحركة إرادية خاصّة بالكائن الحيواني[…] فإذا كان النبات والأجسام الطبيعية يشتركان في كونهما لا يتحرّكان من تلقائهما، فإنّهما يفترقان في كون أحدهما يتحرّك الحركة غير المتقابلة؛ لأنّ الأجسام الطبيعية إنّما تتحرّك بالطّبع إلى أحد المتقابلين فقط، والثاني يتحرّك، إضافة إلى الحركة غير المتقابلة، حركات كثيرة متقابلة. أمّا الحيوان، فإنّه يملك، علاوة على هذه الحركات المتقابلة وغير المتقابلة، مبدأ السكون أيضا، إذ “يتحرّك بالمبدأ الذي فيه ويسكن بمقابله”. (ص. 101-102)Pour cette raison qu’Ibn Bāğğa a tellement insisté sur la répartition des mouvements en deux sortes: 1 – Mouvement Nécessaire 2 – Mouvement Non Nécessaire M: 1)MN: M. Nécessaire (M. de la terre vers le bas); 2) M. Non Nécessaire : MC et M de choix (animal) (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 15-16 ; Philosophia 14, p. 59)
 […]يركّز ابن باجة على عنصر الاختيار والحرّية […]الأمر الذي يضعنا، ومن جديد، أمام قفزة أخرى، ودائما داخل الفيزياء الباجية، ليس فقط من عالم الضرورة إلى عالم الإرادة وإنّما من عالم الإرادة بإطلاق (الحركة التلقائية) إلى عالم الإرادة الحرّة،[…] بين من يتحقّق فيه هذا الشرط وبين من لا يتحقّق فيه، بين من يستجيب للشرط الإنساني الحقيقي فيتحرّك عن إرادة حرّة، عاقلة، مسؤولة وفاضلة، ومن يظلّ بهيمة يتحرّك عن إرادة طبيعية، ومن يكون في مرتبة أفدح وأدنى حيث لا يكون أكثر من جسم طبيعي متحرّك في صورة إنسان. (ص.97-98)Maintenant, Ibn Bāğğa ne parle plus de mouvement spontané ou de volonté, mais plutôt de choix. Par la distinction des mouvements en deux sortes, il a pu dépasser le mouvement ou volonté vers un mouvement de choix, puisqu’il a pu remarquer que le mouvement spontané de l’animal irrationnel ressemble de près au mouvement des corps naturels. Est ce malgré que l’animal irrationnel possède une puissance qui l’aide à discriminer, il réagit passivement lorsqu’il se présente un plaisir ou un danger extérieure. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 16 ; Philosophia 14, p. 59)
راح ابن باجة يمعن النّظر في موضوع الحركة الإرادية[…] وقد رام تفادي كلّ خلط بين تلقاء النفس والإرادة الفعلية، بل وبين الإرادة بعموم القول والإرادة الحرّة المميّزة المختارة؛ وكأنّه استشعر مطبّة الاستسهال والعمومية التي وقع فيها التحديد السينوي للحركة الإرادية الذي وقفنا عليه سابقا، فقدّم تمييزا جديدا داخل الحركة التلقائية الإرادية ذاتها، هذه المرّة، بين حركة إرادية لكنّها تجري مجرى الضرورية وحركة إرادية اختيارية: (ص. 104)Ibn Bāğğa était conscient de la limite de son projet et des contraintes qu’il peut avoir s’il admet que le terme volonté se dit à la même valeur tant pour l’animal rationnel que pour l’animal irrationnel. Il a distingué dans le mouvement spontané entre le mouvement de volonté qui passe pour un mouvement nécessaire et le mouvement de volonté qui est une action de choix. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 16 ; Philosophia 14, pp. 59-60)

ج) سرقة القسم الثاني من الكتاب

ينتقل جمال راشق هنا إلى الباب الثاني من الكتاب، بعنوان الإرادة مبدأ حيواني (ص. 111)، لكي يسطو على فقرات  من كتابي عن ابن باجة في علم النفس ابتداء من ص. 119، مع اختصار ونقل عبارات من صفحات أخرى، والاستغناء عن كلّ المقارنات مع الفلاسفة الآخرين، باستثناء أرسطو أحيانا. على سبيل المثال، ينقل جملة من ص . 131 كما يلي: ابن باجة “يجعل الإرادة حدا أساسيا في تعريف النفس”، كما ينقل جملة من خلاصة الفصل عن تمييز أرسطو: “إذا كانت النفس عند المعلم الأول هي، أولا، مبدأ للحياة بشكل عام[…] فإننا نجد لدى الفلاسفة المسلمين تشديدا قويّا على الطابع النفساني الخالص في الأفعال الصادرة عن النفس، ميلا كبيرا إلى تجريدها من أدوارها البيولوجية والفيزيولوجية[…] إن النفس عندهم هي مبدأ إرادي وميدأ للإدراك والمعرفة بالدرجة الأولى”. ص. 137.  ينقل خاصّة من العنصر المعنون: ‘الإرادة  دليل على وجود النفس’،  من الفصل الأوّل ‘مفهوم النفس أو من النفس إلى الإرادة’ (ص. 115).

 […] يفتتح ابن باجة مؤلّفه في شرح كتاب النفس بالتمييز، مرّة أخرى، وكما فعل في تصديره للمقالة الثانية من شرح السماع الطبيعي، بين الموجودات الطبيعية والموجودات الصناعية، مع تسجيل فارق أساسي بين السياقين، مفاده أنّه كان يوطئ هناك لتحديد المبدأ الأوّل للموجودات الطبيعية، في حين أنّ الغاية هنا هي الوقوف على المبدأ الأوّل للموجودات الصناعية الذي هو النفس بوصفها مبدأ إراديا. ولا غرابة في أن تكون الأولوية في هذا السياق للصناعة على الطبيعة؛ فكما الطبيعة هي مبدأ للأمور الطبيعية، فإنّ الإرادة هي مبدأ للأمور الصناعية، “فالصناعية كالكرسي والسرير، وهذه فلا توجد إلاّ عن إرادة، والطبيعية كالحجر والنخلة والفرس، وهذه كلّها كائنة فاسدة”، يقول ابن باجة. إنّ الصناعة نتاج من نتاجات الإرادة. فلمّا كانت الأجسام منها طبيعية ومنها صناعية، وكان مبدأ الموجودات الطبيعية هو الطبيعة الموجودة لها على نحو ذاتي، فإنّ الموجودات الصناعية تجد مبدأها خارجا عنها في الإرادة وفي الإرادة فقط. ويؤكّد في كتاب السماع على أنّه لا يقصد بالمبدأ الصناعي أو المهني أيّة إرادة كانت، وإنّما يعني أوّلا الإرادة الناطقة، خاصّة إذا علمنا أنّ الأجسام الصناعية منها “ما هي موجودة بالمهنة، وتلك مشهورة، ومنها ما هي موجودة عن أصناف الحيوان غير الناطق، وبيّن أنّ قواها ليست مهنا. فإن قيل لها مهن فبالاستعارة، كالعسل والشمع الموجودين عن النحل”. ولهذا السبب، في رأي ابن باجة، لم يصنّف أرسطو الموجودات إلى طبيعية وصناعية، وإنّما قال: “إنّ الموجودات منها طبيعية ومنها من قبل أسباب أخر عدّة”، تفاديا لكلّ خلط بين ما هو غير طبيعي بشكل عامّ وما هو إرادي صناعي. (ص. 119)Ibn Bāğğa commence cet ouvrage ainsi: « les corps sont soit naturels soit artisanaux. Les artisanaux, comme la chaise et le lit, ne sont que par volonté. Et les naturels comme la pierre, le palmier et le cheval qui sont engendrés et corruptibles ». Pourquoi Ibn Bāğğa évoque-t-il le concept de volonté dès le commencement de ce traité? Aristote a distingué l’animé de l’inanimé par la vie. Pourquoi, donc, Ibn Bāğğa n’emprunte pas les pas de son maître? Il ne le fait pas, tout simplement parce qu’il a d’autres soucis que ceux de son maître, certes il suit la voie du stagirite, mais il place l’Homme comme fin de ces recherches et de sa philosophie. Il est clair, donc, que l’âme pour Ibn Bāğğa est un principe de volonté et par volonté, il entend la volonté délibérée parce que déjà dans la physique il avait précisé ce qu’il entend par art: il résulte de la raison pratique. Parce qu’il y a d’autres existants qui sont artisanaux mais que par leur homonymie comme le miel et la cire produite par l’abeille ou le verre produit par le feu[mā hiy-a mawğūdat bi-l-mihna, wa tilka mašhūra, wa minhā mā hiya mawğūdat ̔ an ̓ aṣnāf al-ḥayawān ġayr al-nāṭiq, wa bayyin anna quwā-hā laysat mihanan, fa-̓ in qīl-a la-hā mihan fa-bi al-ist􀓫̔ āra, ka-l-̔ sal wa al-šam̔ al-mawğūdayn ̔ an al-naḥl», Faḫrī, p. 104]. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 16-17 ; Philosophia 14, p. 60)

وكما يمكن أن يلاحظ بسهولة، يقفز جمال راشق هنا على مقارنات مع الفارابي وابن سينا، لكنّه ينقل، بشكل حرفيّ في الغالب، الفقرات التي تتعلّق بابن باجة:

