تناول الباحث عبد الصمد العباسي، في أطروحة تقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه، في القانون العام، في موضوع “ملاءمة النظام القانوني المغربي مع الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين”، رصد القواعد الدولية والتشريعات الوطنية المنظمة لأوضاع الهجرة النظامية في المغرب، والبحث في مدى تطور التجربة المغربية لتقنين وضعية هذه الفئة من الهجرة الوافدة، وقياس مدى نضج الممارسة المغربية في التعاطي الحقوقي مع الهجرة النظامية، خاصة بعد إطلاق السياسة الجديدة للهجرة التي كانت محط إشادة داخليا وخارجيا.
وعمل الباحث من خلال هذه الأطروحة، التي نوقشت برحاب كلية الحقوق بمكناس يوم الأربعاء 14 يونيو 2023، على تجميع مختلف القواعد الدولية والوطنية المتعلقة بالعمال المهاجرين؛ كما حاول استقراء وتحليل النصوص القانونية الدولية والوطنية الخاصة بوضعية العمال المهاجرين، ورصد مختلف المؤسسات والهيئات المعنية بتحسين أوضاع المهاجرين وبإرساء سياسة عمومية مندمجة لإيجاد حلول لمشاكل إقامة المهاجرين النظاميين بالمغرب، سواء ما يخص أوضاعهم الأسرية أو تمتعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأبرز الباحث من خلال هذه الأطروحة مدى انخراط المغرب في جل الصكوك الحقوقية الدولية وأغلب المواثيق الدولية المتعلقة بالهجرة، وأوضح الجهود المبدولة في هذا المضمار، حيث تتيح المرجعية الدستورية الحالية والتوجيهات الملكية أرضية صلبة وهامشا واسعا أمام المشرع لاستكمال مسار ملاءمة النظام القانوني الوطني مع القواعد الدولية الخاصة بالهجرة. وفي هذا المضمار استطاع المغرب تحقيق مكاسب هامة على صعيد ملاءمة تشريعاته مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين، وفي مقدمتها تلك الواردة في الصكوك الأساسية لحقوق الإنسان وفي اتفاقية الأمم المتحدة لحماية العمال المهاجرين وأسرهم لعام 1990.
وفي الوقت ذاته، وقف الباحث على مجموعة من النقائص التي لا زالت تعتري عملية تقنين وضعية العمال المهاجرين بالمغرب على المستوى التشريعي والتنفيذي، حيث سجل بعض مظاهر التوجس والتردد التي قد تعيق تحقيق أفضل قدر من الملاءمة، من بينها الارتكاز في بعض الحالات على قوانين قديمة لا تستجيب للإكراهات الجديدة الناجمة عن ضغط الهجرة الوافدة وما تطرحه من قضايا شائكة، وبعض هذه التشريعات المتقادمة الصادرة قبل إطلاق السياسة الجديدة للهجرة واللجوء والتي تتحكم فيها الهواجس الأمنية أكثر من المقاربة الحقوقية، والتي لا تتلاءم أيضا مع المنظور الحقوقي لدستور 2011، وهو وما يشكل تشويشا وعرقلة لمسار الملاءمة المنشود.
وخلص الباحث في دراسته إلى عدة نتائج وتقديم اقتراحات لتطوير تقنين وضعية العمال المهاجرين بالمغرب، من بينها: المسارعة إلى إقرار مشاريع القوانين المتعلقة بالهجرة المتعثرة منذ مدة طويلة، خاصة مشروع قانون رقم 72.17 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة. ومراجعة بعض المواد الخاصة بالأجانب في مدونة الشغل من أجل تحقيق مساوة أكبر بين العمال المغاربة والأجانب خاصة المادة 516 التي تمكن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل من أن تسحب رخصة العمال المهاجرين في كل وقت. والانضمام إلى اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي لم يصادق عليها المغرب خاصة اتفاقيات الضمان الاجتماعي والحقوق النقابية، والاتفاقية رقم 189 المتعلقة بالعمل المنزلي؛ وتعزيز الجهود في سبيل توفير المعلومات المتعلقة بالهجرة وإطلاع الإداريين والمرتفقين والمهاجرين والمؤسسات عليها.
وقد ضمت لجنة مناقشة هذه الأطروحة، التي أشرف عليها الدكتور محمد البزاز أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مكناس، كلا من الدكتور إدريس لكريني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش مقررا وعضوا، والدكتورة منية بنلمليح أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق مكناس عضوا، والدكتور أحمد راشدي أستاذ مؤهل بكلية الحقوق مكناس مقررا وعضوا، والدكتور محمد الفاضلي أستاذ مؤهل بكلية الحقوق مكناس مقررا وعضوا. وبعد المناقشة قررت اللجنة قبول الأطروحة، ومنح الطالب شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر.
تعليقات الزوار ( 0 )