شارك المقال
  • تم النسخ

الإيمان بين المشاهدة الكشفية… والتجربة القلبية، والأدلة العقلية

في قضايا الايمان لا يمكن مناظرة ومجادلة غير  المؤمنين بالادلة العقلية  وحجج العقل النظري ،المستند للتجربة والملاحظة الحسية المادية ، لان الموضوع قلبي وليس عقلي ولأنه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر  فليس هناك دليل قاطع لا لبس فيه وحاسم يؤيد الإيمان أو الإلحاد لأن كل فريق بما لديهم فرحون  فليس هناك أدلة علمية منطقية او فلسفية يمكن من خلالها  للملحد أو اللاديني تأييد  فكرة نفي الإله  كما لا يوجد دليل حاسم عقلي برهاني يؤكد على إثبات الألوهية وبالتالي فالأدلة المادية العلمية صفرية ومتساوية، غير أن هناك حجج  متوسطة تدعم أو تنفي تجدها لدى كلا الطرفين  ومنها دليل السببية و الغائية ودليل  النظام  وعند الملحدين دليل العبثية ووجود الشر  والصدفة والتطورية.

ولذلك فإن الإيمان بالنسبة لي  إنما يتحقق   للمؤمن ليس بكثرة  الأدلة العقلية والعلمية  وإنما  يحدث بانفتاح القلب على طريق التجربة الروحية الفردية الجوانية  وبالتسليم  والانسحاق أمام الانوار  الربانية  بالمشاهدة القلبية ، الكشفية للوجود الألهي بعد انكشاف الحجب وارتفاع الغطاء ، لأنه ببساطة  الله هو خالق العالم والزمكان ،ويستحيل لذلك أن يحتويه أو يتضمنه فهو محايث للعالم محيط  به  من كل جانب  متساوق معه مسيطر عليه ، وإنما يتأتى هذا الايمان  من خلال أنفاس الرحمان في الكون وأسمائه التي لا تنقضي ،وتلفح أصحاب الارواح الشفافة.

قال الله تعالى:(، قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا)صدق الله العظيم.

في قضايا الإيمان والكفر  الموضوع يتعلق بكل فرد على حدة، إما أن تشعر بالراحة  والاطمئنان في كنف الله  ، وتشعر بعنايته ورعايته ، لأنه يحتضنك ويهتم  لشؤونك ولا ينسحب كالاله السبنوزي والأرسطي  الذي حرك العالم وانسحب وهو جزء منه ، تاركا اياك  للحيرة ،  لأن هذا الإله الطبيعي ، لا يهتم لشأن الكون  ، وانت حينذاك تضبط موازينك على الخيرية والعمل الصالح  ، وإما أن لا تؤمن فترى ان هذه الدنيا  هي الحياة الوحيدة  الممكنة في حالة الوعي بعمل وظائف الدماغ المادية وبالتالي تصبح  في حالة رغبة دائمة في الحياة  باقصى ما يمكن  من طاقة ، وترى أن تعيش كل ساعة ساعة وتاخذ حضك كاملا لأنه ليس هناك بعدها من حياة وليس بعدها إلا الموت والعدم  وما أسوأه من اختيار عدمي عبثي يجعل الحياة بدون قيمة أو أهمية.

   ولكن متى بقيت اللذة  مستمرة طوال حياة  المتلذذ  لأن الألم  يقف في طريقها حتما وبالتالي لا يمكن لغير المؤمن تحقيق الغاية ،لأن جسده سيصير حتما الى الوهن والانهاك  والاستهلاك ،. وبعد مرور العمر  سيتسرب الزمان من بين يديك ولا يعود لكل ماضيك الشهواني التراكمي اي وجود لأنه مهما أكلت او شربت أو جمعت من أموال أو مارست الجنس سيبدو الأمر في نهاية المطاف كأنه لم يكن لأنه حقيقة لا يبقى مع أحد  ولو كان فرعون او قارون  ولأنه لا احد يستطيع ان يبقى قويا على اقتناص الشهوات إلى ما لا نهاية فهناك يختفي في محطات العمر الضعف والوهن والعجز والمرض  وحينها تبرز الأحزان.

