في إطار أنشطتها التربوية والتوعوية التي تنظمها الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب برئاسة سعاد البكدوري الخمال، أستاذة سابقة بثانوية الإمام مالك، احتضن نادي الهمذاني لرجال التعليم بالحي الحسني بالدار البيضاء، مقهى أدبيا خصص لتقديم الكتاب الجماعي “ثانوية الإمام مالك بالدار البيضاء في السبعينيات، تحولات جيل” وذلك يوم الجمعة 18 فبراير 2022. قام بتسيير اللقاء الدكتور عبد الله زيوزيو، نائب رئيسة الجمعية، حيث أشار إلى أن هذا العمل يعتبر عرفانا واعترافا بجميل المدرسة العمومية في فترة زمنية عرفت فيها مستوى تعليميا راقيا استفاد منه جيل بدايات الاستقلال في إطار المساواة بين أبناء مختلف فئات المجتمع المغربي. كما أشار إلى أن القيم الإنسانية والحداثية التي وردت في مختلف شهادات الكتاب هي نفسها التي تدافع عنها الجمعية وتنادي بها.
وتدخل أحمد لعيوني أحد مؤلفي هذا الكتاب فتطرق إلى كيفية جمع الشهادات، والصعوبات التي اعترضت العمل، ومحاولة ربط الاتصال بقدماء التلاميذ وهم في مناطق شتى. كما أوضح بأنه تعذر الاتصال بآخرين بسبب انقطاع التواصل أو بسبب الحالة الصحية لبعضهم. ومن هنا كانت فكرة نشر نداء بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن الاتصالات المباشرة والإخبار بالهاتف. وقد تكرر نشر النداء لعدة سنوات منذ 2015، وحتى سنة صدور الكتاب.
كما أشار إلى أن هذه الشهادات حرص أصحابها على ألا تكون مجرد ذكريات، بل تجربة حية تساهم في تدوين وتأريخ حقبة حساسة عاشها جيل المشاركين في هذا الكتاب بعقله ووجدانه. هكذا كان التركيز على استحضار ما مروا به من تعلمات وتجارب ومن أحداث وتطورات مجتمعية وسياسية وثقافية وفنية ورياضية، وطنية ودولية، كان لها بالغ الأثر في المكان والزمن المغربيين. وكانت مدينة الدار البيضاء، بانفتاحها على التيارات العالمية، واحتضانها لمختلف الأنشطة العلنية والسرية، مركزا لهذا التفاعل والدينامية. ومن هنا يلاحظ اهتمام هذه الشهادات ليس فقط بما كان يجري داخل الثانوية بل أيضا خارجها أي بمدينة الدار البيضاء التي انتقلوا للدراسة بها.
وأضاف المتدخل أن هذه الشهادات يروي فيها أصحابها أسباب ارتقائهم الاجتماعي بناء على جودة التعليم الذي أدى إلى تنمية أفكارهم وصقل مواهبهم وانفتاح مداركهم على المحيط الراقي لمدينة الدار البيضاء التي كانت تعج بالأنشطة الثقافية والفنية مع مطلع الاستقلال. وهي كلها عوامل كان لها الأثر البالغ في تحفيز التلاميذ على التعاطي مع هذه الأنشطة، والتفاعل معها بإيجابية، مما مكنهم من اكتساب ثقافة متمدنة. وطبعا ينبغي فهم هذه الفكرة في سياقها التاريخي ذلك أن غالبية تلاميذ ثانوية الإمام مالك في السلك الثاني وقتها، كانوا داخليين قادمين من مدن صغيرة وقرى محيطة بالدار البيضاء.
ومن جهته، اعتبر الباحث المصطفى اجماهري الذي ساهم بدوره في جمع الشهادات، أن هذا الكتاب يعد من الأعمال القليلة في المغرب التي اهتمت بالكتابة عن المؤسسات التعليمية. كما تطرق في مداخلته إلى أن منطلقات هذا الكتاب يمكن تلخيصها في ثلاثة أفكار أساسية : أولا فكرة المبادرة الجماعية من حيث إثارة النقاش والمساهمة الجماعية في الكتابة من أجل صون الذاكرة والمشاركة في تدوينها. ثانيا فكرة الوفاء والاعتراف بدور الأساتذة الذين كانوا يؤدون واجبهم بروح من المسؤولية والعطاء.و ثالثا فكرة التحول، أي الانتقال من حال إلى حال، حيث يستنتج من خلال هذه الشهادات مدى استفادة أصحابها من مرورهم بثانوية الإمام مالك، وعلى الخصوص الدور الذي لعبه القسم الداخلي في تغيير نمط عيشهم، والتأثير الحاسم على مسارهم ووعيهم الذي رافقهم في حياتهم ما بعد مرحلة الثانوي.
الأستاذ عبد اللطيف اليوسفي، مقدم الكتاب، ونائب سابق لوزارة التربية الوطنية بالدار البيضاء، أكد في تدخله بأن ثانوية الإمام مالك، كغيرها من الثانويات العريقة، ما زالت في حاجة إلى أبنائها لمواصلة إشعاع المدرسة العمومية وترسيخ دورها في المجتمع ودعمه. فقد كانت المدرسة العمومية بمثابة الخلاط الاجتماعي الذي انصهر فيه كافة أبناء الشعب.
واقترح الدكتور محمد حساوي، أستاذ الصوتيات بجامعة محمد الخامس، وتلميذ سابق بثانوية الإمام مالك سنة 1968، التحضير لطبعة مزيدة ومنقحة للكتاب مع إغنائها بمزيد من الصور والأسماء، وأيضا تكوين فضاء مكتباتي يضم المؤلفات والأعمال التي أنجزها هؤلاء الألوف الذين مروا بهذه الثانوية، والذين ساهموا في بناء الوطن كل من موقعه. وكان هذا المنحى ما ذهب إليه الدكتور محمد بلاجي، أستاذ بكلية آداب بن مسيك، وسابقا بثانوية الإمام مالك، الذي دعا إلى الاستمرار في عقد اللقاءات وإلقاء عروض داخل الثانوية ليستفيد منها الجيل الحالي، وتعريفهم بالتجربة السابقة، وما أعطته من نتائج إيجابية على مدى أكثر من نصف قرن. وتفاعلت مع الاقتراح الأستاذة خديجة بنرحو، المديرة الحالية لثانوية الأمام مالك، التي وعدت بتنظيم لقاء حول الكتاب في فضاء الثانوية منتصف شهر مارس المقبل.
أما الناقد السينمائي حمادي كيروم، الحاصل على الباكلوريا بثانوية الإمام مالك سنة 1970، فنوه بالمجهود المبذول في تأليف الكتاب معتبرا هذه المبادرة توثيقا لمرحلة تعليمية وتاريخية متميزة في تاريخ المغرب وكذا ردا للاعتبار لمؤسسة عريقة مرت منها فعاليات وطنية كثيرة كمثل نوبير الأموي، والمخرج مصطفى الدرقاوي والروائي الراحل محمد غرناط.
حضر هذا اللقاء، إلى جانب مجموعة من المشاركين في الكتاب وقدماء المؤسسة، الدكتور محمد السيدي، أستاذ بجامعة محمد الخامس، وتلميذ سابق بثانوية الإمام مالك، وذ. محمد عبده الراضي الذي اشتغل حارسا عاما بالمؤسسة في فترة السبعينيات ومجموعة من الفعاليات الثقافية والجمعوية.
تعليقات الزوار ( 0 )