في ظل توتر دبلوماسي متصاعد بين باريس والجزائر، تطفو على السطح قضية جديدة تزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين: الفواتير الطبية غير المدفوعة التي تركها مرضى جزائريون في المستشفيات الفرنسية.
ووفقًا لمصادر قريبة من الملف، بلغت هذه الديون 44.9 مليون يورو في عام 2023 فقط لمجموعة مستشفيات “AP-HP” في باريس، مما يضيف عبئًا ماليًا كبيرًا على النظام الصحي الفرنسي.
وكشف تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2017 أن المرضى الجزائريين الذين يحملون تأشيرات سياحية أو دبلوماسية يتوجهون بانتظام إلى فرنسا لتلقي العلاج، خاصة للأمراض الخطيرة التي لا تغطيها التأمينات الصحية المطلوبة للحصول على التأشيرة.
ورغم أن هذه الأمراض غالبًا ما تكون “قائمة قبل وصولهم إلى فرنسا”، إلا أن المستشفيات الفرنسية توفر لهم العلاج لأسباب أخلاقية وإنسانية، حتى مع وجود “مخاطر كبيرة بعدم السداد”.
ومن بين الحالات التي أثارت الجدل، ترك عضو في القنصلية الجزائرية فاتورة غير مدفوعة بقيمة 30 ألف يورو بعد علاجه في مستشفى بمدينة ليل. كما أن شخصيات أخرى تحمل جوازات دبلوماسية تركت بدورها فواتير طبية باهظة بعد تلقيها علاجًا في مستشفيات فرنسية مرموقة.
ورغم وجود بروتوكول صحي بين فرنسا والجزائر يعود إلى عام 1982، إلا أن عملية استرداد هذه الديون تظل معقدة وبطيئة.
وترفض شركات التأمين الخاصة تغطية بعض العلاجات المكلفة، في حين أن القضاء الإداري الفرنسي يميل إلى تأييد تقديم الرعاية الصحية دون شروط مسبقة.
وأكد مارتن هيرش، المدير العام السابق لمستشفيات “AP-HP”، أن المفاوضات مع الجانب الجزائري كانت صعبة، حيث ردت الجزائر بأنه “من مسؤولية فرنسا رفض علاج المرضى الذين لا يتم تغطية نفقاتهم”.
كما كشف سفير فرنسا السابق في الجزائر، كزافييه دريانكور، عن أن هذه القضية كانت موضوع مفاوضات سنوية بين البلدين، حيث قال له دبلوماسي جزائري ذات مرة: “إحسانكم المسيحي سيهزمكم”.
وتأتي هذه القضية في وقت تعاني فيه مستشفيات “AP-HP” من عجز مالي كبير، حيث من المتوقع أن يصل العجز إلى 460 مليون يورو في عام 2024.
ورغم أن هذه الديون تشكل جزءًا من النقاشات بين باريس والجزائر، إلا أن وزارتي الصحة والخارجية الفرنسيتين تبدوان غير متحمستين لرفع القضية إلى مستوى أعلى.
وتعكس قضية الديون الطبية غير المدفوعة تعقيدات العلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي تتأرجح بين التعاون والتوتر. فبينما تلتزم فرنسا بتقديم العلاج لأسباب إنسانية، تتحمل الجزائر مسؤولية دفع الفواتير التي يتركها مواطنوها.
تعليقات الزوار ( 0 )