شهدت العديد من المدن المغربية، مؤخرا، العديد من الوقفات الاحتجاجية، المندّدة باستمرار موجة غلاء الأسعار، التي بدأت قبل أكثر من سنة، بزيوت المائدة، قبل أن تمتد للمحروقات، ثم بقية المواد الاستهلاكية.
وعرفت كل من تطوان وطنجة، والرباط والدار البيضاء ومكناس، إضافة لمراكش وأكادير، خروج المئات من المواطنين للتظاهر، تنديداً بالأوضاع الاجتماعية “المزرية” واستشراء الريع والتهميش، وغلاء المعيشة. ورفعوا لافتات تدين عجز الحكومة عن مواجهة الأزمة وتطالب بإجراءات جدية لإنقاذ القدرة الشرائية للمواطنين.
وكانت الجبهة الاجتماعية، التي تضم أكثر من ثلاثين تنظيما حقوقيا ونقابيا وسياسيا، قد دعت للتظاهر ضد غلاء المعيشة، تزامنا مع ذكرى احتجاجات 20 فبراير. وجاء في بيان صادر عن الجبهة أن “الأوضاع المعيشية تفاقمت نتيجة غلاء أسعار المحروقات وكل المواد الأساسية لدرجة غير مسبوقة في تاريخ المغرب، وسط غياب أي إجراء حكومي من شأنه أن يخفف من وطأة المعاناة التي تعيشها الأسر المغربية”.
وسجلت الأسواق المغربية، على مدى الأشهر القليلة الماضية، ارتفاعا كبيرا في أسعار، بدأت بزيوت المادة، أواخر 2021، قبل أن يزداد سعر الوقود، في شهر مارس من 2022، لتليه المواد الغذائية الأخرى، من خضر وفواكه ولحوم ودواجن وأسماك وبيض وزيوت وغيرها.
وطالب المحتجون الحكومة بالتدخل للحد من ارتفاع الأسعار، وحماية الوضع المعيشي للفئات الهشة والمعوزة من المواطنين. ورفعوا شعارات تنتقد تجاهل الحكومة الحد من انتشار الريع ووقف الامتيازات وقطع دابر الفساد المالي. كما طالبت لافتات أخرى بإطلاق سراح صحافيين ومدونين ونشطاء رهن الاعتقال منذ مدد طويلة بسبب أرائهم.
وطبقا لإحصائيات رسمية تمكن المغرب منذ سنوات، كونه بلدا زراعيا، من تغطية نسبة 100% من احتياجاته من الخضر والفواكه. كما أنه يتمتع بثروة سمكية كبيرة جعلت منه أحد كبار المصدرين الرئيسيين في العالم لسمك “السردين”. وتشير تلك الأرقام إلى أن ثروة الصيد البحري في المغرب تشمل أكثر من 500 نوع من السمك، وهو ما يضع المغرب في المرتبة الأولى إفريقياً والثالثة عشرة عالمياً، من حيث حجم إنتاج الأسماك.
ومع ذلك ظلت أسعار هذه المواد الغذائية والمنتجات الزراعية الأغلى في السوق المغربية مقارنة بأسواق الدول المغاربية الأخرى. فما السبب وراء ارتفاع الأسعار في الأسواق الداخلية.؟
موجة البرد والتصدير
عزت الحكومة المغربية هذا الارتفاع لقلة الأمطار في الموسم الماضي وارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة واستمرار موجة البرد، طبقا لتصريحات لرئيس الحكومة عزيز أخنوش. وتسوق الحكومة ضمن تبريراتها تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.
إلا أن جمعيات إنتاج وتصدير الفواكه والخضر تقول إن السبب الرئيسي هو تزايد الطلب الأوروبي والبريطاني على بعض المنتجات الزراعية المغربية مثل الطماطم. ونتيجة ارتفاع صادرات الطماطم المغربية ارتفع سعرها في السوق الداخلية الى 1.20 دولارا أمريكيا للكيلو الواحد وأصبحت خارج متناول الطبقة الفقيرة وجزء من المتوسطة.
وقبل أن يقفز سعر الطماطم من سعره العادي 0.38 دولار للكيلو، نددت المعارضة في البرلمان باستمرار ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وطالبت وزير الفلاحة بضمانات الحفاظ على الأمن الغذائي للمغاربة. فرد عليها الوزير محمد صديقي حينها، بالقول إن “الحكومة تبذل قصارى جهدها لخفض أسعار الخضراوات” وذكر الوزير أنه أبرم اتفاقا مع المنتجين لإعطاء أولوية للسوق المحلية بدل التصدير”.
ارتفاع مستمر للأسعار.. مضاربون وسماسرة
غير أن أسعار الطماطم وغيرها من المنتجات الغذائية من بطاطس وبصل وجزر وزيت زيتون – وهي التي تشكل الغذاء الأساسي للطبقات الاجتماعية الهشة – لم تقف عن حد ما كان يتصوره الوزير. فاستمرت الشركات المصدرة للخضر والفواكه في بيع منتجاتها لاوروبا وافريقيا ضاربة عرض الحائط بالامن الغذائي لعموم المغاربة. وأصبح التصدير يشكل أولوية على الاستهلاك الداخلي، في وقت ارتفع فيه الطلب الاوروبي على المنتجات المغربية.
وإضافة إلى توجيه حصة كبيرة من الانتاج الوطني لاسواق اوروبا، يقول منتقدو الحكومة المغربية انها تغض الطرف في ارتفاع الأسعار عن المضاربين والسماسرة والوسطاء المنتشرين بالأسواق متجاهلة اختلالات سلسلة التوزيع. ويقول مهنيون في قطاع الزراعة إن المضاربين والمحتكرين في المغرب يستفيدون من ضعف مراقبة الأسعار من طرف الأجهزة الرقابية الحكومة سواء على المستوى المركزي أو المحلي.
وفي غياب نقاش حقيقي في البرلمان أو على وسائل الاعلام الرسمية حول أسباب الوضع المعيشي الصعب الذي تواجهه فئات واسعة من المجتمع المغربي، يحذر المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أن ضائقة الوضع المعيشي لم تعد تحتمل وأن تبريرات مثل الجفاف والبرد وغلاء البذور والمحروقات لم تعد مقبولة وأن على الحكومة ورئيسها أن يجدا حلا لمعضلة ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق.
(عن البي بي سي عربية بتصرف)
تعليقات الزوار ( 0 )