أحدث الإعلان الأخير لدولة الإمارات العربية المتحدة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، صدمة في العالم العربي، لا سيما فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن تصرفات أبو ظبي، ليس لها علاقة بإسرائيل على وجه التحديد، بقدر ما يبدو أن سلوك الإمارات عبارة عن محاولة إدارة فراغ أمني إقليمي محفوف بالمخاطر، الأمر الذي يتطلب إجراء موازنة دقيقة لدرء الضغوط القادمة من إيران وتركيا.
إن اتفاقية الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل ليست الصفقة الكبيرة التي يريدها الجميع، وهي بالتأكيد لا علاقة لها بالنزاع الفلسطيني، إن وجدت. ويعتبر إعلان أبو ظبي عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية، خطوة معقدةً، مدفوعة باعتبارات الأمن القومي الخاصة بها، واستجابةً لفراغ يسود في العالم العربي.
وتعتبر الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، جزءًا غير مهم نسبيًا، من لغز جيوسياسي أوسع بكثيرٍ، يرتبط بمحاولات دولة الإمارات، تولي مسؤولية دبلوماسية عربية، من أجل إدارة المصالح الأمنية الإقليمية، في وقت يحيط بالنوايا أمريكية نوع من الغموض، وتمضي فيه تركيا قدماً في جهودها لتصبح المهيمن في الشرق الأوسط.
وبذلك، تؤدي تصرفات الإمارات العربية المتحدة إلى تعقيد استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة إيران، وإدارة البصمة التركية المتزايدة في الشرق الأوسط.
ويأتي إعلان البيت الأبيض عن تحرك الإمارات للاعتراف بدولة إسرائيل، بعد حوالي شهرين من نشر يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، مقال رأي في صحيفة إسرائيلية يومية باللغة العبرية، ونشر مقطع فيديو مصاحبًا باللغة الإنجليزية، يدعو فيه إسرائيل ألا تمضي قدماً في خططها لضم الضفة الغربية. في ذلك الوقت، قيل بأن تصريحات العتيبة حول العلاقات الثنائية المحتملة بين الإمارات وإسرائيل، هي أكثر من محاولة أبو ظبي لعب دور الوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبعد كل هذا، يدرك الإماراتيون جيدًا أنه لا يوجد الكثير مما يمكنهم فعله لفك تجميد هذا الصراع، الذي أصبح معقدًا للغاية – بسبب تصاعد الانقسامات بين الفلسطينيين والسياسة الإسرائيلية الداخلية. ومن الواضح بعد كل هذا، أن القضية الفلسطينية كانت مجرد وسيلة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لدفع مبادرة أكبر بكثير.
خطوة الإمارات لا تتعلق بالفلسطينيين، كما أنها أيضًا لا تتعلق بالاصطفاف مع إسرائيل لمواجهة إيران أيضًا، ومن غير المرجح أن ينفق الإسرائيليون مواردهم لحماية الإمارات أو أي دولة عربية خليجية أخرى في صراع محتمل مع إيران في المستقبل. لأن إسرائيل تفتقر إلى القدرة العسكرية التقليدية لإبراز قوتها إلى هذا الحد، والأهم من ذلك، أنها مهتمة حاليًا ببيئتها الاستراتيجية، وتحاول إدارة البصمة الإيرانية المتزايدة في سوريا والعراق من خلال الضربات التكتيكية، ولا يدرك الإماراتيون ذلك جيدًا فحسب، بل ليس لديهم أيضًا رغبة في الصراع مع إيران، نظرًا لموقع بلدهم الجغرافي.
وحتى الآن، تمتعت الإمارات بالمظلة الأمنية الأمريكية، لكن تلك المظلة أصبحت غير موثوقة، حيث كانت واشنطن تبتعد عن الرفع الثقيل فيما يتعلق باحتياجات الأمن الإقليمي، وتعرف أبو ظبي أن استراتيجية الولايات المتحدة للشرق الأوسط، تعتمد بشكل متزايد على اللاعبين الإقليميين لتولي زمام المبادرة، وهذا ما يفسر السلوك الإماراتي.
ومنذ أيام إدارة أوباما، اتخذت المملكة العربية السعودية سلسلة من التحركات السياسية الخارجية أحادية الجانب – لتعزيز دورها كقائدة للعالم العربي، بالنظر إلى ثروتها وحقيقة أنها كانت الدولة العربية الكبرى الوحيدة، التي لم تتأثر بالانهيار الذي أشعله الربيع العربي. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية هي أيضًا متأخرة في القيادة الإقليمية، وقد أثبتت عدم فعاليتها تمامًا في دور ولي العهد (والملك الذي سيصبح قريبًا) محمد بن سلمان. وبعبارة أخرى، تحاول الإمارات ببطءٍ ملءَ هذا الفراغ في القيادة الإقليمية العربية، كما يتضح من مشاركاتها في سوريا واليمن ومصر وليبيا، من بين أماكن أخرى. وهي تقوم بتنفيذ عملية حسابية إقليمية معقدة للغاية وقد قامت بإعادة التفكير في عدد من القضايا، فعلى سبيل المثال، قررت أبو ظبي فك ارتباطها عن دعم المتمردين السوريين وقبول نظام الأسد كواقع، على الأقل في المستقبل المنظور. وبالمثل، فقد فتحت محادثات استراتيجية مع إيران – على الرغم من سياسة الضغط القصوى التي تنتهجها واشنطن.
