Share
  • Link copied

تشكيل المجالس الجماعية وصناعة البؤس السياسي

إنه من البديهي جدا، أن يسابق الفائزون الزمن، في الانتخابات الجماعية، لتشكيل المكتب وتنصيب الرئيس؛ غير أن هذه العملية، لا ينبغي لها أن تخرج عن السياق الذي عرفته انتخابات 2021 وما حملتها من شعارات التغيير والتفاؤل؛ لا سيما أن الكل، هذه السنة، تحدث عن تجديد النخب وإشراك الشباب بقوة؛ وعليه، فإن الواقع السياسي يفرض القطع مع كل أسلوب كان سببا في تأزيم الأوضاع، وإلا جاز لنا جميعا الاصطفاف ضمن تيار المقاطعين، مع التفكير في حل غير الذي آمنا به.

ولهذا، فإن صلاح وفساد عملية تشكيل المجالس الجماعية هي المحدد الأساسي لفسح المجال للتفاؤل أو التشاؤم؛ ولا ننسى ما سبقها من مراحل، بدءا من توزيع التزكيات من طرف الأحزاب، إلى آخر يوم من الحملة الانتخابية.

إن الاستعداد للانتخابات، هذه السنة، بدأ مبكرا، وتم الحديث عن السيناريوهات الممكنة مع التخطيط لتجاوز كل العقبات؛ مما جعل معظم الأحزاب تبحث عن شخصيات وازنة لكسب المعركة، فضلا عن كون هذه الشخصيات أيضا لم تدخر جهدا لاختيار اللون السياسي المناسب، حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وفق ما تم ادعاؤه والتصريح به؛ وبهذا، يكون موسم الانتخابات لسنة 2021 أكثر المواسم تسجيلا لما يصطلح عليه “الترحال السياسي”، وفق ما يبدو من خلال الأخبار المشاعة، لأن لغة الأرقام والإحصائيات الرسمية لم  تهتم أو تشر إلى ذلك؛ وبالتالي، فإن الواقع السياسي المغربي ما زال يعرف التخبط، ولن يتقدم ما دام أن الأحزاب السياسية غير مستقرة سياسيا؛ ويكفي شاهدا على هذا، أن الأحزاب، في بعض الجماعات، لم تجد من يتقدم باسمها بعدما كانت تملك الأغلبية؛ مما جعل التساؤل عن جدوى افتخار الأحزاب السياسية باحتلالها المرتبة الأولى بأشخاص غرباء عنها ولا يعرفون حتى أبجديات الحزب الذي تقدموا باسمه.

أما إن أردنا الحديث عن الحملة الانتخابية فلن نوفيها حقها، وإنما سنكتفي بالتلميح فقط لصعوبة الإحاطة بكل جوانبها، لأن المقام لا يتسع لذلك؛ وكما نعلم جميعا، فإن الحملة الانتخابية حملت معها وعودا وبرامج، أقل ما يمكن القول عنها أنها أحلام وأماني، فضلا عن كون معظم الأطياف تردد نفس الشعارات؛ فيما تبقى الأساليب التي استعملت فيها لا تنم عن ارتقاء الوعي السياسي للمرشحين، وما زال خطاب العنصرية مسيطرا، وحاسما لكفة مرشح دون الآخر، بعيدا عن الشعارات التي ترفع هنا وهناك؛ وأما ما يخص أسلوب الترغيب والترهيب، فلا يمكن إنكاره؛ حيث يتم استمالة الناخبين والمرشحين إما عن طريق شراء الذمم بالمال، أو وعدهم بقضاء بعض مصالحهم الشخصية؛ وكذلك لا يدخرون مجهودا في زرع الرعب والخوف عبر أبواقهم الإعلامية أو عن طريق التهديد بشكل سري لكل فرد يرونه خطرا عليهم.

وفي هذه الظروف السياسية، يتم استقبال نتائج الفرز التي دائما ما يتم الطعن فيها من طرف المنهزمين، والإشادة بها من الفائزين، رغم أن الجميع عايش نفس الأوضاع، ولا يتخذون منها موقفا حاسما وصارما قبل فرز الأصوات؛ مما جعل من البديهي جدا تسجيل مواقف متباينة كما ذكرنا قبل؛ ولهذا، فإن مهندسي الانتخابات من المرشحين الفائزين يُجرون اتصالاتهم مع ظهور النتائج، حتى إن انتصف الليل يكون المجلس تشكل والرئيس عُرف، بعيدا عن أي لغة سياسية واضحة؛ فضلا عن معرفة كيفية حدوث ذلك؛ ومما يزيد الأمر غموضا، هذه السنة، اختفاء معظم الفائزين، لاسيما من دخل المعترك جديدا؛ ليكون الوضع شبيه بالوضع الذي كان عليه المغرب قبل عقود، حتى يثبت بالملموس لنا، أن لا ثقة في الفائز حتى يصوت بشكل رسمي على الرئيس ومكتب المجلس؛ ومما يزيد من غرابة المشهد، إشاعة أخبار تؤكد أخذ الضمانات من كل المرشحين، حتى يسهل التحكم في تشكيل المجالس وفق رغبة الكبار وسماسرة الانتخابات؛ بل ما يجعل الفعل السياسي، على مستوى الجماعات المحلية، لا يرتقي، حتى إلى مستوى عمل المافيات، هو اختفاء الفائزين ليلة الانتخابات رغم دفع تلك الضمانات؛ وللتذكير، فإن هذا لا يسري على الجميع، ولكن كل التصرفات التي يأتي بها مجموعة من الفائزين في الانتخابات الجماعية تؤكد كل التخمينات وكل الإشاعات التي تطلق هنا وهناك.

وعليه، وبشكل مختصر، فإن السياسي الذي لا يستقر حاله على موقف واضح، ويتقلب بين الأحزاب السياسية كل مرة، دون تقديم أي حجج تدعم ترحاله السياسي، والذي لا يجد حرجا في استعمال كل الأساليب الممنوعة قانونا وأخلاقا في حملته الانتخابية، فضلا عن التجائه إلى لعبة الاختفاء فور ظهور النتائج، لأنه ليس أهل للثقة ويُخاف عليه من الخيانة إن وجد لها طريقا، فإنه لا يمكن لهذا السياسي، أبدا، في تحسين المشهد السياسي؛ وإنما على العكس تماما، فإن كل التصرفات السالفة الذكر تؤكد على أن الممارسة السياسية ببلادنا لا تزيد إلا سوء بعد سوء، وتجعل كل مشارك في الانتخابات نادما على التصويت، وكل مقاطعا لها أكثر تمسكا من قبل على موقفه.

وفي الختام، نقول: إن المجالس الجماعية التي تُفرز في هذه الظروف التي رأينا أعلاه، لا تستطيع إلا ترسيخ خطاب التشاؤم مهما حاولت الأحزاب السياسية من طمأنة الناخبين، بعدما تبين أنها، بدورها، شريكة أساسية في كل مراحل إنتاج هذه المجالس، التي أصبحت رمزا للبؤس السياسي؛ وأن الشعارات المرفوعة وإشراك الشباب والنساء لا تعدو أن تكون أداة فعالة في تلميع صورة البؤس السياسي الذي خيم على البلاد، رغم ظهور بعض النماذج التي تبعث الأمل، وتوحي بإمكانية الإصلاح، لكن شريطة أداء فاتورة عالية، لأن الفساد توغل أكثر مما كان يتصور في مخيلتنا.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفاء منا، وارزقنا المنطق والعمل به.

Share
  • Link copied
المقال التالي