Share
  • Link copied

الوعي بالوعي !

 يرتبط العقل بالعديد من المفاهيم التي تشترك معه في تكوين جدلية مرة، ودلالة مرة أخرى، وتبقى تسير العلاقات في هذا الاتجاه حتى تقف عند “الوعي”، لتعبر عن نتاج مكثف، وخلاصة مفيدة لصيرورة “دورة حياة العقل الإنساني”، ومنتجات التفكير، والتفكر وتحديد مرحلة الإدراك الحقيقي عنده.

فحين يقال: “المكتوب مبين من عنوانه”، في الدارجة العامية، فإن ذلك يشير لتوقع واضح المعطيات، والأسباب، وكذلك الحال بالنسبة لقياس القدرة العقلية الحقيقية على الاستفادة من حصاد ما اكتسبته من معارف، وما احتكت به من ظروف، متوجاً بما يسمى: الوعــــــــــي (Consciousness). إذ يحتل هذا الموضوع حيزاً نابضاً في التفكير الفلسفي باعتباره أحد أهم “الحبكات”، في الفلسفة العقلية، لما له من دور مهم ومحوري في بناء العمليات العقلية، مما دفع للعناية به في العديد من فروع المعرفة، سيما المتداخلة “مباشرةً” مع صناعة السلوك وتوجيهه، فنجد أن الوعي درس لازم في كل من علم النفس متزايد الاهتمام بين الأوساط المجتمعية، ومجال الذكاء الاصطناعي وما يبدو عليه من “شريك حتمي للإنسان”، وغيرها من الحقول الفكرية والبيولوجية الحساسة.

وحين كان الوعي بناء مشيد في حلته الكبرى، من لبنات تأسسه وتكمل صورته الفسيفسائية الكبرى، فقد عني العديد من الفلاسفة بالسبر في أبعاد ما يسمى ب: “الفلسفة العصبية”، المنسدلة من الفلسفة العقلية بصورتها الكبرى، إذ مثل الفيلسوف بول تشيرشلاند، عقلاً منفرداً بدراسة التفسير الحسي “العصبي”، للخبرة الواعية بأنواعها، من مثل الخبرة المكسبة من أعضاء الإبصار، والشم، والتذوق، وما إلى ذلك، وصولاً لتفسير الوعي كمفهوم، وتمييز الأنواع التي قد يكون عليها مع الإشارة لخصائصه، وبالتالي مثلت الفلسفة العصبية مزيجاً جامعاً بين الحس الفلسفي (العقل)، والعلم العصبي (المخ).

وبالنظر للوعي، فيمكن اعتباره  تعبيراً عن ذاتية الخبرة الواعية، كما يعتبر عنها الفلاسفة،  الأمر الذي يفسر اشتراك الإنسان مع الحيوان في وجود الوعي، ولكن بتفاوت طبيعة ذلك الوعي، فهو نتاج من التفاعل العصبي مع “المحرضات” المحيطة من عوامل ومؤثرات، ولكن هذا لا ينفي “محدودية” وعي الحيوان المبني على الاستجابة للغرائز، بينما يمتد وعي الإنسان لوعي تلك الغريزة بحد ذاتها، وإعادة التفكير فيها، مما يستجيب والدور الذي وجد لأجله هذا الكائن.

إن الاهتمام بالوعي ومحاولة استيعابه بصورة صحيحة، يمثل عناية مسؤولة للمنطلق الأول للأفكار، والإبداعات، والإنجازات الإنسانية، إذ يستحيل أي تقدم مبني على حركة كامنة أو ظاهرة بلا “وعي”، كما يجعلنا هذا السعي أكثر قرباً مما نصبو إليه من تجاوز الإشكاليات، والإجابة عن الجدليات، سيما ذات العلاقة بالعقل، والإدراك الإنساني، ابتداءاً ب “ألفبائيات” التفكير الإنساني، وفهم الارتباطات العميقة مع كل من النفس والروح والجسد، والقدرة على احترام مقال ومقام كل من معطيات الجدل، ووضعه في سياقه الصائب، فهل سنبقى في سياق تقرير مادية أو طبيعية هذا الوعي، أم أننا سننتقل وبخاصة في ظل إثباتات المختبرات العلمية، لآليات واستراتيجيات صناعته المبدعة؟.

Share
  • Link copied
المقال التالي