Share
  • Link copied

إلغاء ذبح أضحية العيد بين الصلاحيات الدينية وتصحيح الأوضاع الاجتماعية

          

شهدت المملكة المغربية، منذ الاستقلال ، اتخاذ قرارات ملكية بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى خلال سنوات 1963، و1981،و1996 لظروف اقتصادية أو طبيعية. لكن يبدو أن قرار الملك محمد السادس الذي اتخذه بوصفه أميرا للمؤمنين و لأول مرة بعد أكثر من ربع قرن من الحكم ،  يختزن عدة دلالات اجتماعية تتمثل بالأساس في الحفاظ على توازن التركيبة الاجتماعية والسياسية بالمغرب من خلال احتواء تغول الوسطاء والتنفيس عن توتر اجتماعي كامن.

-القرار الملكي وتراجع القطيع الوطني

     سبق للملك الحسن الثاني أن ألغى  شعيرة النحر في عيد الأضحى خلال سنة  1963 بسبب تداعيات  حرب الرمال و سنتي1981 و1996 بسبب الجفاف الذي عرفه المغرب. غير أن توالي الجفاف الذي عرفته المملكة  خلال العقد الأخير و للسنة السابعة كان له تأثير كبير على القطيع الوطني من المواشي وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء. إذ سجل المغرب تراجعا بنسبة 38% في القطيع الوطني من المواشي بسبب توالي سنوات الجفاف. حي كشف أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يوم الخميس 13 فبراير 2025، أن “القطيع الوطني تراجع ب38 في المائة مقارنة بسنة 2016”.. وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على الاحتفال بشعيرة  ذبح أضحية العيد . حيث شهد عيد الأضحى للعام الماضي ارتفاعا كبيرا في الأسعار، عكسه تقرير للمركز المغربي للمواطنة أشير فيه بأن سنة 2024 شهدت أسعارا قياسية لم يسبق أن عرفها المغرب في ما يتعلق بسعر الأضاحي ، حيث تراوح سعر الأضحية ما بين 2000 و7000 درهم ليتجاوز ثمن الخروف في بعض الأحيان  10000درهم. فعلى الرغم من لجوء الحكومة إلى الاستيراد لتوفير الأضاحي في الأسواق، مخصصة دعما ماليا قدره 500 درهم لفائدة المستوردين من أجل استيراد 300 ألف رأس من الأغنام مع إعفائهم من الرسوم الجمركية، فلم يكن لهذا الإجراءات الحكومية تأثير ملموس على الأسعار التي ظلت مرتفعة. مما أدى إلى ظاهرتين سلبيتين :الأولى اجتماعية تمثلت في انخفاض نسبة المواطنين الذين قاموا بهذه الشعيرة، الذي ظهر من خلال انخفاض كمية النفايات المنتجة في الدار البيضاء على سبيل المثال يوم عيد الأضحى التي تقلصت من حوالي 16 ألف طن سنة 2023 إلى 12 ألف طن سنة 2024 ، والثانية اقتصادية تمثلت في ذبح واستهلاك جزء من القطيع الوطني خاصة النعاج والخرفان التي تُعد للموسم المقبل، مما د أثر على عدد القطيع وسعر اللحوم التي ارتفعت بشكل مهول.

  • القرار الملكي وعجز الحكومة عن احتواء تغول الوسطاء
  •  

     واجهت حكومة عزيز أخنوش  منذ تعيينها تداعيات أزمة ثلاثية: صحية أناخت بكلكلها على العجلة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة ، لتصادف فترة بداية اشتغالها اندلاع الحرب الروسية الاكرانية بتداعياتها السلبية على أسعار المحروقات التي ارتفعت بشكل صاروخي بمحطات البنزين بمختلف أنحاء المملكة مع ما خلف ذلك من ارتفاع في أسعار النقل وباقي أسعار المواد الأساسية . لينضاف إلى ذلك موسم جفاف حاد انعكست تداعياته من خلال رتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية بما فيها أسعار الخضر والفواكه وكذا اللحوم التي تمثلت لأول مرة في ارتفاع غير مفهوم لأكباش عيد الأضحى رغم ما قامت به الحكومة من استيراد لمواشي من بلدان أوربية وأمريكو لا تينية .  وقد تزايدت حدة الغلاء لتشمل مواد استهلاكية شعبية  كالسردين الذي تجاوز ثمنه  في بعض الأحيان 25 درهم  مما أدى إلى توجيه أصابع الاتهام إلى فئة من الوسطاء التي استغلت الجفاف لتتلاعب في الأسعار وتتحكم في الأسواق  ، حيث تمت مطالبة الحكومة باتخاذ تدابير لمواجهة هذا التحكم. في حين صرح بعض أعضاء الحكومة بعجزهم عن احتواء هذا الوضع  غير الطبيعي . إذ فاجأ وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، خلال اعطائه انطلاقة البرنامج التطوعي لحزبه بمنطقة أولاد فرج إقليم الجديدة أعضاء حزبه و الرأي العام  بتصريحات تنتقد غلاء الأسعار بالمغرب خصوصا فيما يتعلق بأسعار اللحوم والدجاج، معتبرا أن هذا الغلاء غير معقول وغير منطقي مطالباً المعنيين بتقليص هامش الربح، حيث قال بالحرف :”نتوما عاقلين فعيد الأضحى كنا فتحنا المجال لاستيراد القطيع وعطينا للمستوردين 500 درهم على كل كبش، ولكن المشكل دخلوه ب2000 درهم وباعوه ليكمْ ب4000 درهم قبل أن يتدارك ويصحح كلامه ب “باعوه لينا”، ثم واصل بعدها الحديث عن غلاء اللحوم الحمراء بالتقسيط مؤكداً أن استيراد كيلوغرام من اللحم يكلف المستوردين ما بين 40 درهما و 60 درهما، ويباع للمواطنين ب160 و 120درهم.”وقد أثارت هذه التصريحات سخرية كبيرة بين أوساط الرأي العام، خصوصا وأن المتحدث هو الأمين العام لحزب الاستقلال المشكل للأغلبية الحكومية، مما عرى عجز الحكومة وافتقادها لتفعيل آلية الرقابة وفشلها في مراقبة الأسعار وضبط عملية الاستيراد، مما جعل المواطن عرضة للافتراس من طرف طغمة شرسة من المستوردين وأصحاب المال والأعمال. وبالتالي فقد أتى القرار الملكي ليصحح هذا الوضع . فقد استحضرت الرسالة الملكية التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الاجتماعية قبيل حلول شهر رمضان بأيام قليلة وقبيل أربعة أشهر من حلول عيد الأضحى المعطيين السالفي الذكر حيث أشارت إلى ما يلي :إن  “حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية.. ولهذه الغاية، وأخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود.. ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة..  إذ سنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: ’هذا لنفسي وهذا عن أمتي”.

ولكن إذا كان هذا القرار الذي أعلن عنه الملك محمد السادس كأمير للمؤمنين، بخصوص إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد، قد لقي تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي عكس إلى حد كبير مستوى الارتياح النفسي جراء تداعياته الإيجابية على القدرة الشرائية لجل الأوساط الاجتماعية خاصة من ذوي الدخل المحدود وكذا الفئات الوسطى  ، حيث جنب فئات واسعة من المغاربة جشع شناقة أضاحي العيد وتجار الأزمات، الذين درجوا على استغلال الوضعية الراهنة من أجل رفع الأسعار واثقال كاهل المستهلك المغربي بأسعار خيالية، فقد شكل ضربة موجعة لفئات الوسطاء الذين كانوا يتحينون مناسبة العيد لإعادة سيناريو عيد الأضحى للسنة الماضية . كما انعكس مباشرة و بشكل جلي على انخفاض لافت لأسعار الماشية في الأسواق بعد ساعات قليلة من اتخاذ القرار الملكي. بعدما انخفض سعر الأغنام والأبقار بشكل مهم في أسواق الماشية المنعقدة في الأيام الموالية لتوقيت هذا القرار. كما تفاعلت الأوساط السياسية والحزبية بشكل إيجابي مع مضامين القرار الملكي ، حيث ثمنت أحزاب سياسية من الأغلبية والمعارضة هذه الدعوة، واعتبرتها قرارا حكيما استدعته الضرورة والمصلحة. وهكذا نوه حزب التجمع الوطني للأحرار -الذي يقود الائتلاف الحكومي- بهذا القرار، الذي يعكس “حرص الملك على رفع الحرج والضرر عن المغاربة، والتيسير في إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية” .في حين دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية  كل الجهات المسؤولة إلى الاقتداء بالخطوة الملكية في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير عن جماهير المسحوقين والفئات الهشة. في حين كتب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله -في تدوينة على صفحة الحزب في فيسبوك ” بأن الأسباب الوجيهة التي أدت إلى القرار الملكي الجريء والحكيم تستدعي من الحكومة السهر على بلورته بشكل ناجع على أرض الواقع من خلال اتخاذ ما يلزم من إجراءات مواكبة على مختلف الأصعدة ولا سيما على صعيد التدابير الداعمة لمربي الماشية الصغار”.

لكن يبقى التساؤل المطروح ، حول ما إذا كان الوقت قد حان لإعادة النظر في طريقة الاحتفال بعيد الأضحى بنفس الشكل التقليدي والمعتاد الذي درجت عليه الأسر المغربية بذبح ما يفوق خمسة ملايين رأس سنويا  في يوم واحد لتطبيق سنة مؤكدة مع ما  ينجم عن ذلك من تداعيات على عدد القطيع خاصة الأغنام وتأثير ذلك على أثمان اللحوم طيلة السنة ؟؟؟. إذ ألا يمكن أن يتم الاقتصار في هذا الاحتفال بنحر تضامني بين أفراد العائلات في ظل تحولات في الفضاءات السكنية التي تقلصت فيها نسبة الساكنة القروية لصالح الساكنة الحضرية ، خاصة وأن المغرب يتميز بتواجد مؤسسة إمارة المؤمنين التي تبيح للملك “كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية بالقيام بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: هذا لنفسي وهذا عن أمتي”؟؟  

Share
  • Link copied
المقال التالي