Share
  • Link copied

“أطفالٌ على قارعةِ الطّريق”.. مشهدٌ آخرُ لظاهرة “عمالة الأطفال” في المغرب

وجوهٌ تنتظر السيارات العابرةَ، تقول بصوت عالٍ: “خبزٌ.. دلاحية.. كرموس..”، تختلف الكلماتُ حسب الفصول، كلّ وما يجودُ به، تأمل في أن يقف سائقٌ ويشتري ما يعرضونه. أطفالٌ تتراوح أعمارهم بين الـ 5 والـ 16، يرتدون ملابس رثةً، لا تقي بردَ الشتاء القارسِ، بعضهم يحمل غطاءَ النومِ معهَ، ليخفف عن جسده الصغير بعضاً من قساوة الجوّ.

يقفون على قارعة الطريق، يلوّحون بأيديهم للسيارات، علهم يحظون بدريهمات نظيراً للخبز الذي يبيعونه، أو الفواكه الموسمية التي يعرضونهَا، موزعين على العديد من الطرق، من بينها، الطريق الوطنية رقمُ، الرابطة بين الحسيمة وتطوان، وحيث وبمجرد، مرورِ العابرين من خلالها، مركز جماعة بني حذيفة، حتى يلتقوا بالباعة الصغار.

“الطريق لا تخلو بهم، حتى في أحلك الظروف الجوية، أحياناً تكون الأمطار قويةَ، لا يغادرون، يحتمون ببعض الأغطية البلاستيكية، أو في الأكواخ التي شيدها بعضهم، بمحاذاة الطريق”، كلامٌ جاء على لسان حسن، سائق سيارة أجرة كبيرة، يعمل على النقل الأشخاص بين مدينتي تارجيست والحسيمة، ويتردد على المكان يومياً.

يواصل حسن في حديثه لـ”بناصا”، وهو جالسٌ في سيارته، ينتظر المتنقلين إلى مركز الإقليم، إن الأطفال، “المتواجدون على قارعة الطريق، في جماعتي سيدي بوتميم وبني حذيفة، يبيعون الخبز المطهو على الطريقة التقليدية، أو الدلاحية (التين الشوكي)، أو براغوش، أو الخبيز، أو الكرموس، وأحياناً زيت الزيتون، وذلك حسب المواسمِ”.

ويقول محمد، القاطن بـ”دوار بني مزدوي”، بجماعة سيدي بوتميم، إن العديد من الأطفال الذين يبيعون في الطريق، يعيلون عائلات كبيرةً بما يجنونه من هذا النشاط فقط، لأن بعضهم إما توفي آباؤهم، أو أجبرهم المرض على لزوم الفراش، ما دفع الصغار، إلى التشمير عن السواعد، وجني الفواكه، أو أخذ الخبز الذي تعده أمهم، لعرضه، على أمل أن يقف أحد المارّين، لشرائه.

ويضيف المتحدث نفسه، لـ”بناصا”: “وهناك أطفال آخرون، يساعدون آباءهم، الذين يعمل أغلبهم في الفلاحة، أو رعي الغنم، وفي أفضل الأحوال، مياومون، على تكاليف الحياة القاسية، حيث يقومون بجني ما تنتجه أشجار؛ تين، زيتون، تين شوكي، ونباتات المنطقة؛ مثل السكوم أو براغوش، ويدعى باللغة العربية الهليون، أو الخبيزة، ويعرضونه على الطريق على أمل بيعه”.

ولا يتأخر محمد (اسم مستعار)، وهو تلميذ يدرس في الثانوية الإعدادية بجماعة سيدي بوتميم، في بيته، بعد عودته، ليخرج مباشرةً حاملاً الخبز، أو بعضاً من الفاكهة الموسمية التي تتيحها الأراضي المجاورة، وعلى رأسها التين الشوكي، متوجهاً إلى الطريق الوطنية رقم 2، وبالضبط، قرب المنطقة التي تسمى بـ”غرملول”، ليعرض ما لديه، علّه يجني بضع دريهماتٍ”.

يحكي محمد لـ”بناصا”، الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، بأنه لا يجد بديلاً عن هذا النشاط، من أجل أن يتابع دراسته، لأن حالة أسرته المادية، جد سيئة، ويعانون الأمرين لتوفير لقمة العيش، ولاسيما في فصل الشتاء، الذي دخله المغرب مؤخرا، والمعروف ببرده القارس في دائرة تارجيست، خاصة، أن المعنيّ، يقطن برفقة 5 من إخوته، وكلهم أصغر منه، ووالداه، في بيت من طينٍ.

ويتابع محمد، والابتسامة تعلو محياه، رغم قساوةِ الظروف، بأنه “شي مرات كيكون البيع وكنجيبو الفلوس مزيان، وشي مرات لا، لكن ملي كيكون الفواكه، إما الهندية ولا الكرموس، ولا النباتات، بحال الخبيزة ولا السكوم، فراه كيكون الربح، ولكن الخبز لا، لأنه كتديروا الأم ديالي، يعني كتخسر فيه، وثمنه حسب الحجم من 2 دراهم لـ 5 الدراهم، عكس الهندية مثلا لي كنحيدها من شجر ومكنخسرش فيها فلوس”.

بالرغم من ابتسامته التي لا تغيب، إلا أن محمد، لم يتمكن من إخفاء ألمه المعنوي الشديد مما يعانيها، معرباً عن أمله في أن يستطيع إنهاء الدراسة، من أجل الحصول على وظيفةٍِ تخوّل له إخراج أسرته من الوضع المادي المزري الذي تقبع فيه، ويوفر لها مسكناً ومأكلاً أفضل، وفق الكلمات المؤثرة التي خرجت من فمه.

Share
  • Link copied
المقال التالي