Quel que soit l’outil naturel ou artisanal, c’est le principe qui décide que la chose produite soit naturelle ou artisanale. Si le principe est la volonté, alors c’est un corps artisanal et si c’est la nature, alors il est un corps naturel. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 17 ; Philosophia 14, p. 60)       […] إنّ الصفة الطبيعية أو الإرادية للمحرّك الأوّل هي التّي تحدّد نوع الأجسام هل هي طبيعية أم صناعية، بغضّ النظر عن الآلات التي قد تكون طبيعية أو تكون بعضها طبيعية وبعضها صناعية [وكلّ متحرّك يكون المحرّك الأول فيه طبيعة فهو طبيعي وكلّ ما يكون المحرّك الأوّل فيه صناعة فهو صناعي كيف كانت آلاته»؛ كتاب النفس، ص. 89]. (ص. 122)
La volonté utilise des outils naturels et artisanaux (comme la hache pour le menuisier), par contre, la nature n’a pas cette possibilité car tout simplement elle n’a pas la volonté. La volonté domine la nature, elle ne la contrarie pas, plutôt, elle l’utilise pour des fins de volonté. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 17 ; Philosophia 14, p. 60)  بالفعل، فالصناعة بهذا المعنى […] “لا تحرّك بذاتها بل تحرّك بآلات. وما يتحرّك عن محرّك بهذه الصفة فله أكثر من محرّك واحد فيكون له محرّك أخير وهو الشيء الذي يلي المتحرّك كالقدوم للخشبة ومنه أوّل وهي الصناعة”، وإلى هذا المحرّك الأوّل تنسب الحركة والفعل في الحقيقة، لأنّ المحرّكات الثواني كيفما كانت طبيعتها لا تعدو أن تكون آلات في يد هذا المبدأ الأوّل[…]ولمّا كان المحرّك الإرادي ينفرد بالآلات، بل ليس فقط بآلات صناعية وإنّما أيضا بآلات طبيعية، فإنّه بإمكانه أن يوظّف الطبيعة ويستغلّها في سبيل إنتاجاته غير الطبيعية. إلاّ أنّها، وفي كلّ الأحوال، إنتاجات تتمّم الطبيعة “فإنّ الصناعة تكمّل الطبيعة” ولا تضادّها. (ص. 122)
Puisque l’âme est un principe de volonté, on se demande comment figure-t-elle dans l’âme? Est ce qu’elle fait partie des puissances de l’âme? Est-elle du même ordre que les facultés d’âme? Ou tout simplement les deux sont de deux natures complètement différentes? (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 17 ; Philosophia 14, p. 61)ومن البيّن أنّ الإرادة ليست شيئا موجودا خارج النفس ولا خارج قواها. غير أنّ سؤالا أساسيا يفرض نفسه: هل الإرادة قوّة من قوى النفس؟ أي هل هي قوّة نفسانية قائمة الذات، أم أنّها ملكة تتوزّعها قوى مختلفة؟ وإن كانت كذلك، فهل هي موجودة لكلّ القوى ولكلّ النفوس؟ ما هي هذه القوى أو النفوس التي تنفرد بملكة الإرادة؟ (ص. 170)
La faculté appétitive chez Ibn Bāğğa est un genre pour trois types d’appétit: 1. L’appétit sensitif 2. L’appétit par imagination 3. L’appétit délibéré Les deux premiers sont l’apanage de l’Animal et le troisième type concerne l’Homme qui se distingue par l’intellect. Mais l’Homme, en tant qu’animal, dispose aussi des deux premiers types d’appétit, et il a la capacité de réaliser des mouvements pouvant produire et reproduire ces appétits. Mais on se demande pourquoi Ibn Bāğğa a fait de la volonté le principe du mouvement local et non pas l’appétit? (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 18 ; Philosophia 14, p. 61-62)[…]اعتبر [ابن باجة] النفس النزوعية جنسا لثلاث قوى، وهي النّزوعية المتوسّطة والخيالية والناطقة [والنفس النزوعية إمّا أن تكون جنسا لثلاث قوى وهي: النزوعية بالخيال […] والنفس النزوعية بالنفس المتوسّطة[…] ومنها النزوعية التي تشعر بالنطق” (ص. 187)[…]لا يجب أن نستغرب إن وجدنا الفيلسوف السرقسطي ـ وغيره من فلاسفة الإسلام ـ لا يميّز كثيرا بين الحركة المكانية والحركة الإرادية، بل ويجعل من الحركة المكانية حركة خاصّة بالحيوان مادات الأجسام الهيولانية لا تتحرّك في المكان إلا قسرا. (ص. 195)
Ibn Bāğğa a fait de la volonté un principe du mouvement local dans l’animal, parce que ce dernier peut avoir un autre mouvement local non volontaire mais nécessaire, comme le déplacement d’un malade de son lit au balcon afin de prendre de l’air fraîche. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 18 ; Philosophia 14, p. 61-62)ولم يميّز بين أجناس الحركة المكانية إلا للتمييز، في الحقيقة، بين جنسين فقط منها وهما: جنس الحركة الإرادية وجنس الحركة الضروري[…]الحيوان يتحرّك كلّ أجناس هذه الحركة ويتحرّك في بعضها بالضرورة […] “مثل نقل المريض من البيت إلى الشرفة”. (ص. 195)
Ibn Bāğğa ne classe pas l’appétitive comme premier moteur chez l’Animal; elle n’est moteur que via la façon dont l’imagination (fantaisie) s’affecte, ce qui fait que le moteur de l’âme est l’affect (al-infi῾āl) de l’appétitive par l’image (forme) représentée. Ceci démontre que l’appétit n’est pas suffisant en soi pour accomplir un acte de volonté. Quel est donc ce premier vrai moteur chez l’homme? Ibn Bāğğa examine cette question en deux étapes: (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 19 ; Philosophia 14, p. 62)[…] وهو عينه ما ذهب إليه ابن الصائغ من أنّ القوّة النّزوعية ليست هي المحرّك الأوّل في نفس الحيوان، وإنّما هي محرّكة فقط من جهة ما هي متحرّكة ومنفعلة عن الصورة التي يحصّلها الخيال لها؛ وهو ما يجعل أنّ محرّك النفس هو الانفعال الحاصل في الجزء النّزوعي من النفس عن الصورة الإدراكية. وهذا لا يعني إلا أمرا واحدا وهو عدم كفاية القوّة النّزوعية بذاتها، أي بما هي كذلك، لقيام الإرادة. إنّ النزوع، إذن، ليس إرادة، بقدر ما أنّ هذه الأخيرة هي شيء أكثر من النزوع: إنّها إدراك، بل إنّه يمكن اعتبار الإدراك، بالتالي، هو المحرّك الحقيقي في النفس الحيوانية مادام النزوع لا يقوم أبدا بدون صورة إدراكيّة. (ص. 202)
Première étape Le philosophe de Saragosse et de Fès considère que le moteur premier dans l’Homme est « composé de deux choses : l’une est le moteur, qui est l’opinion ou l’imagination et l’autre ce par quoi il meut à savoir l’appétition ». Le moteur donc est composé, mais le composé diffère des composants. Le composé n’est autre que la volonté (que nous cherchons). On avait dit que l’appétit est insuffisante [ ?] et ne peut pas agir toute seule, l’opinion droite (al-ra̓y al-ṣawāb) non plus, parce que l’intellect en soi est séparé. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 19 ; Philosophia 14, p. 62-63) 2. Deuxième étape Ibn Bāğğa, dans une deuxième étape, considère que le vrai premier moteur dans l’Homme est l’opinion droite (al-ra᾽y al-ṣawāb), et cette dernière, n’est pas composée de deux choses dont l’une serait comme l’instrument et l’autre comme l’artisan : «C’est l’opinion droite qui est le moteur premier à proprement parler». (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 19 ; Philosophia 14, p. 63)[…] وبدوره، يعتبر فيلسوف سرقسطة أنّ المحرّك الأوّل في الإنسان هو العقل؛ وما القوّة النّزوعية إلا الآلة التي يحرّك بها، بل إنّ المحرّك الأوّل يتكوّن من الرأي والنزوع معا. ومن ثمّة فهو مفهوم مركّب، إلا أنّه غير ما هو مركّب منه. وهو بهذا المعنى لا يعدو أن يكون المقصود منه هو الإرادة ولا شيء غيرها. فالعقل، في ذاته، ليس محرّكا، لأنّه مفارق، وإنّما الذي يحرّك هو الإرادة التي هي عقل عملي يتكوّن من الرأي ‘الصادق’ الذي يمدّه به العقل النظري ومن الآلة التي ليست شيئا آخر غير القوّة النّزوعية التي هي قوّة محرّكة ومتحرّكة معا. وهي ليست تحرّك إلا أنّها تنفعل عن العقل الذي هو “المحرّك الأوّل بالتحقيق”. (ص. 203-204)

أضاف جمال راشق “فاس” إلى “فيلسوف سرقسطة”. ومن بين اجتهادات صاحب المقالة أيضا تقسيمه الفقرة السابقة إلى مرحلتين: المحرّك مركّب من العقل والنزوع. والمرحلة الثانية: المحرّك الأوّل بالتحقيق هو الرأي الصواب. وحتّى الفقرة الموالية مقتبسة من السابقة.

On avait dit que l’intellect en soi ne peut pas agir tout seul parce qu’il est séparé, mais la volonté chez l’homme en tant que choix résulte de la raison pratique (intellect pratique), qui est composée de l’opinion droite (al-ra᾽y al-ṣādiq) reçue de la raison (intellect) théorétique et de l’appétition comme instrument. C’est ce composé même qu’Ibn Bāğğa appelle « assentiment » (᾽iğmā̔). (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 20 ; Philosophia 14, p. 63)[…] فالعقل، في ذاته، ليس محرّكا، لأنّه مفارق، وإنّما الذي يحرّك هو الإرادة التي هي عقل عملي يتكوّن من الرأي ‘الصادق’ الذي يمدّه به العقل النظري ومن الآلة التي ليست شيئا آخر غير القوّة النّزوعية[…]؟ لكن هل الإرادة معطى عقلي على نحو كامل؟ ذلك هو السؤال الذي تجدر مجابهته، وذلك بعد أن نستوفي القول في مفهوم الإجماع. (ص. 204)
Le mouvement de volonté exige d’abord la présence de tous les constituants afin d’accomplir un acte qu’il soit mouvement local ou mouvement de choix.  (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 20 ; Philosophia 14, p. 63)[…] تحتاج، ضرورة، لكي تفعل، إلى حصول توافق وإجماع كلّ العناصر المكوّنة لها على ذلك الفعل.(ص. 204)
La volonté n’est pas seulement un assentiment (᾽iğmā̔), il est le moment décisif entre l’assentiment (’iğmā̔) pour effectuer un mouvement de volonté et l’accomplissement de l’action elle-même. La volonté est tout le processus de l’action volontaire qui prend source dans la raison ou l’imagination comme perception, puis dans l’appétition comme puissance motrice, ensuite assentiment (᾽iğmā῾) et enfin la puissance motrice dans les muscles (le corps ou les parties de corps) qui est la chaleur innée. Le résultat de ce processus est l’acte qualifié comme volontaire. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 20; Philosophia 14, p. 63-64)[…]إنّ الإرادة شيء أكثر من الإجماع: إنّها اللحظة الفاصلة بين الإجماع على الفعل وحصول الفعل. فإذا شئنا أن نضع خطاطة للمراحل التي تقطعها الإرادة في سيرورة تكوّنها قبل أن تخرج إلى الفعل لقلنا، مع ابن سينا، إنّها تنطلق من العقل والخيال اللذان لهما السلطة في القوى المدركة، إلى الشهوة والنّزوع الذي له السلطة في القوى المحرّكة، وتتبعهما القوّة الإجماعية، ثمّ القوى المحرّكة في العضل، قبل حصول الفعل الإرادي في الأخير. (ص. 212)
Mais pour arriver à cet acte, la volonté exige une condition après l’assentiment (᾽iğmā̔) : c’est la liberté. Évidemment, sans liberté, l’action de volonté et de choix ne peut pas être accomplie. Nous avons déjà vu que la volonté en tant que choix exige la délibération et maintenant on ajoute la liberté.. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 20-21; Philosophia 14, p. 64)[…]هكذا، وإن كانت الإرادة هي المعنية بمفهوم الإجماع في الظاهر، إلا أنّ الأمر، في الحقيقة، هو غير ذلك؛ إذ الإجماع ليس بكاف لقيام مفهوم الإرادة بقدر ما أنّ هذه الأخيرة تقتضي شرائط أخرى (وقفنا على بعضها في الباب السابق) وعلى رأسها الرويّة والحرّية. (ص.212).

