Share
  • Link copied

احميدة النيفر يفتتح مجالس مغارب بمحاضرة حول: الشريعة مقاربة انثروبولوجية

نظم مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني المجلس الأول ضمن سلسلة مجالس مغارب، الذي استضاف فيه المفكر والكاتب التونسي د. احميدة النيفر رئيس قسم الدراسات الإسلامية ببيت الحكمة في موضوع:” الشريعة مقاربة أنثروبولوجية”. وذلك أمس الأربعاء على الساعة السابعة مساء بتوقيت المغرب.

وبدأ المحاضر حديثه عن الشريعة من زاوية غير معتادة في التداول العربي بالتركيز على الأبعاد الحضارية والإنسانية والاجتماعية، وقد جرى الاهتمام بهذه الأبعاد في الدراسات الغربية بوجه أخص، وبدأ ذلك في السياق العربي بشكل محتشم خصوصًا في العقد الاخير مع الاهتمام بحركات الاسلام السياسي.

وأرجع النيفر الاهتمام بموضوع الشريعة عند الكتّاب والمثقفين العرب، إلى مرحلة ما قبل ظهور ظاهرة الإسلام السياسي، وهي مرحلة الاهتمام بالتراث، مؤكدا أن التراث مصطلح أعم من الشريعة، والشريعة مجرد مجال من مجالاته المتعددة، مبرزا كيفية  الاشتغال على التراث باعتباره حاجة مؤكدة عند حركات النهوض في العالم العربي.

وأرجع رئيس قسم الدراسات الإسلامية بيت الحكمة هذا الاهتمام إلى الستينات كمرحلة أولى، حيث تناولت عدة أسماء مسألة التراث مبدئيا ومنهجيا، مبينا بعض الاختلافات بين مفكري السياق العربي، وفي المرحلة الثانية،بعد السبعينات، سيظهر نسق مناهض للنسق الأول، وهو تيار يتحفظ على التراث أو يقطع معه، هذا النسق يعتبر أن التراث أمر متجاوز وتأكدت نهاية فاعليته.

مقابل هذا التيار، يقول النيفر، سيظهر نسق آخر يمكن تسميته بتيار الأصالة أو الخصوصية أو الصحوة والذي يعتبر أن موضوع التراث أساسي بالنسبة للمجتمعات الإسلامية العربية  فهو الذي سيحافظ على هويتها وخصوصيتها. ويرفض هذا التيار القول بتجاوز التراث.

وهناك نسق آخر يعتبر التراث جوهريًا ظهر أواخر السبعينات، معتبرا أن الحديث عن الشريعة هو حديث عن استعادة التراث ويستند هذا التيار على ثلاث عناصر أساسية:

العنصر الأول يتمثل في اعتبار الحضارة الاسلامية حضارة ذات بعد حضاري كوني لأنها تجاوزت الجوانب المادية والجغرافية والإثنية.

والعنصر الثاني يقوم على ضرورة التمييز بين الدين والفكر الديني.

والعنصر الثالث يتمثل في خصوصية الواقع المجتمعي. إذ استطاع المجتمع أن يقوم بنوع من الصد والرفض لهذه المحاولات التي ستظهر في العالم العربي، والتي عبرت على أن لها محدودية واضحة فيما كانت وعدت به من تحقيق العدالة والحرية والتنمية وإنتاج علمي واصلاحات وتغييرات في المجتمع وقوانينه.

فمع نهاية القرن العشرين ستظهر ما يسمى بالحركات الإحيائية، والتي كانت لها مشاغل فكرية وسياسية، وأردف قائلا إن الذي يعنينا هو النسق التأويلي الذي ظهر بعد ختم النبوة، فهذه الوضعية التأويلية قديمة منذ انتقال الرسول   صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى. مبينا أن هذه التعبيرات التأويلية ستحقق بداية لمشروع يُخرج مسألة التراث ومسألة الشريعة من الصراعات والمناكفات السياسية، ويطرح قضية التجديد، أي كيف يمكن فهم التراث وفهم الشريعة بصورة تجديدية.

وبذلك يخلص النيفر إلى القرن العشرين انتهى مع إقرار عدد كبير من الفاعلين في المشهد السياسي والفكري والفلسفي بأهمية التراث، وهذا نجده بصورة كبيرة  في صفوف الفلاسفة و الباحثين ممن أنتجوا تراثا سواء ما يتعلق بالفقه أو بالتصوف أو بالتفسير… حيث أصبح هناك اهتمام حقيقي في العالم العربي مع مجموعة من الكتاب المعاصرين من قبيل  وائل حلاق وطه عبد الرحمن.

ركز النيفر في محاضرته على وائل حلاق الذي ألف كتابا تناول  حفريا  موضوع الشريعة، واعتبر دراسة الشريعة مهمة ليست لأسباب إسلامية فقط، بل الاهتمام بالشريعة ناتج عن معضلة مركبة، فمن جهة هناك حديث عن الشريعة دون استفادة من أدوات المعرفة الجديدة مثل التاريخ وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا، ومن جهة أخرى هناك أزمة أخلاقية حقيقية في العالم، وهو ما يمثل عطالة إنسانية مما يحتم معالجة مسألة الشريعة معالجة معرفية باعتبارها مستودعًا معرفيًا، لها القدرة على الإسهام في حل أزمة الحداثة، وليست فقط مجرد أشلاء من الأحكام المتفرقة.

فالمقاربة التي يعتمدها هذا التيار هي مقاربة تعتبر أن الشريعة قادرة على الإسهام في مشروع تجديدي يغادر دائرة النزاع الذي ظلت تشتغل في المرحلتين السابقتين، ولمقاربة هذا التراث بصفة عامة ومسألة الشريعة بصفة خاصة. هناك معياران:

الأول هو تجنب واستبعاد المنهج الذي يرى أن الحداثة حتمية واحدة تاريخية للجميع، ويعتبر أن الحداثة ليست هي الحل الأوحد والأمثل للإنسانية جمعاء. لأن هذه الفكرة أخفقت تاريخيًا. والمعيار الثاني يكمن في أن تغيير منظورنا لمفهوم التقليد.

وبحسب النيفر، ينبغي القطع مع نظام الثنائيات المتعارضة نحو القول بأن التقليد يعاكس التغيير والقول بأن الثبوت يعاكس التطور، منوها بأطروحة وائل حلاق التي تعتمد على المنظور الاجتماعي، وهي مقاربة تبين أصالة الشريعة والربط بين الشريعة وقاعدتها السوسيولوجية، وأسسها الاجتماعية والفكرية والأخلاقية.

وتابع النيفر قائلا إن السياق التأويلي التجديدي الذي يعتمد المعارف المختلفة والاختصاصات العلمية الجديدة لمعالجة التراث بصورة عامة ومعالجة الشريعة بصفة خاصة يعبر عن حيوية مفهوم الشريعة وتكامل تفاصيلها، وتتخلق مؤكدا أن الشريعة ليست مجرد أحكام مفصولة عن الواقع واحتياجاته وأحكامه. وبهذا ستتحول دلالة الشريعة من حالة تجزيئية تخفض من إمكانيتها والارتقاء بها، إلى حالة تخليقية تجعلها قاعدة لإنتاج أفكار وتشكيل مجموعة من العلاقات المفضية إلى واقع اجتماعي وسياسي وقيمي جديد له القدرة على التفاعل المجتمعي وصناعة التناغم الاجتماعي.

كما أشار احميدة إلى جهود طه عبد الرحمن الذي قدم طرقا بديلة  للتفكير مطورًا نظاما أخلاقيا قويا بهدف إصلاح الحداثة الحالية، مؤكدا أن هذه الأسماء  وغيرها هي التي تميز المرحلة الثالثة؛ مرحلة المراجعة التجديدية للعلاقة بالتراث عموما، وبقضية الشريعة خصوصا التي أرادت أن تخرجها من حالة الانطواء  على التقاليد المتشظية المتباعدة والفاقدة لروح الفاعلية للإسهام في إعادة توازن العالم.

وختم د. احميدة النيفر مداخلته بأننا  لا نستطيع أن نفهم الشريعة بصفتها العضوية والحيوية الكثيفة،إلا بمواجهة تيولوجية التقدم، التي أفضت إلى مشكلات هائلة أدت  بالحياة البيئية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية إلى الضياع والدمار والهلاك والعنف وانتشار الحروب، معتبرا أن الشريعة قادرة على الإسهام في رأب هذه الصدوع وهذه الأزمات عند مقاربتها مقاربة جديدة باعتبارها بناء مجتمعيا أخلاقيا مفتوحا على العالم.

Share
  • Link copied
المقال التالي