صدر عن دار النشر أفريقيا الشرق إصدار منقح ومزيد للدكتور محمد شقير بعنوان “مركزة القرار السياسي بالمغرب”، حيث ينطلق الباحث في القسم الأول من بحثه في التسليم بخاصية معينة وهي اعتبار أن السلطة التنفيذية تلعب دورا محوريا في اتخاذ القرار السياسي، وتتجسد في نظره في المؤسسة الملكية والجهاز الحكومي.
ويعطي الباحث المؤسسة الملكية أهمية محورية إذ يقوم عليها هرم السلطة ومنها تستمد كل السلطات قوتها وحركيتها، ويضيف إليها البلاط الملكي الذي يعتبره المجال الرئيسي والحيوي لعمل الملك ومحور النظام بأكمله ومن خلاله يحكم كل المملكة .وفي هذه النقطة خصص الباحث فرعا تحدث فيه عن شخص الملك الحسن الثاني في مجال تصوره لكل من طبيعة وتصور وحوار السلطة الذي تجدها عنده على التوالي : موحدة ومشخصنة ودستورانية .أما طريقته في اتخاذ القرار فيرى الباحث أنها تتبع التسلسل التالي:
التصنيف ثم الدراسة ثم البث في القرار. بعد ذلك يتطرق للجهاز الحكومي ويعتبره جهازا تسييريا وتقنيا وليس جهازا تقريريا، مع الإشارة إلى أن الوزير الأول يمكن أن يشارك في اتخاذ بعض القرارات.
أما الوزراء فهم ينحدرون من أساس وزيري وليس وزاري أي أنهم يستمدون سلطتهم من الملك كرئيس دولة الذي له صلاحية تعيينهم أو إقالتهم.
وفي الفصل المخصص لجماعات الضغط التي تؤثر على عملية اتخاذ القرارات السياسية فقد قسمها إلى جماعات ضغط داخلية حددها في الأحزاب السياسية، وجماعات ضغط خارجي حددها في بعض الجهات الخارجية والمؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي . أما القسم الثاني من البحث ، فقد تعرض فيه الباحث إلى نوعية القرار السياسي مصنفا إياه إلى قرار سياسي مفتوح وقرار سياسي مغلق. فالقرار السياسي المغلق هو القرار الذي يتخذ من طرف اعلى سلطة سياسي بالمملكة بدون تدخل من طرف باقي الفعاليات السياسية من أحزاب وغيرها ويأخذ كنموذج قرار الإعلان عن حالة الاستثناء، أو قرار الإعلان عن المسيرة الخضراء بوصفها قرارات اتخذت بخطاب ملكي، أو وقرار إحداث المجالس الجهوية للعلماء الذي اتخذ بواسطة ظهير ملكي.
وقد عمد الباحث إلى رصد المتغيرات التي تحكمت في عملية اتخاذ هذا النوع من القرارات السياسية من دراسة و تهييئ ، وبث ، وتنفيذ. ليخلص الباحث إلى أن هذا النوع من القرارات يعكس إلى حد بعيد مركزة القرار السياسي في نظام الحكم بالمغرب . أما القرار السياسي المفتوح، في منظور الباحث، فهو ذلك القرار الذي تساهم فيه باقي القوى السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .وقد أخذ الباحث كنموذج قرارالزيادة في الأسعار بتاريخ 28 ماي 1981.
وفي ختام هذا البحث يخلص الباحث إلى أربع خلاصات : الخلاصة الأولى أن القرار السياسي ممركز بفعل وجود فاعل سياسي مركزي يحتكر سلطة اتخاذ القرار خاصة في مجلالت الإسلام/ الملكية / الوحدة الترابية . والخلاصة الثانية هي أن المؤسسة الملكية هي التي تحرك النظام السياسي المغربي بأكمله .والخلاصة الثالثة هو أن المنطق السياسي الذي يستند عليه اتخاذ القرار هو وحدة السلطة وتوزيع الصلاحيات .والخلاصة الرابعة هو تأثير العامل الخارجي الذي يطبع النسق السياسي بطابع الانفتاح والتأثر بالضغوط الخارجية.
وبالتالي، يعتبر هذا العمل الأكاديمي غير مطروق نظرا لخلو الأرشيف الأكاديمي المغربي من كتابات حول هذه الظاهرة التي يتناولها هذا البحث ؛ إذ لا نجد، رغم تعدد الجامعات بالمغرب وانتشار تدريس العلوم السياسية ، أي أطروحة أو دراسة أكاديمية تتناول عملية اتخاذ القرار السياسي في النظام المغربي كما تكمن أهمية هذا البحث في محاولته رصد النظام السياسي بالمغرب من خلال منظور يشدد على مظاهر «حركية» النظام بدل الاكتفاء فقط بالاهتمام بالمظاهر «الاستاتيكية» فيه الشيء التي تحفل به أغلب الكتابات التي لا تهتم إلا ببعض النواحي القانونية أو الدستورانية في النظام السياسي بالمغرب . كما أن تناول هذا الموضوع قد يساهم في دراسة نظام سياسي له إرثه التاريخي وأصالته التنظيمية وخصوصيته السياسية مثل النظام السياسي المغربي، من زاوية جديدة تلامس المؤسسات السياسية المركزية لهذا النظام وعلى رأسها المؤسسة الملكية من الداخل.
تعليقات الزوار ( 0 )