Share
  • Link copied

وهمُ النّجاح.. كيف ساهمت “الإصلاحات الملغومة” في انهيار العدالة والتنمية؟

قال عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط، إن وهم النجاح في التدبير الحكومي، كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى انهيار حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة المغربية بين سنتي 2011 و2021، بعدما تحصل على 13 مقاعداً فقط، متراجعاً بـ 112 مقاعداً عن الانتخابات التشريعية لسنة 2016.

وأضاف بنلياس في تصريح لجريدة “بناصا”، أن الهزيمة المدوية التي مني بها “البيجيدي”، في الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية التي أجريت في الـ 8 من شتنبر الجاري، نزوله من قمة الهرم إلى أسفله، طرحت مجموعة من التساؤلات على قيادة الحزب، التي لم تفهم سبب هذا التراجع في سلم نتائج هذه الاستحقاقات، بعد أن كان محتكرا للمرتبة الأولى لولايتين تشريعيتين، وبعدد مقاعد غير مسبوق في تاريخ الانتخابات المغربية”.

وأوضح المتحدث أن المقاعد التي كان يحصل عليها “البيجيدي”، لم تنلها حتى “الأحزاب الوطنية بتاريخها النضالي الطويل وشعبيتها الواسعة التي كانت تتمتع بها عند عموم المواطنين والمواطنات، كما استطاع في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، أن يحصد أغلب المقاعد في المدن الكبرى ويحظى بشرف تسييرها كمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة، وغيرها من الجماعات الحضرية والقروية، إذ أصبح طوال هذه المدة يهيمن على الحياة السياسية والمؤسسات الانتدابية ويعلن باستمرار أن صناديق الاقتراع هي التي حملته إلى هذه الصدارة”.

وتابع: “ولكن ما الذي وقع يوم 8 شتنبر، وما الذي لم تفهمه قيادات حزب العدالة والتنمية من هذه الهزيمة الانتخابية المؤلمة كما وصفها الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، و الكارثية حسب تعبير عزيز الرباح”، مسترسلاً: “هذه الهزيمة بهذا الشكل لم تكن من فراغ ولا بدون أسباب ومقدمات، ولكن هزيمة لها أسبابها ومسبباتها، وهي أسباب يرتبط جزء منها بالتدبير السياسي لمفاوضات تشكيل حكومة 2016، وجزء آخر مرتبط بالتدبير الحكومي، والجز ء الاخر بشخصية رئيس الحكومة”.

وهم النجاح في التدبير الحكومي

وعدّد بنلياس الأسباب التي جعلت العدالة والتنمية ينهار بهذا الشكل، والتي من ضمنها، ما أسماه بـ”وهم النجاح في التدبير الحكومي”، حيث قال إن إن “حزب العدالة والتنمية، اعتقد لمدة 10 سنوات أنه حقق مجموعة من الإصلاحات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وحقق عددا من النتائج في تدبيره للحكومة، بحيث ظل يردد باستمرار أنه أصلح صندوق المقاصة ونظام التقاعد ورفع من منحة الطلبة وغيرها، دون أن يعي أنه يجب أن يوازن بين متطلبات الإصلاح ومدى تأثير هذه الإصلاحات على الفئات الاجتماعية المختلفة والقدرة الشرائية لعموم المواطنين والمواطنات”.

ومضى أستاذ القانون العام، يقول، إن “إصلاح صندوق المقاصة على أهميته، ساهم في نفس الوقت في رفع الدعم على عدد من المواد الحيوية في حياة الناس، بحيث أدى تحرير أسعار المحروقات إلى ارتفاع غير مسبوق لها، دون أن تنتبه الحكومة أن ذلك له تأثير فوري ومباشر على أثمنة عدد من المواد الاستهلاكية، وهذا يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للساكنة ويفتح في نفس الوقت الباب على مصراعيه للمضاربة والاحتكار التي يكون ضحيتها الأولى والأخيرة هو المستهلك الذي ليس في النهاية إلا المواطن المغربي البسيط”.

كما أن إصلاح نظام التقاعد، يوضح بنلياس، “كان في اتجاه واحد هو الموظف والموظفة سواء من حيث الرفع من سن التقاعد، أو من حيث الرفع من نسبة المساهمات، أو من حيث مراجعة طريقة احتساب الراتب التقاعدي”، معتبراً أن “مثل هذه الإصلاحات ساهمت في تآكل الطبقة المتوسطة، وبالتالي فإن جزء من هذه الطبقة التي كانت تصوت للعدالة والتنمية، إما أنها صوتت ضد مرشحي ومرشحات العدالة والتنمية، أو أنها قاطعت العملية الانتخابية برمتها خاصة في المدن والحواضر الكبرى التي كانت تشكل الخزان الانتخابي للعدالة والتنمية حسب نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية لسنة 2015، والانتخابات التشريعية لسنتي 2011 و2016”.

واسترسل المتحدث نفسه: “إذا أضفنا إلى ذلك ملفات أخرى استرعت انتباه الرأي العام الوطني، كملف التعاقد في قطاع التربية الوطنية، الذي خاض فيه حزب العدالة والتنمية حربا خاسرة ضد شريحة عريضة من الشباب والشابات وأسرهم، الذين كان مطلبهم مشروعا وعادلا هو الإدماج في قانون الوظيفة العمومية عوض نظام التعاقد الذي لا يوفر لهم شروط الاستقرار الوظيفي والاجتماعي والنفسي”.

زيادة على ذلك، يقول بنلياس: “فإن ملف محاربة الفساد ظل يراوح مكانه لمدة عشرة سنوات، وتردي الخدمات العمومية وتعثر إصلاح المنظومة الصحية والتعليمية التي ظل رئيس الحكومة يتحدث فيها على أن الحكومة قد وضعت القانون الإطار المتعلق بالتربية الوطنية والتعليم وقانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، علما أن انتظارات المواطنين والمواطنات هي الإنجازات والأعمال الملموسة التي تحدث تغيرا في وضعيتهم الاجتماعية وفي البيئة العامة التي يعيشون فيها”.

البلوكاج الحكومي وبداية النهاية

واعتبر بنلياس، أن البلوكاج الحكومي، كان بداية لنهاية لحزب العدالة والتنمية، مشيراً إلى أن “العمل السياسي هو تفاعل بين عدد من الفاعليين السياسيين والاجتماعيين والمؤسساتيين في بيئة سياسية محددة لها قواعدها وتوازناتها، وهذا التفاعل يقوم على الأخذ والعطاء وعلى المرونة تارة والتنازل تارة أخرى، بهدف الحفاظ على القدرة على المبادرة والمناورة والتحكم في خيوط العملية السياسية، لأن صناديق الاقتراع تفوض لك سلطة إدارة المفاوضات مع باقي الفاعلين والمنافسين”.

وواصل أن “هذه العملية سالفة الذكر فشل فيها حزب العدالة فشلا ذريعا، بسبب تصلب مواقف الأمين العام السابق السيد عبد الإله بنكيران الذي كلف بتشكيل الحكومة، بوضعه شروطا مسبقة وخطوطا حمراء لتشكيل الحكومة أدخلت البلاد فيما سمي بالبلوكاج دون أن يعي تداعيات ذلك التصلب وأبعاده وتأثيراته على حزب العدالة والتنمية”.

ونبه بنلياس إلى أن “إعفاء السيد بنكيران وتعيين السيد سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة، وتشكيل هذا الأخير للحكومة في وقت قصير وبالشروط الذي فرضها أخنوش على سلفه كانت بداية تراجع قوة حزب العدالة والتنمية وبداية تآكل شعبيته”، متابعاً أن “قبول أجهزة حزب العدالة والتنمية برئاسة العثماني للحكومة بالملابسات التي أحيطت بتشكيلها وبالانصياع التام لشروط قائد تكتل عصب التحالف الحكومي أخنوش، كان بداية تراجع قوة الحزب التنظيمية نتيجة التصدع الذي عرفته وحدة الحزب بسبب تداعيات إعفاء أمينه العام السابق من تشكيل الحكومة”.

