يوثق تاريخ العاشر يناير من سنة 1961، حجم المأساة والمرارة الإنسانية التي يسترجعها أبناء وعائلات ضحايا غرق سفية “إيجوز” التي كانت تحمل المهاجرين السريين اليهود من المغرب إلى إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل غير قانونية.
وبعد وقت وجيز من إبحار سفينة “إيجوز” من ميناء الحسيمة (في رحلتها الثالثة عشرة) مع 44 من المهاجرين اليهود على متنها، غرق جميع المهاجرين، جنبا إلى جنب مع أعضاء طاقم السفينة الإسبانية، وتم انقاذ ثلاثة أخرين من أفراد الطاقم، وانتشال 22 جثة بينما ضاعت بقية الجثث في البحر.
جيلا غوتمان أزولاي، البالغة من العمر 70 سنة من مدينة حيفا، تروي بعض تفاصيل هذه القصة المؤلمة لصحيفة “جيروزاليم بوست”، بعد أن فقدت ستة من أفراد أسرتها في هذه المأساة، قائلة: “قبل الكارثة، كنا ثمانية أطفال وأمي، وبعد تلك الليلة المصيرية بقي ثلاثة منا فقط على قيد الحياة”.
ووفقا للصحيفة العبرية ذاتها، التي نشرت القصة يومه (الخميس)، فقد تم تهريب غوتمان أزولاي من المغرب في سن العاشرة، مع شقيقتها فاني، 12 سنة، وقد ساعدتهم الحركة السرية اليهودية العاملة في المغرب، حيث كان شقيقها الأكبر ديفيد عضوا نشطا بها (الحركة).
ورجح المصدر ذاته، غرق سفينة “إيجوز” بعد أن جنحت وانقلبت، وتم في النهاية انتشال جثث 22 ضحية، ولم يتم العثور على جثث الضحايا الباقين، ومن بين الذين لقوا حتفهم في تلك الليلة عميل الموساد حاييم تسرفاتي الذي كان يرافق المجموعة التي كان نصف ضحاياها من الأطفال.
وبدموع حارقة تتذكر غوتمان أزولاي، قائلة: “لقد مرت سنوات عديدة قبل أن أتحدث عن ذلك”. وأردفت:”سمعنا عن السفينة التي غرقت قبل أن نصل إلى إسرائيل، ولم يكن لدينا أي فكرة عن أن أفراد عائلتنا الذين كانوا في تلك الرحلة”.
وزادت المتحدثة ذاتها: “تم إخبارنا أنا وأختي بوفاة عائلتنا بعد شهرين فقط، كنا في مدرسة داخلية هنا في إسرائيل عندما وصل عمنا ذات يوم وأخذنا إلى منزله، حيث أخبرنا بالفاجعة قائلا إنه لم ينج أحد من الماء البارد وأن والدتنا مع خمسة من أشقائنا قد غرقت”.
وأضافت،”لقد سمع الجميع في مدرستنا الداخلية بما حدث لعائلتنا، ومع ذلك لم يتحدث أحد معنا عن ذلك، بما في ذلك مستشارنا والمدير. لقد تلقينا للتو أسوأ الأخبار الممكنة، ومع ذلك لم يهتم أحد بنا. وسرعان ما فهمت أنه من المخجل أن أخبر أي شخص أنني فقدت عائلتي بأكملها. اعتقدت أنه ربما لأنني كنت فتاة سيئة”.
وأوضحت غوتمان أزولاي، أنه و”لمدة 20 عامًا أخفيت خسارة عائلتي ولم أتحدث عن ذلك مع أي شخص. فعلت ذلك فقط بعد أن تزوجت وأنجبت أطفالي الذين ظلوا يسألونني لماذا لم يكن لديهم أجداد، عندها بدأت في التحقيق والنبش في ماضي”.
