حل الصيف وطارت العصافير تفتش بشغف عن حبات قمح في البيادر والحقول، ولكن لاشئ من مواسم الحصاد والزرع سوى شمس من السماء ترسل أشعتها الصفراء على الحجر والشجر والبحر، وفي غمرة طقس حار وخوف مرتقب من “القرينة الكحلا” كما سماه أجدادنا القدامى، تسكن أفكار سوداء وخضراء تتلاطم كأمواج البحر داخل محيط الجسد، أفقدتنا القدرة على حسن التصرف في تدبير ساعات النوم.
وبين انتظار وانتظار، تولد يبوسة في الحلق،ويتغير الذوق، فتتلاشى الثقة في الوعود السياسية وألعن كورونا في نفسي،وأحن إلى البطيخ الأحمر البارد، وأتخيل حملات افتراضية في ظل استحقاقات انتخابية عبر تقنية السياسة عن بعد،وكيف حملت الكمامات والمعقمات ألوان ألأحزاب وصورالمنتخبين والمنتخبات.
قد نختلف قليلا لكننا نكاد نتفق كثيرا أن الإنسان قد يسقط لكنه ينهض محتفظا بقوته وقدرته على المقاومة والصمود في وجه كورونا الخبيث،وباء يكشر عن أنيابه في كل لحظة،وبين لحظة وأخرى يعربد ويصرخ في بؤرة ما ،وهو نفسه الوباء الذي أربك حسابات الدورة الاقتصادية و الزمن المدرسي، وأحدث تصدعات نفسية واجتماعية في المكان ،وولد في النفوس أحزانا وسيناريوهات، وأصبحت الاحتمالات معادلة أصعب من الوباء نفسه ،فارتفعت أكف الضراعة إلى أعلى السماء وقد امتلأت بنبرات التساؤل عن مواقيت الصلاة ومباريات كرة القدم ومواعيد السفر ورحلات التبضع ودخان العيد الكبير.
وحين نستنشق جمرة أوكسجين لاهبة ونلامس حبات التراب الساخنة ،نملأ حلقنا بجرعة ماء بارد ونستبقيها لأطول فترة لعلها تمدنا بمزيد من القوة لتجديد الفكر وتكسير رتابة المعيش اليومي في ظل أزمة صحية،أرخت بظلالها على وجه الكرة الأرضية، وغيرت بوصلة التوجهات الاقتصادية،ولطالما تساءل كثير من الناس بتوجس عن تفاصيل خروف العيد ومصير الأسفار والزيارات العائلية السنوية وسيناريوهات الدخول المدرسي في ظل تخوف صحي مشروع من عودة ثانية لهذا الملعون الفسيفسائي العنقودي الذي فرض إعادة تقييد الحركة في مدن وولايات أجنبية،وإغلاق أحياء بكاملها.
إن ما حدث في هذا العام، لا يمكن لأحد أن يستعيده دون أن يتذكر الكمامة والتباعد الاجتماعي وصندوق كورونا التضامني،والسوسيو إدارية القايدة حورية وتضحيات رجال ونساء التعليم بإمكانيات شخصية بسيطة في تقنية التعليم عن بعد،دون أن ننسى المواقف البطولية التي سجلتها أسرة الصحة في الخط الأمامي لمواجهة الجائحة، أيام صعبة قاسية مرت على أرباب المقاهي والمطاعم والمستخدمين ،ومثلما اختار المغرب أن يكون في هذا الموقع من العالم على أطراف البحر وشموخ الأطلس العتيد،فقد اختار الصمود والتحدي، وعرف كيف يرش الدواء على الذباب الالكتروني المارق، ويتحمل كل ما يمكن أن يواجهه من مكاره وصعاب.
وإذا كانت الأوبئة تفرق عادة بين الناس، وتجعل كل فرد يبحث لنفسه عن طريق يؤمن بها خبزه، فإن الأزمة الصحية قربت بين الناس، وجعلتهم أسرة مغربية واحدة في إطار الدولة الاجتماعية التي يفترض أن تبقى حاضرة في مغرب ما بعد كورونا.
تعليقات الزوار ( 0 )