حاليا كثر القيل و القال بخصوص التدبير الإداري و المالي لحالة الطوارئ المتعلقة بهذا الوباء. أقصد هنا خصوصا طرق تدبير المشتريات العمومية في ظل هذه الجائحة، فمنهم من ألح على الإعلان عن طلبات العروض رغم كل الإكراهات الفنية المتعلقة بذالك ومنهم من دعا إلى تفعيل الصفقات التفاوضية و منهم من حبس الأمر في سندات الطلب.
بادئ ذي بدء، وجب التذكير أن هذا المقال
مقيد بتاريخ نشره، أي أن ما فيه مرتبط بتاريخ اليوم وبناء على ما تم نشره من
قوانين و مراسيم و دوريات وقرارات إلى حدود 10 أبريل 2020.
ثانيا، يجب الحسم في نقطة أراها جد هامة،
كثير من المداخلات، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي تعتمد على آراء فردية أكثر
منها علمية أو قانونية أو بناءا على شهادات لأهل العلم أو كما يزعمون دون سند
قانوني. يمكن اختزال أغلبها في حالة من الخوف و التخويف من الصفقات التفاوضية
باعتبار ما شهده المغرب مؤخرا من متابعات قانونية لبعض الآمرين بالصرف سواءا في إطار
التأديب المالي أو جرائم الأموال. هذا الوعيد زكاه التراخي و التهاون لدى بعض
المسيرين؛ بالمقابل، فإن الدعاة إلى الصفقات التفاوضية ليسوا كلهم ملائكة تدعوا
إلى إنقاذ البلاد و العباد مهما كان “الثمن” بصيغة أخرى أكثر وضوحا و
كما يقول المثل الشعبي “عام الجيفة كتسمان الكلاب”.
أضف الى ذالك أنني تعمدت عدم سرد المواد القانونية و مختلف المساطر لجعل المقال خفيفا مركزا و سهل المنال للقارئ.
لأجل كل ذالك و في خضم الأحداث، ما هي يا ترى أنسب الطرق و أنجعها للتدبير الإداري للجائحة ؟
أولا: في ما يخص طلب العروض، هذه الطريقة لازالت معتمدة مع بعض التدابير المستحدثة لتجنب انتشار الفيروس و تتعلق بجميع المشتريات التي يراها صاحب المشروع غير مستعجلة، حيث يعمد الى نشر الإعلان في الجرائد الإلكترونية عوض الورقية و الاكتفاء بفتح الأظرفة في جلسات مغلقة. يستشف من ذالك أن الإعلان الورقي ليس بملزم حاليا و حقيقة الأمر أن هذا هو التوجه الوطني منذ مدة طويلة منذ اعتماد نشر الإعلان إلزاميا على مستوى بوابة الصفقات العمومية. نفس الحال بالنسبة لجلسات فتح الأظرفة و التي سبقتها بكثير مسطرة المناقصة الإلكترونية المعكوسة بالنسبة لصفقات التوريدات المتداولة. و على كل حال فإن هذه المسطرة مرتبطة فقط بالنفقات الضرورية وفي حدود 50 الى 80 في المائة من عمليات الإلتزام المعتادة لكل قطاع.
ثانيا: في ما يتعلق بسندات الطلب، فلقد عمد المشرع، فقط للمؤسسات العمومية و قطاع الصحة، إلى إلغاء سقف سندات الطلب. طبعا هذا الإستثناء لا يشمل الجماعات المحلية. هنا و ردا عمن يقول بأن الجماعة لن تتجاوز المبلغ المحدد في المرسوم، نجيبه بأن الأمر هو مسألة مبدأ و أن الحال لا يمكن تعميمه على جميع الجماعات بالمملكة.
من جهة أخرى، فإن المدافعين عن هذه
المسطرة حجتهم في ذالك أن صفقة تفاوضية هي في هذه الظروف حق أريد به باطل، و الحال
هنا أن حجتهم مردود عليها جملة و تفصيلا، فبالعكس تماما إن سندات الطلب لا تستلزم
أي شكل من أشكال التدقيق والتمحيص في الشركات المتنافسة. بل أكثر من ذالك فإن عدة
أراء للجنة الوطنية للطلبيات العمومية أكدت غير ما مرة أن سندات الطلب لا يمكن
اعتمادها لصد الإستعجال. لكن، هنا نتساءل إذا لماذا عمدت الدولة إلى إلغاء سقف
سندات الطلب، ألا يعتبر ذالك إقرارا ضمنيا منها أن سند الطلب يجوز اللجوء إليه في
حال الإستعجال، ألا يناقض ذالك المرسوم المنظم للصفقات العمومية ؟
قد يقول قائل أن اعتماد سند الطلب لم يقصد به رد الإستعجال إنما فقط لتبسيط المسطرة، كما وافقت عليه اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، هنا يجب التنبيه أن ما هوـ تبسيطـ فهو في حقيقته رد للإستعجال و بالتالي فالأصل واحد و العلة واحدة.
ثالثا: أخيرا فإن الصفقات التفاوضية جعلت ـ بقوة القانون ـ الوجه الأوحد للشراء أثناء الإستعجال. لكن هنا يجب التبيه أن المرسوم 2013 المتعلق بتفويت الصفقات العمومية يحث في المادة 86 الفقرة بأن الأعمال التي يجب إنجازها في حالة الإستعجال القصوى و الناجمة عن ظروف غير متوقعة بالنسبة لصاحب المشروع و غير ناتجة عن عمل منه و التي لا تلائم الآجال التي يستلزمها إشهار وإجراء منافسة مسبقين.
إذن لا يمكن لكائن أيًا كان أن ينكر أن هذه العناصر متوفرة كلها في هذه الأيام. لكن يصعب فهم عدم وجود منافسة في أغلب المشتريات، لأن أغلبها متوفر عند العديد من المتنافسين. هنا مربط الفرس و اللبس يقع لكثير من الفاعلين في الميدان و لربما يستطيع صاحب المشروع القيام بمنافسة ولو أن المشرع لم يشترطها, كما ذهب الى ذالك التشريع الأروبي. و على أي حال فهذه الطريقة هي أجدى و أنفع من سندات الطلب باعتبار أيضا أن المتنافسين ملزمين بالإدلاء بملفاتهم الإدارية و التقنية قصد اثبات كفاءاتهم.
* خبير في مجال الصفقات العمومية
تعليقات الزوار ( 0 )