ج) عودة إلى النقل من القسم الأوّل

فيما يلي عاد إلى نقل مقاطع مختارة من القسم الأوّل من الكتاب. ونشير إلى أنّه يذكر أنّه “سبق أن تناول التمييز عند الإنسان الذي يجد مبدأه في العقل مادام كائنا حيوانيّا ناطقا. لكّننا لم نبيّن بدقّة أي عقل؟ كان ابن باجا واضحا منذ شرحه على كتاب السماع؛ بحيث بيّن بدقّة أنّ الأمر يتعلّق بالعقل العملي” (نشرة مراكش، 21؛ نشرة فيلوسوفيا، 64). وهو عنصر من عناصر الكتاب، ولم يضع له عنوانا. ويورد فقرات هي تركيب فقرات مختلفة من عنصر التمييز وغيره، لكنّه يحرص هنا على التمويه بوضع عنوان يبدو مختلفا: الإرادة كاختيار عند الإنسان:

La volonté comme choix chez l’Homme. […] La volonté humaine est conditionnée chez Ibn Bāğğa par la liberté, la discrimination, la responsabilité et la vertu. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 21 ; Philosophia 14, p. 64)[…]عمل ابن الصائغ فعلا على تسييج “مفهوم الإرادة” بترسانة من المعاني و’المفاهيم’، […] جعلها جملة اقتضاءات لا تقوم للإرادة الإنسانية قائمة بدونها، وهي معاني الحرّية، التمييز، المسؤولية والفضيلة. (ص. 98-99)
  Tout d’abord, la raison pratique expose l’image de la création voulue dans l’imagination, et cette dernière fait appel à la faculté motrice qui est l’appétitive qui fait appel à son tour à la chaleur innée (al-ḥarāra al-ġarīziyya) comme instrument direct dans le corps pour mouvoir les organes afin qu’ils accomplissent la création de l’objet artisanal conçu dans la raison pratique. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 21 ; Philosophia 14, p. 64) […]”والعقل العملي لا يحرّك إلا من قبل أنّه عقل مشته” وكذلك التخيّل، ولا يمكن أبدا أن يحرّك ما لم تحضر لديه صورة الموضوع المشتهى، “وذلك أنّ التخيل والعقل إنّما يدرك المشتهى أولا؛ فإذا أدركه اشتهاه”. لذا فإنّ المبدأ المحرّك في الحقيقة هو مضمون الإرادة وليس الإرادة المجرّدة كما هي في ذاتها. وهذا المضمون تتسلّمه بالدرجة الأولى من القوّة النّزوعية. (ص. 207-208) […]وما يتحرّك أوّلا، أي مباشرة ودون آلة، هو الحار الغريزي والمحرّك الأوّل هو صورة له.(ص. 278)
Ibn Bāğğa insiste sur le fait que le vrai moteur n’est pas la faculté motrice, mais plutôt la raison pratique qui conduit et gère (yudabbir) toute l’opération. Après l’achèvement de la création, le processus de la perception est lancé, de nouveau, en commençant par la sensitive, afin que la raison pratique s’assure que la création fictive corresponde bien à l’image étalé la première fois dans l’imagination. Pour cette raison Ibn Bāğğa attribue, dans son kitāb al-nafs, les corps artisanaux à la volonté. Ce sont une oeuvre de la volonté qui trouve sa source dans la raison pratique et dans l’épître fī al-mutaḥarrik, que j’ai classée postérieure aux deux épîtres de l’appétitive. Il a bien précisé qu’il s’agit d’un mouvement de choix et pas juste de volonté; un mouvement de choix qui est propre à l’homme et qui trouve sa source dans la raison et la délibération. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 21-22 ; Philosophia 14, p. 65)[…]يظلّ العقل هو المحرّك الأوّل في الإنسان بلغة ابن باجة؛ صحيح أنّ الإنسان كسائر الحيوان مؤلّف من المحرّك الأوّل ومن الآلات، إلا أنّ المحرّك الأول ليس هو الخيال كما هو الشأن عند الحيوانات غير الناطقة[…] (ص. 331)  فإنّ الإرادة هي مبدأ للأمور الصناعية، “فالصناعية كالكرسي والسرير، وهذه فلا توجد إلاّ عن إرادة، والطبيعية كالحجر والنخلة والفرس، وهذه كلّها كائنة فاسدة”، يقول ابن باجة. إنّ الصناعة نتاج من نتاجات الإرادة.[…] لا يقصد ابن باجة بالصورة الصناعية فقط تلك الصورة البعدية المنتشرة في مادّتها الخارجية، أي صورة الجسم الصناعي (المصنوع) والتي ليس لها “قوّة على أن تحرّك ما هي فيه ولا على أن تحرّك غيرها”، وإنّما يعني بها أيضا وأوّلا صورة الصناعة الموجودة قبليا في النفس كملكة وكمبدأ منتج للصناعة ومحرّك للصناعة، أي كصورة إرادية فاعلة ومبدعة. (ص. 119)

يعود جمال راشق إلى فقرة سابقة في ص 101 يفتتح بها العنصر الموالي، ويلخّص أحيانا فقرات عنصر “المسؤولية وحرية الاحتيار” (مثل أصناف المحرّك الأول) أو يتجاوز بعضها، كما يلي:

  La responsabilité Ibn Bāğğa n’utilise pas vraiment les termes liberté, responsabilité et conscience mais plutôt une terminologie de son époque et de son environnement culturel : choix pour liberté, discrimination pour conscience, châtiment et récompense pour responsabilité (al-῾iqāb, al- ṯawāb, al-ḏam, al-madḥ). (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 22 ; Philosophia 14, p. 65)  المسؤولية وحرّية الاختيار  […] وتجدر الإشارة إلى أنّه، ورغم افتقار القاموس الباجي إلى هذه المفاهيم (الإرادة، الحرية، المسؤولية فقد كان معناها واضحا في ذهنه، استدلّ عليه، بشكل لا يدع مجالا للشكّ، من خلال تعابير تفيد المعنى نفسه أو عبر استعماله لمجموعة من المفاهيم الأخرى التي كانت متداولة في عصره، سواء منها تلك التي تعتبر رديفة لهذه، كالاختيار بالنسبة للحرّية، والتمييز بالنسبة للوعي، والمدح والذمّ والثواب والعقاب بالنسبة للمسؤولية. (ص. 101)
  Ibn Bāğğa, dans ces derniers écrits, creuse plus profondément dans la recherche du moteur premier dans l’Homme[…]Il distingue entre les différents moteurs intermédiaires et reprend les mêmes exemples pour distinguer entre le moteur premier qui est le moteur en vrai et les autres qui sont intermédiaires, et que c’est au premier que tourne toute la responsabilité, et c’est à lui qui mérite soit le châtiment soit l’éloge. […]L’homme en tant qu’animal animé et distingué par son intellect, son acte est l’oeuvre de son choix, libre et responsable, etc’est à lui seul d’assumer cette responsabilité et par conséquent celle d’être heureux ou malheureux. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 22-23 ; Philosophia 14, p. 65–66)يرى ابن باجة، في سياق سعيه إلى الاستدلال على وجود المحرّك الأوّل المطلق، أنّ المحرّك يكون أوّلا من جهتين[…] فالمبدأ الأوّل للحركة المتّصلة التي تنطلق من الإنسان عبر تحريكه لليد، واليد للعكاز، والعكاز للحجر، لا يمكن إلاّ أن يكون هو المحرّك الإرادي الذي هو الإنسان. ذلك لأنّ المحرّك الإرادي هو الفاعل حقيقة، وهو الذي يتحمّل مسؤولية كلّ نتائج فعله، وهو “المستحقّ للذمّ والمدح، والعقاب والثواب”[…] فالمسؤولية كلّ المسؤولية عليه ما دام كائنا إراديا حرّا يرجع إليه، في الأخير، أن يحرّك أو لا يحرّك، وله أن ينفعل أو لا ينفعل تبعا لرويّته واختياره. (ص. 107-109)

لخّص جمال راشق الفقرةَ السابقة مستحضرا أيضا عبارات من ص. 82-83.

  La vertu dans la physique, Ibn Bāğğa précise que les vertus éthiques sont l’objet d’un usage modéré dans les puissances naturelles. Quant aux vices, ils sont l’œuvre de l ’exagération dans l’utilisation de ces puissances dont l’Homme jouit en tant que corps naturel. Le vice se définit comme l’acte de se laisser affecter par un plaisir au moment non convenable ou bien vice-versa. Les vertus et les vices sont le résultat de l’usage de ces puissances en excès ou en modération. Les puissances naturelles ne sont pas l’origine du vice dans l’Homme, parce que la nature est neutre dans le corps : elle n’est ni vice ni vertu que lorsqu’elle devient sujet d’affect psychique. La vertu est l’équilibre établi entre les plaisirs naturels et les affects psychiques, mais cet équilibre nécessite un troisième élément qui est l’intellect. )Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 23-24 ; Philosophia 14, p. 66)  الفضيـلة يعرّف ابن باجة الفضائل الخلقية، في شرحه على السماع الطبيعي، بأنّها “اعتدال في استعمال القوى الطبيعية عن الانفعالات النفسانية. ومن ثمّة، تكون الرذائل هي نوع من الإفراط أو التفريط في استعمال القوى التي لنا بالطبع، فننفعل بها في وقت غير مناسب للانفعال ولا ننفعل بها في الوقت المناسب لذلك. هكذا، فالفضائل والرذائل تكمن في نوع من العلاقة بين ما هو طبيعي فينا من قوى وما هو نفساني، وفي شكل استعمالنا لهذه القوى وانفعالنا عنها. إنّنا لا نأتي الرذيلة من جهة قوانا الطبيعية، ولا الفضيلة من جهة انفعالاتنا النفسانية، ولا حتّى العكس؛ ذلك لأنّ القوى الطبيعية هي معطاة لنا بالطبع، فقوّة الغضب، مثلا، هي “قوّة على أن نغضب وعلى أن لا نغضب بالطبع”. إنّ الطبيعة فينا محايدة، ولا تنسحب عليها معاني الفضيلة والرذيلة إلا حينما تصير مضمونا نفسانيا. والطابع المتوازن أو غير المتوازن للعلاقة بين النفس والطبيعة هو الذي يحدّد طبيعة الفعل هل هو فاضل أم لا، بل إنّ توازن هذه العلاقة لا يمكن أن يتمّ إلاّ بتدخّل عنصر ثالث وهو العقل […] (ص. 105-106)
La vertu c’est soumettre les plaisirs naturels à l’arbitrage de la raison au point que l’Homme ne s’affecte plus par ces plaisirs que par volonté. De ce fait, la vertu permet à l’Homme d’échapper à la causalité naturelle, et elle lui donne une certaine liberté. Une liberté non pas juste pour choisir de répondre à tel ou à tel plaisir, mais aussi la liberté de le refuser. )Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 23-24 ; Philosophia 14, p. 66)  لمّا كانت الفضيلة هي استحكام العقل على الدوافع والميول الطبيعية، بحيث لا ينفعل عنها الإنسان إلا بمقتضى إرادته، فإنّها تمنحه إمكانية وضع مسافة بينه وبين قواه الطبيعية؛ تمنحه الاستقلال والانفلات من قبضة العلّية الطبيعية. بكلمة واحدة، تمنحه الحرّية: حرّية الاختيار، ليس فقط بمعنى الحرّية التفضيلية بين هذا الانفعال أو ذاك، وإنّما أيضا حرّية قبوله أو عدم قبوله البتّة. (ص. 106)
  Ceci est possible pour l’Homme par la délibération et la pensée (al-rawiyya), il examine à priori les fins et les conséquences de son action et parfois même, s’il se laisse affecter par le plaisir, il lui revient de s’arrêter à n’importe quel moment parce qu’il a le principe de mouvement et de repos en soi. Par contre, le vil perd toute liberté de choix et n’acquiert que le mouvement spontané ou le mouvement nécessaire. )Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 23-24 ; Philosophia 14, p. 66)    أمّا الإنسان فهو مطالب باستعمال عقله والرويّة في نتائج حركاته وأفعاله قبل إنجازها (ص. 107) […]وحتّى “إذا قبل الانفعال لم يتحرّك عنه ضرورة”، وإنّما يستطيع التحكّم فيه عبر التروّي في تحديد غاياته وتقييم نتائج ما يصدر عنه من حركة قبل الاستجابة أو الإحجام عنه؛ وإن اختار الحركة عنه، كان له أن يسكن عنه متى شاء وبكامل إرادته وحرّيته. في المقابل، فإنّ خلوّ صاحب الرذيلة من مبدأ الفضيلة يفقده حرّية الاختيار. ومن ثمّة فإنّه يتحرّك ضرورة عن الميل الطبيعي المحرّك ولا يملك أن يتوقّف عنه إلا بانقضاء الحركة، مثله في ذلك مثل الحيوان غير الناطق، بل وأكثر من ذلك، فإنّه يشبه في ذلك الأجسام الطبيعية في حركتها الضرورية عند حضور الانفعال عن محرّك خارجي. (ص. 106-107)
  • سرقة القسم الثالث من الكتاب