وهذا من شأنه أن يفسر الاجتماع الإماراتي الإيراني، الذي عُقد على مستوى وزير الخارجية قبل أربعة أيام فقط من إعلان فتح العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وليس هناك طريقة لمعرفة أن الإماراتيين لم يقدموا – على الأقل – للإيرانيين تنبيهًا لتحركاتهم تجاه إسرائيل.
ومن المحتمل جدًا، في الواقع، أن الإمارات أبلغت إيران أن علاقاتها مع إسرائيل كانت في مصلحة طهران، لأن أبو ظبي يمكن أن تكون بمثابة وسيط بين الخصمين وإدارة المواجهة في بلاد الشام. كما أن الإمارات العربية المتحدة، لا تريد أن تلعب سلطنة عمان هذا الدور، خاصة عقب عاصمة الدولة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحقيقة أن العمانيين يعملون كقناة خلفية رئيسية بين الولايات المتحدة وإيران. هذه الاعتبارات جزء من تصور أكبر للتهديد للإمارات العربية المتحدة والدول العربية، والذي يسترشد باندفاع تركيا القوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع، لا سيما بالنظر إلى أن الدولة الخليجية المنافسة التي هي قطر متحالفة مع الأتراك.
وبعبارة أخرى، يشعر الإماراتيون بالقلق من دخول تركيا إلى العالم العربي، أكثر من قلقهم من إيران. وهذا أمر منطقي بالنظر إلى هوية إيران باعتبارها “الآخر” الإثني والطائفي، الأمر الذي يفرض قيودًا طبيعية على المدى الذي يمكن للإيرانيين أن يقطعوه من حيث الغزوات في العالم العربي. إلى جانب ذلك، فقد تم تقويض إيران، بسبب تأثير العقوبات، ليس فقط على قدرتها الخارجية على إظهار القوة، ولكن أيضًا على استقرارها السياسي والاقتصادي الداخلي. ولطهران بصمة عميقة على جانبها الغربي الممتد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ، لكن لا يمكن فعل الكثير حيال ذلك.
وبالمقابل، تتحدى تركيا إيران، وإن كان ذلك بطريقة خفية، وهنا تكمن مشكلة الإمارات والدول العربية من حلفائها: إنهم لا يريدون احتواء إيران على حساب تمكين تركيا. وهذا ثمن باهظ، بالنظر إلى أن الأتراك يقفون في الجانب العربي من الصراع الجغرافي الطائفي في المنطقة، حيث من الممكن أن تحرك أنقرة أيضًا الحساسيات الإسلامية الأوسع للجماهير العربية، والتي تستفيد منها من خلال استخدام تكتيكات القوة الناعمة.
ويبدو أن الأمر الأكثر إثارة للقلق من وجهة نظر الإمارات هو الدعم التركي للقوى الإسلامية، لا سيما تلك التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. هؤلاء هم الشركاء الرئيسيون للأتراك وقطر، ويظهر بأن الإخوان المسلمين، هم الجماعة المنظمة الوحيدة التي اقتربت من تشكيل حكومات في أعقاب الربيع العربي، الذي كافحت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر للإطاحة بهم.
لذلك، فإن استراتيجية الإمارات هي استخدام إيران وإسرائيل لمواجهة الغارات التركية في العالم العربي، وأحد الجوانب الرئيسية لذلك هو أن تكون لديك علاقة عمل مع طهران والتأكد من أن الأتراك غير قادرين على اختراق الإيرانيين الذين يعرقلونهم في سوريا والعراق، والجزء الآخر من هذه الاستراتيجية هو ضمان أن تركيا، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عقود، لا تتوصل إلى تفاهم مع الدولة اليهودية التي لها مصلحة في الشراكة مع الأتراك لمواجهة إيران التي تضرب بجذورها على حدودها الشمالية. وهكذا تريد الإمارات تحقيق التوازن بين إيران وإسرائيل كوسيلة لمنع الأتراك من الانغماس العميق في الأراضي العربية. هذه مغامرة تشبه لعب الكثير من الكرات في وقت واحد، لكنها أفضل ما يمكن أن تأمل الإمارات القيام به، بالنظر إلى أنها تتخطى وزنها في لعبة الجغرافيا السياسية. لذلك يبدو أنه يتعين على الإمارات العربية المتحدة أن تدير في نفس الوقت عددًا كبيرًا جدًا من اللاعبين بمجموعاتهم الفريدة من التوقعات. في مثل هذه المواقف، يمكن أن يحدث الكثير من الأخطاء، وبالتالي لا يمكن الدفاع عن هذه الاستراتيجية على المدى الطويل، لأنه من المتوقع أن تتنافس تركيا وإيران على النفوذ في العالم العربي، وسيكون للإمارات العربية المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة العربية المماثلة، دور ثانوي.
وستحتاج الإدارة الأمريكية المقبلة، إلى إيجاد طريقة لموازنة حاجتها للعمل مع تركيا لمواجهة إيران، مع المخاوف الأمنية للدول العربية؛ بخلاف ذلك، فإن تحركاتٍ مثل تلك التي تشارك فيها الإمارات العربية المتحدة، تهدد بتقويض استراتيجية الولايات المتحدة للاعبين الإقليميين لتولي زمام المبادرة في إدارة الأمن في الشرق الأوسط.
- باحث في العلاقات الدولية – متعاون مع بناصا
تعليقات الزوار ( 0 )