شارك المقال
  • تم النسخ

صُوصي عَلوي: أَمريكا في عهدِ ترامب كانت أكثَر أمناً لمواطِنيها وأقلَّ بطْشا بالعَالم

يَرى أمين صُوصي العلوي، الباحث في مجال البُروباغندا التطبيقية، أنّ ما يجعل بعض مغاربة الداخل والخارج ينْتشون بسقوط الظاهرة “التّرامبية”، وفوز جو بايدن، الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة الأمريكية، رَاجع بالأساس إلى أنّ بعض الفئات من المُجتمع المغربي يستهلك بروباغندا تيار الإخوان المسلمين التي تبُث بشكل مكثف وواسع على وسائل إعلام قطرية و تركية.

وقال الصوصي، في هذا الحوار مع جريدة “بناصا” الإلكترونية. إنّ التيارات المتطرفة مثل الإخوان المسلمين وكذلك تيار آخر يُعرف عند أهل الاختصاص بتيار “السرورية” وهم فرقة من الإخوان المسلمين تدّعي أنها سلفية، سارعوا للانتشاء بخبر فوز بايدن وإنْ كان ليس فوزا رسمياً الى حد الساعة.

لكن المنتمين للمدرسة السلفية الحقيقية وهي معروفة عند بعض المغاربة بــ”السلفية الوطنية” وتُنسب للعلم والاعتدال، لم يستبشروا بقدوم بايدن لأنه يُعَدُّ امتداد لخط أوباما الذي دعم الثورات والفوضى وحرّض على الحُكومات العربية.

وأضاف، الباحث في مجال البروباغندا التطبيقية، أنّ أمريكا في عهد ترامب كانت أكثر أمناً لمواطنيها وأقلَّ بطشا بالعالم، لأنّ الإرهاب والجريمة تراجعا في عصره، كما أنّ أمريكا توقفت عن التدخل في شؤونِ الدول.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما الذي يجعل السَّلفيين والإخوان المُسلمين بصفة خاصة يستبشرون بسقوط دونالد ترامب، ويضعون أحلامهم على جناحِ بايدن؟

لا أعتقد بأنّ سلفيّي المغرب فرحوا أو استبشروا بفوز بايدن، وهنا يجب التَفريق بين السّلفيين الحقيقيين، وبين التيّار الإخواني الذي يدّعي السَّلفية، وهو في حقيقته تيّار يُعرف بـ “السرورية”، وهذا التيّار هو تيّار إخواني رفع شعار السلفية وهو لا يمت لها بصلة، لذلك يقع خلط عند العامة بين التيّارينْ.

فالتيّار السروري يُعادي الحكومات ويخرج في المظاهرات والثورات، في حين أنّ التيار السلفي الحقيقي يقف ضد الثورات وضد الخروج عن الحُكام، تلك هي أبرز العلامات الفارقة بين التيّارين، فالسروريون هم تيار إخواني رفع شعار السلفية لكي يكون مقبولا عند تيّارات عريضة من الناس، لأن السّلفية معروفة في تاريخ المغرب بالوطنية والاعتناء بالعلم وتقدير أهله.

المغرب لديه سّلفية أصيلة، تُعرف عند المغاربة بالسلفية الوطنية، وتاريخ المغرب مُتصالح مع هذا المنهج، وقد عُرف بموالاته لسلاطين المغرب ومقاومته للاستعمار وتوجهه الإصلاحي ومحاربته للخُرافة، وهناك أسماء ورموز أصيلة للسلفية، نذكر منها الشيخ أبي شعيب الدكالي، محمد بن العربي العلوي الملقب الشيخ الاسلام، وقد شغل منصبا وزاريا، والشيخ تقي الدين الهلالي، والمُختار السوسي، كما انتمى إليها رموز سياسية مثل علال الفاسي.

حري بالذكر أنّ هذا التيار يُذكر في كتب الفقهاء بأهل الأثر وأهل الحديث، وهو تيار ملتزم بالسنة وتفسير النص كما فسره السلف الصالح من القرون الثلاثة ويختلف بذلك عن الفُرق الكلامية التي تأثرت بالفلسفة و الجدل السفسطائي.