هنا ينتقل إلى نقل فقرات مهمّة من القسم الثالث من الكتاب بعنوان: الإرادة مبدأ إنساني. ينقل بالخصوص من الفصل الثاني: مضمون الإرادة. ومن حسن حظّه أنني أفردت عنصرين خاصّين بابن باجة في هذا القسم يسّرا عليه مهمّة الترجمة، ولذلك غلب على فقراته الطابع الحرفي، ومن ثمّ تسهل المقارنة بينهما.

  l’acte Humain   Qu’est-ce qu’un acte humain ? Comment la volonté et la raison se réunissent-elles afin de produire cet acte moral et noble qu’est l’acte Humain ? Quel est l’apport irrationnel dans l’éthique d’Ibn Bāğğa? Et enfin est-ce que l’acte Humain chez Ibn Bāğğa est un acte moral ? (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 24 ; Philosophia 14, p. 67)    2. مفهوم الفعل الإنساني عند ابن باجة “كيف يتحدّد مفهوم الفعل الإنساني لدى هذا الفيلسوف؟ وكيف تتآلف، في نظره، الإرادة والعقل في سبيل إنتاج فعل أخلاقي فاضل؟ ما هو الدور الذي يوليه للمحدّدات البيولُجية والأهواء والدّوافع النفسية في توجيه الفعل الأخلاقي؟ بعبارة أخرى ما قيمة الجانب اللاّعقلي في النظرية الأخلاقية الباجوية[…] وقبل ذلك: هل المقصود بالفعل الإنساني عند ابن الصائغ هو الفعل الأخلاقي؟ (ص. 255)
Pour commencer, nous confirmons que tout acte Humain est un acte de volonté libre qu’elle soit morale ou rationnelle. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 24 ; Philosophia 14, p. 67)فيما يخصّ السؤال الأخير[…] المقصود بالفعل الإنساني هو الفعل الإرادي الحرّ[…] سواء كان هذا الفعل فعلا خلقيا أو فعلا فكريا خالصا[…]. (ص. 255)
Pour Ibn Bāğğa dans le tadbīr, l’homme est doté de trois sortes d’actes : 1. L’acte inanimé 2. L’acte bestial 3. L’acte humain C’est évident qu’il se caractérise par le troisième, mais il a l’acte de l’inanimé en tant que corps naturel composé d’éléments, et c’est un acte par nécessité qui n’a aucune relation avec le choix [« fa-af‘āl al-quwwa al-usṭuqsiyya hiy-a bi al-iḍṭirār ṣirf-an, lā šarikat-a bayna-hā wa bayn af‘āl al-iḫtiyār », Ziāda, Tadbīr, p. 67.]. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 24 ; Philosophia 14, p. 67)يرى ابن باجة أنّ الأفعال الموجودة للإنسان ثلاثة أصناف: فعل جمادي، فعل بهيمي، وفعل إنساني[…] إنه ينفرد بالصنف الثالث ويختصّ به. فهو يشارك، من جهة أسطقسه (جسمه)، الجمادات في الأفعال الضرورية التي تلحقها، وهي أفعال لا اختيار له فيها؛ فأفعال القوّة الأسطقسية هي “بالاضطرار صرفا، لا شركة بينها وبين أفعال الاختيار”. (ص. 255)
Comme il a aussi l’acte bestial en tant qu’animal qui a pour facultés : la nutritive la générative et l’augmentative45[« wa ayḍan fī-quwā al-ḥiss wa al-taḫayyul wa al-ḏikr, wa al-af‘āl al-latī tūğad lah ‘an hāḏi-h wa hiy-a li al-nafs al-bahīmiyya », Ziāda, Tadbīr, p. 49.]. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 24 ; Philosophia 14, p. 67)ويشارك، من جهة نفسه البهيمية، الحيوان غير الناطق في كلّ قواه، من غاذية ومولّدة ونامية، “وأيضا في قوى الحسّ والتخيّل والذكر، والأفعال التي توجد له عن هذه وهي للنفس البهيمية”[…] (ص. 255-256)
Quant aux autres puissances spirituelles à savoir : le sens commun, l’imagination et la mémoration46 ]« fa lahā (les trois facultés spirituels le sens commun, l’imagination et la mémoration) af‘āl wa infi‘ālāt, fa ammā al-infi‘ālāt al-ḥāṣil-a ̔ an-hā fa-mağrā-hā ka-mağrā al-ḥiss, wa ammā al-af‘āl al-kā ̓ in-a ̔ anh-ā fa hiy-a iḫtiyāriyya, iḏ kānat insāniyya, wa ammā iḏā kānat bahīmiyya fa hiy-a bi iḍṭirār », Ziāda, Tadbīr, p. 68.[, elles sont animales et humaines selon leurs réactions. Si ces dernières sont passives, il s’agit, alors, d’un mouvement bestial et si elles sont actives, alors c’est un mouvement de choix. Enfin, l’Homme se caractérise par son choix délibéré et son acte libre qui échappe, à la fois, à la nécessité de la nature et à la spontanéité de l’animal. Le choix est la volonté, mais une volonté libre qui relève de la raison et de la discrimination rationnelle. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 24-25; Philosophia 14, p. 67-68)وأمّا القوى الروحانية الثلاث (الحسّ المشترك والتخيّل والذّكر) “فلها أفعال وانفعالات، فأمّا الانفعالات الحاصلة عنها فمجراها كمجرى الحسّ، وأمّا الأفعال الكائنة عنها فهي اختيارية، إذ كانت إنسانية، وأمّا إذا كانت بهيمية فهي باضطرار”؟ وذلك تبعا لطبيعة المبدأ المحرّك لها هل هو إنساني أم بهيمي. وينفرد الإنسان بالقوّة الفكرية والأفعال التي هي له عنها؛ وسمة هذه الأفعال التي تكون عن القوّة الفكرية أنّها اختيارية محضة. وهذه الأفعال الاختيارية هي خاصّة بالإنسان وموجودة له بالطبع من دون سائر الموجودات الأخرى. “والأفعال الإنسانية الخاصّة به هي ما تكون باختيار، فكلّ فعل إنساني فهو فعل باختيار. وأعني بالاختيار الإرادة الكائنة عن رويّة” يقول ابن باجة. إنّ ما يجعل، إذن، من فعل ما فعلا إنسانيا هو كونه صادرا عن رويّة واختيار؛ وليس معنى الاختيار، كما يقول فيلسوفنا، شيئا آخر غير معنى الإرادة، لكن الإرادة الحرّة، الإرادة الكائنة عن رويّة وتمييز عقلي. (ص. 256-257)
Malgré les conditions qu’exige un acte Humain et qui n’est autre que la liberté, la discrimination rationnelle et la délibération, une certaine confusion persiste, néanmoins, entre l’acte Humain et l’acte bestial, entre la volonté en tant que choix et la volonté en tant que mouvement spontané. La question qui se pose donc est la suivante : comment Ibn Bāğğa arrive-t-il à distinguer l’une de l’autre ? (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 25 ; Philosophia 14, p. 68)فالحيوان غير الناطق قد يتحرّك بدوره عن نوع من الإرادة أو تلقاء النفس،[…] وقد رأينا كذلك كيف أنّه لا يميّز البتّة بين الفعل التلقائي والفعل الإرادي، بقدر ما يميّز بين هذين من جهة وبين الفعل الاختياري من جهة أخرى. وبعبارة بديلة يميّز بين فعل إرادي تلقائي وبين فعل إرادي اختياري. فكيف يمكن أن نميّز الأفعال الاختيارية الخاصّة بالإنسان من الأفعال الإرادية الأخرى التي لا تخلو أيضا الحيوانات غير الناطقة منها؟ بل كيف نستطيع أن نميّز داخل الإنسان الواحد نفسه بين الأفعال الإرادية التلقائية التي للنفس البهيمية فيه وبين الأفعال الإرادية الاختيارية التي له من جهة قوّته الفكرية؟ (ص. 257)
Pour répondre à cette question et surmonter cette confusion, Ibn Bāğğa propose deux critères : Celui du principe ou moteur et celui du but ou la fin. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 25 ; Philosophia 14, p. 68)[…] نجد عند ابن الصائغ ‘معيارين’ أساسيين لتمييز الفعل الإنساني (الاختياري) عن الفعل البهيمي (التلقائي): معيار المبدأ أو المحرّك ومعيار الغرض أو الغاية. (ص. 258)
  Critère du principe ou moteur   Le principe dans les actes humains est soit spontané ou bien une opinion droite/une pensée. Alors si l’acte, ou mouvement, relève du premier principe, il s’agit alors d’un acte bestial et l’Homme à ce niveau ne diffère pas de l’animal47[« fa inna al-ḥayawān ġayr al-nāṭiq inna-mā yataqaddam fi‘l a-h mā yaḥduṯ fī al-nafs al-bahīmiyya min inf􀓫̔ āl. Wa al-insān qad yanf̔il min hāḏi-h al-ğiha, ka-mā yahrub al-insān min mufz􀓫̔ ,fa inna hā al-fi‘l huw-a li al-insān min ğihat al-nafs al-bahīmiyya », Ziāda, Tadbīr, p. 50-51]. Par contre, si son acte relève de l’opinion droite/pensée, il s’agit bien d’un acte purement humain48[« wa al-af̔āl al-insāniyya al-ḫāṣa bi-h hiy-a mā takūn bi iḫtiyār, fa kul fi‘l insānī fa huw-a f􀓫̔ lbi iḫtiyār, wa a̔ nī bi al-iḫtiyār al-irādat al-kāin ̔ an rawiyya», Ziyāda, Tadbīr, p. 50.]. Mais il faut noter qu’Ibn Bāğğa, lorsqu’il parle d’acte bestial, n’entend pas simplement les actes humains venant de l’âme bestiale, mais aussi un acte humain dépourvu de fin. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 25 ; Philosophia 14, p. 68)  معيار المبدأ أو المحرّك  […]والمبدأ المحرّك للفعل لدى الإنسان إمّا أن يكون غريزة وانفعالا نفسانيا وإمّا فكرا ورأيا عقليا. فإذا تحرّك الإنسان عن المبدأ الأوّل، فحركته عن النفس البهيمية، وهو لا يختلف في ذلك عن الحيوان؛ “فإنّ الحيوان غير الناطق إنّما يتقدّم فعلَه ما يحدث في النفس البهيمية من انفعال. والإنسان قد ينفعل من هذه الجهة، كما يهرب الإنسان من مفزع، فإنّ هذا الفعل هو للإنسان من جهة النفس البهيمية”[…] ولا يكون الفعل فعلا إنسانيا إلا إذا كان صادرا عن رأي أو اعتقاد. فإذا كان الفعل البهيمي “المحرّك فيه ما يحدث في النفس البهيمية من الانفعال”، فإنّ “الإنساني المحرّك فيه هو ما يوجد في النفس من رأي أو اعتقاد” يقول ابن باجة. صحيح أنّ الفعل الإنساني قد لا يخلو بدوره من الانفعال، والذي قد يسبق الفكر كما قد يعقبه، إلا أنّ ذلك لا يؤثّر البتّة على فعالية هذا المعيار في التمييز بين الفعلين؛ “فالفعل البهيمي هو الذي يتقدّمه في النفس الانفعال النفساني فقط، مثل التشهّي أو الغضب أو الخوف وما شاكله. والإنساني هو ما يتقدّمه أمر يوجبه عند فاعله الفكر، سواء تقدّم الفكر انفعال نفساني أو أعقب ذلك”. (ص. 258-259)
  Critère de la fin   Si la présence de la pensée est primordiale dans le premier critère afin de distinguer un acte bestial d’un acte humain, alors c’est la fin et le but de cet acte qui fait maintenant la différence entre les deux actes. La présence ou l’absence du but et de la fin de l’acte qui fait toute la différence. Si l’acte n’a pas un but bien précis alors ce n’est pas humain, ce n’est pour Ibn Bāğğa qu’un acte bestial (bahīmī), parce qu’un acte humain pour lui est un acte conscient intentionné qui vise une fin précise49.[ « miṯl man yaksir ḥağar ḍaraba-h aw ̔ ūd ḫadaš-ah li-anna-hu ḫadaša-h faqaṭ […] ammā man yukassiruh li-allā yaḫduš ġayra-h, aw ̔ an rawiyya tūğib kasra-h fa-ḏālik f􀓫̔ linsānī», Ziyāda, Tadbīr, p. 51.] (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 25 ; Philosophia 14, p. 68)   Il y a donc une condition qui vient s’ajouter à la liberté et la délibération pour désigner un acte ou mouvement humain. Parce que ce n’est pas suffisant dans l’acte ou mouvement humain qu’il ait le repos en soi, mais il exige le choix dès le début et avant d’effectuer le mouvement ou acte, avant d’agir de telle ou telle sorte selon la fin voulu50[“fa-ẓāhir anna-hu, iḍan, inna-mā yajib an tuḥaddad al-ghayā fī al-afʿāl al-insāniyya faqaṭ”, Ziāda, Tadbī, p. 54]. (Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 25 ; Philosophia 14, p. 68-69)معيار الغرض أو الغاية إذا كان حضور الفكر في المعيار الأوّل هو شرط لقيام الفعل الإنساني كفعل اختياري وتمييزه، من ثمّة، عن الفعل البهيمي بوصفه فعلا لا اختياريا، فإنّ المعيار الثاني يتحدّد هنا بمدى حضور أو غياب غرض ما للفعل أو وجود غاية مرجوة من ورائه أو عدمها في قصدية وعينا على الأقلّ. فما يجعل من فعل ما فعلا إراديا (إنسانيا بلغة ابن باجة) هو كونه يروم غرضا محدّدا وغاية معروفة. […] وذلك “مثل من يكسّر حجرا ضربه أو عودا خدشه لأنّه خدشه فقط […] أمّا من يكسّره لئلا يخدش غيره، أو عن رويّة توجب كسره فذلك فعل إنساني” (ص. 259-260) إنّ حضور الغائية إلى جانب الرويّة والاختيار هو شرط لا محيد عنه لتمييز الفعل الإرادي الحرّ لدى الإنسان عمّا سواه من الأفعال. فالإرادة لكي تكون حرّة بالفعل لا يكفي أن نملك القوّة على السكون والوقوف عن الفعل ضدّ مجرى الطّبع والغريزة فينا بقدر ما تشترط الاختيار منذ البداية بين الفعل أو اللاّفعل أو بين هذا الفعل أو ذاك لقصدية توجب ذلك. “فالفعل الجمادي ظاهر أنّه اضطرار، لا اختيار فيه كما قلناه، فليس لشيء أصلا، ولذلك ليس لنا أن لا نفعله، لأنّ الحركة فيه ليست من تلقائنا. والفعل البهيمي هو أيضا لا من أجل شيء إلا أنّه من تلقائنا، ولذلك إلينا أن نقف متى شئنا، “فظاهر أنّه، إذن، إنّما يجب أن تحدّد الغايات في الأفعال الإنسانية فقط”. (ص. 260)
Donc l’acte humain est un acte intentionné. Juste l’acte humain parmi les autres actes qui se caractérise par l’intention et agit consciemment pour une fin précise qui relève de la délibération et responsabilité. Philosophie et Science en Occident Musulman, p. 26 ; Philosophia 14, p. 69)إنّ الفعل الإنساني وحده يختصّ بالقصدية، وينجز في ضوء غاية معيّنة عن رويّة ووعي مسؤول[…] (ص. 260)

تكفي المقارنة بين عمودي الجدولين ليتبين حجم السرقة التي ارتكبها جمال راشق في حقّ عملي. وما تبقّى من مقاله، وهو في حدود صفحة واحدة (عبارة عن خاتمة)، تلخيص لمضمون الصفحتين 262-263 من الكتاب.

ثانيا: درس راشق مسروق من كتابي

يبدو أنّ جمال راشق كان يدرّس كتابي/أطروحتي دون أن يذكر لطلبته اسم المؤلّف؛ وعندما قرأت مقالا لأحد طلبته يحيل فيه على محاضرات د. جمال راشق في مادّة الفلسفة وقضايا الإنسان، فهمت القصّة كاملة! إنّ السرقة لها وجه واحد، ومن تعوّد على السرقة لا يصعب أن يعيش بدونها! والمقال أعلاه إنّما نسبه إلى نفسه، لأنّه سبق له أن نسب إلى نفسه العمل كلّه منذ سنوات، إلى درجة أنّه اعتقد أنّه له، مادام قد درّسه لسنوات لطلبته في مراكش. ويبدو أنّ الطالب انتبه إلى المصدر الأصليّ، إذ أحال عليه أكثر من مرّة على عكس أستاذه الذي ذكر الكتاب مرّة واحدة وبشكل مموّه. لكن، يبدو أن الطالب لا يدري أنّ ما كتبه عن مفهوم الإرادة هو نقل ثان عن نقل سابق. والطالب معذور، إلى حدّ ما، مادام يحيل على الأعمال التي أخذ منها؛ فهو يحيل على محاضرات أستاذه بكلّ أمانة. صحيح أنّه لم يتأكّد من مصادره، لكن أتفهّم أنّه يصعب على الطالب أن يشكّ في أنّ أستاذه ينقل عن غيره بلا إحالة. فيبدو أنّ ما تمكّن من الاطّلاع عليه مباشرة في الكتاب قد أحال عليه، لكن الفقرات الأخرى التي أحال فيها على أستاذه، إمّا أنّه لم يطّلع عليها في الكتاب الأصل أو فضّل الإحالة على أستاذه، ربّما عن حسن نيّة، معتقدًا أنّ أستاذه هو الأصل، وأنّ الكتاب الذي أمامه نقل عنه. فالأستاذ فوق كلّ شبهة! والواقع أنّ الأمر ليس كذلك في حالتنا هذه. وفيما يلي بعض مواضع السرقة في محاضرات الأستاذ من خلال إحالات الطالب:

