Share
  • Link copied

إستراتيجية الزر الأحمر لاختراق “حزب الله”: هل صنع الموساد أجهزة بيجر المفخخة في إسرائيل؟ ولماذا ورّطَ شركات وأفراداً أوروبيين؟

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً، أعده غريغ ميلر وكيت براون ولافداي موريس وشيرا روبن وجون سوين، قالوا فيه إن تفجيرات أجهزة النداء/بيجر، واللاسلكي/ووكي توكي في لبنان، الأسبوع الماضي، تعتبر تتويجاً لجهود الموساد في محاولات اختراق “حزب الله”، وإنشاء شركات وهمية في أوروبا.

فقد أصبحت القطع المحترقة من أجهزة بيجر جزءاً من أدلة عن جهد معقد استمر عقداً من الزمان قامت به إسرائيل لاختراق الجماعة اللبنانية المسلحة، حسب قول مسؤولين أمنيين غربيين وإسرائيليين، حاليين وسابقين.

وتركت العلامات على القطع المتناثرة من الأجهزة أثراً يقودنا عبر مصنع في تايوان، إلى شركة وهمية مجرية يشتبه في أن المخابرات الإسرائيلية أنشأتها، أو استغلتها، لإخفاء دورها المزعوم في تسليم الأجهزة المجهزة بشكل قاتل إلى “حزب الله”. كما قام مسؤولون أمنيون في عاصمة أوروبية أخرى بالتحقيق في ما إذا كانت شركة وهمية ثانية هناك هي البائع الحقيقي وراء صفقة أجهزة بيجر.

ووصف مسؤولون حاليون وسابقون أن العملية الأخيرة كانت جزءاً من جهود طويلة ومتعددة قامت بها إسرائيل، وعلى مدى عقود، لتطوير ما وصفه مسؤولون إسرائيليون بقدرات “الزر الأحمر”، أو ما يعني الاختراق المدمر لعدو، ويبقى ساكناً لأشهر، إن لم يكن لسنوات، قبل تفعيله.

ويظل السبب وراء تفعيل الزر هذا، في الأسبوع الماضي، غامضاً، مع أن خبراء تحدثوا عن مخاوف إسرائيلية من اكتشاف “حزب الله” مشاكل في أجهزة بيجر. وهجمات كهذه عادة ما تكون بداية لهجوم عسكري شامل، حسب قول مسؤولين، فمن خلال خلق الفوضى تقوم إسرائيل بتوجيه ضربتها القاتلة.

فقد قتل الهجوم الأول، يوم الثلاثاء، 12 شخصاً، من بينهم مقاتلون لـ “حزب الله”، ومدنيون، وجرح أكثر من 2,800، حسب وزارة الصحة اللبنانية.

وفي يوم الأربعاء، أدى تفجير ووكي توكي إلى مقتل 25 شخصاً، وجرح أكثر من 450 آخرين، فيما قتلت غارة على الضاحية الجنوبية أكثر من 37 شخصاً، من بينهم قيادات في “حزب الله”، وعدد من المدنيين.

مسؤول ثانٍ سابق في الاستخبارات الإسرائيلية إن الانفجارات كانت تتويجاً لاستثمارات استمرت لسنوات طويلة في اختراق هياكل الاتصالات والخدمات اللوجستية والمشتريات لـ “حزب الله”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن “الزر الأحمر” هو “مفهوم لشيء يمكنك استخدامه عندما تريد أو تحتاج إليه”. وأضاف المسؤول أن تفجير الأجهزة، هذا الأسبوع، “لم يكن جزءاً من الخطة الشاملة” التي تم تصورها عندما بدأت العملية، رغم أنه أكد أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن ذلك كان له تأثير كبير.

وقال المسؤول السابق: “اُنظر إلى النتيجة”، في إشارة إلى الانفجارات التي أصابت أو قتلت القادة، وملأت المستشفيات، وجعلت عناصر الحزب غير قادرين على استخدام أو الثقة في معدات الاتصالات الأساسية.

وأضاف المسؤول أنه قبل وقت طويل من تعبئة أجهزة بيجر بالمتفجرات، كانت وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، الموساد، وغيرها من الأجهزة، قد طورت رؤية شاملة “لما يحتاجه “حزب الله”، وما هي ثغراته، والشركات الوهمية التي يعمل معها، وأين توجد، ومن هي جهات الاتصال”.

وأضاف المسؤول السابق أنه بعد تشكيل صورة عن تلك الشبكات “أنت بحاجة لأن تقيم بنى تحتية من الشركات والتي تقوم ببيع بضائعها لأخرى، ولأخرى”، وكلّها تخفي صلتها بإسرائيل، وتتحرك نحو وكلاء المشتريات التابعين لـ “حزب الله”، الذين يعتمدون على شركات وهمية خاصة بهم.

وتشير السجلات الرسمية الضئيلة للشركات الأوروبية المرتبطة بأجهزة بيجر إلى مؤسسين ليس لديهم خلفية واضحة كموردين لمعدات الاتصالات، أو ارتباط واضح بالحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي يترك مجالاً للشك في ما إذا كانوا على علم بالأدوار التي ربما لعبتها شركاتهم في الهجوم على “حزب الله”. ووصف أفرادٌ الهجوم على “حزب الله”، الذي ترك أفراداً جرحى في المستشفيات، وآخرون يحاولون فهم ما حدث بأنه فشلٌ ذريع.

وتساءل أحد الأفراد: “لماذا لم يفحص حزب الله الشحنة التي وصلت”، وبخاصة أن لديهم القدرات الفنية لمعرفة إن كانت الأجهزة هذه مفخخة أم لا، و”لماذا لم يكتشفوا الاختراق؟”.

ولا تزال التفاصيل حول العملية غير معروفة، بما في ذلك إمكانية اعتراض أو تخريب الشحنة للبيجر، أو ما إذا كانت قد نفّذت مخططاً قامت فيه أجهزة استخباراتية إسرائيلية بتصنيع، أو تجميع أجهزة محملة بالمتفجرات. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، الأسبوع الماضي، أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قامت بتصنيع هذه الأجهزة، وأنشأت شركات وهمية لخداع “حزب الله”.

وقال مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون إنهم ما زالوا يجمعون التفاصيل. فيما يفترض العديد من المسؤولين، وإن لم يتأكدوا بعد، أن العمل على تركيب المتفجرات داخل أجهزة بيجر تم في إسرائيل، لتجنّب مخاطر الكشف أو التعرض لحادث على أرض أجنبية.

ورغم تعبير عدد منهم عن اندهاشهم من تعقيد العملية، إلا أنهم شكّكوا في أهميتها الإستراتيجية.

وقال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق إن قرار إسرائيل بتجهيز الأجهزة بالمتفجرات بدلاً من معدّات التجسس المتطورة يعكس “العقلية الهجومية” لدى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي تعطي الأولوية لعروض القوة الحركية التي قد لا تحقق أهداف إسرائيل الأوسع في صراع إقليمي متصاعد.

ودافع آخرون عنها قائلين إنها ضربة لمراكز القيادة والتحكّم لدى “حزب الله”. وبحسب  قائد البحرية الإسرائيلية السابق إيال بينكو، فالعملية أربكت “حزب الله”، ويحتاج نصر الله لوقت طويل كي يعيد ترتيب قيادته.

وربط توماس ريد، مدير معهد البروفيتش لدراسات الأمن الإلكتروني بجامعة جونز هوبكنز، العملية الإسرائيلية بعمليات الولايات المتحدة ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. فقد تمكّنت وكالات الاستخبارات الأمريكية والألمانية سراً من السيطرة على شركة مقرها سويسرا، وهي شركة كريبتو إيه جي، والتي باعت معدات اتصالات مزورة لعشرات الحكومات الأجنبية.

وتضمنت العمليتان هدفاً استخباراتياً دائماً يتمثل في اختراق سلاسل التوريد للعدو. كما استشهد الخبراء بالهجوم الذي أطلق عليه اسم “ستكسنت”، والذي تعاونت فيه إسرائيل والولايات المتحدة على ضرب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ببرمجيات خبيثة مدمرة.

وقال مسؤولون وخبراء إن قضية أجهزة بيجر تثير تساؤلات أخلاقية جديدة، لأن هدفها، على الأقل جزئياً، كان القتل والتشويه، بالإضافة إلى التخريب، أو الحصول على معلومات استخباراتية.

