Share
  • Link copied

إنهم يكتبون! ماذا يكتبون؟ دعهم يكتبون! وهل من تفسير للكتابة زمن كورونا؟

الوزير الحركي السابق محمد أوزين، الوزير ورجل الأعمال عزيز أخنوش، الوزير الحالي في حكومة العثماني ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ومحمد بودريقة رجل الأعمال وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وإلياس العماري، الأمين العام الأسبق لحزب الأصالة والمعاصرة الأسبق، ورئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة الأسبق، والذي يبدو أنه طلق السياسة طلاقا رجعيا، وليس بالثلاث، وهو يظهر من خلال مقاله الأخير الذي نشرته إحدى المواقع الإلكترونية، وتم حذفه نهائيا، والسبب يبقى مجهولا، وربما بسبب بعض الانتقادات التي توجهت لمقاله من لدن بعض المواقع الإلكترونية.

الرأي قبل شجاعة الشجعان[1]

هؤلاء السياسيون الأربعة سارعوا إلى كتابة مقالات “رأي” والمغرب، ومعه العالم، يعيش أزمة وباء “كورونا”، وهؤلاء الأربعة لم يكونوا يكتبون مقالات تعبر عن آرائهم، باستثناء إلياس أيام كان أمينا عاما للحزب، ولكنها مقالات تظل معدودة على رؤوس الأصابع إذا ما قورنت بمقالات بعض السياسيين والدبلوماسيين في بعض الدول العربية، الذين يكتبون مقالات وهم وزراء، ويكتبون وهم سفراء، ويكتبون وهم رجال أعمال لهم مسؤوليات سياسية، أو مسؤوليات تتصل بعالم السياسة، هذا على عكس بعض المسؤولين السياسيين بالمغرب الذين يصومون عن الكتابة أو الإدلاء بآرائهم التي يمكنها أن تغني النقاش العمومي ببلادنا، أو تثير فضيلة الحوار، وتردم هوة الخلاف، وتقرب وجهات النظر في علاقة السلطة بالمجتمع، وهي آراء تظل مطلوبة في زمن الخلاف بخصوص المشاريع المجتمعية المطروحة، أو مشاريع تتصل بالسياسات العمومية، وما أكثرها في بلادنا… لكنهم لم يقترفوا فعل الكتابة.

فلو كتب هؤلاء في زمن الخلاف/الاختلاف لكان لكلامهم موقع من الإعراب: يبقى الفاعل مبنيا على الرفع، لأنه اكتسب قيمته من علاقة الفعل بالمفعول به، علاقة السلطة بالمجتمع، إنه “الرأي قبل شجاعة الشجعان” كما قال المتنبي!

وأما اليوم، فقد توحدت السلطة بالمجتمع، وحصل تقارب كبير، فما موقع الكتابة من الرأي؟

ولكن لا رأي لمن لا يُطاع[2]

 من الواضح أن أغلبية السياسيين المغاربة لا يكتبون في الزمن العادي، لكننا لاحظنا ظاهرة جديدة مرتبطة بوباء كورونا، حيث عمد البعض منهم  إلى الكتابة لأول مرة، فما تفسير ذلك؟

 إزاء هذه الظاهرة تحضر تفسيرات متعددة أولها، حسب عبد الرحيم المنار اسليمي، المحلل السياسي المعروف، الحالة النفسية التي يعيشها بعضهم في زمن الحجر الصحي وهو يتفاجأ بمشاهد ربما لم يكن يعرفها رغم وجوده في مركز القرار.

 ولهذا الكثير منهم، يضيف المنار اسليمي، لم يكن يتوقع هذا الدور الكبير الذي يلعبه المقدم أو شيخ الدوار أو القايد او القايدة في الميدان.

ويقول المحلل السسياسي في اتصال مع جريدة “بناصا”: “هؤلاء السياسيون أنفسهم يكتشفون قوة الدولة والبعض منهم الذي كان وزيرا  أو برلمانيا لا تتجاوز معرفته حدود الموظفين في الوزرارت أو البرلمان أو سكان دائرته الانتخابية، فالكثير من السياسيين تلمس في نفسيته نوعا من الانبهار”.

غياب المعنى السياسي لعلاقة السلطة بالمجتمع

وأما التفسير الثاني يضيف اسليمي، أن هناك جزء من السياسيين وقعت لهم أزمة مع المغاربة في الزمن العادي يريدون العودة عبر بوابة زمن الوباء، لذلك فهم يكتبون دون معرفة بما يكتبون أو يكتبون بدون معنى.

 والتفسير الثالث، “أن هناك جزء من السياسيين  يستطع نسيان ما يسمى في الثقافة المغربية ب”هزة الكثف”، بمعنى أنه يكتب وأمامه زمن الصراع الانتخابي ويُفكر في الانتخابات التشريعية القادمة من داخل زمن الوباء، وهذا خطير بأن يبدأ تسييس زمن الوباء في بعض الكتابات، لكن في جميع هذه الحالات فقد بدا واضحا أننا يجب أن نميز في زمن الوباء بين رجل الدولة ورجل السياسة، هذا تصنيف واضح اليوم، ويوجد لدينا في المغرب الكثير من رجال السياسة، والقليل من رجال الدولة” يقول اسليمي.

ويضيف ذات المحلل السياسي: “الغالبية من السياسيين لا يستطيعون تجاوز الدورات الانتخابية فهم يشتغلون من الانتخاب الى الانتخاب في دورات مغلقة ليس لها دراية بقضايا الدولة ،كما يدخل يُطرح التساؤل عن اختفاء 100 ألف منظمة من منظمات المجتمع المدني كما يُقدمها البعض، اين اختفى أغلبها وترك  المجتمع ينظم حملات التعبئة ويدعو الى التطوع  بنداءات شباب وشابات بعيدين عن المجتمع المدني”.

أما إدريس بنيعقوب، الباحث في العلوم السياسية، فيذهب مذهبا آخر، حيث يقف عند بعض عناصر السياق المأزوم الحالي والذي وصفه بـ”الخطير” بحيث “لا يتحمل أي مزايدات سياسوية إذا ما وضعت جميع اختصاصات تدبير الأزمة في في يد الفاعلين السياسيين سواء حكوميين أو برلمانيين أو أحزاب سياسية”.

ويعتبر المحلل السياسي، أن “إدارة الأزمات هو ضمنيا يدخل في إطار المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية باعتبارها ضامنة استمرار الدولة والحقوق والحريات وهي أول جبهة أمام جميع المخاطر بمقتضى وثيقة الدستور أو بمقتضى الأعراف الدستورية المغربية. السياسي في المغرب لا ينتج سلطة طوارئ ولا يمكنه إدارتها بشكل مجمع عليه او بدون نزاعات سياسية”.

أفول السياسة أمام سلطة الطوارئ

وقدم بنيعقوب ثلاثة عناصر تفسر أفول السياسة أمام سلطة الطوارئ وغياب الخطاب السياسي أمام خطاب سلطة الطوارئ التي يترأسها الملك بشكل فعلي ومباشر.

العنصر الأول، حسب إدريس بنيعقوب، مرتبط بسيادة خطاب الأمن الصحي الذي تنتجه الدولة بواسطة ما يمكن أن نسميه حكومة الطوارئ المصغرة تحت رئاسة الملك مباشرة”.

  ويضيف: “وتضم هذه التركيبة الاستثنائية القطاعات الصحية، الأمنية والداخلية التي تشرف على التنظيمي العام، وأيضا على قطاعات تموين السوق المغربية بمؤونات الطوارئ. وهو خطاب مطمئن يحارب الخوف والشك، واقعي ملموس تصدره الدولة المركزية بواسطة مؤسسات وأجهزة غير متحزبة لا يعتمد على الوعود السياسية ذات نتائج آنية ويتقبله المغاربة، لأنه يرعى مطالبهم الصحية في هذا الظرف”. الناس تحتاج إلى كمامات ومؤونة وشاهدنا عبر العالم أن من يملك الكمامات وأجهزة الأوكسجين يملك جزءا من السلطة والاكثر من ذلك يملك قلوب الناس”.

ولاحظ بنيعقوب أن “السياسيين كلهم أنتجوا خطابا تطابقيا مع خطاب الدولة فلم تعد هناك لغة معارضة أو أغلبية او لغة رافضة، فلم يكن لهم من دور هنا سوى إعادة انتاج هذا الخطاب في منابرهم الحزبية بدون أي إبداع فيه”.

الأزمة لا تسمح بالسجالات السياسوية

العنصر الثاني، حسب يقول بنيعقوب في اتصاله مع جريدة “بناصا” فهو “متعلق بانتشار أو اكتساح الخطاب التقليدي المحافظ على المشهد العام أمام تراجع خطاب من يصفون أنفسهم بالحداثيين والتقدميين، وهو خطاب أعاد الدين والقيم المحافظة إلى المشهد العام، وأعطى قيمة أكبر للجماعة إحدى بنيات المجتمع التقليدي، واعتبرها أولوية وصادر نسبيا قيمة الفرد واختياراته الحرة كإحدى عناصر الفكر الحداثي”.

وأمام هذا الخطاب الذي مارسته السلطة بمختلف مكوناتها بما في ذلك العلماء والإعلام الرسمي، لقي تجاوبا كبيرا من قبل المجتمع، وانخراطا ملموسا، الشيء الذي أظهر محدودية السياسيين غير القادرين على صناعة خطاب مختلف شكلا ومضومنا”.

وأما العنصر الثالث، حسب بنيعقوب، فهو متصل ببنيوية وعناصر لغة الخطاب السياسي والحزبي نفسه، الذي بطبيعته وجينات ولادته هو خطاب مواجهات يعد للتميز والتنافس حول مختلف الأفكار والمشاريع السياسية بجرعات ايديولوجبة أو فكرية نظرية. 

ويسجل بنيعقوب في اتصاله بجريدة “بناصا”، أن “واقع الأزمة لا يسمح بالسجالات السياسوية أو الحزبية حول إجراءات الطوارئ وإنما السياق يفرض نوعا من الواقعية والصرامة الخطابية المنظبطة. لذلك أمام شبه العطالة التي أصابت الأجسام السياسية بعدم القدرة على إنتاج نفسها بشكل مختلف وإنتاج خطاب ملائم للظرفية، فإننا نجد محاولات فردية إنشائية لكتابة مقالات متنوعة بعضهم أعاد اكتشاف نفسه في فترة الاعتزال داخل البيوت لينتج مقالات، وبعضهم للمشاركة في نقاش كورونا الذي فرضه الواقع وملأ الفراغ وبعضهم مهتم بالقانون أو الاقتصاد أعطى تعليقات وآراء تدخل ضمن خانة الخبراء والباحثين والاقتصاديين وليس ضمن السياسيين”.


[1]  يقول أبو الطيب المتنبي:

هو أول وهي المحل الثاتي ***** الرأي قبل شجاعة الشجعان

[2]  قولة منسوبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (نهج البلاغة).

Share
  • Link copied
المقال التالي