Share
  • Link copied

من مُنع في الجزائر من صلاة الجمعة المواطن أم المؤمن؟

قررت الحكومة أخيرا السماح للجزائريين بالعودة إلى نوع من الحياة العادية، بداية من الأسبوع المقبل، بعد حجر صحي دام أكثر من خمسة أشهر. القرار شمل كل النشاطات التجارية والترفيهية، بما فيها المطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه والعبادة وعلى رأسها المساجد، التي انتظر قرار فتحها الجزائريون باهتمام كبير. القرار تضمن استثناء واحدا، لا عودة لصلاة الجمعة، حتى وهو يسمح بإعادة فتح المساجد ذات الحجم الكبير، التي تستوعب أكثر من ألف مصل، طول أيام الأسبوع بما فيها يوم الجمعة.

استثناء صلاة الجمعة الذي سيثير أكثر من تساؤل، ليربط بقضايا سياسية، وليس دينية او صحية، من قبل الجزائريين، لأنه يمكن ان يفهم كموقف من الدور السياسي الذي لعبه المسجد وصلاة الجمعة تحديدا، طول أيام الحراك الذي شهدته الجزائر لأكثر من سنة، فقد ارتبط بيوم الجمعة ـ يوم عطلة نهاية الأسبوع في الجزائر منذ 1974- خاصة أن قرار الحكومة سمح بأداء صلاة العصر، المغرب والعشاء حتى بالنسبة ليوم الجمعة. ليستثني بشكل غريب صلاة الجمعة تحديدا، ما يفقد القراءة الصحية المرتبطة بانتشار الوباء الكثير من مصداقيتها.

تعليق صلاة الجمعة الذي لا يمكن فهمه إلا بالعودة الى مكانة المسجد في حراك الجزائريين، ومكانة صلاة الجمعة تحديدا التي ارتبطت بانطلاق المسيرات الشعبية في كل المدن الجزائرية، التي كانت البؤرة الأساسية للحراك على خلاف المناطق الريفية. بعد أن ارتبط خروج الجزائريين في مسيراتهم الأسبوعية بالعدد والكثافة الديموغرافية، التي لا تتوفر إلا في المدن الكبرى والمتوسطة، التي تعيش فيها أغلبية الجزائريين. حصل اثناءها نوع من الاتفاق بين الجزائريين والجزائريات، من يصلي منهم ومن لا يصلي، بانتظار خروج المصلين للبدء في المسيرات. رسخت اثناءها صلاة الجمعة كممارسة دينية واجتماعية شعبية مركزية في يوميات الحراك، لذا يبدو ان قرار منع صلاة الجمعة قد عرف كيف يتوجه لها مباشرة. منع يتوجه إلى المواطن وليس إلى المؤمن، إذا دققنا في تشريح مسيرات الحراك ومحطاتها الأساسية. فالمنع يبقى المقصود به المواطن الذي يخرج بشعارته السياسية كل يوم جمعة مباشرة بعد الانتهاء من أداء صلاته، وليس المؤمن الذي يؤدي فريضته داخل المسجد، بدليل انه لم يمنع من أداء صلواته الأخرى بما فيها يوم الجمعة، إذا استثنيا صلاة الجمعة ـ المسيرة. مواطن عرف كيف يعيش ايمانه في المسجد وهو يؤدي فريضته، وكيف يمارس مواطنته وهو يرفع شعاراته السياسية ويسير في مسيراته الشعبية، بمجرد الانتهاء من أداء هذه الفريضة الدينية، والخروج من هذا الفضاء الديني الذي عرف الحراك كقاعدة عامة كيف يحافظ على دوره الديني، في أشد الأوقات استقطابا، لنكون أمام أحد الدروس التي استخلصها الحراك من التاريخ القريب للبلد، عندما تم فيها الزج بالمسجد ومن ورائه الامام، في غياهب السياسة وحتى التحزب والعنف، حولت لسنوات المسجد الى فضاء غير آمن على المؤمنين.

مسيرات يشارك في رفع شعاراتها السياسية من صلى ومن لم يصلِ، المرأة والرجل، الفقير والغني. الكبير والصغير في السن. بمجرد الانتهاء من صلاة الجمعة التي أصبح من العادة أن تتم داخل المساجد وخارجها، كذلك نظرا للأعداد الكبيرة من المصلين، في عشرات الآلاف من المساجد التي بنيت في الجزائر بعد الاستقلال، خاصة في المدن الكبرى والمتوسطة التي كان المسجد وحتى الصلاة كعبادة مغيبة فيها كممارسة اجتماعية واسعة الانتشار، لغاية فترة ما بعد الاستقلال. لما ميز المدينة الجزائرية تاريخيا، من طابع كولونيالي. حراك سمح للجزائريين بتكريس فعلي وعلى أرض الواقع، لما يتميزون به كمجتمع يعرف تجانسا دينيا كبيرا، رغم الأهوال التي عاشوها في تاريخهم القريب، جراء الاستعمال السياسي للدين، اكتووا بناره كبقية شعوب المنطقة، في مرحلة صعود الإسلام السياسي، بداية من ثمانينيات القرن الماضي. تجربة قرروا عدم العودة لها، كما أكدوه مدة أكثر من سنة من الحراك الشعبي، التي تم التركيز فيها على عدة خصائص استمدوها من تجربتهم السياسية الجماعية القريبة، كالطابع السلمي والعمل بكل قوة على تجنب الدخول في متاهات النقاشات الهوياتية والثقافوية، التي عانوا من نارها لعقود طويلة. حاولت بعض مراكز السلطة العودة بهم لها لإضعاف قوة تجنيدهم التي اكتشفوها بمناسبة حراكهم الشعبي. بعد أن فشلت في التعامل الإيجابي مع مطالبهم.

ابتعاد الجزائريين عن النقاشات الدينية التي لا تعني مطلقا أن المجتمع الجزائري لا يتحرك دينيا، وفي العمق من داخله وبين فئاته الشابة تحديدا، التي عادت إلى علاقات مركبة بالظاهرة الدينية، من سماتها الاتصال المباشر بالنص الديني والقراءة المتعددة التي يغلب عليها الطابع الفرداني، بكل ما يحمله من تساؤلات وحتى حيرة فكرية وشكوك. هي التي تفسر تلك السوق الدينية التعددية التي يعيشها الجزائري في الوقت الحاضر، والتي يتقاطع فيها الإيمان بالشك، مع نوع من التعددية الدينية والمذهبية، لم تصل لحد الآن إلى المس بمركزية الإسلام السني المالكي، كما عرفته الجزائر منذ قرون.

يتم كل هذا في مجتمع مازال أبناؤه مقتنعين بعد أكثر من سنة من الحراك أنهم تغيروا بشكل كبير في علاقاتهم ببعضهم بعضا، تعرفوا على أنفسهم وعلى مجتمعهم حتى وإن لم ينجحوا في تغيير نظامهم السياسي، ولا حتى التعرف على آليات تسييره من الداخل، بمن فيه رجاله المتحكمون في زمام قراره، بعد سلسلة التغييرات التي عاشها منذ انطلاق الحراك. الذي يبقى الهاجس الأساسي لهذا النظام، وهو يبين استعصاءه على التغيير بشكل حار فيه العرب والعجم. نظام سياسي زاد منسوب تخبطه، كما عبرت عنه القرارات الأخيرة التي لم يكتف فيها بمنع صلاة الجمعة، بل صلاة المرأة تحديدا، التي منعت من صلاة الجمعة، على غرار الأطفال. كتعبير عن ذكورية مترسخة من الصعب إيجاد تفسير ديني لها، حتى عندما يتعلق الأمر بنظام سياسي تعوّد تاريخيا على توريط المؤسسة الدينية الرسمية في قراراته المرتجلة، التي يلجأ فيها للدين عندما يخدمه ذلك، لنكون أمام علاقة انتهازية بالنص الديني، زادت في تعميق أزمة شرعية المؤسسة الدينية الرسمية، التي تعودت على تبرير كل القرارات السياسية على غرابتها، بما فيها منع صلاة الجمعة في مجتمع مسلم على المرأة قبل الرجل.


*كاتب جزائري

Share
  • Link copied
المقال التالي