وقال رالف غوف، وهو مسؤول سابق بارز في “سي أي إيه” وخدم في الشرق الأوسط، إنه لو كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بعملية بيحر، نظراً لطبيعتها الواسعة النطاق، فإن المسؤولين “كانوا ليصابوا بالذعر، ولاستغلّوا كل وسيلة ممكنة لمنعهم من القيام بذلك”. لكن مسؤولاً إسرائيلياً سابقاً قال إن الهجوم “أصاب بدقة الأشخاص الذين كانوا بحاجة للاستهداف”.

 وإذا تم تأكيد دور إسرائيل بالتخطيط وتنفيذ العملية، فستواجه أسئلة عن سبب اختيارها دولاً أوروبية، وربما استغلال أفراد، بما في ذلك أصحاب واجهات تجارية، الذين ربما لم يفهموا عواقب أدوارهم المزعومة لتوقيع عقود لتزويد أجهزة بيجر لجهة ما.

ويقول غافين وايلد، المسؤول السابق في البيت الأبيض، والخبير بالأمن السيبراني، في وقفية كارنيغي للسلام الدولي: “هناك الكثير من الشركات الوهمية والشخصيات الوهمية. ولو كان هناك  ضحايا حقيقيون، فسوف يضطرون إلى العيش في خوف بقية حياتهم لأن “حزب الله” لن يصدق ذلك [حتى لو لم يكونوا على علم بالمؤامرة]”.

ومع تجميع قطع البيجر المتناثرة، بدأت تطفو سلسلة من الكيانات التجارية على السطح، وقد تم تمييز الألواح الخلفية لأجهزة بيجر بمعلومات العلامة التجارية والطراز المرتبطة بشركة تصنيع تايوانية، وهي شركة أبولو غولد، التي لا تزال مورداً رئيسياً للأجهزة التي كانت منتشرة على نطاق واسع في التسعينيات، ولكن منذ ذلك الحين تم استبدالها إلى حد كبير بالهواتف المحمولة.

ويقال إن “حزب الله” لجأ إلى استخدام أجهزة النداء لأنه يعتقد أن القيود التكنولوجية المنخفضة تجعلها أقل عرضة للاختراق من قبل المخابرات الإسرائيلية.

ورد مسؤولون في الشركة التايوانية، والذين واجهوا طوفاناً من التحريات، إن الشركة لم تصمم أو تصنع الأجهزة التي يتداولها “حزب الله”، وإنها أنتجت بموجب اتفاقية ترخيص مع شركة بي إي سي للاتصالات كي أف تي. ولا أحد يعرف الطبيعة الحقيقية لعمل شركة بي إي سي.

وبحسب الوثائق المجرية، فقد تم تسجيلها في أيار/مايو 2022، ولديها 118 نشاطاً تجارياً، بما في ذلك نشر كتب وتوزيع أفلام وتصنيع زيت ودهون ومجوهرات مقلدة. ويروج موقع الشركة على الإنترنت، الذي تم تعطيله منذ هجوم يوم الثلاثاء، لمجموعة واسعة النطاق من الخدمات، حيث يقدم المشورة الاستشارية في كل شيء، من الاستثمار في التأثير الاجتماعي، إلى حلول إدارة النفايات.

وبحسب سجل الشركة، فإن مديرتها هي كريستيانا بارسوني أرشيدياكونو ( 49 عاماً)، والتي لم ترد على محاولات الصحيفة المتعددة، وفي رد موجز من والدتها على  “أسوشيتد برس”، يوم الجمعة، قالت إن ابنتها باتت تحت حماية الأمن المجري. لكن مسؤول أمن مجري أكد أن شركة إي بي سي هي شركة وهمية ومتورطة في توصيل بيجر إلى “حزب الله”.

وقال المسؤول إن الأجهزة “لم تصل قط إلى المجر”، إلا أن هوية بي إي سي استخدمت لخداع “حزب الله”، مع أنه ليس من الواضح إن كانت مديرتها “متورطة، أو لديها معرفة عميقة” بالعملية.