البوسكلاوي، سعيد. مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائيّة، بيروت: دار المشرق، 2010. ISBN 2-7214-8135-5 El Bousklaoui, Said. mafhūm al-irādat fi al-falsafat al-islāmiyyat al-mashshā’iyyat (The Notion of the Will in Islamic Peripatetic Philosophy), Beyrut: Dar El Machreq, 2010. ISBN 2-7214-8135-5محاضرات د. جمال راشق في مادة “الفلسفة وقضايا الإنسان”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، مراكش، 2013. نقلا عن: رشيد بن سعيد طالع، “مفهوم الإرادة وعلاقتها بالعقل العملي عند ابن باجة”، موقع كوة، 15/07/2019. https://couua.com/2019/07/15/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A/
لكن، قبل التعرّض لهذه المعاني، نرى لزاما علينا أن نتوقّف قليلا عند هذا السؤال المحيّر: لماذا لا يستعمل ابن باجة لفظ ‘الإرادة’ إلا نادرا جدا، في الوقت الذي يلحّ فيه على جعل تلقاء النفس رديفا للإرادة، ويفضّل استعمال الحركة التلقائية بدل الحركة الإرادية، رغم أنّه يعطيها المعنى نفسه الذي لهذه الأخيرة؛ في حين نجد ابن سينا، في المقابل، يستعمل هذه عوض تلك دون أدنى تحفّظ منه؟ نعتقد جازمين أنّ تفادي ابن الصائغ استعمال لفظ ‘الإرادة’ كان منسجما تماما مع أطروحته في تخصيص معنى الحركة التلقائية وحصره فقط في الجنس الحيواني، وما يترتّب عن ذلك من اعتبارها حركة إرادية خاصّة بالحيوان والإنسان دون سواهما؛ ومن ثمّة فصلها نهائيا عن الحركة السماوية. هي نقطة اختلافه الكبيرة مع صاحب الشفاء الذي يجعل من الحركات السماوية أيضا، بل أوّلا، حركات إرادية؛ انسجاما مع مذهبه ومع التّصوّر الأفلاطوني المحدث كما مع التصوّر الغالب لدى المسلمين.(ص. 99).يتساءل في هدا الصدد الدكتور جمال راشق عن سبب عدم استعمال ابن باجة للفظ الإرادة إلا في مواضع نادرة جدا، في الوقت الذي يلح فيه على جعل تلقاء النفس رديفا للإرادة، ويفضل استعمال الحركة التلقائية بدل الحركة الإرادية، رغم أنه يعطيها نفس معنى هذه الأخيرة، في حين نجد أن الشيخ الرئيس ابن سينا، في المقابل، يستعمل عوض تلك دون أدنى تحفظ منه. ويجيب الدكتور راشق بأن تفادي ابن باجة استعمال لفظ الإرادة كان منسجما تماما مع أطروحته في تخصيص معنى الحركة التلقائية وحصره في الجنس الحيواني، وما يترتب عن ذلك من اعتبارها حركة إرادية خاصة بالحيوان والإنسان دون سواهما، ومن ثمة فصلها نهائيا عن الحركة السماوية، وهي نقطة اختلافه الكبيرة مع صاحب الشفاء الذي يجعل من الحركات السماوية أيضا، بل أولا، حركات إرادية، انسجاما مع مذهبه ومع التصور الغالب لدي المسلمين. مقتبس من محاضرات د. جمال راشق في مادة “الفلسفة وقضايا الإنسان”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، مراكش، 2013.
[…]عمل ابن الصائغ فعلا على تسييج “مفهوم الإرادة” بترسانة من المعاني و’المفاهيم’، تتكامل فيها بينها على نحو عضوي وتحوم كلّها في دائرته، مشكّلة عناصر ضرورية مقوّمة لبنيته الذاتية، لدرجة يمكن القول معها إنّه جعلها جملة اقتضاءات لا تقوم للإرادة الإنسانية قائمة بدونها، وهي معاني الحرّية، التمييز، المسؤولية والفضيلة. (ص. 98-99)          وعلاقة بعنوان محورنا فإننا لن نتحدث سوى عن الإرادة الإنسانية، الإرادة التي تخلت عن جوانبها الحسية والخيالية وارتفعت إلى مرتبة العقل والروية، لتصبح من جهة هذه القوة الناطقة إرادة اختيارية، إلا أن النطق غير كاف لتمييز هذه الإرادة الاختيارية عن غيرها من الإرادة التلقائية والتي يتسم بها الفعل البهيمي، وبالتالي فلكي يكون الفعل الإنساني فعلا إراديا / اختياريا وحرا، فإنه يقتضي شروطا أخرى من التمييز العقلي (الوعي) والمسؤولية والفضيلة، وهي شروط لا تتوفر لدى الفعل البهيمي. إن مبدأ السكون هذا هو ما نستشفه من قول “ابن باجة” : “…إن كل متحرك من تلقائه فهو يسكن من تلقائه…” انظر : Ibn Bagga (avempace) la conduite de l’isolé et deux autres épitres, tradction française, commentaire et index par Charles Genequand, Vrin, Paris, 2010, p 155 ومقتبس كذلك من محاضرات د. جمال راشق في مادة “الفلسفة وقضايا الإنسان”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، مراكش، 2013،
بفضل استثماره لمفهوم السكون تمكّن ابن باجة من إيجاد مخرج وحلّ لكثير من الإشكالات التي يطفح بها موضوع الحركة التلقائية، وذلك عبر ما ألهمه، بالخصوص، من تمييز ثمين بين جنسي الحركة الضرورية والحركة الإرادية.(ص. 95)حيث سيذهب [=جمال راشق] إلى القول بأن ابن باجة بفضل استثماره، لمفهوم السكون سيتمكن من إيجاد مخرج وحل لكثير من الإشكالات التي يصفح (كذا) بها موضوع الحركة التلقائية وذلك، خاصة عبر ما ألهمه من تمييز ثمين بين جنسي الحركة الضرورية والحركة الإرادية.
التمييز والعقل العملي إنّ فحص موضوع الإرادة الإنسانية أو، بالأصحّ، المبدأ المحرّك في الإنسان ليس نشازا في علم الفيزياء، وإنّما فرضه السياق الفيزيائي ذاته؛ ليس فقط لأنّ الإنسان هو أوّلا كائن فيزيقي يتحرّك كباقي الأجسام الطبيعية، وإنّما أيضا لأنّه كائن ميتافيزيقي يتحرّك بذاته حركة غير فيزيقية. وليس لأنّ هذه الحركة غير الفيزيقية تتيح إمكانية الاستدلال على المبدأ الميتافيزيقي الأوّل الذي تتوقّف عنده الحركة، بقدر ما تستدعي، بوصفها حركة خاصّة بالجنس الحيواني، هي ذاتها وأوّلا، الفحص من كلّ جوانبها للوقوف بشكل جليّ على طبيعتها المزدوجة هذه وحدود انفلاتها من مبدأ العلّية الطبيعية وحتمية قوانينه. (ص. 101)التمييز والعقل العملي :  إن الفحص عن موضوع الإرادة الإنسانية موضوع فرضه السياق الفيزيائي، ذلك أن الإنسان كائن فيزيقي يتحرك كباقي الأجسام الطبيعية، وكائن ميتافيزيقي يتحرك بذاته حركة غير فيزيقية، ما شكل ضرورة الوقوف على هذه الطبيعة المزدوجة للحركة الخاصة بالجنس الحيواني وحدود انفلاتها من مبدأ العلية الطبيعية وحتمية قوانينه.  
بالفعل، يرى ابن باجة أنّ حركة الحيوان لا يمكن أن توصف بالضّرورة ما دام يتحرّك، علاوة عن المبدأ الطبيعي، عن مبادئ أخرىغير طبيعية ويملك في ذاته مبدأ السكون والقدرة على التحكّم وتوجيه الحركات التي له من جهة جزئه الطبيعي. لذلك، عمد إلى تقديم تقسيم جديد للحركة، وانفرد بتصنيفها إلى حركة ضرورية خاصّة بالأجسام الطبيعية والنبات، وحركة إرادية خاصّة بالكائن الحيواني. (ص. 101-102)إن حركة الحيوان لا توصف بالضرورة ما دام يتحرك من مبادئ غير طبيعية أخرى ولما له في ذاته من مبدأ السكون والقدرة على التحكم وتوجيه المحركات التي له من جهة جزئه الطبيعي، وهنا سيميز ابن باجة بين نوعين من الحركة: حركة ضرورية خاصة بالأجسام الطبيعية والنبات.حركة إرادية خاصة بالكائن الحيواني  [مقتبس من محاضرات د. جمال راشق في مادة “الفلسفة وقضايا الإنسان”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، مراكش، 2013.]
فإذا كان النبات والأجسام الطبيعية يشتركان في كونهما لا يتحرّكان من تلقائهما، فإنّهما يفترقان في كون أحدهما يتحرّك الحركة غير المتقابلة؛ لأنّ الأجسام الطبيعية إنّما تتحرّك بالطّبع إلى أحد المتقابلين فقط، والثاني يتحرّك، إضافة إلى الحركة غير المتقابلة، حركات كثيرة متقابلة. أمّا الحيوان، فإنّه يملك، علاوة على هذه الحركات المتقابلة وغير المتقابلة، مبدأ السكون أيضا، إذ “يتحرّك بالمبدأ الذي فيه ويسكن بمقابله”. (ص. 102)فإذا كانت الأجسام الطبيعية والنبات يشتركان في كونهما يتحركان بالضرورة ويفترقان في كون أحدهما يتحرك الحركة غير المتقابلة، لأن الأجسام الطبيعية تتحرك بالطبع إلى أحد المتقابلين، فالحيوان يتميز عنهم بمبدأ السكون، إذ يتحرك بالمبدأ الذي فيه ويسكن بمقابله.
[…] فإنّ الحيوان، مع ذلك، لا يستقلّ بحركته الإرادية إلاّ في الحركة المكانية وحسب، أمّا ما عداها من الحركات، فإنّه يتحرّكها تماما كما تتحرّكها باقي الأجسام الطبيعية. فإذا كانت هذه الأخيرة لا تملك إلاّ مبدأ الإنفعال، كما تقرّر لدينا سابقا، فإنّ الحيوان يجمع في ذاته، وهو وجه صعوبته، بين الفاعلية والإنفعالية، وبالتالي بين مبدأين متقابلين للحركة والسكون. فمن جهة، قد يتحرّك عن المبدأ الطبيعي الانفعالي الذي فيه، لكنّه يملك، من جهة أخرى، أن يسكن بالمبدأ المقابل غير الطبيعي الفاعل، “لأنّ فيه المبدأين معا”. والبوتقة التي تجمع بينهما هي الإرادة التي تحوي في ذاتها هذين المبدأين، وإن كان في وقتين ما دام المتقابلان لا يوجدان معا: مبدأ الحركة الطبيعي ومبدأ السكون الاختياري. إنّ الإرادة، والحالة هذه، تتضمّن الطبيعة في ذاتها وليس العكس، كما رأينا مع ابن سينا وابن رشد، ومدى قدرتها على التحكّم في قواها الطبيعية، أي في انفعالاتها النفسانية عن دوافع طبيعية، هو الذي يحدّد مضمون حرّيتها وطبيعتها الاختيارية العاقلة. (ص. 102-103)إلا أن الحيوان لا يستقل بحركته الإرادية إلا بالحركة المكانية، وما عداها من الحركات فإنه يتحركها كما يتحركها باقي الأجسام الطبيعية، وإذا كانت هذه الأخيرة لا تملك إلا مبدأ الانفعال فإن الحيوان يجمع في ذاته بين الفاعلية والانفعال، وبالتالي بين مبدأين متقابلين للحركة والسكون، فإن تحرك عن مبدأ طبيعي انفعالي فإنه يملك من جهة أخرى مبدأ غير طبيعي فاعل وهو السكون بالذات، والإرادة تجمع بين هذين المبدأين وإن كان في حين يوجدان معا. وبالتالي فالإرادة والحالة هذه تتضمن الطبيعة في ذاتها مع قدرتها على التحكم في قواها الطبيعية، أي في انفعالاتها النفسانية عن دوافع طبيعية، وهو الذي يحدد مضمون حريتها وطبيعتها الاختيارية.
بماذا يمكن، إذن، تفسير مبدأ السكون الذي ينفرد به الكائن الحيواني؟ بل ما هي هذه المبادئ الأخر غير الطبيعية، أو هذا المبدأ، إن كان واحدا، الذي يتحرّك ويسكن عنه الحيوان؟ يصفه ابن باجة بأنّه نوع من أنواع التمييز، الذي هو بدوره أحد أنواع العقل العملي الذي يختصّ به الحيوان دون سواه من الكائنات؛ حيث بمقتضاه، يميّز بين انفعالاته ويختار الملائم منها وما يكون به على الحال الأفضل. وأكثر من ذلك فإنّه، بفضل مبدأ التمييز هذا، يستقلّ، ولو نسبيا، بحركته التلقائية ‘الفاعلة’ عن الحركة الانفعالية الخاصّة بالأجسام الطبيعية؛ وذلك بالنظر إلى ما يمنحه له هذا المبدأ من إمكانية التوقّف والسكون الإرادي عنها، أي عن حركاته الانفعالية. والإنسان خاصّة إنّما وُهب العقل العملي وأُعطي جميع أنواع التمييز، لذلك جُعل قابلا لأنواع الانفعالات على الإطلاق، ما دام يرجع إليه، في الأخير، أن يقبلها أو لا يقبلها؛ […](ص. 103-104). لكن بما يمكن إذن تفسير مبدأ السكون الذي ينفرد به الكائن الحي؟ إن ابن باجة يصف هذا المبدأ بأنه نوع من أنواع التمييز، والذي هو بدوره أحد أنواع العقل العملي الذي يختص به الحيوان دون سواه من الكائنات، إذ بموجبه يميز بين انفعالاته ويختار الملائم منها وما يكون به على الحال الأفضل، وبهذا التمييز يستقل ولو نسبيا عن الحركة الانفعالية الخاصة بالأجسام الطبيعية، ليصبح كائنا متحركا حركة فاعلة، وذلك بالنظر إلى ما يمنحه له هذا المبدأ من إمكانية التوقف والسكون الإرادي عن الحركة الانفعالية. والإنسان إنما وهب العقل العملي وأعطي جميع أنواع التمييز، لذلك جعل قابلا لأنواع الانفعالات على الإطلاق ما دام يرجع إليه أن يقبلها أو لا يقبلها.    
غير أنّ فيلسوفنا، لم يتوقّف عند هذا الحد، ولم يكتف بهذا التّصنيف وهذا التقابل بين حركة الحيوان التي هي حركة تلقائية إرادية وحركة النبات والأجسام الطبيعية التي تتّسم بالضّرورة، وإنّما انتبه إلى أنّ حركة الحيوان غير الناطق تشبه كثيرا حركة الأجسام الطبيعية؛ إذ رغم كونه يملك نوعا من أنواع التمييز، إلاّ أنّه يتحرّك ضرورة إذا ما حضر الانفعال الذي هو “فيه بمنزلة الثقل والخفّة في الأجسام الطبيعية”. ولاحظ كذلك أنّ الإنسان غير الفاضل، ورغم كلّ أنواع التمييز العقلي الذي له، فإنّه يسعف انفعالاته وينقاد لها ولا يستطيع أن يسكن إذا ما تحرّك عنها حتّى يكلّ الانفعال فيه[…]. (ص. 104)غير أن فيلسوفنا لم يتوقف عند هذا الحد من التصنيف بين الحركة الإرادية التلقائية الخاصة بالحيوان والحركة الطبيعية والضرورية الخاصة بالنبات، بحيث انتبه إلى أن حركة الحيوان غير الناطق تشبه حركة الأجسام الطبيعية، إذ رغم كونه يملك نوعا من أنواع التمييز إلا أنه يتحرك ضرورة إذا ما حضر الانفعال الذي فيه بمنزلة الثقل والخفة في الأجسام الطبيعية. كما لاحظ أن الإنسان غير الفاضل يشبه الحيوان غير الناطق والأجسام الطبيعية في حركيتهما الانفعالية، حيث ينقاد لانفعالاته ولا يستطيع أن يسكن إذا ما تحرك عنها حتى يكل الانفعال فيه.
لذلك راح ابن باجة يمعن النّظر في موضوع الحركة الإرادية ساعيا إلى تمييز المحرّك الفاعل فيها من المتحرّك المنفعل، بل وتحديد ما هو إرادي فيها حقّا من مبادئ وما هو طبيعي ضروري أو يجري مجرى الضروري؛ لأنّه كان مقتنعا بأنّها ليست حركة طوعية مجانية بقدر ما هي صادرة فعلا عن مبادئ تحدّدها رغم كونها مبادئ خفيّة، معقّدة يمتزج فيها الطبيعي بالإرادي والضروري بالاختياري. وقد رام تفادي كلّ خلط بين تلقاء النفس والإرادة الفعلية، بل وبين الإرادة بعموم القول والإرادة الحرّة المميّزة المختارة؛ وكأنّه استشعر مطبّة الاستسهال والعمومية التي وقع فيها التحديد السينوي للحركة الإرادية الذي وقفنا عليه سابقا، فقدّم تمييزا جديدا داخل الحركة التلقائية الإرادية ذاتها، هذه المرّة، بين حركة إرادية لكنّها تجري مجرى الضرورية وحركة إرادية اختيارية: الأولى، وإن كان واضحا أنّها تنسحب على الحيوان غير الناطق لكونه يفتقد لمبدأ التمييز العقلي، إلاّ أنّها تنسحب كذلك على الإنسان غير الفاضل الذي يشبهه من جهة حركته وأفعاله حسب ابن الصائغ؛ “وكلاهما يشبهان في حركاتهما الأجسام الطبيعية عند حضور الانفعال […] غير أنّ صاحب الرذيلة أنقص وجودا؛ فإنّ الحيوان غير الناطق، إنّما طبع ليقبل من الانفعال ما يكون له به إمّا جودة الحال أو السلامة فقط”(). والثانية هي حركة إرادية حرّة بالفعل، تشترط، إلى جانب مبدأ التمييز، مبادئ أخرى لا تقوم لها قائمة بدونها، كمبدأ الفضيلة والمسؤولية، كما سنرى. هكذا، فإنّ مبدأ التمييز، رغم ضرورته وأولويّته، حتّى في صورته العقلية، هو مبدأ غير كاف، في نظر ابن باجة، لقيام الإرادة كإرادة حرّة ومستقلّة عن العلّية الطبيعية؛ إذ غالبا ما يتحرّك الإنسان عن انفعالاته التي تأتيه من الحسّ الذي يجد مصدره، بدوره، في المحيط الخارجي الطبيعي رغم كلّ أنواع التمييز العقلي التي ينفرد بها. (ص. 104-105) يروم ابن باجة في بحثه عن موضوع الحركة الإرادية إلى التمييز بين المحرك الفاعل والمتحرك المنفعل، بل أكثر من ذلك تحديد ما هو إرادي فينا من مبادئ غير طبيعية وما هو طبيعي ضروري، لأنه كان مقتنعا بأنها ليست حركة طوعية مجانية بقدر ما هي صادرة عن مبادئ تحددها رغم كونها مبادئ خفية ومعقدة يمتزج فيها الطبيعي بالإرادي والضروري بالاختياري، وقد رام تفادي كل خلط بين الإرادة بعموم والإرادة المميزة المختارة، وهو ما وقف عليه كل من الفارابي وابن سينا، فقدم تمييزا جديدا داخل الحركة التلقائية الإرادية ذاتها، هذه المرة بين حركة إرادية، لكنها تجري مجرى الضرورة، وحركة اختيارية. فالأولى تنسحب كما أشرنا على الحيوان غير الناطق كما تنسحب على الإنسان غير الفاضل إذا ما فقد مبدأ التمييز العقلي، والثانية هي حركة إرادية حرة بالفعل، تشترط مبادئ أخرى كمبدأ الفضيلة والمسؤولية. وعليه فإن مبدأ التمييز غير كاف في نظر ابن باجة لقيام إرادة حرة مستقلة عن العلية الطبيعية، إذ غالبا ما يتحرك الإنسان عن انفعالاته التي تأتيه من الحس رغم كل أنواع التمييز العقلي التي ينفرد بها.
المسؤولية وحرّية الاختيار يرى ابن باجة، في سياق سعيه إلى الاستدلال على وجود المحرّك الأوّل المطلق، أنّ المحرّك يكون أوّلا من جهتين: من جهة كونه يحرّك نفسه يكون أوّلا، إن كان يجوز أن يسمّى أوّلا في علاقته بنفسه، لأنّ الأوّل من جنس المضاف. ثمّ من جهة كونه يحرّك بغيره، فيكون أوّلا باعتبار أصناف الوجود؛ إذ يكون أوّلا من جهة الوجود المطلق بالنظر إلى محرّك ثان قد يكون بدوره أوّلا، لكن من جهة الوجود الهيولاني وحسب، لأنّه يظّل محرّكا أخيرا بالنسبة للمحرّك الأوّل من جهة الوجود المطلق. ومثال “الإنسان يحرّك القلم باليد” يوضّح ذلك جيّدا: فالإنسان هو المحرّك الأوّل بإطلاق الوجود، في حين أنّ اليد هي محرّك ثان متحرّك عن الأوّل، إلاّ أنّها الأوّل في الهيولى. والفرق بين الأوّل والأخير، أنّ المحرّك الهيولاني لا يستطيع أن يحرّك إلا بتحريك المحرّك له، في حين أنّ المحرّك الأوّل حقيقة هو محرّك فاعل، مكتف بنفسه، و”لا يحتاج في تحريكه إلى آخر غيره”؛ وذلك هو تعريف المحرّك الإرادي الذي سبق أن وقفنا عليه. فالمبدأ الأوّل للحركة المتّصلة التي تنطلق من الإنسان عبر تحريكه لليد، واليد للعكاز، والعكاز للحجر، لا يمكن إلاّ أن يكون هو المحرّك الإرادي الذي هو الإنسان. ذلك لأنّ المحرّك الإرادي هو الفاعل حقيقة، وهو الذي يتحمّل مسؤولية كلّ نتائج فعله، وهو “المستحقّ للذمّ والمدح، والعقاب والثواب”؛ أمّا المحرّك الوسط أو الأخير فلا يعدو أن يكون مجرّد آلة في يد المحرّك الأوّل الإرادي حسب ابن الصائغ، وسواء كان متنفّسا أو غير متنفّس فإنّه لا يتحمّل أيّة مسؤولية، إيجابا أو سلبا، في الفعل المنجز ونتائجه؛ اللّهم، إلاّ فيما كان المبدأ الآخر في ذلك ينوب عن الأوّل، وذلك في ما للاختيار فيه مدخل، وذلك إنّما يكون في ما منه المحرّك المتوسّط أو الأخير إنسانا”، أي إذا كان المحرّك الوسط أو الأخير إنسانا يملك التمييز والاختيار، فالمسؤولية كلّ المسؤولية عليه ما دام كائنا إراديا حرّا يرجع إليه، في الأخير، أن يحرّك أو لا يحرّك، وله أن ينفعل أو لا ينفعل تبعا لرويّته واختياره. وترتفع، في المقابل، كلّ مسؤولية عمّن كان يفتقد إلى الحرّية والتمييز حتّى وإن كان كائنا مريدا. هكذا ينتصب، في عمق مبحث الحركة الفيزيائية المحض، موضوع الفعل الإرادي ومسؤولية الفاعل الحرّ على فعله؛ إذ تتقدّم المسؤولية كصفة لازمة للمحرّك الإرادي العاقل والحرّ سواء كان أوّلا أو أخيرا؛ أي يتحمّلها كلّ كائن عاقل ذي إرادة حرّة سواء بوصفه مبدأ أوّلا للفعل أو منفّذا لإرادة غيره أو مجرّد مشارك وواسطة في الفعل. فإذا كان مفهوم الإرادة مكّن ابن باجة من إحداث شرخ في جدار الفيزياء المشائية بين عالم الضرورة الطبيعية وعالم الإرادة والاختيار، عبر تمييز المتحرّك من تلقائه (الكائن الإرادي) عن المتحرّك بالطّبع، ومن ثمّة الفصل بين صنفين متباينين من الحركات: حركة ضرورية خاصّة بالأجسام الطبيعية والنبات، وحركة تلقائية إرادية خاصّة بالحيوان والإنسان، فإنّه من خلال مفهوم المسؤولية، ومفهوم الحرّية الذي يقتضيه، أحدث شرخا آخر أخطر من الأوّل، داخل عالم الإرادة ذاته، بين إرادة حرّة تملك الروّية والاختيار وتتحمّل مسؤولية تبعات فعلها، وبين إرادة تفتقد لعنصر الحرّية؛ ومن تمّ تلتقي مع الموجودات الطبيعية في طابعها الشيئي والأداتي وارتفاع كلّ مسؤولية عنها، لتصير مجرّد آلة في يد المحرّك الإرادي الحرّ. (ص. 107- 109)المسؤولية:  يرى ابن باجة، في سياق سعيه إلى الاستدلال على وجود المحرك الأول المطلق، لأن المحرك يكون أولا من جهتين : من جهة كونه يحرك نفسه يكون أولا ثم من جهة كونه يحرك بغيره، فيكون أولا باعتبار أصناف الوجود، إذ يكون أولا من جهة الوجود المطلق بالنظر إلى محرك ثان قد يكون بدوره أولا، لكن من جهة الوجود الهيولاني وحسب، لأنه يظل محركا أخيرا بالنسبة للمحرك الأول من جهة الوجود المطلق، ومثال الإنسان يحرك القلم باليد يوضح ذلك جيدا : فالإنسان هو المحرك الأول بإطلاق الوجود، في حين أن اليد هي محرك ثان متحرك عن الأول، إلا أنها الأول في الهيولى. والفرق بين الأول والأخير، أن المحرك الهيولاني لا يستطيع أن يحرك إلا بتحريك المحرك له، في حين أن المحرك الأول حقيقة هو محرك فاعل، مكتف بنفسه،  ولا يحتاج في تحريكه إلى آخر غيره، وذلك هو تعريف المحرك الإرادي. فالمبدأ الأول للحركة المتصلة التي تنطلق من الإنسان عبر تحريكه لليد، واليد للعكاز، والعكاز للحجر، لا يمكن أن يكون هو المحرك الإرادي الذي هو الإنسان. ذلك أن المحرك الإرادي هو الفاعل حقيقة، وهو الذي يتحمل مسؤولية كل نتائج فعله، وهو المستحق للذم والمدح، والعقاب والثواب. أما المحرك الوسط أو الأخير فلا يعدو أن يكون مجرد آله في يد المحرك الأول الإرادي حسب ابن الصائغ. وسواء كان متنفسا أو غير متنفس فإنه لا يتحمل أية مسؤولية، إيجابا أو سلبا، في العقل المنجز ونتائجه. اللهم، إلا فيما كان المبدأ الآخر في ذلك ينوب عن الأول، وذلك في ما للاختيار فيه مدخل. وذلك إنما يكون فيما منه المحرك المتوسط أو الأخير إنسانا، أي إذا كان المحرك الوسط أو الأخير إنسانا يملك التمييز والاختيار، فالمسؤولية كل المسؤولية عليه ما دام كائنا إراديا حرا يرجع إليه، في الأخير أن يحرك أو لا يحرك، وله أن ينفعل تبعا لرويته واختياره، وترتفع في المقابل، كل مسؤولية لمن كان يفتقد إلى الحرية والتمييز حتى وإن كان كائنا مريدا.  وتتقدم المسؤولية كصفة لازمة للمحرك الإرادي العاقل والحر سواء أكان أولا أو أخيرا، أي يتحملها كل كائن عاقل ذي إرادة حرة سواء بوصفه مبدأ أولا للفعل أو منفذا للإرادة غيره أو مجرد مشارك وواسطة في الفعل. وإذا كان مفهوم الإرادة قد مكن من إحداث شرخ في جدار الفيزياء المشائية بين عالم الضرورة الطبيعية وعالم الإرادة والاختيار، عبر تمييز المتحرك من تلقائه عن المتحرك بالطبع كما أشرنا في المحور الأول ومن ثمة الفصل بين صنفين متباينين من الحركات: حركة ضرورية خاصة بالأجسام الطبيعية والنبات، وحركة تلقائية إرادية خاصة بالحيوان غير الناطق والإنسان، فإنه من خلال مفهوم المسؤولية ومفهوم الحرية الذي يقتضيه، أحدث شرخا أخطر من الأول، داخل عالم الإرادة ذاته، بين إرادة حرة تملك الروية والاختيار وتتحمل مسؤولية تبعات فعلها، وبين إرادة تفتقد لعنصر الحرية : ومن تم تلتقي مع الموجودات الطبيعية في طابعها الشيئي والأداتي وارتفاع كل مسؤولية عنها، لتصير مجرد آلة في يد المحرك الإرادي الحر.  

