منذ ظهورها، لطالما وُصفت وسائل التواصل الاجتماعي بأنها منصات تجمع الناس وتمكنهم من التعاون في تحقيق الأهداف الديمقراطية. غير أن دراسة حديثة أجرتها جامعة كنساس الأمريكية كشفت عن جانب آخر لهذه المنصات.
وأظهرت الدراسة أن النساء اللواتي ناصرن القضايا النسوية خلال حراك 2019 في الجزائر لم يُنظر إليهن على قدم المساواة حتى من قبل أولئك الذين يشاركونهن نفس الأهداف العامة.
وسائل التواصل الاجتماعي: سلاح ذو حدين
ووجدت الدراسة أن الفضاء الرقمي، رغم دوره في جمع النشطاء وتبادل الأفكار، قد يكون أيضاً أداة لتعزيز العزلة وقمع الأصوات المعارضة.
فخلال الحراك، استخدمت الناشطات النسويات الجزائريات الفيسبوك، وهو المنصة الأكثر انتشارًا في البلاد، لنشر رسائلهن وبناء تحالفات. ولكن بدلاً من أن يكون وسيلة لتمكين النساء، ساهم في تفاقم العنف والإقصاء الذي يواجهنه في المجتمع التقليدي.
وتقول ريم شعيب، الباحثة الرئيسية في الدراسة وطالبة الدكتوراه بجامعة كنساس: “حدث الحراك جزئيًا لأن الناس كانوا يخشون الحديث عن القضايا في الجزائر. وعندما بدأ، كسر الجزائريون حاجز الصمت الممتد لسنوات”.
وأضافت أن القضايا النسوية لم تُدمج بشكل كافٍ في أجندة الحراك الأوسع، مما جعل الناشطات يواجهن تحديات مزدوجة، سواء في الشارع أو في الفضاء الرقمي.
التوتر بين الأهداف المشتركة والتمييز الاجتماعي
وناقش الباحثون مفهوم “الديمقراطية التشاركية”، الذي يعتمد على استخدام وسائل الإعلام الرقمية لربط الجماعات المختلفة التي تمتلك أهدافًا متشابهة.
ولكن الدراسة أظهرت أن وجود هدف مشترك لا يكفي دائمًا لخلق بيئة متساوية، حيث واجهت الناشطات النسويات رفضًا واضحًا من بعض أطياف الحراك الذين رأوا أن مطالبهن يجب أن تُؤجل حتى تحقيق الهدف السياسي الأوسع.
وأشارت إحدى المشاركات في الدراسة إلى أنها صادفت منشورًا على الفيسبوك يقول: “يجب أن تبقى النساء في المنزل، لماذا يخرجن للتظاهر؟”. يعكس هذا التصريح كيف أن التمييز الجندري لم يكن مقتصرًا على الواقع، بل امتد إلى الفضاء الرقمي أيضًا.
التكنولوجيا بين التمكين والتهميش
وأحد الأسئلة الجوهرية التي طرحتها الدراسة هو: هل يمكن لمبادئ الديمقراطية التشاركية الغربية أن تُطبق في المجتمعات ذات الهياكل الاجتماعية التقليدية؟
يرى الباحثون أن مجرد توفير منصة رقمية للنقاش لا يكفي لتحقيق التغيير، ما لم تكن هناك بيئة تدعم الاعتراف المتبادل بالمساواة بين مختلف الفئات.
وكتب الباحثون في الدراسة: “يجب أن تأخذ استراتيجيات الديمقراطية التشاركية في الاعتبار طبيعة البُنى السياسية والاجتماعية القائمة قبل تنفيذها. فبناء تحالفات من خلال الهوية المشتركة والشبكات الرقمية لا يكون فعالاً عندما تكون أصوات الأقليات مهمشة هيكليًا”.
وتكشف هذه الدراسة عن أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها تتيح فرصًا للتعبئة والتواصل، قد لا تكون دائمًا أداة فعالة في توحيد الأصوات المختلفة ضمن الحركات الاحتجاجية، خصوصًا عندما تكون هناك فجوات اجتماعية وثقافية عميقة.
وتبقى الحاجة ملحة لفهم كيف يمكن لهذه المنصات أن تسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية، بدلاً من أن تصبح ساحة أخرى لاستمرار الإقصاء والتهميش.
تعليقات الزوار ( 0 )