Share
  • Link copied

فجيج تواصل الاحتجاج.. ما قصة ضيعات العرجة التي قررت الجزائر “ضمها”؟

واصل سكّان فجيج، شرق المغرب، الاحتجاج ضد ما أسموه بـ”سلب” الجزائر، لمجموعة من الضيعات الفلاحية التي يملكونها بمنطقة “العرجة السليمانية”، التي تبعد بحوالي 7 كيلومترات عن المدينة، بذريعة أنها أراضي تابعة للجمهورية، مندّدين بهذا الاعتداء الذي قامت به الجارة الشرقية.

وخرج العشرات من سكان المدينة، أمس الإثنين، وذلك لليوم الرابع على التّوالي، في مسيرة احتجاجية، مرددين شعارات المسيرة الخضراء، ومطالبين بتدخل الملك محمد السادس، ليتعويضهم في الممتلكات التي سيفقدونها بعد الـ 18 من شهر مارس الجاري، أقصى أجل تم تحديده من السلطات الجزائرية لإخلاء المكان.

العرجة.. مغربية بالتاريخ وجزائرية باتفاقية ترسيم الحدود

تقع منطقة العرجة، على بعد حوالي 7 كيلومترات شمال مدينة فجيج، وهي تابعة للتراب الجزائري، بناء على اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعت بين المغرب وجارته الشرقية في الـ 15 من شهر يونيو سنة 1972، والتي اعتمدتها الأمم المتحدة بشكل رسميّ، سنة 1989، قبل أن تنشر في الجريدة الرسمية عدد 4156، بتاريخ 22 ذي الحجة 1412 الموافق لـ 24 يونيو 1992.

غير أنه، ورغم كونها تابعةً للتراب الجزائري، إلا أنها في ملكية مواطنين مغاربة، منذ قرون طويلة، حيث ورّثها الأجداد للأبناء لاحقاً، وصولاً إلى الجيل الحالي الذي بدأ الاشتغال فيها خلال تسعينيات القرن الماضي، ويمتلكون وثائق، منها ما يعود لفترة الاستعمار الفرنسي للمنطقة، تُثبت أن الأرض، وقتها، كانت تابعة للمملكة المغربية، وكان ملاكها يدفعون الضرائب في مدينة جرادة.

حربُ الرّمال والصّلح.. ثم استكمال ترسيم الحدود

بعد حرب الرمال، التي اندلعت بين المغرب والجزائر، سنة 1963، بسبب مشاكل الحدود التي لم تشملها اتفاقية لالة مغنية، والتي سعت المملكة عبرها، لاستعادة أراضيها التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي وضمها إلى الجارة الشرقية، وهي ولاية تندوف، وبشار وأجزاء من تلمسان، قبل أن يتوقف الصراع لاحقاً بعد تدخل الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.

وبعد التوتّر في العلاقات، عادت المياه إلى مجاريها، بعد اتفاقية إفران في الـ 15 من يناير سنة 1969، والتي نصت على حسن الجوار، والمساواة بين مواطني الجزائر والمغرب في الحقوق والواجبات، والتي تلتها اتفاقية ترسمي الحدود بين المملكة والجمهورية، الموقعة سنة 1972، بين هواري بومدين والملك الراحل الحسن الثاني.

ونصت الاتفاقية المذكورة، التي أتمت اتفاقية لالة مغنية، بناء على معاهدة إفران سنة 15 يناير 1969، وتصريح تلمسان المشترك بتاريخ 27 ماي 1970، وبلاغ الرباط المشترك المؤرخ بـ 6 يونيو 1972، والتصريخ الجزائري المغربي الصادر بالرباط بتاريخ 15 يونيو 1972، على أن الحدود الجزائرية المغربية تتمتد من خط الطول 8 درجات و40 دقيقة، إلى السعيدية في أقصى الشمال.

العرجة.. أصل المشكل

بناءً على الاتفاقية المذكورة، التي وقعت سنة 1972، ونشرت في الجريدة الرسمية بعد عشرين سنة من ذلك (1992)، بسبب ما رافقها من جدل في الأوساط السياسية المغربية، فإن منطقة العرجة، تقع داخل التّراب الجزائري، كما توضح الصورة المرفقة، التي تُظهر، داخل الخط المرسوم بالأحمر، منطقة العرجة، شمال الواد غير المسمى، الفاصل بين المملكة والجمهورية.