وتابعت، “ذات يوم سمعت عبر الراديو أحدهم يقول إنه قاد سفينة نقلت يهودًا إلى إسرائيل من المغرب. واتصلت على الفور بالمحطة الإذاعية وسألته عما إذا كان بإمكاني التحدث معه. كانت تلك بداية رحلتي الطويلة لكشف ما حدث لعائلتي. والتقيت بالعديد من الأشخاص الذين شاركوا في هذه الرحلات السرية، بما في ذلك 12 رحلة قامت بها سفينة “إيجوز” قبل الرحلة 13 المصيرية التي انتهت بغرق أفراد عائلتي”.
وفي جوابها على تورط شقيقها ديفيد في نشاط تهريب اليهود خارج المغرب مع المأساة، قالت أزولاي:”كان ديفيد في التاسعة عشرة من عمره في ذلك الوقت، وكان يتعامل مع الأخبار بجدية شديدة، لأنه كان نشطًا في في الحركة، وشارك في إقناع اليهود بالمغادرة على هذه السفن، فقد شعر بالمسؤولية الشخصية عن غرق أفراد عائلتنا”.
واسترسلت المتحدثة بالقول: “لقد عاش مع هذا الشعور الغامر بالذنب لبقية حياته، ولم يتحدث عن ذلك ولو مرة واحدة، وقبل أربع سنوات، أي قبل وفاته، أخبرني أنه على الرغم من حقيقة أن لديه عائلة جميلة خاصة به والعديد من الأحفاد، إلا أنه لا يزال يفتقد والدتنا بشكل رهيب. قال لي والدموع في عينيه: “كان من المفترض أن تكون هي وإخوتنا هنا معنا الآن”. لن أنسى تلك اللحظة.”
بدورها فقدت سوليكا بيريتز البالغة من العمر 85 عامًا والتي تعيش الآن بمدينة مجدال هعيمق الإسرائيلية، خمسة من أفراد أسرتها في مأساة إيجوز: “كنا سبع شقيقات نعيش مع والدينا في الدار البيضاء وانتقلت إلى إسرائيل مع زوجي عندما كان عمري 18 عامًا، ووصلت ثلاث شقيقات أخريات خلال السنوات القليلة التالية”.
وفي عام 1961، تضيف سوليكا، قررت والدتي وأختي وزوجها وطفليهما الهجرة بحقيبة واحدة لخمسة منهم ونجحوا في تجنب الشرطة المغربية وهم يشقون طريقهم بهدوء في منتصف الليل إلى الميناء. حيث جرى كل شيء في سرية تامة وكان خوفهم من القبض عليهم هائلا”.
من جانبها، قالت إيريس سويسا، التي فقد عمها وعائلته بأكملها في مأساة إيجوز، “بالنسبة لجدتي، هناك حياة قبل المأساة، ثم كل ما حدث منذ ذلك الحين. “أتذكر مرات عديدة عندما كنا نذهب لزيارة جدتي. كنا نجدها جالسة على الأريكة في غرفة المعيشة تهتز بنفسها وهي تراقب الشموع التي أضاءتها تخليدًا لذكرى عمي الذي مات في إيجوز. كان من المفجع أن أراها هكذا. كانت تتحدث دائمًا عن ابنها الأكبر قائلة: “لقد فقدت عيني وروحي”.
وأضافت سويسا، “أعتقد أن والدي ربما تحمل وطأة حزنها العميق، لأنها تشبثت به بشدة حتى لا تفقده أيضًا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل أطلقت عشرات المهمات السرية إلى المغرب ودول أخرى بأمر من رؤساء الوزراء نظير شمعون بيريز وإسحاق شامير واسحق رابين. وقاد البعثات سام بن شتريت، الذي أسس لاحقًا جمعية لإحياء ذكرى “كارثة إيجوز” وإرث هجرة يهود شمال إفريقيا إلى إسرائيل.
كما عملت المنظمة، يضيف المصدر ذاته، على إقناع الملك الراحل الحسن الثاني بالسماح بإحضار رفات 22 جثة تم انتشالها إلى إسرائيل لدفنها في ما أصبح يعرف باسم عملية أييليت هاششار. وتم دفن الجثث في جبل هرتسل في 14 دجنبر سنة 1992.
تعليقات الزوار ( 0 )