Share
  • Link copied

احتراق ورقة حفتر يفضح أدوار الإمارات الخفية في شمال إفريقيا

تتوالى الهزائم والانكسارات التي تتكبدها أبو ظبي في سعيها لقيادة “الثورات المضادة” في عدد من الدول العربية، مع احتراق آخر أوراقها في ليبيا، واندحار قوات حليفها خليفة حفتر ومرتزقته، والذي تراجع عن مناطق سيطرته، لتفضح وجودها العلني والسري في المنطقة، ومساعيها لدعم شخصية متهمة بارتكاب جرائم حرب.

وأماطت التطورات الأخيرة في الملف الليبي، اللثام عن الأدوار الخفية للإمارات العربية المتحدة، التي تقود وفق تقارير عدة، انقلابات في طرابلس على سلطة شرعية تحظى باعتراف دولي واسع.

وقادت الأنباء المتواترة من ليبيا إلى تسليط الأضواء على تحركات الأذرع الممولة من أبو ظبي، وتتبع مسارات الجهود التي تبذلها الدولة الخليجية التي صارت رمزاً للثورات المضادة.

ونسف تقرير “سري” أعده خبراء في الأمم المتحدة عن مهمة “خاصة” لقوات أجنبية في ليبيا لاعتراض إمدادات تركية بالأسلحة لحكومة طرابلس، ورقة التوت التي كانت تواري بها الإمارات خطواتها.

وحسب التقرير الموثق بالأدلة والقرائن، فإنه تم التخطيط للعملية وتنفيذها في ثماني دول، وشاركت فيها مروحيات وقوارب عسكرية.

والتقرير الذي نقلته مصادر ألمانية، والمكون من نحو 80 صفحة، أكد أن الجهات التي عملت على التخطيط للعملية من قبل شركات أمنية تم في الإمارات، وتحدث عن وجود 20 شخصا على الأقل من أستراليا وفرنسا ومالطا وجنوب افريقيا وبريطانيا والولايات المتحدة، نُقلوا إلى ليبيا من الأردن بذريعة إجراء أبحاث علمية.

ووفقاً للتقرير، فإن التخطيط للعملية السرية تم من قبل شركات أمنية مقرها الإمارات، وهي “لانكستر6″ و”أوبوس كابيتال أسيت” والتي قامت، حسب خبراء الأمم المتحدة، بتهريب ست مروحيات من جنوب افريقيا وقاربين عسكريين من مالطا إلى ليبيا في حزيران/يونيو 2019.

وشدد فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة على ليبيا في الأمم المتحدة على أن المهمة السرية التي قامت بها قوات غربية تهدف لدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

المصادر الإماراتية لم تجد أي حرج في مباركة مثل هذه العمليات علناً، وعلى لسان عدد من المسؤولين والمقربين من دوائر صنع القرار. وأفشى ما كتب نائب قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، بوصفه قوات حفتر بـ”قواتنا المسلحة” جوانب من المخططات الإماراتية.

وأضاف في تغريدة أخرى إسفينا في ملف الاتهامات الموجهة لبلاده بتأكيده أن: “طائرة حربية تدريبية تقلع من ثانوية مصراتة الجوية وتحاول قصف قواتنا المسلحة في منطقة العزيزية. ولكن الصاروخ أصاب منزل إحدى العائلات القاطنة في منطقة مجاورة”.

وانتقد مسؤولون ومعلقون ليبيون الأدوار الخفية لأبو ظبي في بلادهم، وتورطها الفعلي في دعم حفتر، وتسليحه للانقلاب على الاتفاقات التي رعاها المجتمع الدولي.

وأكد أشرف الشح -أحد مؤسسي تحالف القوى الوطني الليبي – في تصريح أن الإمارات وعدت حفتر بدعم عسكري كبير إذا استدعى الموقف ذلك.

وقال: “إن الإمارات والسعودية هما اللتان منحتا حفتر الضوء الأخضر لمهاجمة طرابلس، وأن الإمارات التي زارها مؤخرا وعدته بدعمه عسكريا إذا استدعى الموقف ذلك”. معتبرا ذلك دليلاً على أن مبادرة أبو ظبي للحل السياسي في ليبيا مجرد كذبة وخدعة، وغطاء لحقيقة نوايا الإمارات تجاه ليبيا والسيطرة على مقدراتها.

وأكدت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية في تحليل نشرته مؤخراً، أن الإمارات “واصلت دفع بيادقها إلى ساحة المعركة، إلى درجة أنها أزعجت حلفاءها الدوليين بإضافة الوقود إلى النار، في ليبيا، حيث اشتد القتال في الأسابيع الأخيرة، رغم دعوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار للتعامل مع الوباء”.

واستطردت أن “هذا الحلف نسف جهود الأمم المتحدة في الوساطة، وحظر توريد الأسلحة للأطراف الليبية، ولم يتوقف عن تزويد حليفه بالأسلحة والمعدات، بل والتدخل بالطيران لقصف مواقع الخصوم، وحتى تأجير خدمات العديد من المرتزقة لمساعدته.

وهكذا تم تجنيد عشرات الشباب السودانيين عن طريق الإعلان في الصحافة في بلادهم من قبل شركة بلاك شيلد الإماراتية الخاصة، عن الحاجة إلى حراس أمن في الخليج، وبمجرد وصولهم تلقى العديد منهم تدريبات عسكرية، قبل إرسالهم لليبيا لحراسة حقول النفط التي يسيطر عليها حفتر، وهو ما شاع عندما تظاهرت عائلاتهم أمام سفارة الإمارات في الخرطوم، حاملين لافتات تقول: أبناؤنا ليسوا للبيع ونحن لسنا مرتزقة”. وأوضحت “ليبراسيون” أن “استخدام جنود للإيجار وشركات عسكرية خاصة أصبح ممارسة منظمة من قبل الإمارات في مشاريعها الحربية، لضرورة التعويض عن نقص الرجال والمهارات بسبب قلة عدد السكان.

وأشارت إلى أن محمد بن زايد منذ عام 2010 دأب بشكل منتظم على الاستعانة بخبرات وخدمات “بلاك ووتر” لتنفيذ الاستراتيجية العسكرية المناسبة لبلاده.

وتأتي هذه المساعي حسب التقارير الحقوقية، في وقت يتجند العالم لمحاربة جائحة كوفيد-19 بينما أبو ظبي تمضي قدماً في مخططاتها، لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

يشدد الكاتب إيمانويلي روسي، في تقرير نشرته مجلة “فورميكي” الإيطالية، إن أمير الحرب الليبي خليفة حفتر يتمتع بنوعين من الدعم، أولهما سري تقدمه كل من روسيا وفرنسا، والثاني معلن توفره مصر والإمارات.

وأضاف أنه رغم أن القاهرة بدأت في تخفيض حجم مساندتها للجنرال الليبي المتقاعد، فإن أبو ظبي في المقابل ما زالت تقدم له الدعم التقني والسياسي، وساندت حملته للسيطرة على العاصمة طرابلس.

ويعتبر أن منطلق مصر والإمارات في دعم قوات حفتر يندرج في سياق الحرب التي تشنها الدولتان على جماعات الإسلام السياسي في ليبيا والمنطقة.

هوس الإسلاميين

عند البحث عن إجابات لسؤال محوري، لماذا تتدخل الإمارات في ليبيا، تجمع الآراء والتحليلات على أن الدافع المحوري لتحركاتها، يكمن في هوس مستشر في محاربة التيارات الإسلامية، والعمل على الحد من وصولها السلطة في دول المنطقة.

وترى مجلة “فورين بوليسي” في تحليل نشر في عدد أيار/مايو أن “ما يدفع الإمارات، وبشكل رئيسي لدعم قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، هو الهوس بالإسلاميين، لإنشاء دكتاتورية في ليبيا تقوم بمحو أي شكل من أشكال الإسلام السياسي”.

وأضافت أن الإمارات استغلت مظالم الليبيين بعد الثورة، فمنعت التحول الديمقراطي وغذّت الحرب الأهلية، وخططت لتنفيذ أجنداتها وفرض حكام على مقاسها.

وتشير عدد من التقارير الدولية إلى أنه منذ 4 نيسان/أبريل 2019 نفذت الإمارات أكثر من 850 غارة جوية بالطائرات المقاتلة والمسيرة لصالح قوات حفتر. وسجلت البيانات من مصادر مفتوحة منذ كانون الثاني/يناير 2020 أكثر من 100 شحنة جوية لما يعتقد أنها أطنان من الأسلحة والتي تم إرسالها من الإمارات ومصر إلى شرق ليبيا.

سيسي جديد

يكشف إصرار الإمارات على إنفاق أموال طائلة لدعم الجنرال الانقلابي مثلما تصفه عدد من المراجع، والذي يقود ميليشيا غير شرعية في ليبيا، منذ عام 2014، جوانب من السؤال المتعلق بدوافع تدخلاتها.

وترى أبو ظبي في حفتر “النسخة الثانية من السيسي” إذ تسعى لاستنساخ نظام عسكري مناهض للديمقراطية في ليبيا، يستند على دعمها، كما هو الحال في مصر بعد تمويلها والرياض الانقلاب العسكري في تموز/يوليو 2013. ولتنفيذ هذه المساعي لا تجد الإمارات حرجاً في خرق حظر أقره مجلس الأمن الدولي، في 2011 على تصدير السلاح إلى ليبيا، بدعمها حلفائها بأسلحة ثقيلة واستراتيجية تملك بعضها، وتحصل على البعض الآخر من دول أخرى، في محاولة منها للإطاحة بالحكومة الليبية، المعترف بها دوليًا.

كما تهدف الإمارات بتدخلاتها في ليبيا، إلى تشكيل تحالفات مع قوى تدعمها، لتمديد نفذها نحو دول تكون تابعة لها، على غرار علاقتها بمصر، وعدد من الدول التي تمكنت من بسط سيطرتها على مؤسساتها. كما يدخل ذلك ضمن صراعها الاستراتيجي في مواجهة دول منافسة مثل تركيا التي تحولت إلى عدو رقم واحد، منذ عقدت حكومتا البلدين (تركيا والحكومة الليبية المعترف بها دولياً) اتفاقيات تعاون مشترك.

الأيدي الإماراتية لم تقف عند حدود طرابلس، وهي تمتد من ليبيا وتتسلل شرقاً لاستهداف عدد من دول شمال افريقيا، تحديداً تونس وكذلك الجزائر والمغرب وموريتانيا، وفق ما تسرب من معلومات عن تحركات وفق مخططاتها للسيطرة على الأوضاع وقيادة ثورات مضادة، وفرض أذرعها في تلك الدول. وكشفت الحملة التي قادتها أذرعها في تونس لتحقيق فوضى في البلد الذي يخط بثقة نحو الاستقرار، جوانب من هذه المناورات. وكان واضحاً في الحملة التي شنت مؤخراً على القيادي التونسي المحسوب على تيار الإخوان المسلمين راشد غنوشي، بصمات الأيدي الإماراتية، التي تحاول خلق اشتباكات بين القوى السياسية وفرض حالة شغور، لفرض موالين يرتهنون بإشاراتها.

ولم تكن الجزائر ولا المغرب ولا موريتانيا، في منجى من المناورات الإماراتية والتي تم رصدها في عدد من المناسبات، بتحالفات وعلاقات معقدة مع فاعلين محليين.

صمت دولي

انتقد عدد من المتابعين صمت الدول الحامية للإمارات مثل الولايات المتحدة وفرنسا، عما يحدث جنوب البحر الأبيض المتوسط، أو بذل مساعي جادة، لكبح النشاط الإماراتي، بل وقام بعض صناع القرار بتبرير تصرفات الإمارات بناء على توافقهم مع أهدافها الجيو-اقتصادية.

وترى عدد من التقارير أنه ربما كان لهذه الفكرة وزن في الماضي إلا أن حقيقة أن الإمارات مستعدة لمساعدة أمير حرب على تدمير طرابلس وبنيتها التحتية اليوم هو دليل على أن الاستثمار الأيديولوجي في خليفة حفتر يتجاوز أي اعتبارات اقتصادية مستقبلية.

ويستدل المنتقدون للتحركات الإماراتية بغض الجميع النظر عن جهود أبو ظبي بتجميد الدبلوماسية المتعلقة بليبيا والدفع بمصالحها من خلال علاقاتها الثنائية بفرنسا.

وعملت الإمارات على توسيع نشاطها في ليبيا، مستفيدة من عدم تمكن الدول الأوروبية من التصرف معا دون أمريكا. والبلد الأوروبي الرئيسي الذي استطاعت أبو ظبي كسبه لدعم رؤيتها في ليبيا هو فرنسا التي تشترك معها بعلاقات أمنية ثنائية.

وبعيداً عن الصمت الدولي، يدرك الفاعلون الليبيون، أن الالتفاف على حكومتهم المعترف بها دولياً، هو السبيل لحقن دماء الأبرياء، والتخطيط لمستقبلهم، بعيداً عن القوى التي تحارب أي تقارب بين الفرقاء.

وساهمت الهزائم المتتالية التي مني بها حفتر والقوات المرتزقة التي تحارب إلى جانبه في تأكيد عزمهم وإصرارهم على مقاومة أي محاولة للنيل من استقلال قرارهم.

وتواجه الإمارات التي راهنت على حفتر ودعمته بكل ما أوتيت ضغوطاً متزايدة بعد افتضاح أدوارها وانكشاف مخططاتها التي تهاوت أمام إصرار ومقاومة الليبيين.

سليمان حاج إبراهيم/القدس العربي

Share
  • Link copied
المقال التالي