شارك المقال
  • تم النسخ

الأضحية والأنثربولوجية

سبق لي أن كتبت خاطرة بعنوان (الأضحى عيد) لأنه يكرس ويذكر ويحتفي بحدث تاريخي عظيم ألا وهو تحرير شعوب شرق وجنوب المتوسط من عبادة الكبش والتضحية بالبشر ذبحا،فداء وقربانا له، إلى العكس، ذبح جهلهم وأوهامهم عن معبودهم الكبش، وتحولهم نحو وعي المجرد والمطلق والعاقل والعادل والغائب.

ولقد عبدوا قبل ذلك الحجر والشجر والبشر (أحياء وأمواتا).. بل والبقر والفئران حتى يومه، للأسف، في الهند ،مثلا، وبدعوى (حرية العقيدة)و(التسامح)يصر الاستعمار على إبقائهم معتقلين في جهلهم، وذلك لتيسير استغلالهم دون مقاومة،أو ممانعة، بل وأحيانا بأيديولوجيا (العبودية المحبذة او المختارة)؟!

طبعا فليس كل قديم أو وسيط موروث هو رجعي ومرفوض تلقائيا، إن تقديس الحجر مثلا قد يستمر لحاجة بشر له، كما هو حال الفلسطينيين في(ثورة الحجارة) أو حجاج الكعبة مع (الحجر الاسود) والمصلين مع التيمم وكذلك تقديس الأرض(التراب) والشجر والخبز والكتابة (الأحجبة)وبعض الحيوانات التي أضحت أليفة بعد أن كانت معبودة(القطط والكلاب).

بعض (الحداثيين جدا) من نمط العدميين دينيا وتاريخيا (أنثربولوجيا) ينعون على شعوبهم ممارسة هذه الشعيرة الاحتفالية العريقة،وهم في ذلك اشبهوا موقف المؤرخ الخلدوني (الحداثي) أحمد الناصري في كتابه الرائد (الاستقصا) حيث ينتقد سلوك الصحابي الجليل والمحرر للمغاربة من الحدود القبلية وشيوخها ومن الشعوذة والسحر، ومن عبادة الكبش(والديك أيضا بالمناسبة، والذي ارتد إلى تقديسه البورغواطيون؟)حيث نعى عليه إرغامه أبناء السيدة الكاهنة على نحر الأكباش وسلخها بأنفسهم.

واعتبر الناصري أن مقصوده كان إهانته ،وأن اقتراحهم عليه أن يتولى امر النحر عبيدهم كان أولى وأصلح للجميع معتبرا ذلك السبب الرئيس لردتهم ،ومن تم قتلهم للفاتح العظيم، والحال أن مقصوده كان هو اختبار إيمانهم الجديد والدفع بهم إلى التحرر نهائيا من عقائدهم الوثنية والأسطورية المتجذرة لدى النخبة السائدة، لأنها المستفيدة منها،خلاف اتباعهم المتضررين موضوعيا من تلك المعتقدات.

يكاد هذا الموقف يكرر حدثا سابقا عليه عند فتح مكة، فعندما أمر النبي ضباطه الصحابة باقتحام الكعبة، وتكسير أصنامها وأوثانها، أحجموا عن ذلك إشفاقا على أنفسهم من عواقبه السيئة عليهم، هذا رغم إسلامهم بل وجهادهم، فاضطر أن يبادر إلى ذلك بنفسه لإيمانه الأرسخ بالله، وساعده في ذلك علي(ض)وخالد بن الوليد.

الردة ممكنة دائما، ولا أمر يمنع اليوم من العودة الي الوثنية والسحر والخرافات وأساطير الأولين،،،وهاهي ذي رأسمالية التوحش في الغرب وفي الهند مثلا، تعود إلى قيم وأخلاق الغابة وجهالاتها،؟؟

إن تكريس بعض التقاليد الاحتفالية الموروثة عن الاسلاف لا يعكس فقط حاجة المجتمع إلى إعادة إنتاجها وتوظيفها لخدمة الحاضر(الراحة/الاجتماع الاسري/الفرح/التزاوج)، بل أيضا وبالأحرى حاجة البشرية إلى إعادة إنتاج وجودها العقدي واجتماعها البشري وتكريس تراكمات منجزاتها التحررية التاريخية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي