Share
  • Link copied

أزمة أفكار داخل العدالة والتنمية

من المفارقات التي يسقط فيها كثير من الباحثين والسياسيين في مراقبة التنظيمات والتشكيلات الحزبية، أنهم يلاحظون دينامياتها السياسية، ويركزون على مواطن قوتها وضعفها، في الخطاب، والتموقع، والأداة التنظيمية، لكن اهتمامهم بالجانب الفكري، لا يأخذ المساحة الضرورية في التقييم، مع أن واقع التشكيلات الحزبية، يظهر أن الفقر الذي يصيب فكرها ومضمونها ا السياسي يفسر إلى حد كبير تراجعها.

لنأخذ على سبيل المثال الاتحاد الاشتراكي، فقد توقف عقله النظري، منذ المؤتمر الاستثنائي، ولولا القوة الفكرية والسياسية التي تمتع بها بعض قادته بعد المؤتمر الاستثنائي (عبد الرحيم بوعبيد على الخصوص)، لما أتيحت له فرصة المفاوضة من موقع قوة لقيادة حكومة التناوب التوافقي.

اليوم، لا أحد يجادل في أن هذا الحزب يعيش أزمة مع ضميره، لأنه لم يعد يرتبط بشيء من تراثه النظري، سواء الذي سطره المهدي بن بركة، ولا الذي تم إقراره غداة المؤتمر الاستثنائي.
على أن الأمر لا يتعلق بهذا الحزب، وإنما يشمل أيضا حزب العدالة والتنمية الذي عاش عنفوانه السياسي مع لحظة 20 فبراير، وقاد الحكومة لولايتين بأسلوبين مختلفين.

فبعد المخاض الفكري، الذي عاشه لحظة التأصيل للمشاركة السياسية، وبحث خياراتها، كاد عقله النظري أن يتوقف مبكرا، بعد أن جنحت قيادته لاختصار السياسي في البعد التدبيري، ومحاولة تخفيض مستويات الهوياتي في الخطاب والممارسة السياسية، وكان من نتائج ذلك، أن خرج الحزب في انتخابات 2007، بنكسة، ألهبت الداخل الحزبي، ودفعته لخوض حوار داخلي، انتهى بإقرار أطروحة “النضال الديمقراطي”، تلك الأطروحة التي ما كان لها أن تتحرك لولا أنها كانت سابقة للاستحقاق التنظيمي، أو ربما ممهدة له، بحيث وجد الحزب عافيته، بانسجام القيادة الجديدة مع الأطروحة الجديدة.

أنتج الحزب مضمونه السياسي ملخصا في مواجهة التحكم وتعبيره السياسي ممثلا في حزب الأصالة والمعاصرة، وفي شعار دمقرطة السلطة ومواجهة الفساد، وتفاعل مع لحظة 20 فبراير، وأنتج مضمونا مختلفا عن الحراك، يتبنى المضامين الإصلاحية، ويفاوض بالحراك، ويرفع السقف السياسي، ويدفع الدولة نحو الشراكة مع القوى الديمقراطية لتحصين الاستقرار السياسي.

نجحت قيادة الحزب في اقتطاف ثمار هذا الاجتهاد الفكري، واضطر الحزب معها إلى أن يدخل تحيينات متعجلة على أطروحة النضال الديمقراطي، فتغير العنوان إلى بناء وشراكة تعبيرا عن لحظة الاندماج في السلطة والشراكة معها، لكن بمضمون وسقف ديمقراطي، تم التعبير عنه على مستوى الممارسة، بمسلكية إصلاحية مزدوجة، تنزل الإصلاحات في نسق تشاركي من جهة، وتقاوم القوة الثالثة، خطابيا وسياسيا، في الجهة المقابلة.

نجحت الوصفة السياسية، وأنتجت فوزا انتخابيا عريضا في الاستحقاق الجماعي والتشريعي، لكن، العقل النظري للحزب، لم يسعفه كثيرا مواجهة لحظة البلوكاج، إذ ظهر التناقض في مستوياته، والاختلاف في تعبيراته، بما أفضى إلى شل قدرته الجماعية والتجميعية.

من اللافت للانتباه، أن العقل النظري للحزب، دخل في عطالة شديدة طيلة المرحلة التي قاد فيها الولاية الحكومية الثانية، فلم ينتج الحزب على مدار السنوات الأربع الماضية أي مضمون سياسي، سوى ما كان من تبرير التأقلم مع اللحظة السياسية وإكراهاتها، والتكيف مع مبادرات الدولة، وحتى مبادرة الحوار الداخلي، كانت أشبه بحصة علاج نفسي للتنفيس، كان القصد منها إنهاء حالة العراك الداخلي، والإقناع بأن على القواعد أن يسلموا بضرورة أن تنهي هذه القيادة ولايتها بأسلوبها، وأن يكون المؤتمر لحظة تقييم حاسم، يحكم على أدائها.

نعم، ثمة حديث عن إمكانية تصدر الحزب المرتبة الأولى مجددا في الاستحقاقات القادمة، لكن الجميع يدرك، أن القضية لا ترجع لفعالية في الحزب ولا لنضج عقله النظري، وإنما ترجع لغياب المنافس، وأن الحزب حتى ولو فاز بالمرتبة الأولى، فلن يكون بإمكانه بالمطلق أن يحافظ على مقاعده السابقة، ولا حتى ثلثيها، وأن مشكلة الحقل السياسي هي ما يبرر الفراغ الذي يبوؤه الصدارة المحتملة.

يعيش العدالة والتنمية اليوم أزمة أفكار عميقة، فلا هو قادر على أن ينتج مضمونا سياسيا جديدا، ولا هو قادر على أن يدخل تحيينات على أطاريحه السابقة، ولذلك، لا يفعل الحزب أكثر من أن يساير مبادرات الدولة، ويعيد إنتاج عباراتها ومقولاتها، بما يقلص التمايز- في عين المراقب الخارجي- بين الحزب الذي كان معدودا ضمن القوى الديمقراطية وبين الأحزاب الأخرى القريبة من الإدارة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يعيش فيها الحزب أزمة أفكار، فقد عاشها في المرحلة السابقة لانتخابات 2007، وكان حلها، في التنظيم والأطروحة..

لكن أزمة اليوم، لن تكون الآلية الديمقراطية كافية لحلها، ولا حتى التداعي للنقاش حول الجواب الجماعي عن المرحلة.

الحل يكمن في قيادة جديدة قادرة على إحداث تغييرات عميقة في بنية الحزب، تقطع مع تجذر بعض النخب وتفكك شبكاتها المهيمنة.

Share
  • Link copied
المقال التالي