وبناء على ما سبق من بيانات، فإنّني أتوجّه إلى جميع القراء وإلى كلّ من له مسؤوليّة ما، بما يلي:

أوّلا، تنبيه الطلبة والباحثين إلى أنّ المقال مسروق وأنه لا يجوز استعماله في بحث أو دراسة جامعيّة أو غير ذلك.

وبالتأكيد لن يخفى على القارئ عموما وعلى الباحثين الجادّين تحديدا، حجم الضرر المعنوي الذي لحقني ويلحقني في الوسط الأكاديميّ من جراء هذا العمل المشين. لكنّني سأمعن في تقديم ثلاثة أمثلة على سبيل زيادة التوضيح:

 1) وجدت نفسي في حرج شديد عندما قدّمت دراسة للنشر بالإنجليزيّة، استعدت فيها أفكارا من كتابي (تصدر هذا العام)، إذ نبّهني أحد المحكّمين إلى أنّني نقلت أفكارا من دراسة سابقة لجمال راشق بدون إحالة! هكذ! صرت أنا السارق لا هو؟ ولا يمكن للقارئ أن يفهم غير هذا، باعتبار أنّ العمل الأصليّ قد صدر بالعربيّة عام 2010، والعمل المسروق صدر عام 2012، ثمّ أعيد نشره عام 2016 باللغة الفرنسيّة، وعملي يصدر عام 2020 باللغة الإنجيلزيّة. وقد هيّأت دراسة أخرى تصدر في العام 2021، تستعيد أفكارا أخرى سطا عليها راشق. وأنا شبه متأكّد أنّني سأتعرّض للحرج نفسه. فهل من ضرر أكبر من هذا لسمعتي على الساحة الأكاديميّة المحليّة والدوليّة. إنّ سمعة الباحث وكرامته ومصداقيته لا ثمن لها، كما تعرفون، في الوسط الأكاديميّ.

2) مثال آخر للضرر هو أنّني بدل أن أحرّر دراسة جديدة، وأتفرّغ في هذا الصيف الاستثنائي لإتمام أعمال متراكمة، وجدتني أضيّع وقتا ثمينا في وضع جداول، وأتابع تمويهات السارق، ولكي أثبت أنّ العمل مسروق!

3) والضرر الثالث، وهو الأخطر، فهو يمسّ سمعة الجامعة المغربيّة ومستوى التكوين والبحث الأكاديمي الذي بدأ يدبّ إليهما الوهن والغشّ. فأيّ طلبة يمكن أن يؤطّرهم أستاذ بنى أستاذيته، محاضراته وأبحاثه على الغشّ وسرقة مجهودات الآخرين؛ بل حتّى أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه تتضمّن نقطة ضعف كبيرة. وذلك لأنّ أصل الداء بالنسبة لهذا النوع من “الأساتذة الباحثين” يأتي من هناك بالضرورة! أشير هنا فقط إلى أنّ أطروحته عبارة عن إعادة تحقيق نصّ سبق أن حقّق تحقيقا جيّدا! يتعلّق الأمر بكتاب النفس لابن باجة الذي حقّقه ونشره محمد حسن معصومي عام 1992. وهي النسخة التي ما زال يعتمدها المتخصّصون إلى يومنا هذا. وذلك لأنّ نشرة راشق لم تفد من مخطوط برلين شيئا يذكر، اللهم ما أضافته من أخطاء بالجملة إلى النصّ الأصليّ وسوء قراءة النصّ في كثير من المواضع، وقد أشرت إلى بعضها على سبيل المقارنة مع نشرة معصومي في بعض هوامش كتابي.

وفي الأخير، ألتمس من الإدارة التي يشتغل عندها جمال رشق اتّخاذ ما يلزم من إجراءات وفق الأعراف الجامعيّة المنظّمة لأخلاقيات البحث العلميّ، دون الاضطرار إلى اللجوء إلى القضاء، من أجل جبر الضرر وإحقاق الحقّ من تعويض معنويّ واتّخاذ اجراءات زجريّة في حقّ السارق، وفق القوانين المعمول بها في هذا الباب، من قبيل حذف المقال المنشور من التداول تماما، إذا أمكن، وسحب أيّ فائدة معنويّة أو ماديّة قد يكون حصل عليها صاحبه في ملف ضمّنه عملا له، بل من جهد غيره.

هذا مع أنّ الهدف من نشر هذا البيان هو أن لا يتكرّر فعل السرقة مع أعمالي أو مع أعمال غيري؛ ولكي يكون هذا عبرة لكلّ من قد تسوّل له نفسه المسّ بسمعة الجامعة المغربيّة ومصداقيتها التي بنتها على مدار عقود من العمل الجدّي والجهود الاستثنائية لأطرها وطلبتها.

*جامعة محمد الأول، وجدة/جامعة زايد، أبو ظبي

Share
  • Link copied
المقال التالي