حلت أمس، في مايشبه صمت القبور، الذكرى الثالثة والأربعون لأحداث أرخت لفترة طويلة، بظلال ثقيلة على الحياة السياسية والاجتماعية والحقوقية للمغرب، إذ مع اقتراب صيف 1981، وتحديدا يوم 28 مايو، أعلنت الحكومة، استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولي، عن قرار زيادة تفوق 50 بالمائة في المواد الأساسية من سكر وزيت وزبدة وطحين.
مبررات تلك الزيادة كان جاهزة وقد لا تخلو من أسباب معقولة: التكاليف الباهظة للحرب الضروس التي كان يخوضها المغرب في أقاليمه الجنوبية دفاعا عن وحدته الترابية، تراجع في مداخيل الفوسفاط…لكن ما ليس معقول ولا مقبول سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا هو تحميل الطبقات الوسطى والمسحوقة وحدها تكلفة ذلك.
نجم عن القرار الحكومي موجة احتجاجات بما في ذلك لدى البرلمانيين الموالين للحكومة، كما دعت نقابة الاتحاد المغربي للشغل إلى إضراب عام يوم 18 يونيو أدى إلى شلل المرافق الاقتصادية بالدار البيضاء، مما جعل الحكومة تقرر تخفيض الزيادة في الأسعار بنسبة 50 بالمائة، لكن كان لحزب الاتحاد الاشتراكي وللكنفدرالية الديمقراطية للشغل رأي آخر.
فقد دعت الكنفدرالية، التي كانت مرتبطة حينها بحزب الاتحاد الاشتراكي، إلى إضراب وطني عام يوم 20 يونيو احتجاجا على السياسة اللاشعبية للحكومة، بالمقابل سخرت الدولة إمكانياتها لإفشال الإضراب مما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع المحتجين بمدينة البيضاء وسقوط مئات القتلى والجرحى حسب أوساط المعارضة (تم الكشف، في إطار أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2005 عن 77 جثة في مقبرة جماعية)، وآلاف المعتقلين في مختلف أرجاء البلاد بما فيهم حوالي 150 من المناضلين النقابيين والحزبيين الاتحاديين، ومنع جريدة “المحرر” و”ليبيراسيون” لسان حال الحزب من الصدور.
بالرجوع إلى تلك الأحداث التاريخية الأليمة، والتي هي جزء لا يتجزأ من سنوات الرصاص التي عاشها المغرب، يحق للباحث والحقوقي والمؤرخ أن يتساءل عن الأشواط التي اجتزناها كدولة ومجتمع للقطيعة مع ماض الانتهاكات الجسيمة، وأن يتساءل أيضا إلى أي مدى تم تجاوز فترة تاريخية كان فيها” المجتمع ضد الدولة” كما تجسد ذلك بالملموس عبر سلسلة من الانتفاضات الحضرية (1965، 1981، 1984، 1991)؟
من جهة ثانية ألا يمكننا أن نتساءل بعد مرور أزيد من ثلاثة عقود عن آخر انتفاضة حضرية بالمغرب، ألم تكن تلك الانتفاضات الحضرية، بجانب محاولات مختلفة الأشكال والمصادر لإسقاط النظام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تعبيرات سياسية عن انسداد الأفق السياسي وغياب حد أدنى من التوافقات ما بين الفاعلين السياسيين الأساسيين بالمغرب وذلك إلى حدود دستور 1996؟ لكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن أي تأطير وتأثير يمكن أن تمارسه اليوم طبقة سياسية فاسدة (بيمينها ويسارها) على الجماهير التي ما تنفك مشاعر اليأس تتعمق داخلها باستمرار؟
ما هو أكيد أن المغرب عاش منذ انتفاضة 20 يونيو1981 أن المغرب مسارا طويلا ومتعرجا وتارة مؤلما +لتحقيق مصالحة مع ذاته ومع تاريخه، مما أفرز إجماعا حول الثوابت الوطنية ( الإسلام، الوحدة الترابية، الملكية)، مما جعل طبيعة الصراع تنتقل من استراتجية الاستيلاء على الحكم إلى استراتجية تدبير الحكم، والتي تجد إحدى تعبيراتها الايجابية في بروز مجتمع مدني حي وفاعل يعبر عن مطالبه و احتجاجه بشكل سلمي ، في انتظار ثورة تصحيحية تخرج الأحزاب الوطنية من غرفة الإنعاش التي ترقد فيها.
تعليقات الزوار ( 0 )