وأشار أستاذ القانون العام، إلى أن هذا الأمر “أدى إلى ظهور تيارات واصطفافات ومواقف بين المرحب بالمشاركة في الحكومة وبين الرافض لها، بين تيار الاستوزار وتيار الإخلاص لمبادئ الحزب ومواقفه المبدئية. كل هذا مس وحدة الحزب وساهم في تسرب عناصر الشك في إخلاص قياداته للمبادئ والأهداف التي أسس من أجلها”.

تواضع أداء شخصية رئيس الحكومة

ومن بين الأسباب التي يراها بنلياس، وراء الكارثة التي عرفها حزب العدالة والتنمية، يأتي تواضع شخصية رئيس الحكومة، حيث أوضح أنه إن “رجعنا إلى الشخصيات التي تعاقبت على قيادة الفريق الحكومي منذ سنة 1998، سوف نجد أن منها من كان شخصية كارزماتية تجر وراءها تاريخا نضاليا كبيرا كما كان الشأن بالنسبة للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي أعطى دينامية قوية لمؤسسة الوزير الأول على مستوى السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء”.

الشأن نفسه، يتابع المتحدث “بالنسبة للتقنوقراطي السيد ادريس جطو الذي أدار مرحلته بحنكة كبيرة بحكم خبرته وتكوينه ومساره المهني وتمرسه في التدبير العمومي، أو السيد عباس الفاسي الذي خبر دهاليز السياسة على المستوى الداخلي بحكم تقلده عددا من المناصب الوزارية، أوعلى المستوى الخارجي بحكم تقلده عددا من المهام الدبلوماسية كممثل للمغرب لدى الدول والمنظمات الدولية”.

واستطرد بنلياس، أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة بين 2011، و2017، كان هو الآخر، وعلى الرغم من خلو سجله المهني من تحمل مسؤوليات عمومية، من بين الشخصيات الكاريزمية، حيث “استطاع بالقدرات التواصلية التي يتوفر عليها سواء في مواجهة خصومه السياسيين أو في سلاسة وصول خطابه إلى عموم المواطنين والمواطنات أن يفرض شخصيته كرئيس حكومة”.

وأردف أن “هذه المميزات والقدرات كانت غائبة عند رئيس الحكومة المنتهية ولايته الدكتور سعد الدين العثماني، الذي كان يتوفر على خبرة مهنية محدودة وتكوين أكاديمي، ينتمي إلى مجال علم النفس، مطعم بالدراسات الفقهية بحكم روافده المرتبطة بالإصلاح والتوحيد، والتجربة المحدودة على رأس وزارة الخارجية، هذا المسار لم يسعفه بما يكفي، من حيث القدرات التدبيرية والسياسية، للأخذ بزمام المبادرة وملأ مقعد المؤسسة الدستورية التي يشغلها”.

وأبرز بنلياس في معرض حديثه: “يكفي أن أشير هنا إلى الغياب التام لرئيس الحكومة عن تدبير الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لوباء كورونا، والذي أوكل إلى لجنة اليقظة الاقتصادية، التي كانت تتكون من عدد من القطاعات الحكومية والمؤسسات، كوزارات المالية والداخلية والخارجية والفلاحة والسياحة وزارة الصحة والشغل، وبنك المغرب والمجموعة الاقتصادية لبنوك المغرب والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وجامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة، وجامعة غرف الصناعة التقليدية، لجنة من هذا الحجم والتكوين والمهام ، هي حكومة مصغرة لتدبير أزمة كوفيد، المفروض أن يكون رئيس الحكومة هو الذي يترأسها ويحدد مهامها ومجالات تدخلها”.

واختتم أستاذ القانون العام تصريحه للجريدة، بالقول إن “هذا المثال خير دليل على أن رئيس الحكومة المنتهية ولايته لم يكن يدرك حجم المسؤولية التي تفرضها عليه مؤسسة رئيس الحكومة، وأن ربط المسؤولية بالمحاسبة تبدأ من مثل هذه التفاصيل والعناوين الكبرى، لذا فإن عدم تمكنه كرئيس للحكومة من الفوز بثقة ساكنة العاصمة أكبر دليل على فشل حزب العدالة والتنمية في تدبير دفة الشأن العام على المستوى الوطني”.

Share
  • Link copied
المقال التالي