شارك المقال
  • تم النسخ

الإعلامي محمد البريني… خاض الصحافة ببيداغوجيا الأستاذ والتزام المناضل

احتفاء وتكريم اليوم بالصحفي الأصيل محمد البريني بالجامعة المفتوحة المعتمد بنعباد الدورة 35 لموسم أصيلة. “محمد البريني.. فارس المعارك الصحفية”عبد اللطيف بن صفية حينما أذكر اسم محمد البريني، فإنني أستحضر أحد رموز الصحافة الوطنية في عصرها الذهبي.

من أستاذ للغة الفرنسية إلى صحفي متعاون إلى صحفي محترف ثم إلى أبرز مسؤولي الصحافة الوطنية، تحول من الكتابة باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية ومن صحافة دورية إلى صحافة يومية ومن صحافة حزبية إلى صحافة مستقلة. تنقل بين عناوين بارزة طبعت المشهد الإعلامي بالمغرب، منها : Maroc Information – l’Opinion – Lamalif – المحرر – Libération- الاتحاد الاشتراكي – الأحداث المغربية.امتهن الصحافة في بداية السبعينيات آتيا من عالمي التعليم والسياسة. امتزج أداؤه الصحفي والتدبيري ببيداغوجية المدرس والتزام المناضل. تميز بحنكته في تصريف مهامه الإعلامية كمسؤول حزبي بملاءمتها مع المواقف السياسية خلال تعاقب الحقب والأحداث.

في سنة 1983 أسندت لمحمد البريني مهمة تسيير جريدة “الاتحاد الاشتراكي” عوض مصطفى القرشاوي، في ظرفية سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة، استطاع أن يؤمن لصحيفة حزبه موقعا مهنيا ومكانة مرجعية في شتى حقول المعرفة.جعل محمد البريني وفريقه من جريدة الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون منبرا للدفاع عن قضايا المواطنين اليومية بتطوير الركن الاجتماعي مع الحفاظ على تقاليد المقال النقدي والكاريكاتور.

بالإضافة إلى ذلك جعل محمد البريني من صحف حزبه كذلك منصة للدفاع عن مكتسبات القضية الوطنية في فترة تعرضت فيه بلادنا إلى تعاظم التحديات الإقليمية. وقد شاركت جريدة الاتحاد الاشتراكي هذا العمل البطولي مع عناوين صحفية وطنية متعددة، جعلت من هذه الفترة وإلى حدود بداية التسعينيات الحقبة المشرقة للصحافة الحزبية بالرغم من الصعوبات الجمة التي طبعت ممارسة الصحافة خلالها.

ساير محمد البريني زمن تحول الممارسة الصحفية الموروثة عن صحافة المقاومة، حيث شكل الوعي بتجاوز صحافة الرأي والتطلع إلى إقرار صحافة الخبر تحديا حقيقيا داخل المنبر الحزبي، فلم يكن من السهل ترسيخ ثقافة المقاولة الصحفية ونموذجها الاقتصادي في بيئة كانت فيها منابر الإعلام المكتوب المتنفس التواصلي الوحيد للأحزاب في ظل احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري، وفي غياب سوق إعلامية حقيقية.

محمد البريني، فارس المعارك الصحفية بامتياز. تجلت مشاركته في ملاحم عدة، كممثل للصحافة الوطنية من جهة أولى، وكممثل لصحافة اليسار المعارض من جهة ثانية، وكممثل للصحافة اليومية المستقلة من جهة ثالثة. فقد عاصر كصحفي في السبعينيات معركة الصحافة الوطنية ضد استمرار صدور صحافة “ماص” الاستعمارية التي كانت تذكر المغاربة بحملاتها العدوانية ضد رمز الأمة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، ثم اصطف كمدير مؤسسة إعلامية إلى جانب بعض مسؤولي الصحافة المغربية والنقابة الوطنية للصحافة في 1984 في مواجهة الترخيص لطبع صحف أجنبية بالمغرب بأسلوب الفاكسيميلي، دون اعتبار للوضعية التقنية والمالية والاجتماعية الخانقة التي عاشتها الصحافة الوطنية آنذاك.

وبالرغم من استمرار تلك الصحف في الصدور فقد انتهت المعركة بإعلان الدعم العمومي لفائدة الصحف المغربية ابتداء من 1989.واكب محمد البريني كمسؤول إعلامي ملاحم الصحافة الوطنية في تغطياتها لأحداث شكلت تحولا عميقا في وعي المغاربة، نذكر من بينها على سبيل المثال: حرب الخليج الأولى والثانية وما صاحبها من مسيرات مليونية واحتجاجات عمت جميع حواضر المغرب ورسمت بالتالي صورا وتمثلات مشرفة للمجتمع المغربي ولانتمائه العربي الإسلامي. نستحضر كذلك قيادة محمد البريني للمتابعة المهنية الدقيقة لقضية الكوميسير تابت من قبل صحيفتي الاتحاد الاشتراكي (نور الدين مفتاح) وليبراسيون (عبد الله نعناع)، وهي التغطية الماراتونية التي كشفت هشاشة القيم الاجتماعية وتفاصيل تسلط بعض المسؤولين وعجلت بالحرب على الفساد أواسط التسعينيات، وهي الفترة التي سبقت الإنذار ب”السكتة القلبية”.

ملاحم إعلامية أخرى عاشها محمد البريني، بحس وطني ومسؤولية، تمثلت في تدبير الجرأة السياسية عبر تتبع إعلان الكتلة الديمقراطية وملتمس الرقابة. محمد البريني لم يسلم بدوره كمدير جريدة من المتابعات القضائية التي طالت صحف حزب الاتحاد الاشتراكي في ثلاث مناسبات خلال 1992، افتتاحية يومية الاتحاد الاشتراكي في “كلمة العدد”- 15 ماي 1992 كتبت عل هامش تلك المتابعات القضائية :” لا غرابة أن تتعرض الصحافة الديمقراطية للمحاكمات، في ذات الوقت الذي تطال المضايقات والمتابعات، والطرد والتسريح اللاقانوني، الشغيلة المغربية.

ذلك أن الصحافة الديمقراطية، منذ وجدت وهي تعتبر عن حق، قضية الطبقة العاملة قضيتها، ومطالب العمال مطالبها بل إن العاملين في الصحافة الديمقراطية، لا سيما في الاتحاد الاشتراكي، يعدون أنفسهم موضوعيا، وفكريا، جزءا لا يتجزأ من الطبقة العاملة، تؤرقهم نفس الهموم وتحركهم نفس الآمال، وتوجه خطاهم نفس الأهداف”.بهذه الروح كان محمد البريني يعيد التأكيد ببيداغوجية الأستاذ المتمكن وببراعة السياسي المحنك على تموقع إعلام حزبه وخطه التحريري المناضل، الذي شكل لفترة طويلة نموذج الصحافة السياسية/الفكرية ببلادنا.

لقد حاول البريني أمام ضغط المضايقات والإجراءات القضائية التي امتدت إلى شهور عديدة، أن يجتهد للحفاظ على معنوية فريقه الصحفي المخضرم خاصة الجيل الجديد منه، الوافد سواء من شبيبة حزبه أو من مؤسسات التكوين الصحفي بترسيخ ثقافة الثقة المهنية. لقد كان محمد البريني في تلك الفترة تواقا إلى نموذج جديد للصحافة، يعنى أيضا بالخبر، حيث كان يدرك أن الوقت قد حان لبداية التحول في مسار الصحافة المغربية.محمد البريني، “المغامر” في سبيل استقلالية الصحافة، أسس، محفوفا ببعض رفاق الزمن الجميل، مشروعا إعلاميا خاصا سنة 1998.

سار على نفس الروح النضالية، لكن بنهج حرفي ينتصر للخبر ولحرية الصحافة. جمع حوله ثلة من الصحفيين الشباب الطموحين وحرص على تكوينهم بعناية. فكانت “الأحداث المغربية”، ولازالت يومية متميزة لصحافة القطاع الخاص خارج الفضاء الحزبي، والتي تشكل أحد العناوين البارزة لتحول المشهد الإعلامي الوطني.محمد البريني الغيور على استقلالية الصحافة وعلى أخلاقيات المهنة الصحفية لا يتوانى عن التذكير: “أن التنازل عن الاستقلالية والأخلاق، افقدت المهنة مصداقيتها وجلالها، وأضحت الصحافة الورقية تحت رحمة سلطة الاشهار، والالكترونية للنقرات من أجل جلب المستشهرين، أو ما يجود من (الأظرفة) ولو على حساب قدسية الخبر، وهذه هي الأسباب التي جعلت المهنة تفتقد إلى الاستقلالية، ولكن لا أعمم بل هناك من يتعفف عن ذلك وهو قلة قليلة!”.محمد البريني الروائي، ظل وفيا لشغفه الصحفي. جعل من تاريخ الممارسة الصحفية بالمغرب، كما عاصرها، مجالا لإبداعاته. اختار أن يروي قصص معاناة الصحفيين وجحيم الصحافة خلال سنوات الرصاص في قالب فكاهي (الطاحونة – قصص من زمن الرقابة). هو الشخص الذي، حينما تتفرس في وجهه، تعبر لك تقاسيمه عن كل شيء إلا الضحك والفكاهة، التي يدسها بسرد واقعي وبكلمات يجعلها تبتسم في ذهنك، أنت الذي عايشت بالأمس تلك الوقائع الفضيعة أو بعضا منها. وهي خصلة فريدة في الرجل، حيث صرامته الظاهرة لا تضاهيها سوى خفة دمه الخفية.

*أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي