Share
  • Link copied

أهمية الصحة النفسية لتجاوز أزمة كورونا

شكل وباء كورونا القاتل صدمة نفسية جماعية، أعادت إلى أذهان العديدين حالة الرعب العالمي، الذي خلفه ظهور فيروس السيدا، داء فقدان المناعة المكتسب، HIV، كوباء عالمي مميت، في بداية الثمانينات.  ومن المحتمل أن جيل الأصغر سنا، والذي لم يكن شاهدا على هذا الرعب، لا زال حاملا للأثر النفسي الذي خلقه الاهتمام بالوباء في التسعينات. ولا شك أن وباء كورونا الشبيه، مؤقتا، بفيروس السيدا، وكذلك، بالنظر إلى طبيعته المميتة، وإلى حين اكتشاف لقاح، قد جعل العديد منا، لا زالت لديه صعوبة في استيعاب أزمة الوباء بالسرعة التي ينتشر بها، سيما وأن ولا أحد يعرف مآله ومخرجات الأزمة. لكن، من المؤكد أن طبيعة المرض المميتة في حد ذاتها، خلفت كربا جماعيا، وهالة كبيرة من السواد، والخوف والهلع، وشحنة من التوتر، والضغط، ومشاعر القلق الجماعي. وما يفاقم من هذا القلق، هو التحول السريع من الحياة العادية حيث الإحساس بأن العالم آمن، إلى وضعية الحجر الصحي حيث المكوث بالمنازل، لتجنب خطر غير مرئي. ويزداد القلق والتوتر عند متابعة أخبار عدد المصابين، والموتى. وعلى الرغم من الانخفاض النسبي لعدد المصابين، والترخيص بدواء كلوروكين، وشفاء عدد مهم، فلا زالت مشاعر القلق، والفزع تخيم على العديد من المغاربة، بالنظر إلى طبيعة الوباء الفتاك، والقاتل، والسريع الانتشار. 

 وهو ما يتطلب منا المزيد من الاهتمام بالصحة النفسية لتجاوز هذه المحنة في ظل هذا الظرف الاستثنائي، باعتبار أن الصحة النفسية تعد جزءا من الصحة العامة، بل وجانبا أساسيا في الحفاظ على الصحة العضوية أو الجسدية، نظرا لوجود ترابط بين الصحة النفسية والجسدية، إذ يمكنها التأثير على الجانب العضوي، كما تشكل عاملا في تقوية المناعة، ومقاومة الأمراض العضوية.

في هذا الإطار، يقول مدير عام منظمة الصحة العالمية، “حتى أسوأ الظروف يمكن قلب اتجاهها، ولكن خبرات المدن والدول التي جابهت ذلك الفيروس تمنح الأمل والشجاعة لباقي العالم. خلال هذه الفترة العصيبة، من الضروري أن تهتم بصحتك الجسدية والعقلية. لن يساعدك هذا على المدى الطويل فحسب. أولا، تناول حمية صحية ومغذية، والتي تساعد جهازك المناعي في العمل بشكل سليم، إعتن بصحتك العقلية، من الطبيعي أن تشعر بالضغط، والحيرة، والخوف خلال هذه الأزمة. التحدث إلى من تعرفهم وتثق بهم. قد يساعدك دعم الآخرين في مجتمعك، يساعدك بقدر ما يساعدهم، إسأل عن جيرانك وعائلتك، وأصدقائك، التعاطف دواء، إستمع إلى الموسيقى، إقرأ كتابا، أو مارس لعبة، وحاول ألا تقرأ أو تشاهد الكثير من الأخبار إن كانت تشعرك بالتوتر، أحصل على بياناتك من مصادر موثوقة مرة أو مرتين يوميا، كوفيد- 19 سلب منا الكثير، ولكنه كذلك، منحنا شيئا مميزا فرصة الترابط معا كبشرية واحدة لأن نعمل معا، وأن نتعلم معا، وأن نكبر معا”.

في هذا السياق، يقدم هذا المقال مجموعة من النصائح لأخصائيين وأطباء نفسيين، تم استقاؤها من حواراتهم مع الصحف الوطنية، والمواقع الإلكترونية، إلى جانب الاطلاع على موقع ويب طب Web Teb، للتعرف على الأثر النفسي الذي يمكن أن يخلفه الوباء بعد القضاء عليه أو الأثر النفسي لما بعد كورونا. ونظرا، لاحترام التخصص، المتمثل في علم النفس، والذي لا يعد بعيدا نوعا ما عن العلوم السياسية، باعتباره جزءا من العلوم الإنسانية، قمنا بالاعتماد على الأسلوب التقريري، عبر جمع هذه النصائح المتفرقة التي صرح بها الأطباء النفسيين في الصحف والمواقع الإلكترونية، وتقديمها كما هي، حتى يستفيد منها الجميع.

أولا: كيف نتعامل نفسيا بشكل سليم مع الأزمة: طريقة منحنى التغيير

يقول الدكتور ميلاز الفاطفي، استشاري الطب النفسي، أخصائي في الأمراض النفسية والعقلية، والإدمان على المخدرات، في تصريح لقناة شوف تيفي Chouf Tv، أن أي حالة من التغيير في حياة الإنسان، إلا وتعطي في البداية صدمة، وفجائية الخطر، لأن هذه أزمة، لقد خاف الناس. وبحسب الدكتور، تختلف طريقة التعامل مع الأزمة بحسب كل شخص، لكن، ينبغي أن يتعامل معها الناس بطريقة منحنى التغيير، لكي يخرجوا من حالة الصدمة إلى الحياة العادية. وهو ما يحدده الدكتور في أربعة مراحل.

  1. مرحلة الإنكار
  2. الصدمة
  3. الخلل التوازني، والإنسان يفقد شعوره
  4. تصل إلى مرحلة الإحباط، وشيئا فشيئا يدخل إلى مرحلة القبول والتقبل لكي يخرج بعد ذلك، إلى مرحلة النمط الحياتي الجديد.

بحسب الدكتور الفاطمي، الإنسان الذي يعيش في هذه الأزمة إما أنه يشاهد كثيرا القنوات الإخبارية غير الرسمية كل حين، يشاهد أخبار الوفيات، وماذا وقع، فتحدث له حالات من القلق، وشيئا فشيئا يدخل إلى حالة التوتر، و العصبية، فالذعر، ثم النرفزة، فيصبح في شجار مع عائلته، ومع نفسه، ومع أي شيء بالقرب منه. ومن هنا يدخل إلى مرحلة الهلع، وبدخوله إلى هذه المرحلة، يدخل إلى اضطراب الهلع أو الفزع، ومن هنا ندخل لحالات نفسية أخرى، تتمثل في  اضطراب الآنية، والاكتئاب.

يؤكد أخصائي الأمراض النفسية والعقلية، أن أغلب الناس إن لم يكونوا على علم حول كيفية التعامل مع نفسيتهم، يصعد لديهم الأدريلانين، وهذه الأخيرة إما تقوم بالمهاجمة أو الهروب. عندما تصعد الأدرينالين، تحدث تغيرات بالجسم، يضخ القلب الدم بكثرة، تشتغل الرئتان أكثر، ويتوقف الفص الأمامي للضمير، لكي  يعرف ما الذي يحدث، لم يعد يعرف ما الذي يقوم به، هنا تصبح لدينا مشاكل، تصعد الأدرينالين كثيرا، والمشكل لا نعرف كيف نقوم بتخفيضها، نحن خائفين، فيزيولوجية هرموناتنا الداخلية تصبح لديها مشاكل أخرى في الأدرينالين والكورتيزول والدوبامين، ويصبح لدينا خلل توازني في الجهاز العصبي للإنسان، هنا يدخل الإنسان إلى حالة الفزع، والخوف الذي يدخله إلى الرعب، إلى حالة الهلع، وحالة الصدمة.

تلقينا الكثير من الاتصالات، وصلوا لحالات الهلع، ولحالات الذعر، لأنهم تجاوزوا مرحلة القلق، والتوتر، ودخلوا لمرحلة الهلع، ومرحلة الهلع هي مرحلة تصيب الإنسان، تصيب بعض الناس العاديين، يصيبهم الهلع، أحيانا يكونون مرضى بالهلع. ولكن في هذه الحالة المرتبطة بالأزمة، هناك من تصيبه بشكل أكبر، لأنه في المستوى العادي، فمن يعاني من مشكل الهلع، يمكنه أن يصاب به ثلاث أو أربع مرات في العام، أما عندما تفوق ثلاث أو أربع مرات أو خمس مرات في العام، يصبح لديه مرض، يصبح لديه اضطراب الهلع. في هذه الحالة، يصبح لديه خفقان في القلب، ولديه تعرق كثير، ترتفع درجة حرارته، فيشعر بأن الموت قادم، يصبح خائفا، يصبح مرعوبا، يصبح غير قادر، يريد فقط أن يذهب للمستشفى، لأنه يشعر بحالة من الموت.

بحسب الدكتور، هذه الحالة من الهلع، يتسبب فيها القلق، حالة النرفزة، وحالة العصبية، لأن الشخص لا يعرف كيف يتعامل مع أزمة كورونا، لذلك، ينبغي أن يكون على علم حول كيفية التعامل معها بطريقة منحنى التغيير  السالف الذكر، المتمثل في وجود صدمة، عدم توازن، ثم بعد ذلك، شيئا فشيئا، يخرج ليتحدث مع الناس، أو مع عائلته، ويحدد مشكلة كورونا وما هو مشكل الأزمة، لكي يخرج منها، وإلا، فإنه يبقى في حالة الصدمة كثيرا، وفي حالة الإحباط، وهذا ما يقذف به إلى حالة الهلع، ويصبح خائفا. هذا هو المشكل الذي يحدث للناس، والمشكل الأكبر هو أنه عندما تنتهي هذه الأزمة، سيبقى حاملا معه هذا المرض الذي سيؤدي به إلى حالة الاكتئاب.

ثانيا: الاستفادة من مبادرات الأطباء النفسيين

في ظل أزمة كورونا، وما فرضته من حجر صحي كإجراء احترازي للتصدي لهذا الوباء، تجند أغلب الأطباء النفسيين المغاربة لهذه المرحلة من الحجر الصحي، وخلقوا مجموعة من المبادرات. وقد بادر في هذا الإطار، مجموعة من طلبة كليات علوم التربية إلى تخصيص أرقام هاتفية لتقديم الدعم النفسي للأطر الطبية. كما تشكلت خلية استماع بمستشفى بن رشد للاستماع ومساعدة الأطباء والممرضين.

وبهدف تعامل المواطنين مع الآثار النفسية التي يمكن أن تظهر خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، والاستشارة حول وضعيتهم النفسية، انخرط مجموعة من الأطباء النفسيين في المبادرة التي أطلقتها الجمعية المغربية للطب النفسي، بتنسيق مع الهيئة الوطنية للأطباء، والمتمثلة في وضع أطباء أخصائيين نفسيين رهن الإشارة لمعاينة واستقبال نداءات المواطنين. وفي هذا الصدد، وضعت المجالس الجهوية للأطباء، أرقام هواتف في مجموعة من المدن رهن إشارة المواطنين، من الساعة الثانية بعد الزوال إلى الساعة الرابعة بعد الزوال لاستقبال اتصالاتهم.

وقد أعلن عدد مهم من الأطباء النفسيين انخراطهم وتطوعهم في هذه المبادرة بهدف تقديم المتابعة النفسية خلال هذه الفترة. إذ يتواجد، حاليا، 250 طبيبا نفسانيا تحت إشراف الجمعية المغربية للطب النفسي، ينصتون للمغاربة الذين يعانون من آثار نفسية، مثل الخوف والاكتئاب، ويعانون من الأرق، والذين يمكنهم، الاتصال بهؤلاء الأطباء مجانا، عبر الهاتف في جميع أنحاء المغرب، ست ساعات كل يوم، ويمكنهم مساعدتهم في حالة كانت لديهم أسئلة يطرحونها عليهم.

ثالثا: أهم ما ينصح به الأطباء النفسيين

تتمركز نصائح الأطباء النفسيين حول الاهتمام بالصحة الروحية، والاهتمام أكثر بالفئات الهشة نفسيا، والثناء على الأطقم الصحية، والاعتراف بمجهوداتهم، إلى جانب تقوية العلاقات الاجتماعية، والتعامل المعقلن مع الأخبار، وأخيرا، الاهتمام بالصحة الجسدية.

  1. الصحة الروحانية

يقول البروفيسور إدريس الموساوي،  أخصائي الصحة النفسية والعقلية، وفاعل جمعوي، رئيس الفيدرالية الدولية للعلاج النفسي، في برنامج مباشرة معكم الذي يبث على القناة الثانية، “ليست هناك صحة نفسية بدون صحة روحانية، هناك أعمال كثيرة جدا، أبحاث أنجزت في العالم كله، جميع الديانات تتبث أن الإنسان الذي تكون لديه ممارسة دينية، ولديه إيمان ديني، تتقوى لديه الثقة في نفسه، وتتقوى علاقته مع الناس في المجتمع. وهذا الجانب يقويه نفسيا، وحتى جسديا، لأنه ينبغي على الأشخاص أن يعرفوا أن الإنسان عندما يكون خائفا لدرجة كبيرة جدا، ولا يعرف ما الذي يقوم به، هذا يهدم نفسيته، ويهدم حتى ذاته، ومناعته.

  • الاهتمام الخاص بالفئات الهشة نفسيا

يقدم لنا واقع الصحة النفسية والعقلية في المغرب مؤشرا دالا لقياس مدى أثر أزمة الوباء على نفسية المغاربة. إذ يمكن التمييز بين الفئات الهشة نفسيا، وبين الفئات التي لا تعاني من أمراض نفسية، ولكنها معرضة لهذه الأمراض نتيجة التعرض بكثرة للضغط والخوف. لقد أظهرت نتائج المسح الوطني للسكان خطورة وضع الصحة النفسية والعقلية في المغرب، بحيث يعاني 26% من الاكتئاب خلال حياتهم، و9 % يعانون من اضطرابات القلق، و5,8 % يعانون من اضطرابات ذهنية، منهم 1 % يعانون من أمراض الانفصام الشيزوفرينيا.

وبالتالي، تختلف نصائح الأطباء النفسيين، بين هذه الفئات التي تعاني الهشاشة النفسية، والتي تتطلب اهتماما خاصا، وبين الفئات السليمة، التي ينبغي أن تحسن التعامل مع الأزمة، وتتجنب بذلك، الأمراض النفسية المحتملة.

في هذا السياق، يقول أيمن قشوشي، طبيب نفساني في حوار مع مجلة تيل كيل عربي، أنه إذا كانت الاضطرابات النفسية متربصة بالجميع في زمن الجائحة والقيد الصحي، فإنها أشد فتكا بالمرضى النفسانيين، سيما الذين يعانون من أمراض مثل “القلق العام” و “الخوف من المرض” و “الوسواس القهري”، لأن أوضاعهم النفسية تتدهور في مثل هذه الظروف.

ويقول الطبيب إدريس الموساوي في برنامج مباشرة معكم، هناك من يعانون من مرض نفسي، وينضاف إليهم مشكل آخر، متمثلا في الضغط المتعلق بأنهم محبوسين، لأن هذا “حبس”، لأنه ليس بمقدورهم الخروج للفضاء الطلق، سيزداد مشكل آخر لهؤلاء الأشخاص الذين يعانون إما من الفصام، أو الاكتئاب، و تقريبا 20 % من الساكنة، كلهم يعانون من هذه المشاكل، مما يتوجب على عائلاتهم أن تعتني بهم أكثر من المعتاد.

ويقول الأستاذ جواد مبروكي، بالنسبة للمرضى النفسانيين، الذين يعانون من أمراض نفسية مزمنة، فهم يعانون من الهشاشة النفسية، وفي هذا الحجر الصحي، يمكن لأعراض أمراضهم النفسية أن تتفاقم أكثر فأكثر. لذلك، يتوجب على عائلات هؤلاء المرضى، أن يحترموا الأوقات التي يتناولون فيها أدويتهم، وبأن طبيبهم النفسي موجود، وبأن عيادته ليست مغلقة، فمن الممكن أنه يشتغل عن بعد، ويجب الاتصال به على حسب الموعد المحدد في الوصفة الطبية، أو إذا كان هناك مشكل ما، أن يتصلوا بطبيبه، أن يقولوا له مثلا، أن هذا النوع من الأعراض قد تفاقم مع الحجر الصحي، فماذا الذي ينبغي عمله.

  • تخفيف الضغط النفسي عن الأطقم الصحية

إلى جانب العناية الخاصة بمن يعانون من الأمراض النفسية، ينصح الأطباء النفسيين بالاهتمام بالأطقم الصحية، عبر توفير خلايا استماع لهم، والثناء على جهودهم. في هذا السياق، تعتبر سماح جبر، طبيبة نفسية، في حوار مع الجزيرة نت، أن القطاع الطبي الذي يقدم الخدمة للمصابين، يدخلون في ضغط إضافي نتيجة زيادة الأعباء عليهم، إذ عليهم أن يبتعدوا عن أبنائهم وأزواجهم وعائلاتهم، ولديهم محاذير أكثر من الآخرين، خصوصا أن بعض مقدمي الخدمة الطبية أصيبوا بالفيروس. لذلك، من الواجب الثناء على ما يقومون به، ودعمهم مجتمعيا، وتقديم الدعم، والمشورة النفسية لهم، وعدم لومهم، وانتقادهم في كل صغيرة وكبيرة، والاهتمام بأهل المريض الذين يكونون بأمس الحاجة للمعلومة الطبية المتزنة والمطمئنة.

ويقول أيمن قشوشي، طبيب نفساني، في حوار مع تيل كيل عربي، إن الدراسات النفسية المنجزة مؤخرا في الصين على مستخدمي القطاع الصحي، أظهرت أنهم أصيبوا بأمراض نفسية، أبرزها الاكتئاب، بغض النظر عن تعرض البعض منهم للعدوى بكورونا. الفئة التي تواجه الوباء في الصفوف الأمامية، معرضة لمرض الاكتئاب، وليس لأعراضه فقط، خاصة، وبدرجة كبيرة العنصر النسوي، الذي يشتغل بكثرة في القطاع الصحي، وبالتالي، فهم أكثر عرضة من غيرهم للاضطرابات النفسية والقلق والشك ولاضطرابات النوم. وبالتالي، يجب الاهتمام بهم، وتوفير خلايا استماع لهم، ويجب الاعتراف بجهودهم، والتعبير عن الامتنان لهم. فعندما يقدر المجتمع عمل فئة منه، يشكل ذلك دعما نفسيا كبيرا لها. لذلك، يقول الطبيب النفسي، علينا أن ندعمهم نفسيا وماديا.

  • تقوية العلاقات الاجتماعية

حثت غزلان بن جلون، أستاذة الطب النفسي للأطفال، مستشارة أممية، عضو المكتب الدولي لحقوق الطفل،  في برنامج مباشرة معكم على القناة الثانية، على ألا يكون الانعزال الاجتماعي، والإحساس بالوحدة. ومن المهم أن يكون للمراهقين اتصال معقلن بأصدقائهم. ويقول رضا محاسني، معالج نفسي، لقناة كيفاش تيفي، أنه لا ينبغي أن تكون العزلة العائلية، أو العزلة الإلكترونية أو الافتراضية، هذا هو الوقت الذي ينبغي أن يكون لنا أحسن استعمال لوسائل التواصل الاجتماعي، أن نسأل عن أحوال الناس الذين نعرفهم في محيطنا، الذين يعانون من بعض نوبات القلق، والذين يعانون من الهشاشة النفسية، أن نحاول أن فك عليهم تلك العزلة، ولو بمجرد الصوت والصورة، أن نحاول توطيد العلاقة بطرق أخرى. ويضيف المعالج النفسي، من الممكن أن نكون أكثر تضامنا بيننا، أن نقوي التضامن ما بين العائلة، ما بين الأصدقاء بطرق مختلفة.

  • التعامل المعقلن مع الأخبار

يدعو الطبيب النفساني، أيمن قشوشي، في حوار مع تيل كيل عربي، إلى تجنب السقوط في فخ الخوف المرضي خلال الجلوس في فترة الحجر الصحي، خاصة أن هناك فرقا كبيرا بينه وبين  الخوف المعقلن الذي يدفعنا إلى الحذر  وتبني أساليب وقائية، “فالخوف إحساس طبيعي وعاد، مبني على أفكار، ويظهر على شكل سلوك، والخوف المعقلن مطلوب، لأنه يدفعنا إلى حماية أنفسنا. غير أن الإشكال يتجلى في كون فيروس “كوفيد 19″، وهو سبب الهلع، ظهر بشكل مباغت وفي وضعية غير متوقعة وغير واضحة في تطورها ومعالمها. كل ما هو متأكد منه أنه يحمل خطرا مهددا للإنسان.

يضيف الطبيب النفسي أن “الضغوط النفسية والقلق المفرط تتولد أيضا من الاطلاع المكثف على المعلومات الخاطئة، التي تزعزع الثبات النفسي وتجعل الشخص يقع في خوف مرضي، هو خوف استباقي مرتبط أساسا بتفكير سوداوي يقود إلى الكارثية ارتباطا بالمستقبل، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى نوبات الهلع”.

وفي هذا السياق، ينصح قشوشي ب”ضرورة أخذ المعلومة الصحيحة من المصدر الصحيح، وأن نتجنب السقوط في إدمان المعلومات حول الفيروس 24 ساعة على 24 ساعة، والاكتفاء بالاطلاع على آخر الأخبار، مرتين في اليوم فقط، ويقول هذا ما نهجته وزارة الصحة مؤخرا، فبعد أن كانت تعمد إلى تحيين عدد المصابين ثلاث مرات في اليوم، لجأت إلى تواصل يومي واحد في المساء. كما يجب البحث عن معلومات في اتجاه آخر، بعيدة كل البعد عن الفيروس والجائحة، وتجنب الإشعارات الخاصة بالأخبار عبر الهواتف الذكية. أيضا، يجب الحفاظ على روتين يوم عاد، وأن تظل أوقات الاستيقاظ في موعدها المعتاد، مع احترام توقيت وعدد الوجبات، خصوصا بالنسبة للأطفال، والحفاظ على نمط عيش طبيعي، داعيا إلى تواصل إيجابي مع العائلة بعيدا عن أخبار “كوفيد 19”.

وبحسب أحمد الكرعاني، طبيب نفسي مقيم بالمستشفى الجامعي بمراكش، يجب التعامل بحكمة مع مواقع التواصل الاجتماعي، لأن تتبع الأخبار  في الوسائط الاجتماعية من أسباب زيادة القلق. ولهذا يجب الإكثار من متابعة حالات انتشار المرض ومشاهدة الفيديوهات حول فتك الفيروس بالآلاف من الناس عبر العالم، بل يجب التعامل العقلاني مع هذه المواقع، من خلال الولوج المحدود لها، مثل تصفحها مرة في الصباح لمدة قصيرة، ثم مرة في الليل لمعرفة آخر التطورات.

كما أنه لا بد من الاهتمام أكثر بالحياة الواقعية في البيت، مثل اللعب مع الأطفال، ومراجعة دروسهم، والطبخ، والنظافة، ومشاهدة فيلم جماعة، واستثمار الوقت في البيت بشكل ممتع، وتشاطر أوقات جيدة مع العائلة. ويحذر الدكتور الكرعاني من خطر الإشاعات لأن مفعولها مدمر على الإنسان، ولهذا يجب الحرص على الحصول على المعطيات من وزارة الصحة.

ويقول الدكتور محسن بنزاكور، أستاذ باحث في علم النفس، في قناة ميدي 1 تيفي، أن “هناك خوف، وخوف حاد، وصل إلى درجة القلق، وسبب الخوف عادة، ليس هو الفيروس بحد ذاته، فالفيروس ليس إلا جزءا، والجزء الأكبر هو الخوف نفسه. وبالتالي، الذي يكون وراء الداعي إلى الخوف، هو غياب المعلومة العلمية، و أيضا، بنية نفسية المتلقي للخبر”.

في ذات السياق، تقول الطبيبة النفسية، سماح جبر، ما يهدد الصحة النفسية في ظل انتشار مرض كرونا، هو أن وجود المرض والفزع الإعلامي، الذي يحيط بكورونا يشعران الناس بالقلق. على المستوى الفردي، يشعر الأفراد أنهم متوترون قلقون متشوشون، فتتضخم مخاوفهم، أما على المستوى الجماعي، فيمكن أن يدخلوا في هلع على المستوى الشرائي خوفا من نقص مواد معينة، وهلعا من حصد الأرواح.

تضيف نفس الطبيبة، أنه قد تكون الشائعات الأمر الأكثر إضرار بالصحة النفسية للناس، لذا يكمن حل تشوش المعلومة والاضطراب النفسي الحاصل من الشائعات في التأكد من مصادر موثوقة كالسلطة الطبية في الدولة أو منظمة الصحة العالمية، فالأشخاص الذين يتشوشون في هذه الظروف، هم من تنقصهم المعلومة الطبية، فتكون مخاوفهم مبالغة بالنسبة لحجم التهديد. لكن الشعور بالقلق بشكل متناسب مع الخطورة البسيطة والواقعية للفيروس هو أمر مقبول.

  • الاهتمام بالصحة الجسدية

توجد علاقة تفاعلية بين الجانب العضوي والنفسي، فكما يمكن للجانب النفسي أن يؤثر على الجانب العضوي، فالجانب العضوي بدوره يكون مؤثرا على الصحة النفسية، مما يتطلب الاهتمام بالصحة الجسدية. ويدخل في هذا الإطار، تنظيم النوم، تنظيم الوقت، والأكل الصحي، ثم ممارسة الرياضة.

في هذا الإطار، يقترح الأستاذ جواد مبروكي، طبيب نفسي، في تصريح لموقع آشكاين، بعض المواد الوقائية، التي يمكنها مساعدتنا لكي نتجنب القلق المزمن خلال وقت الحجر الصحي، ونتجنب حتى الإصابة بالاكتئاب، واجتياز فترة الحجر الصحي بكل سهولة. من أهمها تنظيم النوم، عبر تجنب النوم المتأخر بالليل، والخلود للنوم الليلي قبل منتصف الليل، باعتبار أن النوم ليس لديه فقط دور الراحة، ولكن، لديه دور حيوي، مهم جدا، لأنه هو الذي ينظم جميع الغدد في الجسم. ومثلا، في اضطراب معين للنوم، يمكنه أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض عضوية كثيرة، وحتى حالة الاكتئاب. والجانب الثاني، الذي ينصح به الأستاذ مبروكي، يتعلق بتنظيم الوقت خلال النهار، حيث ينصح بالابتعاد عن ارتداء الملابس المخصصة للبيت، والارتداء عوضا عن ذلك الملابس المخصصة للعمل، واعتناء الأشخاص بمظهرهم كأنهم ذاهبون إلى العمل، وأن يبقوا بملابس العمل إلى المساء، الوقت المعتاد الذي يعودون فيه من العمل إلى البيت، وآنذاك يمكنهم إزالتها وارتداء ملابس البيت، وهذا بالنسبة للآباء والأبناء.

وفيما يخص الأكل الصحي، يؤكد الطبيب النفسي، أحمد الكرعاني، على أهمية الحرص على تغذية متوازنة والابتعاد على السكريات والدهنيات حتى لا تقع مضاعفات صحية، مع الحرص على عدم الإفراط في تناول الوجبات السريعة التي يتم توفيرها عبر خدمة التوصيل. كما ينصح الخبراء، باحترام أوقات تناول الوجبات.

كما ينبغي الحرص على نظام غذائي متماسك، والحفاظ على نظام النوم المعتاد، مع عرض الجسم لأشعة الشمس، والانخراط في أنشطة يومية جديدة، سواء عبر الاستماع للموسيقى، مشاهدة الأفلام، والرسم، والقراءة، لتبديد النمطية التي يمكن أن يسقط فيها الأفراد.

أما فيما يتعلق بممارسة الرياضة، يؤكد أنور رضا، دكتور الأمراض العقلية والنفسية بمستشفى بن رشد بالدار البيضاء، في حوار مع مجلة تيل كيل عربي، أن ممارسة الرياضة تساعد على الإبقاء على التوازن النفسي للأشخاص، وتساهم بشكل كبير ، في تقوية مناعتهم، بعد أن فرض الحجر الصحي الحالي تغيير نمط حياة الأفراد، الذي ساروا عليه لسنوات، ويقول: “لطالما كانت الرياضة علاجا فعالا، نحن كأطباء ننصح بممارستها، لتجاوز حالات الاكتئاب الخفيفة، وفق قواعد خاصة”. وعن أجواء الحجر الصحي ومواجهة أخبار  وتطورات انتشار كوفيد 19، يرى الطبيب النفسي أن الرياضة تلعب في هذه الحالة، دورا وقائيا لحماية الأفراد من الدخول في حالات الاكتئاب. ويُنصح بممارسة التمارين الرياضية لأربع مرات أسبوعيا على الأقل، وبوتيرة متوسطة ما بين 30 و45 دقيقة يوميا، من أجل ضمان الاستمرارية.

ويشير الطبيب النفسي إلى ظهور عدد من التغيرات البيولوجية على الأشخاص بعد ممارسة الرياضة، عن طريق ارتفاع مادتي السيروتونين، والدوبامين، ما يؤثر إيجابا على المناعة والمزاج والجانب النفسي، مشددا على أنه يمكن تبديد المخاوف ونوبات القلق بالرياضة، خلال فترة الحجر الصحي.

رابعا: آثار نفسية محتملة لما بعد كورونا

يقول البروفيسور إدريس الموساوي، في برنامج مباشرة معكم، بالنسبة للناس الأصحاء نفسيا، الذين لا يعانون من مشكل نفسي، إذا كان الضغط عليهم كثيرا، وإذا كان الخوف كثيرا عندهم، يمكنهم أن يصلوا لاكتئاب مرضي إذا لم يعتنوا بأنفسهم، إذا لم تعتن بهم عائلاتهم. ينبغي عليهم أن يمارسوا حياتهم اليومية بصفة منتظمة، ينبغي أن يكون لديهم اتصال، وتواصل مع العائلة، ومع الأصدقاء، ومع عملهم عن بعد بصفة عادية. إذن، ينبغي أن تكون حياتهم طيبة لكي تكون نفسيتهم طيبة. هذا الضغط ينبغي أن يقاوموه بحياة عادية، ألا يتركوا الضغط يهدم حياتهم ككل.

كما أشار العديد من الأطباء النفسانيين المغاربة إلى إمكانية التعرض للاكتئاب. وبحسب علم النفس أيضا، تؤدي عدم القدرة على هضم حدث صادم، إلى ترك الشخص المتضرر داخل فقاعة زمنية تعزله عن الواقع الحالي وعن المستقبل. وهو ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة PTSD. يسمى أيضا، باضطراب الكرب التالي للصدمة أو اضطراب الكرب التالي للرضح. وهو حالة نفسية خطيرة تتطلب العلاج، ويمكن أن تؤثر على أي شخص تعرض لحدث صادم.

يمكن تعريف اضطراب ما بعد الصدمة، كاضطراب للقلق المرهق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته. وقد يتضمن الحدث تهديدا حقيقيا أو متوقعا للإصابة أو الموت. ويمكن أن يشمل ذلك حدوث كارثة طبيعية، قتال، اعتداء جسدي أو جنسي أو أي صدمة أخرى. ويمكن تحديد آثار ما بعد الصدمة، في كون أن الأشخاص غير القادرين على هضم الصدمة، وتقبل ما يحدث حاليا، أو ما قد يحدث لهم من معاناة وأحداث صادمة، من شأنه أن يؤثر عليهم مستقبلا، بحيث يظهر في المستقبل على شكل اضطراب يعيش فيه المصاب بأعراض الحدث الصادم، ويعيشه في الحاضر، بينما يعود هذا الحدث الصادم إلى الماضي. ويرافق هذا الاضطراب، نوع من العزلة، وتبلد المشاعر، وخلل في التصور.

يعاني الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، من إحساس قوي بالخطر، مما يجعلهم يشعرون بالتوتر أو الخوف، حتى في الحالات الآمنة. ويمكن أن يحدث هذا الاضطراب لأي شخص في أي عمر، ولا يكون نتيجة لخلل في الشخصية أو ضعف. كما يمكن لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة تعطيل الأنشطة العادية والقدرة على العمل، والذهاب إلى المدرسة أو التواجد حول الأصدقاء وأفراد العائلة. ويجد مصابي ما بعد الصدمة صعوبة في الأداء الوظيفي من ناحية مهنية، اجتماعية وعائلية.

خلاصة

نستنتج أهمية الصحة النفسية في التصدي للوباء، وفي الحفاظ على توازن نفسي لتدبير مرحلة ما بعد كورونا. ومن المهم، استنادا إلى النصائح السابقة للأطباء النفسيين، تقبل الأزمة، لكي لا تحدث مشاكل نفسية بعد مرحلة ما بعد الوباء. ومن المهم والأساسي، تقوية العلاقات الاجتماعية، والابتعاد عن العزلة، مع اتخاذ الحيطة والحذر كإجراء وقائي للتصدي للوباء، والالتزام بالخوف المعقلن، والابتعاد عن الخوف المرضي.

وقبل كل شيء، يشكل الجانب الروحي عبر الممارسة الدينية، والجانب التعبدي والإيماني، أساس الصحة النفسية، باعتباره يؤدي إلى الطمأنينة النفسية،  والإحساس بالدعم والسند في ظل هذه الأزمة، كما يساعد على تقوية الروابط الاجتماعية، مما يكون له أثر على الصحة العامة.

*باحثة في العلوم السياسية          

Share
  • Link copied
المقال التالي