رغم ترسيم الحدود، إلا أن الجدل الذي رافق الاتفاقية لاحقاً من الجانب المغربي، حال دون ضبط الحدود من كلا الطرفين، ولم تنشر الجزائر عناصر جيشها في منطقة العرجة، واكتفت بالتواجد في أعلى قمم الجبال المحاذية لها، وهو ما جعل الفلاحين، الذين يمتلكون تلك الأراضي، بناءً على شهادات ملكية تعود لعقود، منها واحدة موثقة بتاريخ 1939، خلال الاستعمار الفرنسي، يواصلون استغلالها.

سكوت مغربي.. واستغلال جزائري

عقب الاتفاقية المذكورة، لم تصدر السلطات المغربية أي قرار يقضي بمنع المغاربة من ولوج العرجة، واستغلال الضيعات الفلاحية المتواجدة بها، بالرغم من أن سكان فجيج، يتداولون فيما بينهم، بأن تلك المنطقة، تابعة للجزائر، حيث يمرّون خلال التوجه إليها، من الواد غير المسمى، حيث تتواجد عناصر من الجيش المغربي، صوب العرجة، الخالية من أي تواجد عسكري.

ومن جهتها، لم تمنع الجزائر، ولوج الفلاحين المغاربة إلى الضيعات التي كانوا يستغلونها، واكتفت بالتواجد في أعلى الجبال المطلة عليها منذ عقود، حيث اعتبر البعض، بأنها تعمدت ذلك، لترك هذه الورقة إلى غاية مجيء وقت مناسب لاستغلالها، وهو ما حدث بالفعل، بعد الانتصارات الدبلوماسية الأخيرة للمغرب في ملف النزاع المفتعل بالصحراء.

بسبب صمت السلطات.. فجيج لا يعلمون أن العرجة جزائرية

في ظلّ غياب أي منع من طرف المغرب، أو الجزائر، لوصول المزارعين إلى منطقة العرجة، وصمت سلطات المملكة عن إصدار أي توضيح بعد اتفاقية ترسيم الحدود سنة 1972، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1992، استمر السكان في الوصول إليها دون أي ردع من أي طرف.

وأكد مجموعة من سكان فجيج في تصريحات لـ”بناصا”، بأنهم لا يعلمون، نهائياً، أن العرجة تابعة للجزائر، ولو لم يقع ما وقع مؤخرا، لما عرفوا بأن المنطقة التي يزرعونها وتتواجد بها مزارعهم، تابعة ترابياً للجارة الشرقية، مرجعين الأمر إلى عدم توضيح السلطات المغربية لهذا الأمر بعد دخول اتفاقية ترسيم الحدود حيز التنفيذ.

الجزائر لها سوابق مشابهة.. وكان على المغرب الانتباه

وسبق للجزائر أن قامت بالفعل نفسه مع أراضي أخرى في مناطق قريبة من فجيج، مثل زوزفانة وتاغلة، اللتان ضمتهما الجزائر، بشكل متفرق، حسب الظروف التي تمر بها الساحة الإقليمية، حيث كانت تعمد، خلال كلّ فترة تشهد فيها هزائم دبلوماسية وسياسية ضد المغرب، إلى طرد المغاربة من أراضيها، والاستيلاء على ممتلكاتهم.

ولكون الجزائر، ذات سوابق في ميدان انتهاك حقوق الإنسان، فإن العديد من المتابعين للوضع، ومنهم أبناء مدينة فجيج، يحملون السلطات المغربية مسؤولية ما يقع الآن، حيث يؤكدون أنه، كان عليها منع المغاربة من الوصول إلى العرجة، باعتبارها خارج حدود المملكة.

سكان فجيج: لماذا الآن؟

ويتساءل الفلاحون ملّاك الضيعات المتواجدة عن السبب الذي جعل الجزائر والمغرب يسمحان لهم، باستغلال هذه الأراضي منذ أزيد من ثلاثين سنة، مشددين على أنه لو تم إخبارهم بأنها أراضي تابعة للجارة الشرقية، لم يكونوا سيواصلون الاشتغال فيها، والاعتناء بها، وبناء “فيرمات”، وغرس مزيد من النخيل داخلها.

وسبق لعبد الكريم بوبكري، أحد الفلاحين المتضرّرين، أن قال في تصريح لجريدة “بناصا”، إن المزارعين يستغلون هذه الضيعات منذ 30 سنة، استنزفوا فيها وقتهم ومالهم وجهدهم، دون أن يمنعهم أي شخص لا من الجزائر ولا من المغرب، مضيفاً أن آباءهم، شرعوا في زرع أشجار النخيل داخلها في ستينيات القرن الماضي.

المتضررون: قد نضحي في سبيل الوطن.. ولكن من لنا؟

ولا يمانع التضرّرون من هذا التحرك الجزائري، من حيث المبدأ، في التضحية في سبيل الوطن، وإخلاء المنطقة، حيث بدأوا بالفعل، قبل أيامٍ في نقل الأبقار والأغنام التي يملكونها، وتفكيك ألواح الطاقة الشمسية التي تتواجد بالمنازل التي شيدوها في العرجة، بشرط، ألا تتكرهم السلطات المغربية يعانون، وتقوم بتعويضهم عن الأضرار المادية التي لحقتهم جراء قرار الدولة الجارة.

وكان الفلاح بوبكري، قد أكد في تصريحه لـ”بناصا”، بأن المزارعين ليس لديهم “أي مشكل في الخروج حفاطاً على مصالح الدولة المغربية، وتفادياً لأي احتكاك بين الدولتين، وأيضا، حفاظاً على أمن البلاد وسلامة المواطنين، ولكن في المقابل، من الضروري أن نُعوض”، منبهاً إلى أن “هناك سدّاً أنشئ قبل سنوات، في الطريق المؤدية لبوعرفة، وتم تعويض ملاك الأراضي التي شيد فوقها بـ 600 مليون”.

مقترحات المتضررين.. منها استعادة الأرض

كشف فاعل جمعوي من فجيج، لجريدة “بناصا”، أن أغلب الفلاحين لا يمانعون في التعويض، على مضضٍ، مع اختلافات في صيغته، إلا أن هناك فئة أخرى، تطالب باستعادة العرجة، عبر التفاوض مع الجزائر للتوصل إلى حلّ يقضي، إما بإلحاق المنطقة بالمغرب، أو بترك المزارعين المغاربة، يستغلونها من دون مضايقات.

ومن جهة أخرى، يوضح الفاعل الجمعوي الذي فضل عدم ذكر اسمه، بأن المتضررين الذين يطالبون بالتعويض، مختلفون في صيغته ونوعيته، حيث تدعو فئة لتعويضها بمبلغ مهمّ، للتخفّف عنها الأضرار المادية التي لحقتها، في حين يشدد آخرون على ضرورة تعويض الأراضي بمثلها، إضافة لدعم ماليّ لإعادة غرس أشجار النخل.

وأردف المصدر، أن المتضررين، الذين يطالبون بتعويض الأراضي بمثلها، مع دعم مالي، يبرّرون الأمر، بأن غرس القطع مرة أخرى، يتطلب من 5 إلى 7 سنوات، من لحظة الغرس إلى غاية بدء النخل في إنتاج التمور، وهو ما يعني أنه، في حال لم يتم توفير مال إلى جانب الأراضي، فإن الفلاحين لن يجدوا مصدرا للدخل لمدة لا تقل عن 5 سنوات.

خسائر تُقدّر بمئات الملايين.. والدولة يصعب عليها التعويض

وأردف المتحدث ذاته بأن بعض الفلاحين لديهم أزيد من 1000 نخلة في الضيعات التي سيفقدونها يوم 18 مارس الجاري، بمنطقة العرجة السليمانية، يُقدّر ثمن الواحدة وما تُنتج بـ 5000 درهماً، أي أنه، حتى “وإن افترضنا أن هناك ضيعةً واحدة فقط، وبها هذا العدد من النخل، فإن القيمة المالية لها ستكون 5 ملايين درهم”.

ويقدر عدد النخل المتواجد بضيعات العرجة، بحوالي 40 ألف نخلة، بين البوري والمسقي، وهو ما جعل الفاعل الجمعوي المذكور، يستبعد أن تتمكن الدولة من تعويض المتضررين، بقيمة تصل إلى الملايير، مردفاً بأن هناك مطالب وسط الفلاحين، بأن تعوضهم السلطات بمبلغ محترم، لا تتضرّر فيه الدولة، ولا يتضرّر فيه المواطنون.

ضياع المئات من فرص الشغل

الخطوة الجزائرية التي تتجاوز كلّ الاتفاقيات السابقة التي جمعتها بالمغرب، وعلى رأسها اتفاقية إفران، التي نصت على ضرورة السماح لمواطني البلدين بحرية تملك الأراضي واستغلالها، من شأنها أن تتسبب في ضياع المئات من فرص الشغل التي توفرها ضيعات العرجة لسكان مدينة فجيج ونواحيها.

وأوضح مصدر مطلع في تصريح لـ”بناصا”، أن الضيعات التي يقارب عددها الـ 30، والتي يشتركها في تسييرها، في الغالب، 3 إلى 4 إخوة، أو من عائلة واحدة، توفر المئات من فرص الشغل بين الدائمة والموسمية، لفائدة قاطني فجيج، وحتى من مدن قريبة مثل بوعرفة، إلى جانب خسائر كبيرة للفلاحين الصغار، ممن كان يشتغل في الضيعات ويحرسها، حيث وجدوا أنفسهم فجأة بدون عمل.

تمر “أزيزا”.. ثروة ضاعت في العرجة!

وإلى جانب الأراضي وأشجار النخل التي ستضيع في منطقة العرجة، فإن الأخيرة، تتوفر، حسب تصريحات للمصدر السابق، على واحدة من أجود أنواع التمور على مستوى المغرب وحتى العالم، وهو “أزيزا”، الذي يمكن أن يصل ثمنه حتى الـ 250 درهماً للكيلوغرام؛ بالنسبة لنوع الجيد، وهناك أنواع أخرى منه تتراوح أثمنتها بين الـ 50 درهما والـ 150.

وشهد شاهد من أهلها..

الصحافي الجزائري، وليد كبير، اعتبر خلال استضافته من طرف محمد بنداحة، على قناته بموقع “يوتوب”، أن الجنرالات في الجزائر، تعمدوا ترك ملف العرجة لتوظيفها في التوقيت المناسب، الذي رآى بأنه قد حان، من أجل أن يحقق نقاط في ملف الصحراء، ولا يمهمه أي حفاظ على التراب الجزائري، وإلا لكان تواجد بالمنطقة منذ سنة 1972.

وناشد كبير، سكان فجيج بالالتزام بما طلبته منهم السلطات المغربية، بشأن إخلاء منطقة العرجة قبل الـ 18 من مارس الجاري، باعتبارها تابعةً للجزائر، وعدم الانجرار وراء ما تخطط له قيادة قصر المرادية، التي تسعى إلى جرّ المنطقة إلى حرب بين البلدين، خصوصاً في ظلّ الانتصارات التي حققتها المملكة في قضية الصحراء المغربية.

واقعة طرد الجزائر للمغاربة من أراضيها ليست الأولى

واقعة طرد الجزائر للمغاربة من أراضيها ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لها، سنة 1975، أن قامت بجمع حوالي 350 ألف مواطن جزائري من أصول مغربية، أو مغربي، في شاحنات تابعة للجيش والدرك، وقامت برميهم في حدود المملكة، سالبةً إياهم الأراضي والضيعات والمزارع والمشاريع التي كانوا يملكونها.

وعملت الجزائر، على القيام بأعمال عدائية ضد المواطنين المغاربة المقيمين على أراضيها، أو أولئك المنحدرين من أصول مغربية، بعد كلّ انتصار تحققه المملكة على المستوى الإقليمي، حيث كان طرد الـ 350 ألفاً سنة 1975، ردّاً على المسيرة الخضراء، وهو ما ينطبق على ضمّ زوزفانة وتاغلة، وأخيراً “العرجة”.

Share
  • Link copied
المقال التالي