في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، يبرز السؤال حول إمكانية إعلان دولة فلسطينية كحلٍّ للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي طال أمده.
عبد الفتاح نعوم، الباحث والمحلل في العلوم السياسية، يقدم في مقاله التحليلي رؤيةً متعمقةً حول السيناريوهات المحتملة لإعلان الدولة الفلسطينية، معتبرًا أن هذا الإعلان قد يكون نتاج تفاعلات إقليمية ودولية معقدة، وليس مجرد نتيجة لمفاوضات ثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أوسلو كإطار مرجعي
ويؤكد نعوم أن سقف العملية السياسية الحالية لا يزال محكومًا باتفاقيات أوسلو، التي حددت قضايا الوضع النهائي، مثل الحدود، والقدس، واللاجئين، والمستوطنات. ومع ذلك، فإن الرهان على عملية سياسية تقليدية لإعلان الدولة الفلسطينية يبدو مستبعدًا في ظل الظروف الراهنة.
فكما جاءت انتفاضتا 1987 و2000 بمكاسب سياسية محدودة، فإن أحداث السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها قد تفتح الباب أمام مسار جديد يتيح تنزيل بعض مضامين أوسلو، خاصة في ظل الجهود الدبلوماسية التي يقودها الرباعي السعودي-القطري-الأمريكي-الإسرائيلي.
التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية
ويرى نعوم أن التطبيع العربي مع إسرائيل قد يكون المفتاح لإعلان الدولة الفلسطينية. فإذا توافقت السعودية وقطر على توزيع الأدوار، حيث تدفع السعودية باتجاه التزام إسرائيلي-أمريكي بإعلان الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع، بينما تقود قطر جهودًا مماثلة، فإن ذلك قد يفتح نافذة أمل للسلام.
ويعيد هذا السيناريو إلى الأذهان الاعتراف الإسرائيلي بالسلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، والذي كان مدخلًا لإدارة شؤون الدولة الفلسطينية المأمولة.
تحديات إسرائيلية ودور أمريكي
ولا يخفى أن إسرائيل ستقاوم بأقصى ما يمكنها أي مسعى لإعلان الدولة الفلسطينية، خاصة في ظل صعود التيارات المتطرفة التي ترفض أي تنازلات.
ومع ذلك، فإن إسرائيل نفسها بحاجة إلى التطبيع مع دول عربية أخرى، وهو ما قد يدفعها إلى قبول حلٍّ وسط. هنا يأتي الدور الأمريكي، خاصة في ظل إدارة ترامب التي تسعى إلى تحقيق سلام في المنطقة يسمح بانسحاب أمريكي “صحي” نحو مناطق أخرى.
وقد تكون لغة الإدارة الأمريكية القائمة على الاقتصاد والاستثمار أداة ضغط فعالة على اللوبيات المؤيدة للصهيونية المتطرفة داخل إسرائيل وخارجها.
دور الدول العربية الفاعلة
وتشكل الدول العربية، وخاصة “الأربعة” (مصر، الأردن، السعودية، المغرب) و”الإثنان” (قطر، الإمارات)، قوة دبلوماسية مؤثرة في هذا الملف.
فبينما تركز مصر والأردن على قضايا اللاجئين والاستيطان، يبرز دور المغرب في قضية القدس. هذه الجهود المتضافرة قد تكون المفتاح لتحقيق إعلان الدولة الفلسطينية، خاصة إذا نجحت في التنسيق مع الجهود الأمريكية والإسرائيلية.
مستقبل العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية
وفي حال إعلان الدولة الفلسطينية، فإن العلاقات بين الدولتين ستكون محكومة بتحديات الحدود، وإدارة الشأن الديني في القدس، وحق العودة للاجئين.
ولن تكون هذه القضايا سهلة الحل، ولكنها ستضع العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية في إطار مشابه للعلاقات بين إسرائيل وكل من لبنان وسوريا، حيث تبقى التوترات قائمة ولكن ضمن إطار دولي معترف به.
ويبقى إعلان الدولة الفلسطينية حلمًا يراود الشعب الفلسطيني منذ عقود، ولكنه أيضًا حاجة إسرائيلية وأمريكية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الحلم يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، وإرادة سياسية قوية، وضغوطًا دولية فعّالة. في النهاية، فإن إعلان الدولة الفلسطينية لن يكون مجرد نهاية للصراع، بل بداية لمرحلة جديدة من التفاوض والتعايش في منطقة تبحث عن الاستقرار بعد عقود من الحرب والاضطراب.
تعليقات الزوار ( 0 )