هذه الآية الكريمة (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، يمكن القول أنها انسحبت على اسبانيا بعدما تسببت وزيرتها السابقة في الخارجية السيدة “كونزاليس لايا” في إفساد أواصر العلاقة التاريخية بين المغرب واسبانيا، مما أدى إلى الانهيار الاقتصادي الاسباني جراء الحصار الذي اعتمده المغرب على الممرات السيادية من خلال الموانئ والطرقات الاسبانية المؤدية إلى ميناء طنجة ميد، وبالتالي انهيار الاقتصاد الاسباني وتشللت حركات العبور من أوروبا إلى اسبانيا ومن اسبانيا إلى المغرب والعكس صحيح.
ولقد نبه المغرب اسبانيا إلى هذه العواقب عندما تحدت السيدة الوزيرة الاسبانية السابقة المغرب وقبلت باستقبال المدعو إبراهيم غالي على أراضي اسبانيا متجاهلة المعاهدات الثنائية مع المغرب التي تتعلق بحسن الجوار والثقة وتبادل المعلومات غير أن السيدة الوزيرة لم تعط هذه التحذيرات قيمتها التي يجب على اسبانيا احترامها والعمل بها في مثل هذه الحالة المسيئة للعلاقة المغربية الاسبانية وهما جارتان تربطهما مصالح مشتركة، حيث ركبت السيدة الوزيرة نفسها وتعنتت أمام نصائح المغرب شعبا وحكومة متناسية هذه المصالح المشتركة وضربت بها عرض الحائط مقابل استقبال الإرهابي المدعو إبراهيم غالي زعيم العصابة الانفصالية لجبهة البوليساريو، وبعد طرد هذه الوزيرة السيئة الذكر، اكتسبت الدبلوماسية المغربية درجة عالية أخرى من تفهم المجتمع الدولي الذي توصل إلى قناعة أن المغرب كان على حق في جميع مراحل قضية وحدته الترابية وما أقدم عليه من خطوات دبلوماسية صامدة أبهرت العالم وهو شديد الاعتزاز بالكرامة، وبالتالي أعطى للعالم برهانا قاطعا أنه كان على حق فيما قام به من دفاعات عن وحدته الترابية وسيادته وحدوده الحقة، فالمغرب بلد عريق وسطي تحكمه الأخلاق الإسلامية المثالية المعتدلة، وأساسا في المواقف التي تتناقض مع ثوابته الإيمانية والاجتماعية، وملكه محمد السادس له ملكات شجاعة واضحة للدفاع عن مصالح بلده العليا، ويتمتع بمبادئه الفكرية التي بفضلها استطاع أن يربط علاقات ثنائية ودولية تتلاءم وطموحاته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، ومن خلال هذه الرؤية الثاقبة الشجاعة استطاع المغرب أن يواجه كل الصعوبات والعراقيل والمطبات وظل صامدا أمام العواصف الجارفة حتى تغلب عليها بحكمة وبدبلوماسية صارمة هادئة وأصبحت له مساحة عريضة وطويلة في الساحة السياسية الدولية وأصبح يحسب له ألف حساب وهو يعتز بالكرامة الشامخة في المواقف والصمود أمام العواصف وهي مبادئ لم تأت من فراغ وإنما هي ثوابت ورثها المغاربة وتعلموها من ملوكهم الأبرار المجاهدين والمدافعين عن الحق والكرامة مهما كلف ذلك الأمر من تضحيات.
واليوم القول لحكومة اسبانيا هل نعيد عليكم مقولة طارق بن زياد المتمثلة في أين لكم المفر البحر من ورائكم والانهيار الاقتصادي أمامكم وليس لكم والله إلا الاستسلام لطموحات المغرب وإعادة الحقوق إلى أهلها، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وأنتم تعلمون علم اليقين أين تكمن هذه الحكمة… ! وهذه المقولة وكما تعلمون مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، المغرب أصبح قوي، قوي بأبنائه، قوي بحكمة ملكه العظيم، قوي بوحدته البشرية و موارده المتنوعة، قوي بتلاحم الشعب بالعرش، قوي بالتضامن فيما بين مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذه الوحدة وهذا التضامن لا يزيغ عنها إلا هالك.
وتفاديا لأي عارض سيء، الرأي هو أن تفتح اسبانيا أبواب الحوار مع المغرب قصد الخروج من عنق الزجاجة التي حصلت فيها وذلك لإيجاد حلول شاملة ومانعة لا تترك مجالا لتدخل الطرف الثالث، لأن المغرب واسبانيا لهما مصالح مشتركة ومشاكلهما لا يمكن حلها إلا بأيديهما معا وفق رؤيا شمولية قائمة على المودة والثقة وحسن الجوار وطول الأمد وبدون عودة إلى مثل هذا التوتر الذي افتعل بأسباب تافهة لا تستحق هذا الجدال وهذا التنافر لو كانت السيدة وزيرة الخارجية الاسبانية عاقلة تعالج الأمور بعقلانية وتفكير يبعد كل ما من شأنه أن يخلق انزعاجات دبلوماسية بين البلدين الصديقين إن لم نقل الشقيقين، لأن العلاقة بين المغرب واسبانيا ثابتة لا تزعزعها الرياح العابرة ولا توسخها الأيادي الطائشة التي لا يعيش أصحابها إلا في الماء العكر مثل الفكرون.
والسؤال المطروح ماذا جنت السيدة الوزيرة الاسبانية من استقبال المدعو ابراهيم غالي؟ فما جنت إلا الخزي والعار والسخط العارم من طرف الشعبين المغربي والاسباني، ولكن كان لها درس لن تنساه مهما ظلت حية، ويبقى الأمل معلقا على خلفها الوزير الجديد في الخارجية بأن يكون عقلاني وذكي يعمل جاهدا من أجل إعادة المياه إلى مجراها الطبيعي ساعيا إلى الرقي بهذه العلاقة التاريخية بين المغرب واسبانيا في جو تعمه المودة والاحترام المتبادل من أجل بناء علاقة مغربية اسبانية متميزة أكثر من أي وقت مضى، واضعين اليد في اليد لوضع لبنات بناء مستقبل واعد بين البلدين، مغرب افريقي عربي واسبانيا ايبيرية أوروبية ليكونا مثالا تقتدي به دول العالم، وهو الأمر الذي ليس بعزيز على قائد هذا البلد الدبلوماسي الذكي الذي لا يحيد عن الطرق المؤدية إلى السلم والسلام والتعايش الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن الانفعال والتشنج السياسي والدبلوماسي، في ظل الحرية وسيادة القانون واحترام الرأي والرأي الآخر، والميل كل الميل إلى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى السلم والسلام والتعاون المشترك وعدم التدخل في شؤون الغير، الحلال بين والحرام بين.
تعليقات الزوار ( 0 )