شارك المقال
  • تم النسخ

الإنسان والعمران واللسان.. رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية

صدر مؤخرا للأكاديمي المغربي الدكتور إدريس مقبول مدير مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية كتاب جديد بعنوان “الإنسان والعمران واللسان: رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية” عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، والكتاب يتكون من 224 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن قراءة عابرة لعدد من التخصصات المعرفية، حيث جمعت الفلسفة إلى جانب السيميولوجيا  وعلم اجتماع المدينة ثم علم نفس العمران والتاريخ والهندسة.

ويشتمل الكتاب على ثمانية فصول وخاتمة.

في الفصل الأول، “المدينة وتدفق العلامات”، يقول المؤلف إن التدفق هنا مفهوم رقمي ينتمي إلى عالم الاتصالات، لكنه يتسع ليشمل جميع الديناميات المتجهة “من تدفق المال، كما تصف أرديس باترفيلد، وتدفق الأضواء على النحو الذي يشبّهه فيه الكاتب الألماني ألكسندر كلوغه بفوضى الحواس، وتدفق البشر على نحو ما وصف روب شيلدز، أو كما رسم الغيطاني إحساسه الداخلي بالدينامية المتدفقة في فضاء مدينة نيويورك، التدفق هنا عددي ويفتقر إلى الرابطة وإلى المعنى، ولهذا كان كل من قصدها غريبا، وعندما يصبح الكل غرباء، ينتفي الإحساس بالغربة.

في الفصل الثاني  “هوية الفضاء ودينامية الرمز”، يرى الباحث المغربي إدريس مقبول أنه كان للمدينة العربية في التاريخ الوسيط طابع عمراني وهوية عمرانية يعكسان فلسفة الوجود والإنسان ورؤيتها النسبية المنسجمة لقيم الجمال والآخر والأخلاق، ولتنظيمٍ مركَّب لقطاعات الاقتصاد والتجارة والصناعة والفلاحة وغيرها، إضافةً إلى انسجام ذلك مع مناخ الجغرافيا العربية الذي كان ملهمًا لكثير من الإبداعات الهندسية.

وفي الفصل الثالث، “آلة المشاعر السوداء”، يرى صاحب الكتاب أنّ المدينة العربية الحديثة تصنع المتناقضات السخيفة، بل إنها تستفيد منها وتتغذى عليها؛ فـ “وراء كل الأوضاع المختلة وغير الطبيعية أكداس من مشاعر الغضب والحقد على النازحين، إنهم سبب كل آلام المدينة وفاقتها. وتسري هذه المشاعر الهوجاء والسوداء في شرايين المدينة، تلاحق ضحاياها في جميع الهوامش والأطراف وعند الملتقيات كلها، تُسَبِّبُ جروحًا غائرة وتمحو بقايا الشعور بالانتماء إلى المكان، تذكّرهم بأنهم غرباء باستمرار ولو حازوا بطاقات هوية وشهادات سكنى في أحد أحياء المدينة التي تستثقلهم”.

وفي الفصل الرابع ، “إنسان معزول وسط الزحام”،  يرى المؤلف أنّ المدينة مجال للتعايش الثقافي، وهي في قلب ذلك نُظم من الإدارة والتفكير والمواقف والقيم، أو هي نمط حياة خاص قبل أن تكون جغرافيا مملوءة أو ديموغرافيا حية؛ “إنها مساحة للتواصل بين القيم المدنية والفكرية التي تتساند من أجل ترسيخ مستوى من العيش المشترك المبني على التربية وعلى الاحترام والتسامح الذي يجمع المعتقدات كافة وحقوق الإنسان والخضوع لسلطة القانون.

ويتطرق المؤلف في الفصل الخامس، “انسدادات وتحولات”، إلى الدراسات والبحوث التي اهتمت بسوسيولوجيا الجيرة في المدينة وتأثيراتها وتأثراتها تفيد أن منطق الحاجة والتعارف هو الذي يحكم علاقات الجوار في الفضاءات التقليدية، “ولهذا تكون قيمة الجوار أكثر وظيفية ووضوحًا في الفضاءات الشعبية، حيث يحتاج الناس بعضهم إلى بعض، وتزداد هذه القناعة رسوخًا إذا ما عايَنَّا غيابها الكُلِّي في الأحياء البرجوازية، التي تبدو كأنها في غنى عن مثل هذه القيم الاجتماعية. 

ويلفت المؤلف الانتباه في الفصل السادس، “أطر السيطرة الرمزية وهوامش المقاومة الصاعدة”، إلى أن في المدينة العربية الحديثة “يمكن أن نكتشف من دون عناء أن وضعية التفوق اللغوي للألسنة الأجنبية (وهو من أعراض مرض التمدن) واضحة بكل تأكيد، باعتبارها نتيجة التردي والتراجع اللذين تعرفهما اللغة الوطنية والقومية في الواقعين الوظيفي والمعيش، وهو في الواقع تخريب أصاب الجهاز العصبي ونتجت منه تمثلات مُشوَّهة عن الذات والعالم.

في الفصل السابع يردُّ الدكتور إدريس مقبول ، “تراجيديات العنف الحضري والتلوث السائل”، جزءًا من التلوث البصري إلى أسباب معرفية قبل أن تكون ذوقية، فـ “التلوث المعماري المنتشر، والمعمم اليوم، ما هو إلا نتيجة لما يسمّيه رفعت الجادرجي ’الإقحام الشكلي الفاسد‘، وهو عنوان تردّي ثقافة العمران في المجتمع بأسره.

وفي خاتمة بعنوان “استعادة الأمل”، يرى المؤلف أن الأنساق العمرانية هي أنساق سيميائية ذات بُعد ثقافي بالدرجة الأولى، أي إنها تحيل إلى الإنسان وثقافته في أخص خصوصياته، وهي حين تنتقل من دون وعي من سياق حضاري إلى آخر توزع استبدادها وقهرها على الذين انساقوا في لحظة انزلاق حضاري إلى ومضة علامة يجهلون عواقب تبنيها.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي