طَرحُ السؤال “إلى أين يسير القصر بالمغرب؟”، أصبح مُلحاً جداً، فجدل المستقبل في المغرب غير مفتعل، ويطرح نفسه اليوم بقوة، وأحيانا بضجيج، ولم يكن صدفةً، قبل عقد ونصف، ذلك العنوان “الغيواني” المثير، الذي جرّ المتاعب على صاحب أسبوعية “نيشان”، زميلنا أحمد بنشمسي: “فين غادي بينا أخويا”؟
طرح هذا السؤال يستدعي منا، بدايةً، الدخول في شكلٍ من إعادة قراءة للتاريخ لنقف على تفاصيل تأريخيّة لمحطات سياسية كانت ضمن “الأجندة الملكية”، التي دبّرها القصر والتابعون له “بإحسان”، قبل وبعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، لكي نفهم حال مغرب الأمس واليوم والغد، ولنصل إلى هدف أساسي هو إمساكه الجيِّد بميكانيزمات تسليم العهدة بسلاسة لولي العهد الأمير مولاي الحسن “الثالث”، في ظل استمرار حكم السلالة العلوية الشريفة…
وهذا ما سبق لي أن تطرّقت له، باقتضاب شديد، في ثلاث مقالات تكلمت فيها عن مؤسسة ولاية العهد، لأَخلُص إلى القول إن هناك برنامجًا محكمًا يرعاه “الداخل والخارج”، يتماشى وفق التحولات والتغيرات الإقليمية والدولية، متجسدًا في “أجندة ملكية”، تدبيرُها بعيد كل البعد عمّا يُقال لنا إنها العشوائية.. والتاريخ يشهد على أن القصر هو الذي دبّر الملفات الكبرى المعروفة، ونجح في تدبيره لها، اعتماداً على المعنيين أنفسهم بكل ملفٍ مِلف، كملف التناوب التوافقي، الذي فرّق السبل بين الاشتراكيين، وملف سنوات الرصاص، الذي “تآمر” فيه الرفاق على الرفاق، وملف الإخوان الذين كان يجمعهم الدين ففرقت بينهم السياسة، وملف الحركات الاحتجاجية التي وثّقت الثقة في العرش واتجه “الوسطاء” بأصحابها إلى الهوامش… وفي كل هذه الملفات، وغيرها، خرج القصر منتصراً، وأضحى كل من يهمّه الأمر يجد جواباً دقيقًا لكل التساؤلات عند القصر، يُصرّفه الملك في خطاباته، التي رفع فيها السقف عاليا، فلا يعرف المرء اليوم كيف يفرّق بين ما يُطالب به الشارع، وبين ما يقوله الملك في “تقريعه” للساسة والإدارة، على حد سواء.
حسب بعض العارفين بخبايا الأمور، القصر كان دائما ينجح بفضل احتكاره لـ”سلطة المعلومة”، ولم يكن يوماً يفصِح عن نواياه “الحقيقية”، تحسُّبا لبعض “جيوب المقاومة” عكس ما كان يقوله عرّاب الاتحاديين… وهكذا لم يفهم الكثيرون كيف ركب الملك الراحل الحسن الثاني على نضالات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو الذي نكّل بقياداته وقواعده مدة 36 سنة، واستطاع، بدون تقديم أية تنازلات، إقناعهم بـ”تأثيث” مشهد سياسي مغربي جديد لتمرير الحكم لولي عهده آنذاك الأمير سيدي محمد الجالس على العرش اليوم، ليُعيّن الكاتب الأول للحزب الراحل عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول في 4 فبراير 1998 لقيادة حكومة التناوب التوافقي؟ ولا كيف ولماذا قرّر الملك محمد السادس “انتزاع” حقيبة الوزارة الأولى (رئاسة الحكومة) من حزب الاتحاد الاشتراكي وإسنادها إلى وزير للسيادة، مع استمرار الحزب وقيادييه في حكومة “يرأسها القصر”؟ ولا كيف يخرج القصر ببلاغ ليقول فيه الملك محمد السادس إنه رخّص لصديقه فؤاد عالي الهمة كي يخرج من المربع الذهبي ليمارس السياسة من خارج القصر؟ ولا كيف ولماذا أعلن الهمة، بعد خروجه هذا، أنه “مُكلّف” بمهمة أساسية هي وقف المد الإسلامي في البلاد؟ ومن هم الإسلاميون، الذين شايعوه، عقب ذلك، ومن هم الخوارج، ومن هم الذين كفروا به وبمن بعثه؟ ولماذا خلق الهمة من حزب الأصالة والمعاصرة “نموذجاً” كي تتبعه الأحزاب.. ثم ما لبث أن انقلب عليه المنقلبون، وتبعهم حواريوه؟ وسؤال مِسك الختام هو كيف شرعن أهل الذكر من الإسلاميين لفئة قليلة “بنهب الثروة” بمرسوم “عفى الله عمّن سرق”، فيما خرج الملك، بعد حين، لطرح السؤال على الفئة الكثيرة من الشعب: “أين هي الثروة”!!؟
لنبدأ بقضية استمرار حكم “السلالة العلوية” للمغرب، وما يفرضه ذلك من التزاماتٍ، على الملك محمد السادس أن يوفي بها خلال مرحلة حكمه من أجل الإعداد لـ”مغرب يليق بولي عهده”، كلام كان يردده “مبعوث الملك” فؤاد عالي الهمة، عندما خرج إلى العمل السياسي، من خارج أسوار القصر، على مسامع النخبة التي لجأ إليها لتشارك في تحصين أمن المغرب واستقراره بتجنب الأضرار التي قد تلحق بالبلاد من جرّاء الحرب على “الخطر الأخضر”، التي كانت قد أعلنتها أمريكا والغرب على شعار “الإسلام هو الحل”، الذي كانت ترفعه الجماعات الإسلامية داخل عدة دول عربية للوصول إلى الحكم…
تمكُّن الغرب بزعامة أمريكا من القضاء على “الخطر الأحمر” بانهيار المعسكر الشرقي في 26 ديسمبر 1991، وبتفكيك دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، ما ترتب عن ذلك من بداية عودة “المجاهدين الإسلاميين”، أو من كان يُطلق عليهم لقب “العرب الأفغان”، إلى بلدانهم، بعد انتهاء الحرب في الشيشان، وابتداء المد الإسلامي، وهو ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني يعجّل في الإعداد لمرحلة حكم ولي عهده بتعديل الدستور والجلوس على الطاولة مع معارضيه سنة 1992، وإعلان العفو العام عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين سنة 1994، وكلامه عن “السكتة القلبية” وتعديل ثانٍ للدستور سنة 1996، وتعيينه للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الراحل عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول في 4 فبراير 1998 لقيادة حكومة “التناوب التوافقي”.
مع بداية “حكم” الاشتراكيين، أخذت ملامح الموجة الإسلامية تظهر في الساحة المغربية عقب ظهور مجموعة من “الخلايا الحركية” العائدة من أفغانستان، وقد تأكد ذلك باعتقال أول خلية نائمة بالدارالبيضاء بداية سنة 1999، مُشكّلة من أربعة سعوديين ومغاربة كانوا يعتزمون ضرب المصالح البريطانية بجبل طارق انطلاقا من شمال المغرب، إضافة إلى اعتقال مجموعة من الخلايا الداخلية أمثال: “الصراط المستقيم” و”التكفير والهجرة” و”أنصار المهدي”، وأخطرها خلية “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي كان يتزعمها المدعوان يوسف فكري ومحمد دمير، والتي تمكّنت من قتل عدد من المغاربة بعدة مدن، فيما تمكّنت أجهزة الأمن من إحباط عدة عمليات هجومية كانت تستهدف مسؤولين ومنشآت مغربية حساسة، نتجت عنها عدة اعتقالات لإسلاميين عُرفوا بمبايعتهم لِابْن لادن زعيم “القاعدة”، وبعده تنظيم الدولة الإسلامية، وآخرين اعتُبِروا شيوخا لهم أطلق عليهم الإعلام الوطني والدولي اسم “شيوخ السلفية الجهادية”، بعد انطلاق محاكماتهم، وتَتَبّع الرأي العام هذه المحاكمات، بكثير من الذهول، خصوصاً بعد صدمة المغرب ومعه العالم من اعتداءات 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء، التي أعقبت صدمة تفجيرات 11 شتنبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية، بضرب “الإسلاميين” لمبنى البنتاغون وبرجي التجارة العالمي.
على ضوء هذه المستجدات، الدولية والمحلية، عمل الملك محمد السادس، بعد اعتلائه العرش، على “الحدّ” من مشاركة “الإسلاميين” في أول انتخابات تشريعية في عهده، والتي اُجريت في 27 شتنبر 2002، إذ جرى الاعتقاد بوجود تنسيق لحزب العدالة والتنمية مع جماعة العدل والإحسان، وحتى مع إسلاميي السلفية الجهادية الجُدد، ورغم ذلك حصل الحزب على المرتبة الثالثة، فكان ذلك عاملًا أساسيًّا، ضمن عوامل أخرى تعرّضتُ إليها في مقالات سابقة، في “إبعاد” حزب الاتحاد الاشتراكي من رئاسة الحكومة، واسترجاع القصر للوزارة الأولى في شخص وزير داخلية سابق (إدريس جطو)، الذي كان فؤاد عالي الهمة قد سبقه إلى الداخلية بتعيينه من قبل الملك محمد السادس وزيراً منتدباً بحكومة عبد الرحمان اليوسفي في 9 نوفمبر 1999، وكان الملك قد جلس على العرش في 23 يوليوز من نفس السنة.
إذا كان الهمة قد حضر قرابة ثلاث سنوات في المجالس الحكومية بصفته وزيرا منتدبا في حكومة “الكتلة”، التي كان يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي، ويترأسها كاتبه الأول السي عبد الرحمان اليوسفي، فلابد أن تكون له “بصمة” في قرار الملك بإبعاد اليوسفي من رئاسة الحكومة، وإقناع باقي قيادات الحزب بالاستمرار في حكومة وزير “السيادة” إدريس جطو للعمل سوياً على وقف المد الإسلامي من الداخل، الذي سبق أن حذّر الراحل الحسن الثاني من محاولة غزوه للمغرب، ويمكن أن يكون لإبعاد عبد الرحمان اليوسفي صلة بما سبق أن راج من اتهام للاشتراكيين المنفيين وقتها بتنسيقهم مع العسكر في انقلابي 1971 و1972، حسب الرسالة التي كشف عنها الراحل الفقيه البصري بعد عودته إلى المغرب، ونشرت تفاصيلها أسبوعية الصحيفة، وهو ما كان مبعث خوف من تحالف من الداخل بين معارضي الأمس من اليساريين وبين الإسلاميين العائدين والخارجين للتو من السجون.
بداية مناوشات حزب العدالة والتنمية الإسلامي للقصر جاءت بعدما اصطدم هذا الأخير بحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لـ”البيجيدي”، والتي قالت بعدم “شرعية” الملك الحالي محمد السادس لخلافة الملك الراحل الحسن الثاني في “إمارة المؤمنين”، من خلال ما صرّح به رئيس هذه الحركة آنذاك أحمد الريسوني ليومية “أوجوردوي لوماروك”، فُهم من ترجمته للغة الفرنسية أن “الملك شاب غير متزوج ولا يتوفر على الأهلية العلمية لإصدار الفتوى ولا تتوفر فيه أيضا مقومات أمير المؤمنين”، مما دفع بالأمانة العامة لحزبه لإرغامه على الاستقالة من رئاسة حركته، بضغط من القصر، الذي كان قد بعث بصديق الملك فؤاد عالي الهمة (أول ظهور له) مصحوباً بوزير الأوقاف والشؤون الاسلامية أحمد التوفيق للاجتماع بها (الأمانة العامة) بمنزل الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب مؤسس الحزب وصاحب تضمين عقد البيعة الشرعية في أول دستور للمغرب المستقل سنة 1962.
الدكتور الخطيب، الذي كان قد آوى إسلاميي الشبيبة الإسلامية وأدمج قيادييها في الأمانة العامة لحزبه “الحركة الشعبية الدستورية”، الذي غيّر اسمه إلى “حزب العدالة والتنمية”، بعد مؤتمره الاندماجي، الذي انعقد في سنة 1998، اضطر، بعد الانتخابات البرلمانية لسنة 2002، إلى تأسيس جمعية داخل الحزب شبيهة بحركة “التوحيد والإصلاح”، التي كانت قد هيمنت على الحزب، أطلق عليها “اليقظة والفضيلة”، تشكلت من رفاقه القدامى المنتسبين لحزبه وترأسها يده اليمنى محمد خليدي، ليلعب دورا في خلق توازن بين الرفاق القدامى وبين الإخوان المسلمين المعتدلين “الوافدين الجدد” على السياسة في المغرب كقوة واجهت اليسار خلال ثلاثين سنة، وتريد استغلال الضغط الدولي لدفع الإسلاميين إلى الحكم، ونقض العهد، الذي قطعته على نفسها، إذ إن سماح نظام الحسن الثاني بدخولها السياسة، كان مقابل “الخضوع” لأجندة القصر، الذي كان هاجسه القوى اليسارية وامتداداتها الخارجية، التي كانت فئة منها تسعى إلى قلب نظامه…
التحول الكبير في مجريات الأحداث، كان بعد ضرب القاعدة للمغرب في 16 ماي 2003، وتوالي الهجمات العنيفة على “البيجيدي” (الإسلام السياسي الشرعي)، ومطالبة العديد من الأحزاب، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بحل حزب العدالة والتنمية، ليستغل القصر ذلك ويفتح نقاشا مع الصحافيين في لقاءات غير رسمية (Off) كان ينظمها فؤاد عالي الهمة بمقر وزارة الداخلية، وأيضا لقاءات مع “بعض” قادة الحزب الإسلامي، لإطلاعهم على ما “يُحاك” ضد عدة دول عربية وإسلامية من طرف الغرب لتدميرها من خلال دفع إسلامييها، الذين كانوا يرفعون شعار “الإسلام هو الحل”، إلى الحكم، ثم الانقلاب عليهم بعد تنحيته للأنظمة القائمة، والسطو بعد ذلك على أموالها، وأموال المحيطين بها والمودعة في بنوكه، ثم يُنصِّب التابعين الجدد له، كي يتعاقد معهم لإعمارها، في ضرب عصفورين بحجر واحد.
على ضوء ذلك، دفع القصر بحزب العدالة والتنمية، في شخص رئيسه آنذاك سعد الدين العثماني سنة 2005، إلى تسويق إيديولوجيته المعتدلة عند كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، التي كانت تخوض الحرب المباشرة على الحركات والأحزاب الإسلامية، بعدما رخّصت هذه الدول لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، الذي قبِل بخوض العمل السياسي في دولة علمانية، بجلوس رئيسه رجب طيب إردوغان على كرسي الوزارة الأولى بالبلاد في مارس 2003.
وبعد عودة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى المغرب، تم دفعه هذه المرّة إلى العمل على التسويق الداخلي لاعتدال الحزب وقبوله بـ”شروط القصر” بعقده لعدة لقاءات وجلسات وجولات، مدعوما بعدة فاعلين اقتصاديين ومن الباطرونا وعلى رأسهم رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب وقتها محمد حوراني، استعدادا لانتخابات 2007، جرى فيها التسويق لحزب العدالة والتنمية، الذي كان بالأمس القريب على شفا حفرة من حلِّه، فإذا بأمينه العام يصرّح علانية، في أحد استجواباته بأسبوعية “تيل كيل”، في عددها الصادر في 29 أكتوبر 2005، أنه يريد أن يكون وزيراً أولَ في حكومة أمير المؤمنين الملك محمد السادس…
ولتسليط الضوء على خلفيات هذا المشهد، تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان عسكر الجارة الجزائر ومن ورائهم الغرب قد “ضحّوا” بالملايين حتى يمنعوا حكم الاسلاميين لدولتهم، بانقلاب عسكري على الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية لسنة 1991 خوفاً من فوزها بأغلبية الثلثين من المقاعد المطلوبة لتغيير الدستور، وتشكيل دولة إسلامية، وهو الشيء نفسه الذي حصل مع حماس إثر فوزها بأغلبية 74 مقعدا مقابل 45 مقعدا لحركة فتح في الانتخابات الفلسطينية لسنة 2006، فإن الراحل الحسن الثاني قد أفلت قياداتٍ بالحركة الاسلامية من السجن ليخلق بها حزبًا يؤمن بالعمل “الشرعي” القابل بـ”العلمانية” الغير مُعلنة داخل الدولة، فقد كان لابد للملك محمد السادس أن يمشي على خطى والده ليكون بالمغرب حزب “إسلامي” لا يشبه إسلامه إسلام الإخوان بمصر ولا بالسلفيين بتونس، ولا بالجهاديين بليبيا وقبلها مع دواعش العراق وسوريا، حزب يكون جاهزا لصدّ مكر الغرب، ومتنفساً لمن يريد حكم “الإخوان” بالمغرب، خصوصاً أن الدولة ذهبت بعيدا بعد أن كانت سمحت لمعتقلين إسلاميين أن يحوّلوا حركتهم إلى حزب سمِّي بحزب البديل الحضاري سنة 2002، قبل أن ترخّص لهم رسميا سنة 2005 ليصبح الحزب الإسلامي الثاني بالمغرب.
