في ليلة سبت من الليالي العجيبة لحكومة العثماني نزل بلاغ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بلاغ يحدد الطريقة التي ستكون بها الدراسة في عام كورونا، ويبدو أن البلاغ تمت صياغة مضمون قراره بسرعة بعد العودة من العطلة الوزارية مباشرة، ولم يتم أخذ الوقت الكافي لإعداد الطريقة التي سيتم بها نشره وإيداعه على المواطنين من عائلات وتلاميذ ورجال ونساء التعليم .كما لم يتم التفكير في مضمونه لأنه يضم قرارين تركا للمغاربة الإختيار دون الإنتباه الى الفوضى التي قد تحدث في حالة ما إذا اختار المغاربة تعليما حضوريا وليس عن بعد، الشيء الذي جعل الليلة شبيهة بالوضعية التي أحدثها قرار ”ليلة المشاة“ قبل إقفال المدن ، ولكن هذه المرة ”مشاة“ في الشبكات الاجتماعية يبحثون عن التوضيح لمضمون البلاغ ، حيث انتشرت التساؤلات، كعادة قرارات حكومة العثماني ،حول الغاية من اختيار نوعان من التعليم ؟ وماهو المقصود بأن الوزارة تعتمد التعليم عن قرب وتوفر التعليم الحضوري؟
وبدا واضحا لقراء البلاغ أنه حضري مديني ولاعلاقة له بالمجال القروي، يوجد فيه ضغط قوي للتعليم الخصوصي الذي يعد من دعاة التعليم الحضوري في عام كورونا.
ويتبين بوضوح من ماوراء البلاغ ، أن الوزراة أنهت شهر يوليوز وأغلقت المكاتب ،وهي تعتقد أن الوباء انتهى، وسيكون الدخول المدرسي القادم في شهر شتنبر حضوريا عاديا، وهذا أول أخطاء وزارة بكامل مسؤوليها التي لم تعقد اجتماعات لتقييم فصل دراسي جرى داخله تعليم عن بعد قال عنه الوزير يوما بعد رفع الحجر الصحي أنه للإستئناس فقط.
واليوم تطرح أسئلة كثيرة على وزير التربية الوطنية الذي أنتج قرار غريبا ترك فيه الإختيار للمغاربة بين التعليم بتدريس أبنائهم عن بعد أو بالحضور في المؤسسات التعليمية، ماذا لو اختار كل المغاربة التعليم الحضوري؟ وماهي المعايير التي ستعتمدها المؤسسات التعليمية لتوجيه تلاميذ نحو الحضوري وتلاميذ نحو التعليم عن بعد؟ وهل المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة مهيئة لاستقبال التلاميذ حضوريا ؟ولنفترض أن مدرسة معينة اختار فيها مائة تلميذ التعليم الحضوري، وانتم تقولون أن كل اجراءات الوقاية سيتم اتخاذها ،كيف سيتم التعميق عند الأبواب لمائة تلميذ وكم سيستغرق وقت قياس حرارتهم ؟ ومن سيقوم بذلك ؟وكيف سيكون خروجهم الى الساحات في المدرسة او الإعدادية والثانوية ؟
وماذا عن العائلات التي سيختار ابناؤها التعليم عن بعد، خاصة الموظفين والمستخدمين ،هل سيتركون اطفالهم عزلا مع الدروس عن بعد في المنازل ؟ ففي فترة الحجر الصحي نزلت العطلة فجأة لما وصل سقف الصراع أوجه وأتعب التلاميذ أمهاتهم وأباءهم ،فكيف سيكون الوضع وأولياء الأمر في أماكن عملهم، خاصة أن الوزير والمسؤولين في القطاع أعدوا القرار بدون إشراك قطاعات وزارية اخرى لها علاقة بالوظيفة العمومية مثلا ؟
ويزداد الوضع تعقيدا مع تلاميذ العالم القروي الذين يبدو أنهم الغير مفكر فيهم تماما رغم أنهم يشكلون نسبة ازيد من 60 في المائة ،تلاميذ لايمكن إدخالهم ضمن التعليم عن بعد لكون أغلبيتهم بدون هواتف وحواسيب ،وحتى التلفزيون، فإنه لايلتقط القنوات التي تذيع البرامج الدراسية ،دون عرض حالة المدارس والأقسام في البوادي.
لذلك كله ،يبدو أن وزارة التربية الوطنية تغامر بملايين التلاميذ ،وسيدخل أساتذة ويوقعون المحضر ويجدون أنفسهم أمام النمط التقليدي القديم، فالكثير منهم ليس له فكرة عن التعليم عن بعد ،ولم يتلق تدريبات، لأن الوزارة نفسها لازالت تعتبر التعليم عن بعد هو تسجيل مجموعة دروس في الرباط ونقلها إلى دار البريهي لإيداعها في التلفزيون ،هكذا تفهم الوزارة التعليم عن بعد .
لقد كان من الممكن لوزارة امزازي أن تبدأ بعد رفع الحجر التفكير في دخول عام كورونا، والبحث عن مناهج جديدة وإصلاح أعطاب التعليم عن بعد، والخطير أن وزارة التربية الوطنية فتحت هذا الملف منذ سنة 2006 ،وكان يجب ان يصبح التعليم الرقمي جاهزا في 2010، ولكنها لازالت في سنة 2020 بدون مناهج بل لازالت بصدد إعداد مرسوم حول هذا النوع من التعليم .
وأمام هذا الغموض، فلا أحد يطالب الوزير بفتح تدقيق في وزارته عن أسباب تعثر التعليم الرقمي منذ 2006 ، وكيف أن صفقات التعليم الرقمي كثيرة في عمر الوزارة خلال السنوات الأخيرة مقابل منتوج ظل في مكانه ،ولكن المطلوب منه التفكير في خيارات أخرى غير الدخول المدرسي في 7 شتنبر ،فاستمرار تصاعد الجائحة يقتضي احترام تدابير الوقاية، وليس المغامرة بدخول مدرسي لن يتغير فيه أي شيء إذا تأجل شهر أو شهرين على انطلاقته .كما أنه مطلوب منه ضبط تعليم القطاع الخاص فلايوجد في القانون مايمنع الوزارة من أن تكون وسيطا بين العائلات ومؤسسات التعليم الخاص ،خاصة أن البلاد في حالة الطوارئ التي تعطي الحق للسلطات العمومية بالتواجد في كل القطاعات ،ويجب الإنتباه، فالأمر يتعلق بالتعليم في عام كورونا الذي يجب أن يأخذ فيه القرار وزير التعليم والصحة والداخلية مجتمعون ،وليس بلاغا سريعا في ليلة سبت بعد العطلة الوزارية ترك غموضا وتساؤلات وسط الآباء والتلاميذ والأساتذة .
* أستاذ العلوم السياسية، اكدال، الرباط
تعليقات الزوار ( 0 )