في أمور الحكم، التيار السلفي بالمغرب هو تيار ضد الثورات والفوضى والصِدام مع ولاة الأمور ويعتني بالإصلاح العقدي ويهتم بالسُّنة على عكس تيار الإخوان المسلمين الذي ظهر في القرن السابق، وله أتباع كثر، غايته الوصول للسلطة عبر الصدام مع الحكومات وتهيّيج الجماهير بشعارات ثورية مغلفة بالمظلومية الحقوقية وتشدد ديني يُكفر الحكام بحجة عدم تطبيقهم للشريعة.

وإذا عدنا إلى الأصوات التي فَرِحت بفوز بايدن نجدها قد فرحت لسبب بسيط، هو أنّ هذا التيار الإخواني تعاون مع الإدارة الأمريكية أيام أوباما لإسقاط الأنظمة، وساهم في الثورات وقد استغلته الخارجية الأمريكية أيامها بشكل واضح وصريح لتحقيق مشروع “الفوضى الخلاَّقة”، وهو مشروع يبتغي تقسيم المنطقة العربية بعد أن يتم إسقاط الحكومات عبر الثورات والفوضى الشعبية من أجل إعادة رسم الخرائط بما تشتهيه مُخططات المُستشرقين التابعين للوبي معروف في أمريكا مع تيار “المحافظين الجدد”، وهو تيار مسيطر على غالبية مفاتيح القرار.

وقد كان خطاب أوباما الشهير في القاهرة عام 2009 بمثابة “صَّفارة” الإنطلاق لما عُرف آنذاك بثورات “الربيع العربي”، التي دمرت الأخضر واليابس.

ومع قدوم ترامب تغيرت الكثير من المُعطيات، أهمها أنه قلَّمَ أظافر هذا التيّار المتطرف والتيارات المتطرفة التي تعاونت معه داخل العالم العربي. وغيّر السياسات الخارجية للولايات المتحدة الامريكية التي كانت تمارس التدخل الفج في شؤون الدول الأخرى، وأعادها إلى مبدأ “مونرو”، الذي يقتضي عدم التدخل خارج الحدود.

الإخوان المسلمون يَحّنون إلى عهد أوباما ويَظُنون أنّ بايدن سيُعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وسيُمكنهم من العودة إلى تجيّيش الشارع وتحريضه، وتحقيق ما يُسمونه بالموجة الثانية من “الربيع العربي”.

بينما السلفيين الذين ينتمون إلى التيار المخالف لهم، الموالون للحكام يتوجسون من فوز بايدن، ويُفضلون ترامب ليس حبّاً فيه إنما خوفا على بلدانهم من الفوضى وعدم الاستقرار.

كتبتَ في إحدى تدويناتك، بأنّ أمريكا في عهد دونالد ترامب كانت أكثر أمناً لمواطنيها واقل بطشا بالعالم، هل هذا يعني بأنّ أمريكا في عهد جو بايدن ستكون أقل أمناً وأكثر بطشا بالعالم؟

بالفعل، أمريكا في عهد ترامب كانت أكثر أمناً لمواطنيها، بحيث قلَّ الإرهاب والإجرام، وبالنسبة للعالم أيضا، فأمريكا توقفت عن التدخلِ في الشؤون الخارجية وسحبت جيشها في الكثير من المناطق العربية ولم تتدخل في شؤون العرب أو العالم، بل اختارت أن تُدافع عن مصالح أمريكا فقط، وألاّ ترفع شعارات “حقوقاوية” تجعل منها قاضياً و مُحققاً وحَكماً وخصماً للدول التي تريد تخريبها.

أمريكا في عهد ترامب اختارت أن تتّخد موقف الدولة القوية، وأنْ تحافظ على أمنها ومصالحها القومية، فقط بخلاف السياسات السابقة التي سيطر عليها تيار المحافظون الجدد، المتغلغل سواء في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

فالحكومات المتعاقبة في السابق، كحكومة بوش الأب وقبله ريغن وبعدهم كلينتون وأوباما، كلهم متورطون في التدخل في مناطق كثيرة من العالم وبحججَ مُختلفة، مثل الدفاع عن الأمن القومي تارة والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات تارة أخرى. بايدن كان أحد المُهندسين القدماء لهاته السياسات العنيفة إلى جانب بريجنسكي وكيسنجر وكان داعما للحروب التي خاضها الديمقراطيون والجمهوريون مثل غزو العراق عام 2003.

