من روائع الساخر الراحل جلال عامر: حديثه عن قصة الحاج عبد المقصود، وهو نموذج لشخصية مصرية عابرة للحدود والقارات، فلا يخلو وطن عربي من وجود الحاج عبد المقصود وسلالته المتحوّرة داخل أجهزة الدولة و مؤسساتها التمثيلية، وخير دليل على ذالك نجد ظاهرة الحاج عبدالمقصود هنا وهناك على رأس قطاع التعليم والصحة والسكن والتشغيل، له حساسية لمفهوم الحوار والتواصل ويعشق التعاقد وتفعيل الاقتطاع والإحالة على التقاعد، لا يبدو على حقيقته إلا بعد سقوط القناع في حالة الاستحقاق الموسمي لانتزاع الصفات الوهمية والكراسي الأفقية والعمودية في المدن والجهات وصولا إلى التشكيلة الحكومية، إنها شخصية الحاج عبد المقصود. إلا أن عبدالمقصود المغربي يختلف عن عبدالمقصود المصري، لِما يحظى به من أصل و فصل و مَجدٍ وقُدرَة على التّشبيك وتكسير همّة الناس وكبريائهم ومروءتهم ويدّعي امتلاكه اليد الطُّولى في الولوج إلى المنظومات واختراق التشكيلات والهياكل والبنيات بدون استشارة أو استئذان تحت عنوان: إفعلُوا ما تُأمرون..لَنَا المَجدُ و إنّا هَا هُنا قَاعِدون..!!
وحسب الراوي فإنك عندما ترى سماحة وجه الحاج عبد المقصود (العابر للحدود) تتأكد أن الفساد موجود ومشهود له في كل الأجهزة والدوائر … وتؤمن بالآية الكريمة “ظهر الفساد في البر والبحر…”…
بدأت ظاهرة الحاج عبد المقصود كَمُوظَّف مُرتَشِي في السجل المدني يُغَيِّر طبيعة الوظيفة وتاريخ الميلاد ويُحْيِي و يُمِيت على الورق من يشاء و من يُرِيد (إِنَّه نُمْرُودُ زمَانِه)، عِلاوة على ذلك فهو يساعد أيضاً في حل أزمة الإسكان لأنه يستثمر في العقار من رأسمال الرشوة ويدَّعِي البناء والتعمير والإصلاح، و لا أحد له درايَة بِسِرِّ العلاقة الأزلية بين الإسكان والرشوة… توجهت إليه (يقول جلال عامر) يوماً لِأُدَوِّن في البطاقة العائلية مولودة جديدة، فطلب منِّي الحاج عبد المقصود بأدب وعن قصد، خمسون جُنَيْهٍ رشوة. حاولت أن أستفسِر وأُناقشه فقال:”هي كذالك: مائة جنيه للولد وخمسون للبنت، لِ الذَّكر مثلُ حظِّ الأُنثيين”… تَظاهرتُ بالمُوافَقة وبعد أن دَوَّن إسم البنت في البطاقة نَاوَلتُه عشرة جنيهات فأحس الحاج عبد المقصود بالغدر و أمسك بيدي بقوة وصرخ:
“أيُّها الناس إنها رشوة، لَعَن الله الرَّاشي؟!”… حضر رجال الأمن ومعهم ضابط ممتاز، وتمَّ تحرير محضر بالواقعة وتحديد جلسة المتابعة القضائية في يوم عيد ميلاد ابْنَتِي… أما الحاج عبد المقصود فقد تمَّ إختياره كَموظف مثالي… عندما خرجت من الحبس الإحتياطي توجهت إلى السجل المدني لأُعاتبه فوجدت حفلاً مُقَام على شرف الحاج عبد المقصود لتكريمه والمدير العام بصَدد إلقاء خطاب التكريم والتشريف:
“نموذج الحاج عبد المقصود يؤكد أن الوطن بخير، و أنه مثلي ومثل معظم الحاضرين هنا”… بعد إنتهاء الحفل لمحني المدير العام واقفاً فسألني ماذا أريد قلت:
“أريد أن أشطب على إسم إبْنَتِي التي دَوَّنَها الحاج عبد المقصود”… فهمس المدير العام في أذني:
“خمسين جنيه!!”.
هكذا أدركت أن الحاج عبد المقصود هو ظاهرة وثقافة وعقلية ومنظومة متكاملة الأركان.
تعليقات الزوار ( 0 )