وفي يوم الأربعاء، داهمت شرطة تايوان مكتب بي إي سي بالعاصمة تايبيه، وكشفت عن سجلات شحن من أبولو غولد إلى المجر، عام 2022، وتم الكشف عن عقد تجاري آخر يظهر حصول الشركة في العاصمة التايوانية على 15 دولاراً عن كل جهاز بيجر بيع إلى بي إي سي.

وفي نفس الوقت، قامت أجهزة الأمن البلغارية بالتحقيق في شركة ثانية، وهي شركة نورتا غلوبال المحدودة في صوفيا. وذلك في أعقاب تقرير إعلامي، يوم الأربعاء، يفيد بأن الشركة باعت وسلّمت أجهزة بيجر المتفجرة إلى “حزب الله”. وقد نسب موقع تليكس الإخباري المجري هذه المعلومات إلى مصادر مجهولة.

وأصدرت وكالة الأمن القومي البلغارية بياناً، يوم الجمعة، قالت فيه إنها “أثبتت، بما لا يدع مجالًا للشك”، أنه لم يتم “استيراد أو تصدير أو تصنيع أي أجهزة اتصالات تم تفجيرها في لبنان أ سوريا في بلغاريا”.

ومع ذلك، لم يستبعد البيان وجود صلة بين شركة نورتا غلوبال وبيع بيجر لـ “حزب الله”، وقال فقط إن الشركة “لم تنفذ معاملات في داخل الاختصاص القانوني في بلغاريا”.

وبحسب السجلات البلغارية، فمالك شركة نورتا غلوبال هو النرويجي البالغ من العمر 39 عاماً رينسون خوسيه، وهو مولود في الهند، وأسسها في نيسان/أبريل 2022 لإدارة المشاريع التكنولوجية. وحصلت الشركة خلال 2022 و 2023 على إيرادات تزيد عن 1.5 مليون دولار، وفقاً للتقارير المالية المقدمة إلى السلطات البلغارية.

وخلال تلك الفترة، كان خوسيه يعمل بدوام كامل في شركة إعلامية مقرها أوسلو، وفقاً لسيرته الذاتية على الإنترنت. وفي مقابلة قصيرة، لم يرد محاسب شركة نورتا غلوبال على أسئلة حول ما إذا كانت الشركة لها صلات بإسرائيل.

ووجه المحاسب ديميتار داسكالوف صحيفة “واشنطن بوست” إلى بيان الأجهزة الأمنية.

ولخوسيه ملف تعريف على شبكة فاوندرز نيشن على الإنترنت، التي تنشر روابط لمنظمات عاملة أو توقفت على علاقة مع الجيش الإسرائيلي.

وقال غاي فرانكلين، الذي تم تحديده بأنه واحد من مؤسسي الموقع، إنه لم يسمع قط عن خوسيه أو نورتا غلوبال، وإنه لا يعتقد أن حكومة إسرائيل قدمت أي تمويل له من خلال فاوندرز نيشن.

وقال في رسالة نصية: “في عالم التكنولوجيا، تريد أن يكون لديك أكبر عدد ممكن من الشعارات على منصتك لإظهار أنك تحظى بدعم (ليس من الناحية المالية) من العديد من الكيانات”.

ولم يرد خوسيه على مكالمات ورسائل “واشنطن بوست”.

وقال صديق له في أوسلو، بيبين بهسكاران، إنه وشقيق خوسيه لم يتمكّنا أيضاً من الوصول إلى خوسيه. وسافَرَ الأخير إلى بوسطن، يوم الثلاثاء، وظلَّ في الولايات المتحدة حتى يوم الجمعة، وفقاً لسجلات الحكومة الأمريكية. وكان هناك لحضور مؤتمر تكنولوجي، وفقاً لمصدر مطلع على خططه، إلى جانب تقرير لموقع “في جي” الإخباري النرويجي. وقال أحد منظمي المؤتمر، الذي ترعاه “هاب سيوت” للبرمجيات، إن خوسيه لم يأخذ بطاقة الحضور التي أعدت له من أجل المشاركة في المؤتمر.

وباءت محاولات الوصول إليه في أكثر من 30 فندقاً مدرجاً على موقع المؤتمر بالفشل.

Share
  • Link copied
المقال التالي