ككل موسم وفي كل شهر رمضان من كل عام “يُجبَر” المغاربة على متابعة أعمال فنية درامية أو فكاهية أو حتى تراثية أو تاريخية ذات الإنتاج المغربي، لكن الجديد _ في اعتقادنا_ خلال هذا الموسم هو احتدام المنافسة بين المنتجين والمخرجين وبروز نفَس جديد لتطوير هاته الأعمال ومحاولة تقديم أعمال قد “تقنع” المشاهد المغربي ويقنَع بها ولا يتجاوزها إلى أعمال ذات جنسيات أخرى مغرية! من هذه الاعمال الفنية التي تعرض عبر القناة العمومية الأولى مسلسل “ياقوت وعنبر” والذي استطاع حسب استقراءات كثيرة أن يحقق نسبة مشاهدات عالية مما يعني أن المشاهد المغربي وجد فيه شيئا يشده ويجلب انتباهه_ هذا أولا_!
هذا العمل الدرامي تميزت بأداء أدواره وجوه شابة ومعروفة لها وزنها وتأثيرها في الشاشة (عزيز الحطاب ونورة الصقلي مثلا)، وعلى مستوى الكتابة أيضا (سامية أقريو) ،ولا يمكن أن نغفل ما أثث فضاءات العمل من ترتيب وإتقان وانفتاح على عالمي الغنى والفقر تمظهرا في الفضاء واللباس والسلوك. هذا العمل الدرامي بقدر ماهو محبوك على مستوى حبكة السرد المعقد، حيث اعتمد مخرجوه وكاتبوا نصه تقنية صعبة وهي تقنية العودة بالسرد إلى الماضي (فلاش باك)، والتي تقتضي حدا من التركيز من طرف المشاهد حتى لا تضيع منه الخيوط ( راس الخيط) التي تنسج الأحداث وتركز الحبكة الدرامية.
على هذا المستوى يمكن اعتبار هذه كقيمة مضافة للعمل، ولو أنها تبدو مستهلكة إلى حد بعيد في الأعمال الفنية إلا أنها أضفت نوعا خفيفا من التنويع والاستثارة لدى المشاهد المغربي والذي لا شك أصبح ذكيا غير ساذج في “استهلاك” ومتابعة الأعمال المقدمة له!أما على مستوى المحتوى والمضامين فقضايا هذا العمل الدرامي جاءت تهم جميع المجتمعات البشرية العربية من تمزقات أسرية ومعالجة قضايا “طابوهاتية” تمتد حد اختراق المألوف و والاجتراء على الشرعي أحيانا!طبعا لكل عمل درامي ولكل نص مكتوب يؤدَّى على الشاشة رسائلُه ومقارباتُه الخاصة، لكن ما يعاب على أصحابه أن العمل تجاوز في بعض مسارات المقاربة لقضايا معينة حدَّ تجاوز المسموح به أخلاقيا ودينيا أمام مشاهدين غالبيتهم محافظين لا يرضون أن يُخدش حياؤُهم وهم بين أفراد أسرهم على موائد الإفطار الرمضانية!ماقد يبدو أنه تعرية لواقع “مسكوت عنه”؛ قد يتمظهر من جهة أخرى انقلابا عما يؤمن به المغاربة من قيم وأفكار ذات البعد الديني الأخلاقي؛ هنا يطرح الهدف من عرض هاته المواضيع ( الإدمان _ الأرتزاق المادي ولو على حساب الأبناء _ تعدد الزوجات بشكل سري _ الحمل غير المشروع عن طواعية وحرية فردية _ الفقر _ الحب _ الكذب _ التحايل_ والاستغلال _ الذكورية داخل الأسرة _ كيد النساء _ …).
فهل “ياقوت وعنبر” انتقاد لها بغرض تجاوزها إلى الأصل الذي تحاول الوصول اليه عبر نقدها إياها؟ أم أن هذا العمل الدرامي يؤسس لنوع من العلاقات الأسرية ذات الطابع الخطير وغير المألوف؟ هذه العلاقات تقوم _ في نظر أصحاب العمل _ على مبدأ “الحرية الفردية” من داخل أسرة تبدو متماسكة في ظاهرها، تولي اهتماما للرجل السوي الجامع لشؤون بيته وللمرأة العاقلة التي تعيش محترمة أسرة الزواج بكل تفان وتعقل ورزانة ذكرتنا برزانة أمهاتنا وجداتنا المغربيات، لكن وبدهاء وتحايل ذكي من كاتب النص أو كاتبته تنقلب الأحداث لنكتشف أن توازن الأسرة مبني على خفايا وأسرار خطيرة التجأت إليها الشخصيات لتخلق توازنا مرغوبا فيه ومن أجل استمرار الأسرة التقليدية، لكن وعلى امتداد الجيل الثاني والثالث من شخوص العمل الدرامي تتحلل تلك “القيود” والالتزامات والتوجهات الأسرية إلى مواقف رافضة من الحياة التقليدية راغبة فيها في الآن نفسه موظفة في ذلك لغة مطاطية غير حاسمة في المواقف لتترك المشاهد ذو العاطفة الكبيرة_ إن لم ينتبه_ ينساق وراء مواقف متهلهلة غير أصيلة ولا جادة!وعموما كي نكون منصفين فإن العمل موضوع نقاشنا هو عمل قد تجاوز أنماطا عشنا حولها سنوات عجاف متذمرين من شدة تخمتنا ب”العادي” والمستهلك على حد تعبير كثيرين ممن تفاعلوا مع إنتاج القناة العمومية الأولى.ولأن الفن رسالة نبيلة أخضعنا رأينا للمشاركة والنقاش، ولأن بيوتنا تستقبل هذه الأعمال كرها في عمقها، وإلا فلنترك حبلهم على غاربهم.
تعليقات الزوار ( 0 )