وعلى العموم وفي كل الاحوال سنكون امام المعادلة الباسكالية  وجها لوجه ، ونكون أمام ثلاثة  احتمالات لا  رابع لهم  وهي إما أن  المؤمن خاطئ وفي هذه الحالة سيتساويان في النتيجة وكلاهما سيؤول الى العدم ولن يستفيد الملحد من شيء بعد موته وكذلك المؤمن ،  لانهما سيتحللان الى التراب ،  وإما أن يكون احتمال صوابية  موقف المؤمن وفي هذه الحالة سيكون غير المؤمن هو الخاسر الأكبر ، لان احتمال وجود العالم الآخر والعقاب والجزاء  سيحعله في حالة الخسران المبين.

إذن بمعادلة الاحتمال الرياضية  يكون المؤمن رابحا في كل الاحوال صح قول الملحد أو لم يصح في حين أن غير  الملحد ليس له الا احتمال واحد وهو احتمال العدم وحتى في حالة صحة احتمالاته فإنه لن يستفيد منه ، هذه النظرية مجرد  نظرية رياضية  لا يتاسس بالمطلق عليها الايمان لأنها لعبة ذهنية  ولكن مع ذلك تعطي اشارات حول المآلات والمصائر.

وعلى العموم وكما بدات الحديث يمكن القول ان   الايمان بالله قضية غيبية  قلبية فردية تنتج عن التجربة الروحية بالنظر في الوجود ، وإحساسك وشعورك  بقرب الله منك فتجده عندما تمرض  أمامك ، ويقف بجانبك عندما تنهزم  وتيأس ، وتشعر بطاقة تسري في كيانك وانت تتضرع إليه والدموع في عينك تجري في مآقيها فتسري برودة من نوع خاص في قلبك ، هذا هو الله الذي هو اقرب الينا من انفسنا ومن حبل الوريد ، هذا هو الله  وهو ليس شيئا ماديا أو كائنا مشخصنا ، وإنما كائنا  مطلقا وكما أخبر  عن  ذاته ليس كمثله شي يحس ولا يري يدرك بالمحبة والعشق ، ويعبد بالخوف والرجاء ظهر حتى بطن ولكنه بطن حتى ظهر  العيان.

ولذلك فالايمان قضية تنبع  من القلب ومن الرضا والإرادة ولا يمكن ان تتم بالإكره و بالاجبار ،  ولهذا قال الله تعالى:( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)صدق الله العظيم.

سيقول الكثير لماذا ترجعنا لموضوع الايمان ، هناك مواضيع اكثر أهمية تتعلق بالتقدم والرفاهية  واللهو والمتعة  واقتناص اللحظات الجميلة واللذيذة  وانت انسان مأساوية غيبي أخروي ، وان موضوعك موضوع ميتافيزيقي ينتمي الى مواضيع القرون الوسطى.

أقول صحيح في الحياة أمور وتفاصيل وجزييات مهمة تتعلق بالمعاش  والعمل والطموح  والاقتصاد والعمران ، وانه لا يمكن الاستمرار  في الغياب في دهاليز القلوب الى وقت اطول ،  كما لا يمكن الاستمرار  في مشاهدة الحق مشاهدة دائمة والا أصيب الانسان بالذهول ، لأنه لن يستطيع حينذاك  العيش بشريا عاديا ، ولن يستطيع ان يتحول ملاكا نورانيا.

ولكن ومع ذلك فإن النظر. بعمق يعطينا حقيقة  لا غبار عليها. وهي عبثية العالم ولا منطقيته بدون الإيمان  بالله الذي يعطيك معنى  للوجود ، ثم إن العاشقين لا يغسرون أحوالهم  وإنما عشقهم هو من يفسر  حالهم، وانجذابعم الى النور  ،كاليراع ينجذب للنار  ،وفيها فناؤه .لكن الفناء في الله يؤدي للبقاء والديمومة . لا تخافوا  ولا تجلوا، إن الله يتجلى لكل صاحب ضمير حي وقلب صادق  وكل صالح  يعمل خيرا ، إنه يقبلنا جميعا إذا ما اقبلنا عليه بكليتنا.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي