عدّدت وسائل الإعلام الإسبانية الأسباب التي تجعل من مدريد، معنية إلى حدّ كبير، بالأزمة المندلعة بين المغرب والجزائر، والتي وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة عقب اتهام سلطات “قصر المرادية”، للمملكة، باستهداف ثلاثة من مواطنيها كانوا في شاحنات لنقل البضائع، بالجزء الشرقي من الصحراء المغربية.
وقالت صحيفة “هافنغتون بوست”، في نسختها الإسبانية، إن مقتل ثلاثة مدنيين جزائريين في الصحراء المغربية، أدلى إلى تأجيج التوتر بين الخصمين في المنطقة المغاربية، مضيفةً أن وجود احتكاكات بينهما ليس جديداً، غير أن الإيماءات غير الودية أو العدائية المباشرة بدأت في التسلسل بشكل أعمق، وأكثر مما هو معتاد في العقود الأخير.
وأوضحت أن المحللين، يدركون أننا في مواجهة تصعيد خطير، رغم غياب مشرات على أنه قد يؤدي إلى نزاع مسلح، وبدلاً عنه، من المتوقع أن يشتد الصراع على النفوذ السياسي والاقتصادي في شمال إفريقيا، وهو أصل الصراع، متابعةً أن التاريخ، والجوار مع إسبانيا، والمصالح الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، يجعل من هذه الأزمة، تهديدا للمصالح الوطنية لإسبانيا.
زناد التصعيد
في الـ 3 من نوفمبر الجاري، أصدرت الحكومة الجزائرية بياناً، اتهمت فه المغرب بقتل ثلاثة من مواطنيها، خلال سياقتهم لشاحنات تجارية، حين كانوا عائدين من نواكشوط إلى ورقلة، متابعةً أن الهجوم تم بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ 67 لثورة التحرير الوطني، واستهدف شاحنتين كانتا تعبران الطرق الصحراوية بين بئر لحلو وعين بنتيلي، بالصحراء المغربية.
واتهمت الجزائر، بشكل صريح ومباشر، المغرب، بالوقوف وراء استهداف الشاحنتين عبر “سلاح متطور”، مشددةً على أن مقتل هؤلاء “لن يمرّ دون عقاب”، قبل أن تتحرك لبعث رسالة إلى الأمم المتحدة تطلب فيها التحقيق فيما حدث، متهمةً المملكة بالوقوف وراءها، باستعمالها لـ”أسلحة مميتة ومتطورة”، ضد المدنيين، حسب زعم الجارة الشرقية.
وواصلت الجزائر طلب الدعم الدولي، حيث عملت على مراسلة جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، من أجل إدانة المغرب في الأمر، محذرة من أن “الجزائر قادرة على الدفاع عن مواطنيها ومصالحهم في كل الظروف”، مسترسلةً أن الرباط، رفضت كعادتها، إصدار رد رسمي لما وقع، حيث لم تؤكد ولم تنف.
وأردفت، أن وسائل إعلام حكومية، نقلت عن مصدر مسؤول بالمغرب، قوله، إن اتهام المملكة “كاذب”، و”سخيف”، مؤكداً أنه “إن كانت الجزائر تريد الحرب، فإن المغرب لا يريدها”، متابعةً أن الملك محمد السادس، الذي ظهر بعد هذه الوقائع، في خطاب المسيرة الخضراء، لم يشر إلى الصراع، ودافع عن الحاجة إلى دعم مبادئ النوايا الحسنة.
في الوقت الحالي، تقول الصحيفة، فتحت الأمم المتحدة بالفعل، تحقيقا، ومن المتوقع أن يضع الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، التقرير على طاولته قريبا، متابعةً أنه لحدود الساعة، لم ترد أنباء عن ردّ جزائري مسلح، على الرغم من أن موقع “The Ragex”، المتخصص في المعلومات الدفاعية، نشر أن الجزائر قامت بتحريك قواتها نحو الحدود الغربية، أي باتجاه المغرب.
خلفية التوتر
ساءت العلاقات بين الجزائر والمغرب في الأشهر الأخيرة، ومن المتوقع أن تستمر، غير أنها ربما تكون أخطر مرحلة منذ ما يسمى بحرب الرمال سنة 1963، بعدها، لم يكن هناك صراع مفتوح، ولكن كانت هناك مواجهات منخفضة الحدة، والتي تحدث الآن بشكل متكرر، من أجل كسب معركة الهيمنة في شمال إفريقيا.
زدات أن حدود الجزائر والمغرب، ساخنة منذ استقلالهما، فـ 1600 كيلومتراً، لم تتركها فرنسا محددة جيداً عند مغادرتها، وحاول كل منهما توطيدها بل وحتى التوسع على مرّ السنين. مردفةً أنه منذ سنة 1994، صدر مرسوم بإغلاق الحدود البرية بين البلدين، على الرغم من ذلك، كانت هناك أوقات من العلاقة المعتدلة وحتى التعاون في المجال التجاري والاقتصادي.
النقطة الأساسية في الاحتكاك العميق، تضيف “هافنغتون بوست”، هي أن الجزائر لا تعترف بأي سيادة للمغرب على الصحراء، مقابل استضافة جبهة البوليساريو الانفصالية على أراضيها ودعمها، مسترسلةً أن البوليساريو والمغرب، حافظتا على هدنة لأكثر من 30 سنة، قبل أن يتم خرقها في الـ 13 من نوفمبر من سنة 2020، حين أعلنت الجبهة العودة إلى حمل السلاح والقتال.
تسارع الاصطدام
بعد هذه الخطوة التي أقدمت عليها البوليساريو، منذ سنة، عرفت العلاقات بين الجزائر والمغرب اشتباكات متعددة وبعيدة المدى، وكان على البلدين التعامل مع المشاكل المحلية والتوترات الدولية التي تؤثر على مصالحهما، مضيفةً أنه بعد عقد من الانزلاق في حرب أهلية دموية مع الحركات الإسلامية المتطرفة، التي تسبب في مقتل الآلاف، أصبحت الجزائر قوة في المنطقة بقيادة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وأبرزت أن الجزائر استفادة من القوة الاقتصادية التي توفرها الاحتياطات الهائلة من النفط والغاز، لينجح نظامها العسكري، الذي كان دائما يدور في فلك روسيا، في التوسط في النزاعات المختلفة في منطقة الساحل، وهي منطقة تشترك معها حدوداً واسعا، وتعرف نموا للجهاد والفقر، وهي موضع اهتمام خاص للاتحاد الأوروبي، لذلك كانت الجزائر حليفا وشريكاً.
ومع ذلك، تتابع الجريدة، في سنة 2019، شهدت الجزائر مظاهرات حاشدة انتهت بتنحي الرئيس بوتفليقة، حيث يقول الصحفي الجزائر خليل الدبيغي المقين ببروكسيل عن الأمر: “منذ ذلك الحين، لم تكت هناك قيادة قوية، بل انقسام، وهو وضع استغله المغرب لتعزيز موقعه في المنطقة”، متابعا أن مشاكل الجزائر تراكمت؛ السكتة الدماغية لبوتفليقة سنة 2013، وقرار إبقائه رئيسا رغم عجزه الجسدي، والأزمة الاقتصادية التي أدت لانهيار أسعار النفط سنة 2014، وهو وما ساهم في انحدار الجزائر، لصالح المغرب.
وأشارت إلى أن البحث عن “عدو خارجي”، دائماً ما يكون “استراتيجية لحكومات ليست قوية”، كما هو الحال مع عبد المجيد تبون، الرئيس الحالي للجزائر، لكن هذه المرة، يقول الدبيغي، البحث عن الهجوم على المغرب له خلفية أكثر تعقيداً، لأن الأمر له علاقة بمن سقود شمال إفريقيا في السنوات المقبلة، اقتصاديا وسياسية وعلى مستوى التحالفات، وموقف المجتمع الدولي من قضية الصحراء.
إسبانيا.. معلقة
مالي وموريتانا، نظرا لقربهما الجغرافي من الجزائر والمغرب، تضيف “هافنغتون بوست”، هما أكثر البلدان انتظار لانكشاف الأحداث بين الجارين، ومعهما إسبانيا أيضا، التي تنتظر بدورها كل شيء؛ الغاز الذي يجب أن يصل، حالة طارئة، ما قد يحدث في الصحراء، لمعرفة كيف يمكن أن تؤثر على علاقاتها مع الرباط، للسيطرة على الهجرة غير الشرعية أو تهريب المخدرات، أو للسيطرة على الجهاد بمنطقة الساحل.
أجد الدبلوماسيين الإسبان، الذين وصفتهم بـ”المخضرمين”، أوضح في حديثه لـ”هافنغتون بوست”، أن هناك العديد من الجبهات، كل واحدة منها أكثر حساسية، مردفاً: “يبدو أن جناح الغاز قد تم حله، فقد عرف الوزراء خوسيه مانويل ألباريس، وتيريزا ريبيرا، كيفية التحرك بسرعة، على الرغم من زيادة التكاليف بشكل واضح.
وذكر أن الأكثر تعقيداً هو الجانب السياسي البحت، حيث “نحن في وقت يسعى فيه الطرفان للحصول على تصريح واضح لصالحهما أو ضدهما، بأنهما لا يحبون الإجراءات النصفية أو المساواة، ولا حتى الحكمة الدبلوماسية. إن الانحياز إلى جانب دون الآخر أمر مستحيل، ومعقد للغاية، ولكن إذا تم فرض المواقف، فيمكننا أن نكون في مأزق”.
ونبه الدبلوماسي نفسه، إلى ما قاله الملك محمد السادس، بأن المغرب لن يمضي في أي خطوة اقتصادية أو تجارية مع أولئك الذين لديهم مواقف غير واضحة بخصوص الصحراء المغربية، مبرزاً أنه في السياق نفسه، تسعى حكومة مدريد لإعادة العلاقات مع الرباط، بعد الأزمة الدبلوماسية التي نشبت عقب دخول زعيم البوليساريو للجارة الشمالية.
تتمسك إسبانيا، تردف “هافنغتون بوست”، في حالة الصحراء، بقرارات الأمم المتحدة، التي عينت للتو مبعوثا خاصا جديدا للمنطقة، وهو الإيطالي السويدي ستيفان دي ميستورا، متابعة أن الدبلوماسي الإسباني لا يتوقع تصعيداً مسلحا بين المغرب والجزائر، لكن يتوقع استمرار التوترات في المستقبل، وسط انتظار إسبانيا.
وشدد الدبلوماسي نفسه، في حديثه للنسخة الإسبانية من “هافنغتون بوست”، أن ما يحدث لـ”جيراننا يأتي إلينا بالكامل. هم حدودنا الجنوبية”، مختتماً بالقول إن ما هو مرغوب فيه هو أن يسود الحوار بين المغرب والجزائر، وإذا لم يكن التعاون مرغوبا فيه، فإنه المفضل أن يعود الهدوء إلى جانبي الحدود، حسبه.
تعليقات الزوار ( 0 )