Share
  • Link copied

أبرزها المغرب .. هكذا انتصرت دول عربية لثورة الجزائر ضد الاحتلال قبل 67 عاما

“إن الواقع العربي اليوم بتأزماته وخلافاته وانقساماته وإحباطاته يفرض على المثقف العربي أن يستعيد ذاكرته التاريخية ويستحضر الماضي، ليسترجع ثقته بحاضره، فيستعيد اعتزازه بماضيه وتفاؤله بمستقبله، ليعيد إلى الواقع تلك الصور المشرقة من مظاهر التضامن والتآزر والتلاحم التي عاشتها الشعوب العربية والتي مكنتها من تحقيق مكاسب تاريخية غيرت مجرى التاريخ العربي المعاصر”.

بهذا التقديم، يستهلّ كبير المؤرخين الجزائريين، ناصر الدين سعيدوني، بحثه حول الدعم القومي لثورة تحرير بلاده (1954/1962)، فقد هزت الضمير العربي، وكانت حافزا له على تأكيد روابط الأخوة والشعور بوحدة المصير، حتى أصبحت قضية كل العرب.

وفي الذكرى الـ67 لاندلاعها، المصادفة للفاتح من نوفمبر، نستحضر صورًا من المساندة القومية لثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.

فقد ظهر تضامن البلدان العربية وشعوبها منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة، بشكل متفاوت الحجم والنوع في الميدان، لأن بعضها كان لا يزال يعيش هو نفسه تحت الاحتلال أو الحماية، بينما كان للمملكة المغربية وتونس وليبيا ومصر الدور الأبرز بحكم الجوار، مثلما يسجل الباحث أحمد بن نعمان، في كتابه “جهاد الشعب الجزائري”.

الوفد الخارجي للثورة الجزائرية في مهمة دبلوماسية بمصر (أرشيف خاص)

القاهرة.. رأس الثورة

ويُجمع المؤرخون على أن أرض الكنانة كانت أول وأكبر الداعمين لها، ومن إذاعتها انطلق نداء أول نوفمبر إلى العالم، وكانت أهم مصدر للدعم المادي بالسلاح والمال، حتى اعتبرت فرنسا أن جسم الثورة موجود في الجزائر ورأسها بالقاهرة، على حد وصف المؤرخ بشير ملاح.

ونسّقت “المنظمة الخاصة” خلال فترة التحضير لتفجير الثورة مع الرئيس جمال عبد الناصر، وهو الوحيد الذي تم إبلاغه سلفا بالقرار عن طريق الوفد الخارجي بالقاهرة.

وتعهّد بأن يكون مع الثورة إلى النهاية، ويمدها حالاً بما يمكن من سلاح خفيف، وأن يسعى لدى الدول العربية، وخاصة السعودية، لكي تمولها بالمال. وأمر فتحي الديب وعزّت سليمان أن يكونا مع الوفد الجزائري دوما، ممثلين له شخصيا، في حين كتم الأمر على عدد من وزرائه.

وصدرت التعليمات للملحقين العسكريين المصريين أينما كانوا، أن يكونوا في خدمة الحركة الجزائرية، وفق ما نقله حرفياً المجاهد الجزائري، أحمد توفيق المدني، في مذكراته.

وبلغت قيمة أول شحنة سلاح من مصر 8 آلاف جنيه، وكانت أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية بتمويل مصري بحوالي مليون دولار، بينما كانت 75% من مساعدات الجامعة العربية، المقدرة بـ 12 مليون جنيه سنويا، مصرية.

ولعبت القاهرة عند تأسيس الحكومة الثورية المؤقتة دورا أساسيا في جامعة الدول العربية لمساعدتها بـ 12 مليار فرنك فرنسي قديم، وبقرار من عبد الناصر، خصصت لها مصر المداخيل الأولى من تأميم قناة السويس، بحوالي 3 مليارات فرنك فرنسي قديم.

ورمت بثقلها الدبلوماسي في دعمها عبر المحافل الدولية، إلى درجة تهديد عبد الناصر للرئيس السوفياتي، ميخائيل خروتشوف، مع ما بين البلدين من مصالح إستراتيجية حينها، في حال قبوله دعوة شارل ديغول لزيارة الجزائر.

كما أدت دورا هاما لمساندة الثورة الجزائرية خلال مؤتمر باندونغ (1955) لمنظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، مثلما مارست ضغوطها على فرنسا، وداخل الأمم المتحدة خلال فترة المفاوضات، لتأكيد دعمها الكامل لاستقلال الجزائر.

إستقبال رسمي وشعبي على شرف رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في القاهرة بمشاركة الملك الحسن الثاني (أرشيف خاص)

الرباط.. الظهير الغربي

من جهة أخرى، شكلت الشقيقة المغربيّة الظهير الغربي لثورة الجزائر، حيث طالب مبكّرا سفير الرباط لدى الأمم المتحدة، أحمد بلا فريج، بوضع حد وبسرعة للمجازر المرتبكة، مؤكدا “رفض المملكة لادعاء الاستعمار أن الجزائر جزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي”.

وألقى الملك محمد الخامس بتاريخ 15 سبتمبر 1956 خطابه بمدينة وجدة الحدودية، حيث عرض معاناة الشعب الجزائري، مشددا على ضرورة إيجاد حل سلمي وعادل للقضية، حسب ما وثّقته مجلة الأوقاف المغربية.

وجاء رد فعل فرنسا سريعا بعد شهر واحد باختطاف الطائرة المغربية المُقلّة لقادة الثورة في طريقها نحو تونس، في أول عملية قرصنة جويّة في التاريخ، كما أعلنت تجميد جميع مفاوضاتها الجارية مع الحكومة المغربية.

لكنّ ذلك لم يثن المغرب عن موقفه، إذ شنّ عماله إضرابا عاما لدعم الثورة في 31 يناير 1957، وبعثت النساء المغربيات رسالة إلى الأمم المتحدة.

واستقبل الملك محمد الخامس في فبراير 1957 وفد جبهة التحرير بمدريد، وأكد أمامه أنه “مهما كانت الظروف فهو مع الجزائر وشعبها وثورتها، يقف وقفة المجاهد لا المؤيد فقط، وأنه مستعد لإمدادها بأي شيء”، وفقًا لمذكرات توفيق مدني.

وفتحت الحكومة المغربية حدودها للمجاهدين، فجعلت من أراضيها ميدانا لتدريبهم، ومدنها قواعد خلفية للثورة، حتى أصبحت الممر لشبكات السلاح من أوروبا.

ويبقى مؤتمر طنجة المنعقد في 27 أبريل 1958 من أهم محطات النضال المغاربي المشترك، فقد ركز على دعم القضية الجزائرية وإبراز مكانتها العربية والدولية، بحضور ممثلي المغرب وتونس والجزائر.

وأمر الملك محمد الخامس بإغلاق القنصليتين الفرنسيتين بمدينتي وجدة وبوعرفة الحدوديتين، على خلفية تضايق الحكومة المؤقتة الجزائرية منهما.

طرابلس.. معبر السلاح

ومن جانب آخر، يذكر توفيق مدني أن ملك ليبيا، إدريس السنوسي، أمر فور مقابلته في قصره بتمرير السلاح القادم من مصر عبر الحدود البرية الليبية، لتتحوّل أراضيها إلى قاعدة خلفية ولوجستية وسياسية ومستودعات أسلحة للثورة ومراكز تدريب وشبكات التسليح. كما وفرت إقامة خاصة لقيادة جبهة التحرير، حيث أمّنت تنقلاتهم دون مراقبة أو إزعاج، بشهادة توفيق مدني.

وكشف رئيس الجزائر الأول، أحمد بن بلة، أن الثورة انطلقت في بدايتها بـ 400 قطعة من البنادق الإيطالية وصلت سرا من ليبيا.

ويؤكد المؤرخ الطاهر جبلي أن تهريب الأسلحة لاحقا من مصر إلى الجزائر، عن طريق شاحنات التجار الليبيين، كان يتم تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها، بأوامر من الملك إدريس نفسه.

كما مارست ليبيا ضغوطا على رئيس الحكومة التركية، عدنان مندريس، وأقنعته بتقديم أسلحة حديثة للثوار الجزائريين، تحت غطاء هدية حربية إلى ليبيا، ترميما للعلاقة مع العرب الغاضبين من موقف تركيا الأممي.

وبعد استقالة مصطفى أحمد بن حليم من رئاسة الحكومة، أواخر مايو 1957، أرسله الملك السنوسي سفيرا لدى باريس لتسهيل الوساطة الدبلوماسية مع فرنسا، مثلما سجله الرجل في كتابه “صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي”.

ونجح في إقناع ديغول بإطلاق سراح أحمد بن بلة ورفاقه التاريخيين، لتوفير مناخ ثقة للمفاوضات بين الجانبين، وهو ما تمّ بنقلهم إلى “فيلا” في ضاحية “شاشبي” بجوار باريس. واحتضنت ليبيا عدة اجتماعات ومؤتمرات مصيرية لأعمال المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

أما على المستوى الشعبي، فقد تشكلت “لجنة مناصرة الشعب الجزائري”، وكان مقرها في بيت رجل الأعمال، الهادي المشيرقي، حيث تكفلت بجمع التبرعات والدعاية.

ويعدّ المناضل المشيرقي في مذكرات قادة الثورة أكبر أصدقائها الليبيين، فقد وضع فنادقه بطرابلس تحت تصرفهم، وكان يقيم بها حفلات المشاهير، لتخصيص مواردها لدعم الجهاد الجزائري.

ويوم حذّروه من عواقب مواقفه، رد بمقولته الخالدة “ماذا يُضير موتي بعد موت مليون من إخوتي الجزائريين؟”.

ويذكر أحمد بن نعمان أن اللجنة اعتمدت كثيرا على تنظيم أسابيع الجزائر، والتي كانت تمتد إلى شهرين، وتشهد تبرع العرائس الليبيات بحليّهن للثورة.

كما ظهرت في طرابلس لجنة مقاطعة فرنسا، والتي نجحت في دفع الشركات الليبية إلى عدم استيراد البضائع وقطع الغيار الفرنسية من أي بلد.

Demonstrators supporting the independence of Algeria parade through the streets of Tunis on May 1, 1956 by displaying flags and banners of the FLN (Front of National Liberation). (Photo by - / INTERCONTINENTALE / AFP) (Photo credit should read -/AFP via Getty Images)

تونس.. جبهة واحدة

من جهتها، مثّلت تونس البوابة الشرقية للدعم وإدخال المؤونة الحربية، فقد اعتبر القيادي التونسي، يوسف صالح، استقلال بلاده ناقصا ما لم تستقل الجزائر، واضعا رجاله المقاومين السابقين للاحتلال الفرنسي تحت تصرف الثورة الجزائرية.

وكتب المجاهد عثمان سعدي “بإمكاننا القول إن عددا لا بأس به من الثوار التونسيين التحقوا بصفوف جيش التحرير الجزائري، وفي خضم المعركة استشهد مجاهدون تونسيون، والباقون استمروا في الكفاح معنا”.

وتعهدت تونس رسميّا في 22 يناير 1957 بنقل السلاح إلى الثورة بموجب اتفاق ثنائي في القاهرة.

وأعفت من الضرائب والرسوم الجمركية كل سلعة أو تجهيز يخص الحكومة الجزائرية المؤقتة أو جيشها، كما جعلت بنوكها مستودعا للتبرعات المالية، بحسب الأكاديمي إسماعيل دبش.

وانتقاما من موقفها، راحت فرنسا تدمر القرى، وتقوم بأعمال وحشية ضد التونسيين، من أبرزها أحداث ساقية سيدي يوسف في 7 فبراير 1958.

وعن أهمية الدعم العربي في تقوية الثورة الجزائرية، يرى الباحث في تاريخها، أحمد بن يغزر، أنه لم يكن في وُسع الأنظمة العربية إلا أن تكون في صف الثورة، بتبني مطلب التحرر، والتحرك الدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي، لاستجلاب التأييد العالمي للقضية الجزائرية. ولا شك أن كل ذلك أعطى زخما دوليّا مهما للثورة الجزائرية، على حد تعبيره.

ويقول في تصريح للجزيرة نت إنها شكلت محطة لامتحان سردية التضامن العربي، وخطاب الأمة الواحدة، فقد تزامن اندلاعها مع مد واضح لنزعة التحرر من الاحتلال الأجنبي، وكان للبلاد العربية بشعوبها ونخبها وأنظمتها آنذاك نصيب من ذلك.

الجزيرة

Share
  • Link copied
المقال التالي