وهكذا سيتشكّل المشهد العام في البلاد: دخول المغرب في دوامة الحرب على الإرهاب، وإبعاد حزب الاتحاد الاشتراكي من قيادة الحكومة رغم حصوله على أكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2002، فراغ الأحزاب من المناضلين الجديرين بالثقة، وعدم اكتراث الغالبية العظمى من المواطنين بالسياسة، وبروز تقارير متواترة تقول إن المغرب لن يستطيع الحفاظ على إيقاع الانتخابات البرلمانية لسنة 2002، التي سجّلتْ نسبة مشاركة مهمة وصلت إلى 51.6% من الناخبين المغاربة، لعِب فيها تولّي ملك جديد للحكم، دوراً كبيراً… أمام هذا المشهد، كان لابد أن يتدخل القصر، فسارع إلى حزب اليسار الاشتراكي الموحد ليلتقي بالاتحاديين الغاضبين، الذين اندمجوا فيه، علّهم يجنحوا بنظرهم إلى تنظيم جديد يعاكس عبد الرحيم الحجوجي، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي أسس أحد أحزاب “العهد الجديد”، حزب القوات المواطنة سنة 2001، يتضمن الباطرونا، تنظيم يكون حزبا للعمال أطلق عليه بعد ذلك الحزب العمالي المغربي ترأسه وزير اشتراكي غاضب آخر اسمه عبد الكريم بنعتيق، فالتقى الهمة بمحمد الساسي ومحمد حفيظ رئيسي الشبيبة الاتحادية السابقين، وخاض معهما القصر نقاشا مستفيضا حول الوضع السياسي الحالك للمغرب وقتها، وتأسس الحزب العمالي في مؤتمر حضره 8000 مؤتمر سنة 2005، فلم يستطيع تحريك المشهد السياسي الراكض، ولم يجد صداه عند المغاربة، حسب التقارير، كما فشلت بعده جمعية دابا 2007، التي وعد صاحبها نور الدين عيوش بتعبئة الشباب للولوج إلى الأحزاب من أجل تقويتها، إلاّ أنه “أولج” ملياري سنتيم في جيبه دون نتيجة تُذكر، فلم يكن للقصر خيار أمام تداخل وتدافع كل هذه الأمور والأحداث، سوى الخروج لاستباق الأخطار التي قد تحدق بالمغرب، وبملكه، فكان هذا وراء خروج فؤاد عالي الهمة إلى العمل السياسي من خارج القصر، وترشّح بدون انتماء حزبي للانتخابات التشريعية لسنة 2007، وفاز في دائرته بنجرير بمقاعدها الثلاث، وهنا خرج بتصريحه التاريخي من قناة 2M، الذي قال فيه إنه جاء لـ”وقف المد الإسلامي”!! بعدما حاربه من الداخل.
وخرج بعده الملك مباشرة بأول خطاب لعتاب الأحزاب السياسية المغربية، التي فشلت في القيام بدورها في هذه الانتخابات، كما توقع القصر تماما، ولم تتجاوز نسبة المشاركة 37%، حيث طالب الملك، في خطاب افتتاح البرلمان في يوم الجمعة 12 أكتوبر 2007، بـ: “إعادة الاعتبار لنضالية العمل السياسي”، معتبرا أن ذلك لن يتأتى “إلا بالقطيعة مع البؤس، سياسة وواقعا”، و”العمل التنموي الميداني”، ثم استرسل قائلًا “كما أن النيابة عن الأمة ليست امتيازا، أو ريع مركز، أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام”، ثم صوّب الملك مدفعيته نحو “الإسلاميين”، حزبا وحركة، طالبا منهم الابتعاد عن “الإغراءات الوهمية والوعود التضليلية، المحرفة لقيم الدين والمواطنة”…
منذ بداية عمل الهمة من داخل البرلمان، استطاع، بدون حزب، جمعَ فريق برلماني من الشتات الحزبي، أطلق عليه اسم فريق الأصالة والمعاصرة، وأسس بعد ذلك حركة لكل الديمقراطيين من مختلف المشارب السياسية، وبسط برنامجه لدعم هذه الأحزاب الخاوية على عروشها، إلاّ أن أشخاصاً نافذين فيها رفضوا مشاركة الملك في بناء “مغرب يليق بولي عهده”، فاضطر الهمة والذين شايعوه لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة.
ومن هنا بدأت قصة ساسة اليوم الذين لم يعد الملك يثق فيهم..
يتبع في 2/3
تعليقات الزوار ( 0 )