وبالتالي، نتوقع أن يُحاول إحياء ما عطّله ترامب وإعادة أمريكا إلى الميكافيلية السياسية (real politic )، وتغليب مصالح النيوليبرالية.

كما سيرجع للتعاون مع الاخوان المسلمين كما فعل أوباما أملا في قلب الأنظمة في المنطقة العربية، ليس حبا في الإخوان المسلمين، ولكن لأنهم شكلوا أداة لتجييش الشارع، وخلق واقع صِدامي داخل المنطقة، يفرز الإرهاب و يحقق مشروع “الفوضى الخلاقة” التي تُمَكِّن لإسرائيل من استمرارية المظلومية، لأن وجود حدود تديرها قوانين مستقرة، وتؤطرها مواثيق دولية مع دول الطوق يمنعها من استمرار سياساتها التوسعية.

في حين، إذا سقطت الأنظمة، وظهرت الفوضى، فسيكون لإسرائيل أكثر من ذريعة للتوسع على حساب جيرانها بحجة الدفاع عن أمنها القومي، لذلك فالإخوان المسلمون، هم الأداة “الطيعة” لتحقيق ذلك.

لكن هذه الطموحات لن تكون سهلة التحقيق لأن بايدن رغم خبرته السياسية سيجد عوائق جديدة على أرض الواقع بخلاف الفترة التي أتى فيها أوباما.

أولها أن الدول العربية تعلمت الدرس وتلقت التطعيم عبر الثورات الاولى التي كانت بمثابة لقاح لمواجهة الفوضى ورؤوسها، وطورت إلى حد ما من أساليب دفاعها، وأصبحت أكثر دقة في التعرف على أعدائها الجدد وطرق التعامل معهم.

ما الذي يجعلُ بعض مغاربة الداخل والخارج يسْعدون بفوز بايدنْ؟

العديد من المغاربة، للأسف، يستهلكون ما تُقدمه وسائل إعلام مقربة من تيّار الإخوان المسلمين، منهم قناة الجزيرة القطرية، وقنوات تركيا التي تدعم الهجوم الإعلامي الشّرسَ ضد ترامب لأنه حرمهم من أحلامهم في التوسع، طبعا ترامب ليس هو أول من بدأ في اجتثاث هذا التيار، ولكنه سهّل على العديد من الدول العربية اتخاذ قرارات كُبرى تجاه محاولات هز الاستقرار. كما أنه حَمَاها من تدخل أمريكي في ملفات مختلفة كادت أن تتحول إلى كوارث أخرى تمسُّ دُوَلنا في تلك الفترة.

للأسف الاستهلاك الدائم للمواد الإعلامية من تلك القنوات، أقنع الرأي العام بمغالطات نشرت حول سياسات ترامب، وبعكس ما يشاع فان ترامب كان أفضل رؤساء أمريكا بالنسبة لمصالح العرب. فالمغرب مثلا في عهده جنى الكثير من المصالح، حيث خفَّ عليه الضغط الأممي والأمريكي في ملفات داخلية، بينما في عهد أوباما كانت هناك أزمة في 2016، حين تحرشت إدارة أوباما بالمغرب عبر تقارير تُهاجم المؤسسات الرسمية في حقوق الإنسان وفي قضية الصّحراء.

أما في أيام ترامب فقد حقّق المغرب إنجازات دبلوماسية بحيث استطاع في هذا المناخ أن يفرض قواعد جديدة و أنْ يقدم على ما يمكن أن نسميه بدبلوماسية القنصليات بدعم إفريقي وعربي ناجح، دون قلق من التدخل الأمريكي. كما لم تسجل أي أزمات بين الدولتين بخصوص ملفات حقوق الإنسان بل طبعت المرحلة عقد اتفاقيات مهمة على رأسها اتفاقية عسكرية طويلة الأمد.

هناك جزء من الرأي العام المغربي لم يستطع رؤية كل هذه الإيجابيات بسبب التعتيم الإعلامي المُعادي، لكن جزء آخر من المغاربة يَعي اللعبة ويدرك أبعاد التدخل الأمريكي في المنطقة وخطورة نفخه في الثورات.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي