شارك المقال
  • تم النسخ

إفران تستقبل الزوار باللون الأبيض.. مدينة مغربية فريدة بطراز معماري أوروبي

“ما أحلى إفران وما أحلى جمالو، ما أحلاها عشية ما بين غصانو، وأنا وحبيبي ناشط فرحان، ما بين سواقي شجار ويدان، سواقي جارية” بهذه الكلمات تغنى إبراهيم العلمي أحد رواد الغناء المغربي الأصيل بمدينة إفران في أغنية شهيرة ظلت حية إلى اليوم.

وتعد هذه المدينة المستلقية في جبال الأطلس المتوسط مزارا مفضلا للمغاربة والأجانب خاصة فصل الشتاء، حيث ترتدي رداء أبيض، وتفتح شوارعها وجبالها وغاباتها لعشاق الطبيعة والهدوء والجبل.

وجهة مفضلة

مع أول تساقط الثلوج، تحولت إفران وضواحيها إلى قبلة للزوار، ويتوقع أن يستمر التوافد عليها من مختلف مدن المملكة حتى نهاية فصل الشتاء.

تغري الثلوج بزيارتها، حيث تغطي أشجار الأرز والصنوبر وأسقف البيوت القرميدية والبحيرات، ومنظر قردة المكاك تلاعب الزوار وتقترب منهم لتظفر ببعض الطعام.

يستمتع الزوار القادمون من مختلف المدن بالتزلج في المنحدرات الجبلية المحيطة بمدينة إفران باستعمال أدوات يؤجرها شباب المنطقة، وذلك بعدما أغلقت محطات التزلج جبلي مشليفن وهبري بسبب تدابير كورونا.

يفضل البعض ركوب الخيل والقيام بجولة وسط الثلوج الكثيفة، ويميل آخرون للانسجام مع سكان المنطقة والرقص على أنغام أهازيج شعبية للظفر ببعض الدفء، دفء التواصل الإنساني.

يحرص بعض المغاربة على زيارة إفران ضمن رحلات عائلية، ويشارك آخرون في رحلات جماعية تنظمها وكالات السفر للتعرف على أبرز مؤهلات المدينة ومعالمها التي تميزها.

تقول خديجة طاطا، وهي مسؤولة في إحدى وكالات السفر بالقنيطرة، إن إفران من الوجهات المفضلة للمغاربة في الشتاء، لذلك تنظم الوكالة رحلات أسبوعية إليها انطلاقا من يناير/كانون الثاني إلى منتصف فبراير/شباط حيث تعرف المنطقة تساقطات ثلجية مهمة.

وتضيف للجزيرة نت إن وكالتها تضع برنامجا متنوعا حتى يتمكن السياح من زيارة أهم الأماكن بالمدينة وضواحيها، ومن هذه المزارات جبلا هبري ومشليفن، كما يتضمن برنامج الزيارة مشاهدة غابات الأرز والصنوبر وخاصة موقع شجرة أرز كورو المعمرة التي تحمل اسم جنرال فرنسي كان يحكم المنطقة فترة الحماية الفرنسية.

ومن المزارات المهمة التي يتضمنها برنامج الوكالة -حسب خديجة- زيارة مركز مدينة إفران حيث ساحة أسد الأطلس الشهيرة ومنتزه عين فيتال للاستمتاع بالبحيرة والقيام بجولة على الخيول.

إفران الكهف

وتعود تسمية إفران إلى أصل أمازيغي وتعني المغارة أو الكهف، وقد لحق طريقة كتابة اسمها تقلبات عدة، فكتبت في مرحلة معينة إيفران أو يفران، يفرن أو إفران، غير أنه سنة 1993 صدر مرسوم وزاري ليعطي المدينة اسمها الرسمي الحالي.

وتتميز إفران بموقعها وسط جبال الأطلس المتوسط ومناخها الجبلي، وغابات ممتدة وعيون متعددة.

وكانت المنطقة مستقرا لقبائل مغربية، إلى أن دخل المستعمر الفرنسي البلاد وقرر إنشاء مدينة فيها وفق الطراز المعماري الأوروبي.

وتقول مصادر تاريخية إنه بالنظر لما يميز المنطقة من جمال الطبيعة ومن تشابه وتقارب بأوساط فرنسية وأوروبية تذكر المستعمرين بديارهم البعيدة، فقد قررت سلطات الاستعمار وقتها توظيف هذه المؤهلات الطبيعية لإيجاد ظروف استقرار المهاجرين الأوروبيين وتوفير ظروف العيش القار من ضمنها الراحة والمتعة.

كان هدف سلطات الاستعمار الفرنسي إنشاء مدينة اصطياف جبلية وفق مواصفات ومقومات أوروبية من هندسة معمارية ومجال تنظيمي، مدينة تجعل الفرنسيين يتخلصون من الشعور بالغربة والحنين إلى بلادهم.

كانت أول خطوة هي تأسيس مركز اصطياف بالمنطقة أطلق عليه اسم إفران، وبالنظر لقيمة هذا المشروع وما يحمله من إشارات ومعان، فقد حضرت حفل تدشينه سنة 1929 زوجة المقيم العام (ممثل المستعمر) الفرنسي.

وقد طبقت الإدارة الاستعمارية الأسلوب الأوروبي في الهندسة المعمارية الخاصة بالأوساط الجبلية، وهو أسلوب مختلف عما هو سائد بالمدن والقرى المغربية، حيث شيدت بنايات من حجارة الكلس التي تميز المنطقة، تطل على الخارج بنوافذ وشرفات، أما السقوف فبنيت بشكل مائل ومغطاة بالقرميد الأحمر بما يتناسب مع خصوصية المدينة المعروفة بغزارة الأمطار وكثافة الثلوج.

سويسرا الصغيرة

يكشف كتاب “معلمة المغرب” أن وراء تعمير إفران وفق نمط أوربي أهدافا أخرى خفية غير إنشاء مكان يصطاف فيه المعمرون ويجدون فيه المتعة والراحة.

هذه الأهداف تتجلى في رغبة الإدارة الفرنسية في فرض الهيمنة الثقافية، وإبهار المغاربة بمدى تفوق الحضارة الغربية على حضارة بلادهم من خلال أروع ما أنتجته في ميدان العمران أسلوبا وتصورا.

وقد أطلقوا على المدينة عدة تسميات كلها مستوحاة من الذاكرة والهوية الفرنسية “شامونيكس المغرب، الصاوفا العليا، سويسرا الصغيرة، قطعة من ربوع فرنسا”.

وبعد أن كانت المدينة محرمة على المغاربة خلال فترة الاستعمار، عادت لأهلها بعد الاستقلال نهاية خمسينيات القرن الماضي ومغادرة المستعمرين وبيعهم ممتلكاتهم.

وأولى الملك الراحل الحسن الثاني اهتماما خاصا بالمدينة، فكان يقيم فيها فترات طويلة، وينظم فيها المؤتمرات واللقاءات الدولية، وأنشأ فيها جامعة الأخوين بمواصفات دولية.

وما زالت إفران إلى اليوم زينة عقد المدن المغربية ومحج الزوار كل الفصول، مكسوة بالبياض في الخريف والشتاء ومخضرة في الربيع والصيف، وتصنف ضمن أنظف مدن العالم، كما أنها المفضلة لدى هواة السياحة الجبلية والتزلج والمشي في الغابات وملاذ الباحثين عن الهواء النقي والهدوء.

الجزيرة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي